الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ فدية الجماع]
مَسْأَلَةٌ: (وَفِدْيَةُ الْجِمَاعِ بَدَنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ كَصِيَامِ التَّمَتُّعِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَدَمُ الْفَوَاتِ)
[مَسْأَلَةٌ الإحصار]
مَسْأَلَةٌ: (وَالْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ دَمٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ).
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِذَا صَدَّهُ عَدُوٌّ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ يَذْهَبُ فِيهِ، أَوْ صُدَّ عَنْ دُخُولِ الْحَرَمِ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ وَيَرْجِعُ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالتَّحَلُّلُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنِيَّةِ الْإِحْلَالِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْإِحْرَامِ. فَلَوْ حَلَقَ، أَوْ ذَبَحَ، أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ غَيْرَ نَاوٍ لِلتَّحَلُّلِ: لَمْ يَصِرْ حَلَالًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ إِتْمَامِ النُّسُكِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَمَّ نُسُكُهُ صَارَ حَلَالًا بِالشَّرْعِ حَتَّى لَوْ نَوَى دَوَامَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ، كَالصِّيَامِ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ وَالْمُصَلِّي إِذَا سَلَّمَ.
وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِتْمَامِ وَالْإِحْلَالِ كَالْمَرِيضِ الصَّائِمِ وَالْمُصَلِّي الَّذِي يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الصَّلَاةِ. لَا يَخْرُجُ مِنَ الْعِبَادَةِ إِلَّا بِمَا يُنَافِيهَا مِنَ النِّيَّةِ وَنَحْوِهَا، لَكِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَفْسُدُ إِحْرَامُهُ إِلَّا بِالْوَطْءِ وَلَا بُدَّ مِنْ .. . .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إِنْ أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] فَأَمَرَ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَجَعَلَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ قَائِمًا مَقَامَ الْإِتْمَامِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْهَدْيِ مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّ التَّقْدِيرَ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، أَوْ فَفَرْضُكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، تُرِكَ ذِكْرُ الْمَحْذُوفِ لِدَلَالَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، وَكَمَا قَالَ:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].
الثَّانِي: أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ وَجَعَلَ الْهَدْيَ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ قَائِمًا مَقَامَ الْإِتْمَامِ. وَالْإِتْمَامُ وَاجِبٌ فَمَا قَامَ مَقَامَهُ يَكُونُ وَاجِبًا؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَنْحَرَ
الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ تَمَامِ النُّسُكِ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يُتِمَّ النُّسُكَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] كَقَوْلِهِ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْصَارَ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوُصُولُ إِلَى الْبَيْتِ، وَهَذَا يُوجِبُ الْهَدْيَ لَا مَحَالَةَ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَالَ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَهَذَا عَامٌّ .. . فَإِنْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ قَبْلَ النَّحْرِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. حَتَّى لَوْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ وَفَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إِحْرَامِهِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: فَإِنْ تَحَلَّلَ قَبْلَ الْهَدْيِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَجْلِ إِحْلَالِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَإِنْ نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ الْهَدْيِ وَالصِّيَامِ وَرَفَضَ الْإِحْرَامَ: لَزِمَهُ دَمٌ وَهُوَ عَلَى إِحْرَامِهِ. وَمَعْنَاهُ: إِذَا كَانَ الرَّفْضُ بِالْحَلْقِ وَنَحْوِهِ. فَأَمَّا إِنْ تَعَدَّدَتِ الْمَحْظُورَاتُ .. . .
وَإِذَا نَحَرَ الْهَدْيَ: صَارَ حَلَالًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مَعَ نِيَّةِ الْإِحْلَالِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهَا الْقَاضِي. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحِلَاقَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُتِمِّ. فَعَلَى الْمُحْصَرِ أَوْلَى، وَيَنْبَنِي أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ .. . .
قَالَ الْقَاضِي: فَعَلَى هَذَا يَحِلُّ مِنْ إِحْرَامِهِ بِأَدْنَى مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ طِيبٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَشْبَهُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ بَلْ بِنَفْسِ الذَّبْحِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ الْحِلَاقَ وَاجِبٌ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ حَلَقُوا رُءُوسَهُمْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ.
فَصْلٌ
وَيَنْحَرُ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعِ حَصْرِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ حِلٍّ، أَوْ حَرَمٍ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ - فِي مَوَاضِعَ - وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِالْهَدْيِ حَتَّى يُنْحَرَ بِمَكَّةَ فِي الْمَوْضِعِ بَعَثَ بِهِ، وَإِلَّا حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُنْحَرُ هَدْيُ الْإِحْصَارِ إِلَّا بِالْحَرَمِ.
لِقَوْلِهِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]، وَقَوْلِهِ:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، ثُمَّ قَالَ:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَالْهَدْيُ الْمُطْلَقُ: إِنَّمَا هُوَ مَا أُهْدِيَ إِلَى الْحَرَمِ بِخِلَافِ النُّسُكِ، ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وَهَدْيُ الْمُحْصَرِ دَاخِلٌ فِي هَذَا، لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَمَحِلُّ الْهَدْيِ: الْحَرَمُ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33].
وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحِلُّهُ مَوْضِعَ الْحَصْرِ لَكَانَ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا نَحَرَ بِالْحَرَمِ، وَأَنَّ طَرَفَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الْحَرَمِ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لَمَّا صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْعُمْرَةِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ: نَحَرُوا وَحَلَقُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَهِيَ مِنَ الْحِلِّ.
وَلِأَنَّ الْحِلَّ: مَوْضِعٌ لِلتَّحَلُّلِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ، فَيَكُونُ مَوْضِعًا لِلنَّحْرِ كَالْحَرَمِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَحِلَّ شَعَائِرِ اللَّهِ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْهَدْيِ، فَمَتَى طَافَ الْمُحْرِمُ بِالْبَيْتِ: فَقَدْ شَرَعَ فِي التَّحَلُّلِ، وَمَتَى وَصَلَتِ الْهَدَايَا إِلَى الْحَرَمِ: فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا. وَهَذَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ.
فَأَمَّا فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ: فَقَدْ جَوَّزَ اللَّهُ لِلْمُحْصَرِ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ بِالْحِلِّ، وَصَارَ مَحِلًّا لَهُ فَكَذَلِكَ يَصِيرُ مَحِلًّا لِهَدْيِهِ، وَلَا يُقَالُ: الْهَدْيُ قَدْ يُمْكِنُ إِرْسَالُهَا .. . .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَإِنَّ مَحِلَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ؛ وَهَذَا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ هُوَ الْحَرَمُ، كَمَا قَالَ:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25]. فَأَمَّا حَالُ الِاضْطِرَارِ فَإِنَّهُ قَدْ حَلَّ ذَبْحُهُ لِلْمُحْصَرِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ.
وَأَمَّا وَقْتُ الذَّبْحِ وَالْإِحْلَالِ: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَذْبَحُهُ وَقْتَ الْإِحْصَارِ وَيَحِلُّ عَقِيبَهُ، نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَهَذِهِ
اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَذْبَحُ وَيَحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ - فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ: أَقَامَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْحَجَّ قَدْ فَاتَهُ، فَإِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ نَحَرَ الْهَدْيَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَإِنْ كَانَ إِحْصَارُهُ بِمَرَضٍ لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ - فِي مُحْرِمٍ أُحْصِرَ بِحَجٍّ وَمَعَهُ هَدْيٌ قَدْ سَاقَهُ: لَا يَنْحَرُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ يَئِسَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ: وَإِنْ يَئِسَ كَيْفَ يَنْحَرُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يَحِلَّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ.
وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وَالْمَحِلُّ: اسْمٌ لِلْمَكَانِ، وَلِلْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ ذَبْحُهُ. وَلِهَذَا الْقَوْلِ مَأْخَذَانِ ذَكَرَهُمَا أَحْمَدُ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ لَا يَحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ صُدَّ عَنِ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ: فَهُوَ لَمْ يُصَدَّ عَنِ الْإِحْرَامِ: فَيَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا أَمْكَنَهُ، وَهُوَ بَقَاؤُهُ مُحْرِمًا إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَحِينَئِذٍ يَتَيَقَّنُ فَوْتَ الْحَجِّ، فَيَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ كَمَا يَتَحَلَّلُ الْمُفَوِّتُ الْمُهِلُّ بِعُمْرَةٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْهَدْيَ الْمَسُوقَ لَا يَجُوزُ نَحْرُهُ إِلَّا فِي الْحَرَمِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِذَا لَمْ
يُمْكِنُ إِيصَالُهُ إِلَى الْحَرَمِ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنَّهُ وَقْتُ ذَبْحِهِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمَسُوقِ، فَإِنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّحَلُّلَ كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، فَيَجِبُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَبْحَهُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَهَذَا مُطْلَقٌ وَمَحِلُّهُ: هُوَ مَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ فِيهِ مِنْ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، وَالشَّأْنُ فِيهِ: أَنَّ هَذَا إِنْ سَلَّمَ أَنَّ الْوَقْتَ مَحِلٌّ، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَحِلَّ هُوَ الْمَكَانُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمَحِلَّ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَهَدْيُ الْعُمْرَةِ لَا وَقْتَ لَهُ يَخْتَصُّ بِهِ.
وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَجُزِ التَّحَلُّلُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَالْمُفَوِّتُ: لَا يَتَحَلَّلُ إِلَّا بِالْعُمْرَةِ كَالْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فَاتَ الْحَجُّ يَبْقَى كَالْمُحْرِمِ بِعُمْرَةٍ، وَالْعُمْرَةُ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ تَفُوتُ فِيهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى مُحْرِمًا إِلَى أَنْ يَصِلَ كَالْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ، وَلَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّحَلُّلُ لِلْمُحْرِمِ إِلَّا بِعُمْرَةٍ إِذْ لَيْسَ لِإِحْرَامِهِ غَايَةٌ فِي الزَّمَانِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَدْيَ الْمُحْصَرِ لَيْسَ بِنُسُكٍ مَحْضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ دَمُ جُبْرَانٍ لِمَا يَسْتَبِيحُهُ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، وَيَتْرُكُهُ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَلِهَذَا لَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ يَنْفُذْ بِوَقْتٍ كَفِدْيَةِ الْأَذَى وَتَرْكِ الْوَاجِبِ. وَعَكْسُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ؛ فَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَابْنِ مَنْصُورٍ - إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أُحْصِرَ وَقَدْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا فَلَا يَحِلَّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يَنْحَرْ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ. الْقَارِنُ، وَالْمُتَمَتِّعُ: يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ، وَهَذَا يَصُومُهُنَّ كُلَّهُنَّ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ -: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُحْصَرِ هَدْيٌ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ حَلَّ، فَإِنْ كَانَ إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَحِلُّ.
وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ: أَنَّ الْمُحْصَرَ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَقْتِ صَوْمِهِنَّ، وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يَصُومُهَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ كَالْهَدْيِ، وَلَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَصُومَهَا كَالْمَنْصُوصِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - فِي التَّنْبِيهِ -: يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ، وَلَا يَصُومُ الْعَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ هَدْيَ الْمُحْصَرِ كَهَدْيِ الْمُتَمَتِّعِ، لِأَنَّ سَبَبَهَا التَّمَتُّعُ فَالصَّوْمُ بِالْإِحْلَالِ عَنْهُ كَالصَّوْمِ عَنِ التَّمَتُّعِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَمَّا صُدُّوا .. . .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ هَذَا الصَّائِمَ قَائِمٌ مَقَامَ تَمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ قَبْلَ الْحِلِّ كَالْهَدْيِ بِخِلَافِ صَوْمِ التَّمَتُّعِ، وَهَدْيِهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُهْدِي بَعْدَ انْقِضَاءِ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ، فَكَانَ قِيَاسُ الصَّوْمِ يَفْعَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتِ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّهَا
مَأْمُورٌ بِهَا فِي الْحَجِّ.
فَعَلَى هَذَا إِنْ قُلْنَا: يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ قَبْلَ النَّحْرِ فَتَحَلُّلُهُ بِالصَّوْمِ قَبْلَهُ أَوْلَى.
وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ: فَفِي الصَّوْمِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا: لَا يَتَحَلَّلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَيَصُومُ الْعَشَرَةَ الْأَيَّامِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ مَتَى شَاءَ مِنْ حِينِ الْحَصْرِ، وَلَا يَحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ كَالْمُطْلَقِ؛ لِيَسْتَدِيمَ الْإِحْرَامُ، وَلِيَدْخُلَ وَقْتُ الْفَوَاتِ.
وَالثَّانِيَةُ: يَصُومُ وَيَتَحَلَّلُ قَبْلَ النَّحْرِ نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ وَابْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ مُفَرِّقًا بَيْنَ الْهَدْيِ وَالصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ لِنَحْرِهِ وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِهِ، فَتَأَخَّرَ حِلُّهُ لِأَجْلِهِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا وَقْتَ لَهُ وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مُفَرَّعَتَانِ عَلَى الْمَأْخَذَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا.
فَصْلٌ
وَإِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْبَيْتِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ: فَهُوَ مُحْصَرٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. قَالَ أَحْمَدُ - فِي الْمُحْصَرِ عَنْ مَكَّةَ -: فِيهِ اخْتِلَافٌ، فَإِنْ حُصِرَ بِعَدُوٍّ يَنْحَرِ الْهَدْيَ وَيَحِلَّ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم .. . .
فَصْلٌ
وَالْمُحْصَرُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْمُحْصَرِ فِي الْحَجِّ سَوَاءً، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ التَّحَلُّلُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ: الْآيَةُ، وَقِصَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهَا سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَهِيَ السُّنَّةُ الْمَاضِيَةُ فِي الْمُحْصَرِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِنْ كَانَ الْمُحْصَرُ مُعْتَمِرًا أَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ إِذْ لَا وَقْتَ لَهَا يَفُوتُ.
فَصْلٌ
قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: إِذَا كَانَ لِلْمُحْصَرِ طَرِيقٌ لَزِمَهُ قَصْدُهَا سَوَاءٌ قَرُبَتْ، أَوْ بَعُدَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَرًّا، أَوْ بَحْرًا، وَسَوَاءٌ رَجَا الْإِدْرَاكَ، أَوْ خَشِيَ الْفَوَاتَ. وَإِنْ خُلِّيَ عَنْ طَرِيقِهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ لَزِمَهُ السَّعْيُ، وَإِنْ خَشِيَ الْفَوَاتَ وَلَوْ لَمْ يُخَلَّ عَنْهُ حَتَّى فَاتَ الْحَجُّ، وَلَمْ يَتَحَلَّلْ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَوَاتِ، فَإِنْ خُلِّيَ عَنْ طَرِيقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ السَّعْيُ وَالتَّحَلُّلُ بِعُمْرَةِ الْفَوَاتِ وَقَضَاهَا. إِذَا قُلْنَا: يَقْضِي مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَإِنِ اسْتَمَرَّ الْإِحْصَارُ بَعْدَ الْفَوَاتِ: فَلَهُ التَّحَلُّلُ مِنْ هَذِهِ الْفَائِتَةِ وَعَلَيْهِ دَمَانِ؛ دَمُ الْإِحْصَارِ، وَدَمُ الْفَوَاتِ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ.
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِذَا بَقِيَ مُحْرِمًا مُحْصَرًا حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا دَمٌ وَاحِدٌ دَمُ الْإِحْصَارِ، وَعِنْدَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُحْصَرِ تَأْخِيرُ الْإِحْلَالِ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَقَالَ: حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْفَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ بَعْدَ الْفَوَاتِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالدَّمِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْدَ
فَصْلٌ
قَالَ أَصْحَابُنَا؛ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: إِنْ كَانَ الْعَدُوُّ الصَّادُّ مُسْلِمًا .. .
فَصْلٌ
وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ النُّسُكِ الَّذِي أُحْصِرَ عَنْهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ فَعَلَهُ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرُ حَجٍّ مُطْلَقٍ، أَوْ نَذْرُ الْحَجِّ ذَلِكَ الْعَامَ.
قَالَ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ -: وَلَا يُعِيدُ مَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا لَمْ يَحُجَّ قَطُّ. وَكَذَلِكَ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَالْمَيْمُونِيُّ.
وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْحَارِثِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ وَإِلَّا فَلَا يَنْحَرْ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ مُنِعَ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَنْحَرْ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِذَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ: لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْهَدْيَ فِي عَامِ الْإِحْصَارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَلَيْهِ الصِّيَامَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى الْعَادِمِ بِحَالٍ. وَإِذَا قَضَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، أَوْ غَيْرَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ عُمْرَةٌ مَعَهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي قَوْلِهِ: بِقَضَاءِ التَّطَوُّعِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي - فِي خِلَافِهِ - وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ - وَابْنُ عَقِيلٍ - فِي الْفُصُولِ -: أَنَّا إِذَا قُلْنَا: يَجِبُ قَضَاءُ التَّطَوُّعِ فَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ قَدْ فَوَّتَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَوَّتَ الْحَجَّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ فَيَلْزَمَهُ قَضَاءُ هَذِهِ الْعُمْرَةِ كَمَا لَزِمَهُ قَضَاءُ الْحَجِّ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ وَإِنْ أَوْجَبْنَا قَضَاءَ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ هَدْيَ الْمُحْصَرِ قَامَ مَقَامَ بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ، كَمَا قَامَتْ عُمْرَةُ الْمُفَوِّتِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُفَوِّتٍ إِنْ خَرَجَ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ الْفَوَاتِ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْفَوَاتِ فَقَدْ تَقَدَّمَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ الشَّهْرَ الْحَرَامَ الَّذِي قَضَوْا فِيهِ الْعُمْرَةَ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ الَّذِي أُحْصِرُوا فِيهِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى الْعُمْرَةَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، وَسُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ.