المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة الفدية على ضربين] - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - كتاب الحج - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَلْقُ الشَّعْرِ وَقَلْمُ الظُّفْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مقدار الفدية في الحلق أو التقليم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما آذى المحرم من الشعر في غير محله]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لبس المخيط]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تغطية الرأس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الطيب]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَتْلُ الصَيْدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَقْدُ النِّكَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاشَرَةُ لِشَهْوَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم الوطء في العمرة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النسك لَا يَفْسُدُ بِإِتْيَانِ شَيْءٍ حَالَ الْإِحْرَامِ إِلَّا الْجِمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المرأة كالرجل في محظورات الإحرام إلا في لبس المخيط وتخمير الرأس]

- ‌[بَابُ الْفِدْيَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الْفِدْيَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يجب بترك الواجب]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جزاء الصيد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جزاء الصيد بالطعام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هدي التمتع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فدية الجماع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الإحصار]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم تكرار المحظور]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما لا يمكن إزالته من المحظورات لا فرق بين سهوه وعمده]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أنواع الهدي]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب دخول مكة من أعلاها]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب دخول المسجد من باب بني شيبة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يستحب عند رؤية البيت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الطواف تحية المسجد الحرام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ معنى الاضطباع وحكمه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السنة أن يبدأ الطواف من الحجر الأسود]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الطائف يجعل البيت على يساره]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الأصل في مشروعية الرمل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يشرع استلام الركنين اليمانيين في كل طواف]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصلاة خلف المقام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَخْتِمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الخروج إلى الصفا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ جَازَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ في أحكام الطواف والسعي والإحلال إلا فيما يعرضها للتكشف]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الإحرام بالحج يَوْمُ التَّرْوِيَةِ والخروج إلى عرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة الصلاة والخطبة يوم عرفة وموضعه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة الوقوف بعرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أفضل أحوال الوقوف بعرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يستحب من الذكر والدعاء بعرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدفع إلى مزدلفة وصفته]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة الصلاة في مزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المبيت بمزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صلاة الفجر بمزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الوقوف عند المشعر الحرام بالمزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وقت الدفع من مزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رمي جمرة العقبة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نحر الهدي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الحلق أو التقصير]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التحلل الأول]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طواف الإفاضة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سعي المتمتع مع طواف الزيارة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التحلل الثاني]

- ‌[مَسْأَلَةٌ استحباب الشرب من ماء زمزم وصفته]

- ‌[بَابُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْحِلِّ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ المبيت في منى بلياليها]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وقت رمي الجمار في أيام التشريق وصفته]

- ‌[مَسْأَلَةٌ على القارن والمتمع دم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طواف الوداع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشتغل بعد طواف الوداع بتجارة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يشرع بعد طواف الوداع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم الخروج من غير وداع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء]

- ‌[بَابُ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ واجبات الحج]

- ‌[مسألة الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إِلَى اللَّيْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَبِيتُ بِمِنًى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرمي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَلْقُ والتقصير]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَوَافُ الْوَدَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ وَوَاجِبَاتُهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يترتب على ترك الركن أو الواجب أو المسنون]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أحكام الفوات]

الفصل: ‌مسألة الفدية على ضربين]

[بَابُ الْفِدْيَةِ] [

‌مَسْأَلَةٌ الْفِدْيَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

مَسْأَلَةٌ: (وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: عَلَى التَّخْيِيرِ وَهِيَ فِدْيَةُ الْأَذَى، وَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إِطْعَامِ ثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ، لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ).

الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْفِدْيَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] فَأَبَاحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْحَلْقَ لِلْمَرِيضِ، وَلِمَنْ فِي رَأْسِهِ قَمْلٌ يُؤْذِيهِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَفَسَّرَ مِقْدَارَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ لَهُ: " «فَاحْلِقْ وَاذْبَحْ شَاةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ» .

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا. وَتَقْدِيرُهُ صلى الله عليه وسلم لِمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ: مِثْلُ تَقْدِيرِهِ لِأَعْدَادِ الصَّلَاةِ وَلِلرَّكَعَاتِ وَالْأَوْقَاتِ وَفَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ وَنُصُبِهَا، وَأَعْدَادِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِذْ كَانَ هُوَ الْمُبِيِّنَ عَنِ اللَّهِ مَعَانِيَ كِتَابِهِ صلى الله عليه وسلم.

وَأَمَّا مَنْ حَلَقَ شَعْرَ بَدَنِهِ، أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ، أَوْ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ: فَمُلْحَقٌ بِهَذَا الْمَحْظُورِ فِي مِقْدَارِ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْإِحْرَامِ

ص: 274

(فَصْلٌ)

إِنْ فَعَلَ الْمَحْظُورَ لِعُذْرٍ فَفِدْيَتُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ فِدْيَتَهُ عَلَى التَّخْيِيرِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَسَبَبُهَا مُبَاحٌ وَجَبَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ جَبْرٌ لِمَا نَقَصَ مِنَ الْإِحْرَامِ بِفِعْلِ الْمُحْرِمِ، وَالنَّقْصُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، أَوْ مَحْظُورٍ، إِلَّا أَنَّ فِي أَحَدِهِمَا: جَائِزًا، وَالْآخَرِ حَرَامًا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ جَابِرًا لِنَقْصِ الْإِحْرَامِ لَمَا اكْتُفِيَ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ تَجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ سَوَاءٌ كَانَ الْحِنْثُ جَائِزًا، أَوْ حَرَامًا.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ كَوْنَ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ جَائِزًا لَا يُوجِبُ التَّخْيِيرَ بِدَلِيلِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ هُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ جَائِزًا، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّخْيِيرِ: عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِجَوَازِ السَّبَبِ، بَلْ لِأَنَّهَا جَابِرَةٌ لِنَقْصِ الْإِحْرَامِ.

وَأَمَّا الْآيَةُ: فَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا إِلَّا الْمَعْذُورُ: لِأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ جَوَازَ الْحَلْقِ، وَوُجُوبَ الْفِدْيَةِ - لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى قَبْلَ ذَلِكَ عَنِ الْحَلْقِ - وَهَذَا الْحُكْمَانِ يَخْتَصَّانِ الْمَعْذُورَ خَاصَّةً.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَلَا يَتَخَيَّرُ؛ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخِصَالِ

ص: 275

الثَّلَاثَةِ. فَإِنْ عَدِمَ الدَّمَ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ انْتَقَلَ إِلَى الصِّيَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ، فِي الْمُحْرِمِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَذًى لَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَحْلِقُ مِنْ أَذًى؛ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ مِنْ أَذًى فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْفِدْيَةِ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ؛ مِثْلِ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ: وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي تَعْلِيقِهِمْ خِلَافًا.

قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ. وَإِنْ تَنَوَّرَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ عَلَى التَّخْيِيرِ.

فَفَرْقٌ بَيْنَ حَلْقِ الرَّأْسِ وَالتَّنَوُّرِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ نُسُكٌ عِنْدَ التَّحَلُّلِ، فَإِذَا فَعَلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَحْظُورًا وَفَوَّتَ نُسُكًا فِي وَقْتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. بِخِلَافِ شَعْرِ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي حَلْقِهِ تَرْكُ نُسُكٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا ذَكَرَ التَّخْيِيرَ فِي الْمَرِيضِ وَمَنْ بِهِ أَذًى، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ حَرْفُ شَرْطٍ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ عُدِمَ عِنْدَ عَدَمِهِ حَتَّى عِنْدَ أَكْثَرِ نُفَاةِ الْمَفْهُومِ.

وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ هُنَا: وُجُوبُ فِدْيَةٍ عَلَى التَّخْيِيرِ إِذَا حَلَقَ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ

ص: 276

الْفِدْيَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَالِ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ: لَزِمَ إِبْطَالُ فَائِدَةِ الشَّرْطِ وَالتَّخْصِيصِ.

وَقَوْلُهُمُ: التَّخْصِيصُ لِجَوَازِ الْحَلْقِ وَإِبَاحَتِهِ: يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْجَوَازَ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ، وَإِنَّمَا الْجَوَازُ يُسْتَفَادُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ، وَلَوْ كَانَ الْجَوَازُ مَذْكُورًا أَيْضًا: فَالشَّرْطُ: شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْحَلْقِ وَفِي الْفِدْيَةِ الْمَذْكُورَةِ.

الثَّانِي: الْمَرِيضُ وَمَنْ بِهِ أَذًى مَعْذُورٌ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ. وَالْمَعْذُورُ يُنَاسِبُ حَالُهُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ وَالتَّرْخِيصَ لَهُ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ التَّوْسِعَةُ لَهُ فِي التَّخْيِيرِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا عُلِّقَ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ: كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ عِلَّةً لَهُ. وَإِذَا كَانَ عِلَّةُ التَّوْسِعَةِ هُوَ الْعُذْرَ: لَمْ يَجُزْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِدُونِ عِلَّتِهِ. يُوَضِّحُ هَذَا: أَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ مِنْ خِصَالِ الْفِدْيَةِ؛ قَالَ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ إِذْ وَقَعَ الِابْتِدَاءُ بِأَدْنَى الْخِصَالِ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ بَعِيدٌ مِنْ هَذَا، وَلِهَذَا بَدَأَ فِي آيَةِ الْجَزَاءِ بِأَشَدِّ الْخِصَالِ وَهُوَ الْمِثْلُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُعْتَمَدَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ سَمَّاهَا فِدْيَةً، وَالْفِدْيَةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْجَائِزَاتِ كَفِدْيَةِ الصِّيَامِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّائِمَ وَالْمُحْرِمَ مَمْنُوعَانِ مِمَّا حَرُمَ عَلَيْهِمَا مَحْبُوسَانِ عَنْهُ كَالرَّقِيقِ وَالْأَسِيرِ الْمَمْنُوعِ مِنَ التَّصَرُّفِ، فَجَوَّزَ اللَّهُ لَهُمَا أَنْ يَفْتَدِيَا أَنْفُسَهُمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا يَفْتَدِي الْأَسِيرُ وَالرَّقِيقُ أَنْفُسَهُمَا، وَكَمَا تَفْتَدِي الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَلْقِ: لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ وَلَا يَفُكَّ رَقَبَتَهُ مِنَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةً.

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا ذَكَرَ التَّخْيِيرَ تَقْسِيمًا لِلْفِدْيَةِ وَتَوْسِيعًا فِي الِافْتِدَاءِ: فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْفِدْيَةِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفِدْيَةِ وَبَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ

ص: 277

وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ التَّخْيِيرَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مَعَ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا، فَكَانَ التَّخْيِيرُ فِي حَقِّ الْمُخْطِئِ أَوْلَى، وَذَكَرَ التَّرْتِيبَ وَالتَّخْيِيرَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا.

وَأَيْضًا: فَإِنَّهَا كَفَّارَةٌ وَجَبَتْ لِفِعْلِ مَحْظُورٍ فَتَعَيَّنَ فِيهَا الدَّمُ كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ وَتَوَابِعِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِلْحَاقَ الْمَحْظُورِ بِالْمَحْظُورِ: أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الدَّمَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ عَيْنًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى التَّمَتُّعِ بِحِلِّهِ - مَعَ جَوَازِ التَّمَتُّعِ بِهِ، فَلَأَنْ يَجِبَ عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مَعَ تَحْرِيمِ اللَّهِ أَوْلَى، وَعَكْسُهُ الْمَعْذُورُ، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَجَبَتْ لِجِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ: فَوَجَبَ الدَّمُ عَيْنًا كَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، وَعَكْسُهُ جَزَاءُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ بَدَلٌ لِمُتْلَفٍ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ مُبْدَلِهِ، وَأَبْدَالُ الْمُتْلَفَاتِ لَا يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ مُتْلَفٍ وَمُتْلَفٍ بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ الَّتِي لِخَلَلٍ فِي الْعِبَادَةِ كَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ، وَالْإِحْرَامِ، وَتَرْكِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ. فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْظُورَ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ، أَوْ مُخْطِئًا، وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ فَهُوَ كَمَنْ فَعَلَ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الشَّرْعُ فِي إِتْيَانِهِ، وَخَطَؤُهُ: يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنَ الْإِثْمِ، أَمَّا مُخَفِّفًا لِلْكَفَّارَةِ فَلَا. وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَعْذُورِ، فَإِنَّ الْحَلْقَ صَارَ فِي حَقِّهِ مُبَاحًا جَائِزًا، وَلَمْ يَصِرْ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّ جِنْسَهُ مَحْظُورٌ؛ كَالْأَكْلِ فِي رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ. وَلِهَذَا نُوجِبُ عَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا: الْكَفَّارَةَ، وَلَا نُوجِبُهَا عَلَى مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ.

(فَصْلٌ)

إِذَا أَرَادَ الْحَلْقَ، أَوِ اللُّبْسَ، أَوْ الطِّيبَ لِعُذْرٍ: جَازَ لَهُ إِخْرَاجُ الْفِدْيَةِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الْمُبِيحِ وَقَبْلَ فِعْلِ الْمَحْظُورِ، كَمَا يَجُوزُ تَحْلِيلُ الْيَمِينِ بَعْدَ عَقْدِهَا وَقَبْلَ الْحِنْثِ سَوَاءٌ كَانَتْ صِيَامًا، أَوْ صَدَقَةً، أَوْ نُسُكًا

(فَصْلٌ)

يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْفِدْيَةِ حَيْثُ وَجَبَتْ مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، وَكَذَا حَيْثُ جَازَتْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَمَّى الدَّمَ الْوَاجِبَ هُنَا نُسُكًا وَالنُّسُكُ لَا يَخْتَصُّ بِمَوْضِعٍ فَإِنَّ

ص: 278

الضَّحَايَا لَمَّا سُمِّيَتْ نَسَائِكَ جَازَ أَنْ تُذْبَحَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً، أَوْ مُسْتَحَبَّةً كَمَا قَالَ:{إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بُرْدَةَ: " هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ " بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ سَمَّاهُ هَدْيًا، وَالْهَدْيُ: مَا أُهْدِيَ إِلَى الْكَعْبَةِ.

وَأَمَّا هَدْيُ الْمُحْصَرِ

.

ص: 279