المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة الوطء في الفرج] - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - كتاب الحج - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَلْقُ الشَّعْرِ وَقَلْمُ الظُّفْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مقدار الفدية في الحلق أو التقليم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما آذى المحرم من الشعر في غير محله]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لبس المخيط]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تغطية الرأس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الطيب]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَتْلُ الصَيْدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَقْدُ النِّكَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاشَرَةُ لِشَهْوَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم الوطء في العمرة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النسك لَا يَفْسُدُ بِإِتْيَانِ شَيْءٍ حَالَ الْإِحْرَامِ إِلَّا الْجِمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المرأة كالرجل في محظورات الإحرام إلا في لبس المخيط وتخمير الرأس]

- ‌[بَابُ الْفِدْيَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الْفِدْيَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يجب بترك الواجب]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جزاء الصيد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جزاء الصيد بالطعام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هدي التمتع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فدية الجماع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الإحصار]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم تكرار المحظور]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما لا يمكن إزالته من المحظورات لا فرق بين سهوه وعمده]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أنواع الهدي]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب دخول مكة من أعلاها]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب دخول المسجد من باب بني شيبة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يستحب عند رؤية البيت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الطواف تحية المسجد الحرام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ معنى الاضطباع وحكمه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السنة أن يبدأ الطواف من الحجر الأسود]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الطائف يجعل البيت على يساره]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الأصل في مشروعية الرمل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يشرع استلام الركنين اليمانيين في كل طواف]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصلاة خلف المقام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَخْتِمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الخروج إلى الصفا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ جَازَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ في أحكام الطواف والسعي والإحلال إلا فيما يعرضها للتكشف]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الإحرام بالحج يَوْمُ التَّرْوِيَةِ والخروج إلى عرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة الصلاة والخطبة يوم عرفة وموضعه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة الوقوف بعرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أفضل أحوال الوقوف بعرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يستحب من الذكر والدعاء بعرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدفع إلى مزدلفة وصفته]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة الصلاة في مزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المبيت بمزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صلاة الفجر بمزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الوقوف عند المشعر الحرام بالمزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وقت الدفع من مزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رمي جمرة العقبة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نحر الهدي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الحلق أو التقصير]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التحلل الأول]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طواف الإفاضة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سعي المتمتع مع طواف الزيارة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التحلل الثاني]

- ‌[مَسْأَلَةٌ استحباب الشرب من ماء زمزم وصفته]

- ‌[بَابُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْحِلِّ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ المبيت في منى بلياليها]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وقت رمي الجمار في أيام التشريق وصفته]

- ‌[مَسْأَلَةٌ على القارن والمتمع دم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طواف الوداع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشتغل بعد طواف الوداع بتجارة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يشرع بعد طواف الوداع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم الخروج من غير وداع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء]

- ‌[بَابُ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ واجبات الحج]

- ‌[مسألة الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إِلَى اللَّيْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَبِيتُ بِمِنًى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرمي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَلْقُ والتقصير]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَوَافُ الْوَدَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ وَوَاجِبَاتُهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يترتب على ترك الركن أو الواجب أو المسنون]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أحكام الفوات]

الفصل: ‌[مسألة الوطء في الفرج]

وَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ: يَتَعَيَّنُ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ وُجُودِهِ بِخِلَافِ مَا يَجِبُ بِالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ، قَالَهُ الْقَاضِي - فِي خِلَافِهِ - وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ -: وَالْمُتَمَتِّعُ إِذَا طَافَ فَجَامَعَ قَبْلَ أَنْ يُقَصِّرَ، أَوْ يَحْلِقَ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ أَفْتَى بِهَذَا بِعَيْنِهِ: عَلَيْهِ دَمٌ، أَوْ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ بِالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ. وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا إِذَا كَانَ الدَّمُ شَاةً، فَإِنْ كَانَ بَدَنَةً قَضَى وَلَمْ يَفْسَدْ حَجُّهُ. فَهَلْ هُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ، أَوِ التَّخْيِيرِ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى التَّرْتِيبِ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

[مَسْأَلَةٌ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ]

مَسْأَلَةٌ: (التَّاسِعُ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ: أَفْسَدَ الْحَجَّ، وَوَجَبَ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ: فَفِيهِ شَاةٌ وَيُحْرِمُ مِنَ التَّنْعِيمِ لِيَطُوفَ مُحْرِمًا) هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ فُصُولٌ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجِمَاعَ حَرَامٌ فِي الْإِحْرَامِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197]

ص: 226

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ وَطْءَ النِّسَاءِ عَلَى الْحَاجِّ حَرَامٌ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ.

الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا وَطِئَ فِي الْإِحْرَامِ فَسَدَ حَجُّهُ وَالْإِحْرَامُ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ فَيُتِمَّهُ، وَيَكُونُ حُكْمُ هَذَا الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ حُكْمَ الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ: فِي تَحْرِيمِ الْمَحْظُورَاتِ، وَوُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، ثُمَّ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَهْدِيَ بَدَنَةً.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ وَالْهَدْيُ قَابِلًا. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا نَعْلَمُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ تُوجِبُ قَضَاءَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْحُكْمُ هَذَا، كَمَا ذَكَرَ غَيْرَهُ فِي الْمَنَاسِكِ، وَقَالَ - فِي الصِّيَامِ -: مَنْ دَخَلَ فِي حَجَّةِ تَطَوُّعٍ، أَوْ صَوْمِ تَطَوُّعٍ: لَزِمَهُ إِتْمَامُهَا، فَإِنْ أَفْسَدَهُمَا، أَوْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَصْحَابُنَا: يَعُدُّونَ هَذَا غَلَطًا، وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِي الْفَوَاتِ خَاصَّةً، وَفِي الْإِحْصَارِ أَيْضًا؛ لِمَا رَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: " أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ، أَوْ زَيْدُ بْنُ

ص: 227

جَامَعَ امْرَأَتَهُ - وَهُمَا مُحْرِمَانِ - فَسَأَلَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمَا:" أَتِمَّا حَجَّكُمَا، ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى مِنْ قَابِلٍ حَتَّى إِذَا كُنْتُمَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا، وَلَا يُؤَاكِلْ وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ أَتِمَّا مَنَاسِكَكُمَا، وَاهْدِيَا» " رَوَاهُ النَّجَّادُ. وَهَذَا الْمُرْسَلُ قَدْ شَهِدَ لَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَعَمَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَوَامُّ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ عَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: " سَأَلْنَا مُجَاهِدًا عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مُحْرِمٌ - قَالَ: كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ عُمَرُ: يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَجِّهِمَا - ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ حَلَالًا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجَّا وَأَهْدَيَا وَتَفَرَّقَا مِنْ حَيْثُ أَصَابَا فَلَمْ يَجْتَمِعَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا.

ص: 229

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَسِيدٍ عَنْ سِيلَاهْ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَهْلَكْتُ نَفْسِي فَأَفْتِنِي إِنِّي رَأَيْتُ امْرَأَتِي فَأَعْجَبَتْنِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ؟ فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُ ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ بِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ وَأَنَا مَعَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَفْسَدْتَ حَجَّكَ انْطَلِقْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ مَعَ النَّاسِ فَاقْضُوا مَا يَقْضُونَ وَحِلَّ إِذَا حَلُّوا فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ فَحُجَّ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَاهْدِيَا هَدْيًا، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدَا فَصُومَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعْتُمَا، فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ، قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَأَلَهُ وَأَنَا مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَرَجَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: أَفْتِنِي أَنْتَ، فَقَالَ: هَلْ عَسَى أَنْ أَقُولَ إِلَّا كَمَا قَالَ صَاحِبَايَ.

وَعَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ - مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ وَهُوَ يَقُولُ: يَا لَهْفَةً يَا وَيْلَةً، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَقِيلَ لَهُ: ائْتِ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَحْرَمْتُ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ الصِّفَاحَ

ص: 230

زَيَّنَ لِي الشَّيْطَانُ فَوَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي، فَقَالَ: أُفٍّ لَكَ لَا أَقُولُ لَكَ فِيهَا شَيْئًا، وَطَرَحَ بِيَدِهِ، فَقِيلَ لَهُ: ائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ - ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي زَمْزَمَ، فَسَلْهُ فَيُفَرِّجَ عَنْكَ، قَالَ: فَدَفَعَهُ النَّاسُ حَتَّى أَدْخَلُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَقَالَ: اقْضِيَا مَا عَلَيْكُمَا مِنْ نُسُكِكُمَا هَذَا، وَعَلَيْكُمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَإِذَا أَتَيْتُمَا عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي فَعَلْتُمَا فِيهِ مَا فَعَلْتُمَا فَتَفَرَّقَا وَلَا تَجْتَمِعَانِ حَتَّى تَقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَعَلَيْكُمَا الْهَدْيُ جَمِيعًا، قَالَ أَبُو بِشْرٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: صَدَقْتَ هَكَذَا كَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مُحْرِمٍ جَامَعَ قَالَ: يَمْضِيَانِ لِحَجِّهِمَا، وَيَنْحَرُ بَدَنَةً، ثُمَّ إِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَلَا يَمُرَّانِ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَا فِيهِ مَا أَصَابَا إِلَّا وَهُمَا مُحْرِمَانِ، وَيَتَفَرَّقَا إِذَا أَحْرَمَا. رَوَاهُنَّ سَعِيدٌ.

وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ: سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ، قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا.

ص: 231

وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْمُضِيُّ فِيهِ امْتِثَالًا لِمَا أَوْجَبَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ، وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ لِأَنَّهُمَا الْتَزَمَا حَجَّةً صَحِيحَةً، وَلَمْ يُوَفِّيَا مَا الْتَزَمَاهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الْإِتْيَانُ بِمَا الْتَزَمَاهُ أَوَّلًا، وَوَجَبَ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَوَجَبَ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: الْحَجُّ الْمُبْتَدَأُ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ قَدْ وَجَبَ فِعْلُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، فَصَارَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ، وَالْقَضَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ؛ وَلِأَنَّ

.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، أَوْ بَعْدَهُ إِذَا وَقَعَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ يُفْسِدُ الْحَجَّ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهَدْيُ بَدَنَةٍ لِمَا رَوَى النَّجَّادُ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ:" يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَجِّهِمَا - وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ وَقَعَ عَلَيْهِمَا، وَيَنْحَرُ بَدَنَةً عَنْهُ وَعَنْهَا " وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " يَفْتَرِقَانِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ إِلَّا وَهُمَا حَلَالَانِ وَيَنْحَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزُورًا وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ يُحْرِمَانِ بِمِثْلِ مَا كَانَا أَحْرَمَا بِهِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِذَا مَرَّا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ تَفَرَّقَا فَلَمْ يَجْتَمِعَا إِلَّا وَهُمَا حَلَالَانِ.

ص: 232

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ - قَالَ:" يَمْضِيَانِ لِوَجْهِهِمَا، ثُمَّ يَحُجَّانِ مِنْ قَابِلٍ، وَيُحْرِمَانِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا، وَيَتَفَرَّقَانِ وَيَهْدِيَانِ جَزُورًا " رَوَاهُنَّ النَّجَّادُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا.

فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْبَدَنَةَ جَمِيعًا. وَالْهَدْيُ الَّذِي فَسَّرُوهُ هُنَا يُبَيِّنُ الْهَدْيَ الْمُطْلَقَ الَّذِي جَاءَ فِي كَلَامِهِمْ، وَفِي الْمَرْفُوعِ الْمُرْسَلِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَدَنَةُ.

وَهَذَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ فِيهِ مَعْنَيَانِ أَنَّهُ مَحْظُورٌ فِي الْإِحْرَامِ وَهُوَ أَكْبَرُ الْمَحْظُورَاتِ، وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْإِحْرَامِ. فَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَحْظُورٌ: يُوجِبُ الْفِدْيَةَ وَهُوَ أَكْبَرُ مِمَّا يُوجِبُ شَاةً، فَأَوْجَبَ بَدَنَةً وَمِنْ حَيْثُ فَسَدَ الْإِحْرَامُ: وَجَبَ قَضَاؤُهُ، فَحَجَّةُ الْقَضَاءِ هِيَ الْحَجَّةُ الَّتِي الْتَزَمَهَا أَوَّلًا، وَهَذَا كَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ: يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ الْعُظْمَى وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ.

وَإِنَّمَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَمَا بَعْدَهُ: لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلُوا عَنِ الْمُحْرِمِ إِذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ: فَأَفْتَوْا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ وَلَا تَفْصِيلٍ وَذَلِكَ يُوجِبُ عُمُومَ الْحُكْمِ، وَفِي أَكْثَرِ مَسَائِلِهِمْ لَمْ يُبَيِّنِ السَّائِلُ أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ. وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ إِحْرَامٌ تَامٌّ فَفَسَدَ الْحَجُّ بِالْوَطْءِ فِيهِ كَمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُقُوفَ يُوجِبُ إِدْرَاكَ الْحَجِّ

ص: 233

وَيُؤْمَنُ مِنْ فَوَاتِهِ، وَإِدْرَاكُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا: لَا يَمْنَعُ وُرُودَ الْفَسَادِ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ: قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، أَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ، أَوِ الْجَمَاعَةَ مَعَ الْإِمَامِ: فَإِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ، وَمَعَ هَذَا فَلَوْ وَرَدَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ: لَفَسَدَتْ. قَالَ: .... ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا أَفْسَدَ الْعِبَادَةَ إِذَا وَرَدَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْهَا: أَفْسَدَهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى مُعْظَمُهَا، كَمَا لَوْ أَكَلَ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ قَبْلَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ رُكْنٌ إِلَّا الطَّوَافُ، وَالْوَطْءُ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ وَبَعْدَ التَّحَلُّلِ لَا يُفْسِدُ، فَإِذًا لَا يَبْطُلُ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ: لَمْ يَبْقَ إِلَّا وَاجِبَاتٌ مِنَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيِ الْجَمْرَةِ، وَهَذِهِ لَوْ تَرَكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ، فَأَنْ لَا يَبْطُلَ إِذَا أَفْسَدَهَا: أَوْلَى وَأَحْرَى.

قِيلَ الْعِبَادَةُ بِالْكُلِّيَّةِ أَخَفُّ مِنْ إِبْطَالِهَا، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَ صَوْمَ رَمَضَانَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ جَامَعَ فِيهِ مَعَ النِّيَّةِ: وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ تَرَكَ حَجَّ النَّافِلَةِ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ أَبْطَلَهُ: لَأَثِمَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ قَدْ يُكْرَهُ إِبْطَالُهَا، وَإِنْ لَمْ يُكْرَهْ تَرْكُهَا. وَالصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَهُ تَأْخِيرُهَا، وَلَيْسَ لَهُ إِبْطَالُهَا. فَإِذَا وَطِئَ: فَقَدْ رَاغَمَ الْعِبَادَةَ، وَتَعَدَّى الْحَدَّ، بِخِلَافِ التَّارِكِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ رَمْيَ الْجَمْرَةِ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهَا، أَوْ تَرَكَ الْحَلْقَ فَإِنَّ إِحْرَامَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ حَتَّى ..

الْفَصْلُ الرَّابِعُ.

إِذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ: لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ، لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مِنْ جَمِيعِ

ص: 234

الْمَحْظُورَاتِ إِلَّا النِّسَاءَ، أَوْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ مِنْهَا، وَقَدْ قَضَى تَفَثَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَمَا خَرَجَ مِنْهُ وَقَضَاهُ، لَا يُمْكِنُ إِبْطَالُهُ. نَعَمْ يَبْطُلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.

وَلِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ: لَيْسَ بِمُحْرِمٍ، إِذْ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا لَمَا جَازَ لَهُ قَتْلُ الصَّيْدِ، وَلَا لُبْسُ الثِّيَابِ، وَلَا الطِّيبُ، وَلَا حَلْقُ الشَّعْرِ، لَكِنَّ عَلَيْهِ بَقِيَّةً مِنَ الْإِحْرَامِ؛ هُوَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ وَمُجَرَّدُ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ لَا يُبْطِلُ مَا مَضَى قَبْلَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ.

وَمَعْنَى قَوْلِنَا: إِذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ: أَيْ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، سَوَاءٌ ذَبَحَ وَحَلَقَ، أَوْ لَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يَذْبَحْ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: التَّحَلُّلُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الرَّمْيِ، أَوْ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِ وَبِالْحَلْقِ. هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ قُدَمَاءُ الْأَصْحَابِ، وَمَنْ حَقَّقَ هَذَا مِنْهُمْ، مِثْلُ: الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ جَعَلُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ إِلَى الْحَلْقِ.

قَالَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ - فِي الَّذِي يَطَأُ وَلَمْ يَرْمِ الْجَمْرَةَ: أَفْسَدَ حَجَّهُ، وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ عَائِشَةَ فَيُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ مَكَانَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَعَلَيْهِ دَمٌ.

وَهَذَا لِأَنَّنَا إِنْ قُلْنَا: التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ فَلَا كَلَامَ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الرَّمْيُ وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ.

وَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ. وَالْوَطْءُ قَبْلَ الْحَلْقِ كَالرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ فِي

ص: 235

الْعُمْرَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ أَيْضًا، لِأَنَّهُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ هَذَا الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ.

وَإِذَا جَازَ الْخُرُوجُ بِفِعْلِ مَا يُنَافِيهِ لَمْ يَكُنِ الْإِحْرَامُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، فَقَالَ: الْإِحْرَامُ قَائِمٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ انْتَقَضَ إِحْرَامُهُ.

وَأَمَّا الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ - وَأَصْحَابُهُ: فَعِنْدَهُمْ إِذَا وَطِئَ قَبْلَ الْحَلْقِ وَقُلْنَا: هُوَ نُسُكٌ وَاجِبٌ فَسَدَ حَجُّهُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا يُضَاهِي قَوْلَهُمْ: تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ إِذَا وَطِئَ فِيهَا قَبْلَ الْحَلْقِ.

وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَوَطِئَ بَعْدَهُ.

وَإِنْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ، ثُمَّ وَطِئَ: لَمْ يَفْسُدْ نُسُكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ رُكْنٌ وَقَدْ تَحَلَّلَ، وَقَدْ طَافَ فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ فَقَطْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِحْرَامُ مِنَ التَّنْعِيمِ لِيَرْمِيَ فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ.

وَلَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ وَسَائِرَ أَفْعَالِ التَّحَلُّلِ عَنْ أَيَّامِ مِنًى: لَمْ يَتَحَلَّلْ، فَلَوْ وَطِئَ فَسَدَ حَجُّهُ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ فِيمَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إِلَى

ص: 236

الْغَدِ وَوَطِئَ النِّسَاءَ قَبْلَ الْغَدِ: فَسَدَ حَجُّهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِذَا كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الرَّمْيِ فَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ وَطِئَ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ الْوَطْءُ بِالرَّمْيِ.

قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يَقَعُ بِخُرُوجِ وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ذَاتُ أَفْعَالٍ، فَلَمْ يَقَعِ التَّحَلُّلُ مِنْهَا إِلَّا بِفِعْلِ التَّحَلُّلِ كَالصَّلَاةِ لَا يَقَعُ التَّحَلُّلُ مِنْهَا إِلَّا بِفِعْلِ التَّحَلُّلِ وَهُوَ السَّلَامُ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَيَقَعُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ بِخُرُوجِ وَقْتِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّحَلُّلَ، لَا يَقَعُ بِخُرُوجِ وَقْتِ التَّحَلُّلِ، فَإِذَا وَطِئَ قَبْلَ أَفْعَالِ التَّحَلُّلِ، وَهُوَ الرَّمْيُ وَالطَّوَافُ، وَالْحِلَاقُ: فَيَجِبُ أَنْ يَفْسُدَ حَجُّهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا.

وَهَذَا لِأَنَّ فَوَاتَ وَقْتِ الرَّمْيِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ التَّحَلُّلِ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْوَقْتِ، كَمَا أَنَّ فَوَاتَ وَقْتِ الْوُقُوفِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ التَّحَلُّلِ مِنَ الْحَجِّ بِمُضِيِّهِ، بَلْ يَتَحَلَّلُ بِغَيْرِ الرَّمْيِ مِنَ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ، كَمَا يَتَحَلَّلُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ.

(فَصْلٌ)

وَهَلْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ بَدَنَةٌ نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَوْطٌ هَلْ عَلَيْهِ دَمٌ؟ قَالَ: الدَّمُ قَلِيلٌ وَلَكِنْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَأَرْجُو أَنْ تُجْزِئَهُ، لِمَا رَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" إِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ الزِّيَارَةِ: فَعَلَيْهِ نَاقَةٌ يَنْحَرُهَا ".

وَعَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ " رَوَاهُمَا

ص: 237

سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَلَفْظُهُ:" كَانَ يَأْمُرُ مَنْ غَشِيَ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ بِبَدَنَةٍ ".

وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ: مِثْلُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ أَيْضًا - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ:" عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزُورٌ "، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي إِيجَابِ الْبَدَنَةِ.

وَعَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ -وَهُوَ بِمِنًى - قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً " رَوَاهُ مَالِكٌ.

وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، نَقَلَهَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إِذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ؛ فَقَدْ قَالَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي

ص: 238

الْحَارِثِ -: يَأْتِي مَسْجِدَ عَائِشَةَ فَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ مَكَانَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَابْنِ مَنْصُورٍ وَابْنِ الْحَكَمِ -: إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَنْتَقِضُ إِحْرَامُهُ يَتَعَمَّرُ مِنَ التَّنْعِيمِ وَيُهْرِيقُ دَمَ شَاةٍ وَيُجْزِئُهُ فَإِذَا خَرَجَ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَحْرَمَ، فَيَكُونُ إِحْرَامٌ مَكَانَ إِحْرَامٍ وَيُهْرِيقُ دَمًا. يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَأْتِي بِدَمٍ وَيَتَعَمَّرُ مِنَ التَّنْعِيمِ.

وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِيمَنْ وَطِئَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ -: فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَإِنْ رَمَى وَحَلَقَ وَذَبَحَ وَوَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ الْبَيْتَ: عَلَيْهِ دَمٌ وَيَتَعَمَّرُ مِنَ التَّنْعِيمِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَمْيَالٍ مَكَانَ أَرْبَعَةٍ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَعْتَمِرُ مِنَ التَّنْعِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّةَ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ، وَمِنَ التَّنْعِيمِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ.

وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ فِي مَنْ وَاقَعَ قَبْلَ الزِّيَارَةِ - يَعْتَمِرُ مِنَ التَّنْعِيمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

وَذَلِكَ لِمَا رَوَى قَتَادَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ: " أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً أَتَيَا ابْنَ عُمَرَ قَضَيَا الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَا خَلَا الطَّوَافَ فَغَشِيَهَا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَلَيْهِمَا الْحَجُّ عَامًا قَابِلًا، فَقَالَ: أَنَا إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ عُمَانَ، وَإِنَّ دَارَنَا نَائِيَةٌ، فَقَالَ:

ص: 239

وَإِنْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ عُمَانَ، وَكَانَتْ دَارُكُمَا نَائِيَةً حُجَّا عَامًا قَابِلًا، فَأَتَيَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَأْتِيَا التَّنْعِيمَ، فَيُهِلَّا مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ مَكَانَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَإِحْرَامٌ مَكَانَ إِحْرَامٍ، وَطَوَافٌ مَكَانَ طَوَافٍ " رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي الْمَنَاسِكِ عَنْهُ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ - قَالَ: لَا أَظُنُّهُ إِلَّا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - قَالَ: " الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ: يَتَعَمَّرُ وَيُهْدِي " وَرَوَاهُ النَّجَّادُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. فَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِيجَابُ حَجٍّ كَامِلٍ، وَالثَّانِي إِيجَابُ عُمْرَةٍ: لَمْ يَجُزِ الْخُرُوجُ عَنْهُمَا، وَالِاجْتِزَاءُ بِدُونِ ذَلِكَ. وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ قَالَ بِخِلَافِ هَذَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ جَمِيعَ الْحَجَّةِ، فَبَقِيَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَجِّ أَنْ يُفِيضَ مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّةَ، فَيَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَيَسْعَى مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ أَوَّلًا فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنَ النِّسَاءِ خَاصَّةً. فَإِذَا وَطِئَ فَقَدْ فَسَدَ هَذَا الْإِحْرَامُ فَإِنَّ مَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ الْكَامِلَ: يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ النَّاقِصَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اسْتِبْقَاءُ الْإِحْرَامِ مِنَ النِّسَاءِ إِلَى تَمَامِ الْإِفَاضَةِ: لَجَازَ الْوَطْءُ قَبْلَهَا، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. فَإِذَا فَسَدَ مَا بَقِيَ مِنَ الْإِحْرَامِ: فَلَوْ جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ لَجَازَ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ عَنِ الصَّحِيحِ، وَلَوْ وَقَعَتِ الْإِفَاضَةُ وَطَوَافُهَا فِي غَيْرِ إِحْرَامٍ صَحِيحٍ وَهَذَا غَيْرُ مُجْزِئٍ وَإِذَا وَجَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِإِحْرَامٍ صَحِيحٍ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي إِحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ

ص: 240

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ مَا يَفْعَلُ: فَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّ عَلَيْهِ عُمْرَةً يَخْرُجُ إِلَى التَّنْعِيمِ فَيُهِلُّ بِهَا عَلَى لَفْظِ الْمَنْقُولِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ.

وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَمْضِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَيُحْرِمُ لِيَطُوفَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَيَخْرُجَانِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَيُحْرِمَانِ بِعُمْرَةٍ لِيَطُوفَا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُمَا مُحْرِمَانِ، إِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ فَقَطْ لِيَطُوفَ فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَعْيٌ، وَلَا حَلْقٌ، لَكِنْ هَلْ يُلَبِّي وَكَيْفَ يُحْرِمُ؟.

وَقَالَ الْقَاضِي - فِي آخِرِ أَمْرِهِ -: يَمْضِي فِي بَقِيَّةِ الْحَجِّ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي أَفْسَدَهُ، فَيَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَيَسْعَى إِنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ يَقْضِي هَذَا بِإِحْرَامٍ صَحِيحٍ مِنَ الْحِلِّ يَطُوفُ فِيهِ وَيَسْعَى، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، أَوْ لَمْ يَسْعَ؛ قَالَ: لِأَنَّ أَحْمَدَ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ يَمْضِي فِي بَقِيَّةِ إِحْرَامِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُحْرِمُ لِيَفْعَلَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْضِي فِيمَا بَقِيَ.

وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ -: إِنَّهُ يَعْتَمِرُ مِنَ التَّنْعِيمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا لِاشْتِغَالِهِ بِبَقِيَّةِ أَفْعَالِ

ص: 241

الْحَجِّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ تَمَامَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَدْ نَصَّ - فِيمَنْ نَسِيَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ حَتَّى رَجَعَ بَلَدَهُ - يَدْخُلُ مُتَعَمِّرًا، فَيَطُوفُ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَطُوفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ.

وَوَجْهُ هَذَا: أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَالْإِفْسَادُ يُوجِبُ الْمُضِيَّ فِيمَا بَقِيَ مِنَ النُّسُكِ وَقَضَاءَهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ، وَوَجَبَ الْقَضَاءُ. لَكِنَّ الْإِحْرَامَ الْمُبْتَدَأَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَكُونُ قَضَاءً لِمَا أَفْسَدَهُ مِنْ بَقِيَّةِ النُّسُكِ، وَعَلَى هَذَا فَيُلَبِّي فِي إِحْرَامِهِ، وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ إِذَا قَضَاهُ لِأَنَّهَا عُمْرَةٌ تَامَّةٌ.

وَقَالَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ - وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ: إِنَّمَا عَلَيْهِ عُمْرَةٌ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ وَهُوَ الصَّوَابُ.

ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ: فَقَالَ الْقَاضِي - فِي مَوْضِعٍ - وَالشَّرِيفُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْرِمُ لِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ؛ وَهُوَ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَأْتِي فِي إِحْرَامِهِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: كَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحْرِمُ بِنَفْسِ الْعُمْرَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ إِحْرَامُهُ لِمُجَرَّدِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، بَلْ يُحْرِمُ بِنُسُكٍ كَامِلٍ، وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنَ الْحَجِّ دَاخِلًا فِي أَثْنَائِهِ، وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ. وَهَذَا أَجْوَدُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ تَامَّةٍ يَتَجَرَّدُ لَهَا، وَيُهِلُّ مِنَ

ص: 242

الْحِلِّ وَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ، أَوْ يَحْلِقُ وَيُعْتَقَدُ أَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ طَوَافَهَا هُوَ طَوَافُ الْحَجِّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ: صَرَّحَا بِأَنَّهُ يَتَعَمَّرُ وَيُهْدِي، وَفَسَّرَا ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مَكَانَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ.

نَعَمْ وَجَبَ عَلَيْهِ إِنْشَاءُ الْإِحْرَامِ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ، وَمِنْ لَوَازِمِ الْإِحْرَامِ الْمُبْتَدَأِ أَنْ يَتَجَنَّبَ فِيهِ جَمِيعَ الْمَحْظُورَاتِ، وَأَنْ يُهِلَّ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَتَحَلَّلَ مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ السَّعْيِ وَالْحَلْقِ. وَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَانَتْ وَاجِبَةً، فَإِنَّهَا وَجَبَتْ لِجَبْرِ مَا قَدْ فَسَدَ مِنْ إِحْرَامِهِ إِذْ لَا يُمْكِنُ الْجَبْرُ إِلَّا بِإِحْرَامٍ صَحِيحٍ، وَلَا يَكُونُ الْإِحْرَامُ الصَّحِيحُ إِلَّا هَكَذَا.

وَقَوْلُ أَحْمَدَ: يَعْتَمِرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُفِيضُ فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ يُشْرَعُ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ يَرْمِي الْجِمَارَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْجِمَارَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْحِلِّ كُلِّهِ، فَوُقُوعُهُ بَعْدَ فَسَادِ الْإِحْرَامِ: لَا يَضُرُّهُ، وَوُقُوعُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى: جَائِزٌ. نَعَمْ قَدْ يُكْرَهُ

، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيمَا بَقِيَ بِإِحْرَامِهِ الْفَاسِدِ وَقَضَاؤُهُ: لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْمَشْرُوعَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَهُنَا لَيْسَ الْقَضَاءُ مِثْلَ الْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ فِيهَا إِحْرَامٌ تَامٌّ، وَخُرُوجٌ إِلَى الْحِلِّ، وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ فَقَطْ وَهُوَ مُتَطَيِّبٌ لَابِسٌ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ مِنْ مِنًى، فَأَغْنَى إِيجَابُ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ عَنْ طَوَافِهِ فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ.

وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ إِحْرَامًا صَحِيحًا لِيَطُوفَ فِيهِ فَقَطْ: فَهَذَا خِلَافُ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ كُلَّ إِحْرَامٍ صَحِيحٍ مِنَ الْحِلِّ يَتَضَمَّنُ الْإِهْلَالَ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِحْلَالٍ، وَالْمُحْرِمُ: لَا يَحِلُّ إِلَّا بِالْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ بَعْدَ طَوَافٍ وَسَعْيٍ، فَكَيْفَ يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ السَّعْيِ، اللَّهُمَّ إِلَّا عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّ السَّعْيَ وَالْحِلَاقَ شَيْئَانِ غَيْرُ وَاجِبَيْنِ، فَهُنَا يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ

ص: 243