المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة الوقوف عند المشعر الحرام بالمزدلفة] - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - كتاب الحج - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حَلْقُ الشَّعْرِ وَقَلْمُ الظُّفْرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مقدار الفدية في الحلق أو التقليم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما آذى المحرم من الشعر في غير محله]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لبس المخيط]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تغطية الرأس]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الطيب]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَتْلُ الصَيْدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَقْدُ النِّكَاحِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُبَاشَرَةُ لِشَهْوَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم الوطء في العمرة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النسك لَا يَفْسُدُ بِإِتْيَانِ شَيْءٍ حَالَ الْإِحْرَامِ إِلَّا الْجِمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المرأة كالرجل في محظورات الإحرام إلا في لبس المخيط وتخمير الرأس]

- ‌[بَابُ الْفِدْيَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الْفِدْيَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يجب بترك الواجب]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جزاء الصيد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جزاء الصيد بالطعام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هدي التمتع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فدية الجماع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الإحصار]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم تكرار المحظور]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما لا يمكن إزالته من المحظورات لا فرق بين سهوه وعمده]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أنواع الهدي]

- ‌[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب دخول مكة من أعلاها]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يستحب دخول المسجد من باب بني شيبة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يستحب عند رؤية البيت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الطواف تحية المسجد الحرام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ معنى الاضطباع وحكمه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السنة أن يبدأ الطواف من الحجر الأسود]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الطائف يجعل البيت على يساره]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الأصل في مشروعية الرمل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يشرع استلام الركنين اليمانيين في كل طواف]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصلاة خلف المقام]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَخْتِمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الخروج إلى الصفا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ جَازَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ في أحكام الطواف والسعي والإحلال إلا فيما يعرضها للتكشف]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ الإحرام بالحج يَوْمُ التَّرْوِيَةِ والخروج إلى عرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة الصلاة والخطبة يوم عرفة وموضعه]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة الوقوف بعرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أفضل أحوال الوقوف بعرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يستحب من الذكر والدعاء بعرفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الدفع إلى مزدلفة وصفته]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صفة الصلاة في مزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ المبيت بمزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ صلاة الفجر بمزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الوقوف عند المشعر الحرام بالمزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وقت الدفع من مزدلفة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ رمي جمرة العقبة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ نحر الهدي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الحلق أو التقصير]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التحلل الأول]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طواف الإفاضة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سعي المتمتع مع طواف الزيارة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التحلل الثاني]

- ‌[مَسْأَلَةٌ استحباب الشرب من ماء زمزم وصفته]

- ‌[بَابُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْحِلِّ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ المبيت في منى بلياليها]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وقت رمي الجمار في أيام التشريق وصفته]

- ‌[مَسْأَلَةٌ على القارن والمتمع دم]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طواف الوداع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ اشتغل بعد طواف الوداع بتجارة]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يشرع بعد طواف الوداع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ حكم الخروج من غير وداع]

- ‌[مَسْأَلَةٌ سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء]

- ‌[بَابُ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ واجبات الحج]

- ‌[مسألة الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إِلَى اللَّيْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمَبِيتُ بِمِنًى]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الرمي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحَلْقُ والتقصير]

- ‌[مَسْأَلَةٌ طَوَافُ الْوَدَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ وَوَاجِبَاتُهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ما يترتب على ترك الركن أو الواجب أو المسنون]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أحكام الفوات]

الفصل: ‌[مسألة الوقوف عند المشعر الحرام بالمزدلفة]

الْمَكَانِ: الْمَغْرِبُ، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ "، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ، فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ؟ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ:" «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ ; صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَةٌ الوقوف عند المشعر الحرام بالمزدلفة]

مَسْأَلَةٌ: (وَيَأْتِي الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَيَقِفُ عِنْدَهُ، وَيَدْعُو، وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْنَا فِيهِ، وَأَرَيْتَنَا إِيَّاهُ، فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] الْآيَتَيْنِ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ، ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ).

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - فِي رِوَايَةٍ الْمَرُّوذِيِّ -: فَإِذَا بَرِقَ الْفَجْرُ فَصَلِّ الْفَجْرَ مَعَ الْإِمَامِ إِنْ قَدَرْتَ، ثُمَّ قِفْ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ مِنْهُ .. إِلَى آخِرِهِ.

اعْلَمْ أَنَّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ - فِي الْأَصْلِ -: اسْمٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ ; لِأَنَّ عَرَفَةَ هِيَ الْمَشْعَرُ الْحَلَالُ، وَسُمِّيَ جَمْعًا ; لِأَنَّ الصَّلَاتَيْنِ تُجْمَعُ بِهَا، كَأَنَّ

ص: 518

الْأَصْلَ مَوْضِعُ جَمْعٍ، أَوْ ذَاتُ جَمْعٍ، ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ.

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - فِي مَنَاسِكِهِ - عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] قَالَ: هِيَ لَيْلَةُ جَمْعٍ، ذَكَرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ:" مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ مَشْعَرٌ ".

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: " سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَنَحْنُ بِعَرَفَةَ عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: إِنِ اتَّبَعْتَنِي أَخْبَرْتُكَ، فَدَفَعْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا وَضَعَتِ الرِّكَابُ أَيْدِيَهَا فِي الْحَرَمِ، قَالَ: هَذَا الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ " رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِذِكْرِهِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْرَعَ امْتِثَالَ هَذَا الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا شَرَعَ مِنَ الذِّكْرِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَالْوُقُوفَ لِلدُّعَاءِ غَدَاةَ النَّحْرِ، وَهَذَا الذِّكْرُ كُلُّهُ يَجُوزُ فِي مُزْدَلِفَةَ كُلِّهَا ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(«هَذَا الْمَوْقِفُ وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ») فَعُلِمَ أَنَّهَا جَمِيعًا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.

ص: 519

ثُمَّ إِنَّهُ خَصَّ بِهَذَا الِاسْمِ قُزَحَ ; لِأَنَّهُ أَخَصُّ تِلْكَ الْبُقْعَةِ بِالْوُقُوفِ عِنْدَهُ وَالذِّكْرِ، وَغَلَبَ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ فِي عُرْفِ النَّاسِ حَتَّى إِنَّهُمْ لَا يَكَادُونَ يَعْنُونَ بِهَذَا الِاسْمِ إِلَّا نَفْسَ قُزَحَ، وَإِيَّاهُ عَنَى جَابِرٌ بِقَوْلِهِ - فِي حَدِيثِهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَى حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ يُعْنَى بِهِ نَفْسُ قُزَحَ.

وَأَمَّا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: فَهُوَ غَالِبٌ عَلَيْهِ، وَنِسْبَةُ هَذَا الْجَبَلِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ كَنِسْبَةِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ إِلَى عَرَفَةَ.

إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا: فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقِفَ النَّاسُ غَدَاةَ جَمْعٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، وَيَدْعُونَهُ كَمَا صَنَعُوا بِعَرَفَاتٍ إِلَى قُبَيْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ ; وَهُوَ مَوْقِفٌ عَظِيمٌ وَمَشْهَدٌ كَرِيمٌ، وَهُوَ تَمَامٌ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَبِهِ تُجَابُ الْمَسَائِلُ الَّتِي تَوَقَّفَتْ بِعَرَفَةَ كَالطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَعَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَأَوْكَدُ، قَالَ تَعَالَى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] وَوَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ بِالنَّاسِ.

ص: 520

وَقَدْ رَوَى عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ، فَأُجِيبَ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ، فَإِنِّي آخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، قَالَ: أَيْ رَبِّي إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ مِنَ الْجَنَّةِ وَغَفَرْتَ لِلظَّالِمِ، فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأُجِيبُ إِلَى مَا سَأَلَ، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ تَبَسَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ، أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ؟ قَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي وَغَفَرَ لِأُمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ، فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَى رَأْسِهِ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ; فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِيُ مُسْنَدِ أَبِيهِ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا كَانَ عَشِيَّةُ عَرَفَةَ بَاهَى

ص: 521

اللَّهُ بِالْحَاجِّ فَيَقُولُ لِمَلَائِكَتِهِ: " انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا قَدْ أَتَوْنِي مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَمَغْفِرَتِي: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ تَبِعَاتِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَإِذَا كَانَ غَدَاةُ الْمُزْدَلِفَةِ، قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ تَبِعَاتِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَضَمِنْتُ لِأَهْلِهَا النَّوَافِلَ» ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ.

«وَعَنْ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ - غَدَاةَ جَمْعٍ: " يَا بِلَالُ أَسْكِتْ لَنَا أَوْ أَنْصِتِ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ فِي جَمْعِكُمْ هَذَا، فَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، ادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

(فَصْلٌ)

وَلَا يُفِيضُ الْإِمَامُ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى يُسْفِرَ النَّهَارُ، فَيُفِيضَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ:«فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» .

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: " «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، قَالَ: فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَابْنِ

ص: 522

مَاجَهْ -: " كَيْمَا نُغِيرُ ".

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " وَقَفَ بِجَمْعٍ فَلَمَّا أَضَاءَ كُلُّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَفَاضَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ:" إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْوُقُوفَ غَدَاةَ جَمْعٍ، وَيَتَعَجَّلَ بِلَيْلٍ إِلَّا لِعُذْرٍ ; قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ عَمِّي: مَنْ لَمْ يَقِفْ غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ، لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:" قَدَّمَ الضَّعَفَةَ " وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ ضَعَفَةٌ، أَوْ غَلَبَةٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ لَمْ يَبِتْ فَعَلَيْهِ دَمٌ.

وَالْمَعْذُورُ يَذْكُرُ اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِلَيْلٍ ; وَذَلِكَ لِمَا رَوَى سَالِمٌ: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ ; فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: " أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ.

ص: 523

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَرْخَصَ لِضَعَفَةِ النَّاسِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ «عَنْ أَسْمَاءَ: " أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا، فَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ: يَا هَنْتَاهُ مَا أُرَانَا إِلَّا قَدْ غَلَّسْنَا؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 524