الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ وقت رمي الجمار في أيام التشريق وصفته]
مَسْأَلَةٌ: (فَيَرْمِي بِهَا الْجِمَارَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ أَيَّامِهَا، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى، فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيَرْمِيهَا بِسَبْعٍ كَمَا يَرْمِي جَمْرَةً، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَقِفُ يَدْعُو اللَّهَ عز وجل، ثُمَّ يَأْتِي الْوُسْطَى فَيَرْمِيهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ).
فِي هَذَا الْكَلَامِ فُصُولٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَاجَّ يَرْمِي الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ أَيَّامَ مِنًى الثَّلَاثَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي تَنَاقَلَتْهُ الْأُمَّةُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ عَنْ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم. . .، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَعِنْدَ الثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجِمَارَ حِينَ زَالَتِ
الشَّمْسُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدُ: فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ وَبَرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ: مَتَى أَرْمِي الْجَمْرَةَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهِ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
أَنَّهُ يَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الِاسْتِجْمَارُ تَوٌّ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَوٌّ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَوٌّ، وَالطَّوَافُ تَوٌّ، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ» يَعْنِي: الْوِتْرَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبَرْقَانِيُّ، وَزَادَ
عَنِ «التَّخَلِّي وَالْكُحْلِ تَوٌّ، يَعْنِي: ثَلَاثًا ثَلَاثًا» يُقَالُ: هُوَ الْوَتْرُ، يُقَالُ:" سَافَرَ سَفَرًا تَوًّا " إِذَا لَمْ يُعَرِّجْ فِي طَرِيقِهِ عَلَى مَكَانٍ، وَالتَّوُّ: الْجَبَلُ الْمَفْتُولُ طَاقًا وَاحِدًا.
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَقْرَبُهُنَّ إِلَى مَسْجِدِ الْخِيفِ، وَهِيَ الْجَمْرَةُ الصُّغْرَى، وَالْجَمْرَةُ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا أَدْنَاهُنَّ إِلَى الْمَشَاعِرِ وَمَنَازِلُ أَكْثَرِ النَّاسِ، ثُمَّ بِالْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْوُسْطَى، ثُمَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى، وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ.
(الْفَصْلُ الرَّابِعُ)
أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ عِنْدَ رَمْيِ الْأُولَيَيْنِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الَّذِينَ قَالُوا: يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالَّذِينَ قَالُوا: يَسْتَقْبِلُهَا - وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، قَالُوا: وَيَجْعَلُ الْجَمْرَةَ الْأُولَى عَنْ يُسْرَتِهِ، وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ عَنْ يَمِينِهِ ; لِأَنَّ الرَّمْيَ مِنَ الطَّرِيقِ، وَمَتَى رَمَى مِنَ الطَّرِيقِ كَانَتِ الْأُولَى عَنْ يُسْرَتِهِ وَالْأُخْرَتَانِ عَنْ يَمِينِهِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَمَى الْوُسْطَى أَخَذَ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْهُلُ ".
(الْفَصْلُ الْخَامِسُ)
أَنَّهُ إِذَا رَمَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ تَقَدَّمَ قَلِيلًا إِلَى نَاحِيَةِ الْكَعْبَةِ حَيْثُ لَا يُصِيبُهُ الْحَصَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَوَقَفَ يَدْعُو اللَّهَ سُبْحَانَهُ ; لِمَا رُوِيَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
أَسْهَلَ: إِذَا صَارَ إِلَى الْأَرْضِ السَّهْلِ الْمُنْخَفِضَةِ عَمَّا فَوْقَهَا، كَمَا يُقَالُ: أَنْجَدَ وَأَتْهَمَ وَأَعْرَقَ وَأَشْاَمَ.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا، فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو،
ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ قِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَضَرُّعِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَنَّهُ كَانَ يُطِيلُ الْقِيَامَ بَيْنَ الْجَمْرَتَيْنِ.
وَأَمَّا مِقْدَارُ هَذَا الْقِيَامِ فَقَالَ حَرْبٌ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: كَمْ يَقُومُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْجَمْرَتَيْنِ؟ قَالَ: يَقُومُ وَيَدْعُو وَيَبْتَهِلُ، وَلَمْ يُؤَقِّتْ وَقْتًا.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ وَزَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْتَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، تُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَتَقُولُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، ثُمَّ امْشِ قَلِيلًا حَتَّى تَأْتِيَ مَوْضِعًا يُقَامُ عَنْ يَسَارِ الْجَمْرَةِ الَّتِي رَمَيْتَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَتَدْعُو بِدُعَائِكَ بِعَرَفَةَ وَتَزِيدُ: وَأَتْمِمْ لَنَا مَنَاسِكَنَا، ثُمَّ تَأْتِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، ثُمَّ تَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَا تَقِفُ عِنْدَهَا، وَكُلَّ مَا دَعَوْتَ بِهِ أَجْزَأَكَ.
وَيُسْتَحَبُّ طُولُ الْقِيَامِ عِنْدَ الْجِمَارِ فِي الدُّعَاءِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ.
فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى الْجِمَارِ وَيَرْمِيَهَا وَاقِفًا، وَيَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ ; لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ
النَّحْرِ مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، وَسَائِرُ ذَلِكَ مَاشِيًا، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ".
فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فَلَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ، قَالَ حَرْبٌ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَالرُّكُوبُ إِلَى الْجِمَارِ؟ قَالَ: لِلنِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّمْيِ يَوْمَ النَّفْرِ وَقَبْلَهُ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَفْضَلِ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَ الْجِمَارَ كُلَّهَا مَاشِيًا ; لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَمَى الْجِمَارَ مَشَى إِلَيْهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا» هَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ وَثَالِثَ أَيَّامِ مِنًى رَاكِبًا، وَالْيَوْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ رَاجِلًا ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، وَلِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَجِيءُ رَاكِبًا مِنْ مُزْدَلِفَةَ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ مِنًى بِالرَّمْيِ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَيَوْمَ النَّفْرِ يَخْرُجُ مِنْ مِنًى، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَدِّعَهَا بِالرَّمْيِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا وَهُوَ
رَاكِبٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى رُكُوبٍ بَعْدَ ذَلِكَ. . . الْحَصْبَةُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَهَذَا بَيَانٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَائِشَةَ صَارَتْ قَارِنَةً بِإِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَأَنَّ طَوَافَهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ أَجْزَأَهَا عَنِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا؛ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافًا وَاحِدًا» .
وَعَنْ لَيْثٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: " لَمْ يَطُفْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجِّهِمْ».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: " طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ» .
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ طَافُوا لِحَجِّهِمْ وَعُمْرَتِهِمْ طَوَافًا وَاحِدًا» رَوَاهُنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا التَّمَتُّعُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَوَافٍ لِلْعُمْرَةِ وَسَعْيٍ لَهَا، وَهَلْ عَلَيْهِ سَعْيٌ آخَرُ لِلْحَجِّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ سَعْيَانِ كَمَا عَلَيْهِ طَوَافَانِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: الْقَارِنُ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، وَالْمُتَمَتِّعُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ - وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْقَارِنِ كَمْ يَطُوفُ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - فَقَالَ: يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ إِذَا دَخَلَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنْ دَخَلَ مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ فَأَرَى أَنْ يَسْعَى سَعْيًا لِلْعُمْرَةِ وَسَعْيًا لِلْحَجِّ. هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَكْفِيهِ سَعْيٌ وَاحِدٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لِأَبِي: الْمُتَمَتِّعُ كَمْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: إِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ فَهُوَ أَجْوَدُ، وَإِنْ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ فَهُوَ أَعْجَبُ إِلَيَّ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ:«لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا؛ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ» .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ شَاءَ الْقَارِنُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، وَإِنْ شَاءَ الْمُتَمَتِّعُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِلَا شَكٍّ ; لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْأَحَادِيثِ، فِيهَا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا طَافُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ، وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُتَمَتِّعًا. فَهَذَا لَازِمٌ لَهُ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ لَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ لَمَّا طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَمْ يَسْعَ بَعْدَهُ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى.