المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النَّدْبُ لُغَةً: الدُّعَاءُ إِلَى الْفِعْلِ، وَشَرْعًا: مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ، وَلَمْ - شرح مختصر الروضة - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ:

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي التَّكْلِيفِ

- ‌ تَكْلِيفِ الْمُمَيِّزِ

- ‌فُرُوعٌ:

- ‌ الْجِهَادَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ

- ‌ إِنْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ، صَحَّ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ

-

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ

- ‌الْوَاجِبُ

- ‌الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ

- ‌النَّدْبُ

- ‌الْحَرَامُ

- ‌الْمَكْرُوهُ:

- ‌الْمُبَاحُ:

- ‌التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ»

- ‌هَلْ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ

- ‌ الْعِلَّةُ

- ‌ السَّبَبُ

- ‌ الشَّرْطُ

- ‌ فَوَائِدَ

- ‌ الثَّانِيَةُ: فِي فُرُوقٍ نَافِعَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ:

- ‌ الثَّالِثَةُ: الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ:

- ‌ الْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ

- ‌ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي اللُّغَاتِ

- ‌ مَبْدَأِ اللُّغَاتِ

- ‌ الْأَسْمَاءُ: وَضْعِيَّةٌ، وَعُرْفِيَّةٌ، وَشَرْعِيَّةٌ، وَمَجَازٌ

- ‌ أَقْسَامِ التَّجَوُّزِ

- ‌ الصَّوْتُ:

- ‌الْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ

- ‌الْكَلَامُ: نَصٌّ، وَظَاهِرٌ، وَمُجْمَلٌ

- ‌الظَّاهِرُ:

الفصل: ‌ ‌النَّدْبُ لُغَةً: الدُّعَاءُ إِلَى الْفِعْلِ، وَشَرْعًا: مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ، وَلَمْ

‌النَّدْبُ

لُغَةً: الدُّعَاءُ إِلَى الْفِعْلِ، وَشَرْعًا: مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ، وَلَمْ يُعَاقَبْ تَارِكُهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: مَأْمُورٌ بِهِ، يَجُوزُ تَرْكُهُ، لَا إِلَى بَدَلٍ. وَهُوَ مُرَادِفُ السُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ.

لَنَا: مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِسْمَةِ الْأَمْرِ إِلَى إِيجَابٍ وَنَدْبٍ. وَمَوْرِدُ الْقِسْمَةِ مُشْتَرَكٌ، وَلِأَنَّهُ طَاعَةٌ، وَكُلُّ طَاعَةٍ مَأْمُورٌ بِهَا.

ــ

قَوْلُهُ: «النَّدْبُ لُغَةً» ، أَيْ: فِي اللُّغَةِ «الدُّعَاءُ إِلَى الْفِعْلِ» . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: نَدَبَهُ لِلْأَمْرِ، فَانْتَدَبَ لَهُ، أَيْ: دَعَاهُ لَهُ، فَأَجَابَ. وَأَنْشَدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ شَاهِدًا عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ الْحَمَاسِيِّ:

لَا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ

فِي النَّائِبَاتِ عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانًا

وَقَالَ الْآمِدِيُّ: النَّدْبُ فِي اللُّغَةِ، هُوَ الدُّعَاءُ إِلَى أَمْرٍ مُهِمٍّ، وَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَنْسَبُ وَأَشْهَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَغْلَبُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ عُمُومُ كَلَامِ غَيْرِهِ.

وَالنَّدْبُ فِي الْأَصْلِ: مَصْدَرُ نَدَبَهُ يَنْدُبُهُ نَدْبًا، وَالْمَفْعُولُ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا، لِأَنَّهُ الْمُقَابِلُ، وَيُقَالُ لَهُ: نَدَبَ، إِطْلَاقًا لِلْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ مَجَازًا.

قَوْلُهُ: «وَشَرْعًا» أَيْ: وَالنَّدْبُ فِي الشَّرْعِ: «مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ وَلَمْ يُعَاقَبْ تَارِكُهُ» .

فَالْأَوَّلُ جِنْسٌ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالنَّدَبَ - أَعْنِي الْمَنْدُوبَ -، وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُنَا: وَلَمْ يُعَاقَبْ تَارِكُهُ، فَصْلٌ لَهُ عَنِ الْوَاجِبِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُعَاقَبُ تَارِكُهُ.

ص: 353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«وَقِيلَ: مَأْمُورٌ بِهِ» أَيْ: وَقِيلَ فِي الْمَنْدُوبِ تَعْرِيفٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ «يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا إِلَى بَدَلٍ» فَقَوْلُنَا: مَأْمُورٌ بِهِ. جِنْسٌ يَتَنَاوَلُهُ وَالْوَاجِبَ، لِأَنَّهُ قَسِيمُهُ عَلَى مَا مَرَّ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ سبحانه وتعالى.

وَقَوْلُنَا: يَجُوزُ تَرْكُهُ: هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ مُطْلَقًا، أَوْ إِلَى بَدَلٍ، فَيَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ وَالْمُخَيَّرَ وَفَرْضَ الْكِفَايَةِ، لِأَنَّ جَمِيعَهَا مَأْمُورٌ بِهِ يَجُوزُ تَرْكُهُ، لَكِنْ إِلَى بَدَلٍ، كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ. فَبِقَوْلِنَا: لَا إِلَى بَدَلٍ، خَرَجَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَنَحْوُهَا.

وَقَالَ الْآمِدِيُّ: الْمَنْدُوبُ هُوَ الْمَطْلُوبُ فِعْلُهُ شَرْعًا وَلَا ذَمَّ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: هُوَ مَا رَجَحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ. وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ.

قَوْلُهُ: «وَهُوَ» يَعْنِي الْمَنْدُوبَ «مُرَادِفُ السُّنَّةِ، وَالْمُسْتَحَبِّ» ، أَيْ: هُوَ مُسَاوِيهِمَا فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتِ الْأَلْفَاظُ، وَالْمُتَرَادِفُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُتَعَدِّدُ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، كَالْأَسَدِ وَالْغَضَنْفَرِ، وَالْمُدَامِ وَالْخَمْرِ، وَالْحَرَامِ وَالْمَحْظُورِ، وَالْمَنْدُوبِ وَالسُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ. فَالسِّوَاكُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ وَنَحْوُهُ، يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ.

قَوْلُهُ: «وَهُوَ» يَعْنِي الْمَنْدُوبَ «مَأْمُورٌ بِهِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ» مِنَ الْحَنَفِيَّةِ «وَ» أَبِي بَكْرٍ «الرَّازِيِّ. لَنَا» أَيْ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ «مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِسْمَةِ الْأَمْرِ إِلَى إِيجَابٍ وَنَدْبٍ، وَمَوْرِدُ الْقِسْمَةِ مُشْتَرَكٌ» ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قِسْمَةِ الْأَحْكَامِ إِلَى خَمْسَةٍ، وَهُوَ أَنَّ الْخِطَابَ إِمَّا أَنْ يَرِدَ بِاقْتِضَاءِ الْفِعْلِ أَوْ تَرْكِهِ، وَاقْتِضَاءُ الْفِعْلِ هُوَ طَلَبُهُ وَالْأَمْرُ بِهِ، ثُمَّ الْأَمْرُ إِمَّا مَعَ الْجَزْمِ، وَهُوَ الْإِيجَابُ، أَوْ لَا مَعَ الْجَزْمِ، وَهُوَ النَّدْبُ.

فَقَدِ انْقَسَمَ الْأَمْرُ إِلَى إِيجَابٍ وَنَدْبٍ. وَكُلُّ شَيْءٍ قُسِّمَ أَقْسَامًا، فَاسْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صَادِقٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَقْسَامِ، كَمَا إِذَا قُلْنَا: الْحَيَوَانُ إِمَّا نَاطِقٌ أَوْ غَيْرُ نَاطِقٍ كَالْفَرَسِ وَالشَّاةِ وَالطَّائِرِ، فَاسْمُ الْحَيَوَانِ صَادِقٌ عَلَى الْجَمِيعِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ يُسَمَّى حَيَوَانًا، فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاجِبِ وَالنَّدْبِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: مَوْرِدُ الْقِسْمَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَقْسَامِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَيَكُونُ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ، كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: «وَلِأَنَّهُ طَاعَةٌ» إِلَى آخِرِهِ، هَذَا دَلِيلٌ ثَانٍ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ طَاعَةٌ، وَلِأَنَّهُ مُثَابٌ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مُثَابٍ عَلَيْهِ طَاعَةٌ، فَالْمَنْدُوبُ طَاعَةٌ. وَالْمُقَدِّمَتَانِ ظَاهِرَتَانِ، وَأَمَّا أَنَّ كَلَّ طَاعَةٍ مَأْمُورٌ بِهَا، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النِّسَاءِ: 59]، وَقَوْلُهُ عليه السلام بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْمَقَالِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: أَطِيعُونِي، وَلِأَنَّ الطَّاعَةَ امْتِثَالُ الطَّلَبِ، وَامْتِثَالُ الطَّلَبِ مَأْمُورٌ بِهِ. فَالطَّاعَةُ مَأْمُورٌ بِهَا.

وَيَعْنِي امْتِثَالَ الطَّلَبِ أَنَّ الشَّارِعَ إِذَا طَلَبَ مِنَّا شَيْئًا، أَمَرَنَا بِامْتِثَالِهِ، كَقَوْلِهِ: صَلُّوا وَاسْتَاكُو.

وَقَالَ الْكِنَانِيُّ: كَوْنُ الْمَنْدُوبِ طَاعَةً لَا يَدُلُّ فِي الْأَصَحِّ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، إِذْ لَيْسَتِ الطَّاعَةُ مِنْ خَصَائِصِ الْأَمْرِ، لِتَنَاوُلِهَا السُّؤَالَ وَالشَّفَاعَةَ.

قُلْتُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، إِذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُوَافَقَتَهُ السُّؤَالَ وَالشَّفَاعَةَ طَاعَةٌ مُوَافِقَةٌ لِلْأَمْرِ فَقَطْ.

ص: 355

قَالَا: لَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ، لَعَصَى تَارِكُهُ، إِذِ الْمَعْصِيَةُ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ، وَلَتَنَاقَضَ «لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ، مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْأَمْرِ مُؤَكِّدًا.

قُلْنَا: الْمُرَادُ: أَمْرُ الْإِيجَابِ فِيهِمَا.

ــ

قَوْلُهُ: «قَالَا» يَعْنِي الْكَرْخِيَّ وَالرَّازِيَّ، هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: «لَوْ كَانَ» الْمَنْدُوبُ «مَأْمُورًا بِهِ لَعَصَى تَارِكُهُ» لَكِنَّهُ لَا يَعْصِي تَارِكُهُ، فَلَا يَكُونُ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ، أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ «الْمَعْصِيَةَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ» لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طَه: 93]، وَالْمَعْنَى: عَصَيْتَنِي بِمُخَالَفَةِ أَمْرِي. فَلَوْ كَانَ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ، لَعَصَى تَارِكُهُ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ، وَمُخَالِفُ الْأَمْرِ عَاصٍ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَعْصِي بِتَرْكِ الْمَنْدُوبِ، فَبِالِاتِّفَاقِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: لَوْ كَانَ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ «لَتَنَاقَضَ» قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، «مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْأَمْرِ» بِالسِّوَاكِ أَمْرًا «مُؤَكَّدًا» نَحْوَ قَوْلِهِ عليه السلام: اسْتَاكُوا طَهِّرُوا مَسَالِكَ الْقُرْآنِ فِي أَحَادِيثَ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَوَجْهُ التَّنَاقُضِ: أَنَّ «لَوْلَا» تَقْتَضِي فِي اللِّسَانِ امْتِنَاعَ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ، فَقَوْلُهُ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالسِّوَاكِ، لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ. وَقَوْلُهُ: اسْتَاكُوا وَنَحْوُهُ، تَصْرِيحٌ بِالْأَمْرِ بِهِ،

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَصَارَ آمِرًا بِهِ غَيْرَ آمِرٍ بِهِ وَهُوَ عَيْنُ التَّنَاقُضِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ هَذَا التَّنَاقُضَ مِنْ قَوْلِنَا: الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ، لِأَنَّ مَلْزُومَ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ.

أَمَّا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْمَنْدُوبَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، لَا يَلْزَمُ هَذَا التَّنَاقُضَ، لِأَنَّا نَقُولُ مَثَلًا: السِّوَاكُ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَا فُهِمْ مِنْ قَوْلِهِ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مِنْ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ.

قَوْلُهُ: «قُلْنَا: الْمُرَادُ أَمْرُ الْإِيجَابِ فِيهِمَا» . هَذَا جَوَابٌ عَنِ الدَّلِيلَيْنِ جَمِيعًا.

وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ عَنِ الْأَوَّلِ أَنْ نَقُولَ: قَوْلُكُمْ: لَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ، لَعَصَى تَارِكُهُ.

إِنْ عَنَيْتُمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ مُطْلَقًا يَعْصِي تَارِكُهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَمَا أَنَّ فَاعِلَ الْمَنْهِيِّ مُطْلَقًا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا، بِدَلِيلِ فَاعِلِ الْمَكْرُوهِ. ثُمَّ يَلْزَمُهُمْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، لِأَنَّهُ مُقَابِلُ الْمَنْدُوبِ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ الْجَازِمَ يَعْصِي تَارِكُهُ، فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ جَزْمًا حَتَّى يَعْصِيَ تَارِكُهُ.

وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ عَنِ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام: لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ الْمُرَادُ بِهِ: لَأَمَرْتُهُمْ أَمْرَ إِيجَابٍ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الْمَشَقَّةُ. أَمَّا الْأَمْرُ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِيجَابِ، فَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي تَصْرِيحَهُ بِالْأَمْرِ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ.

قُلْتُ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَرَدُّدُ الْمَنْدُوبِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمُبَاحِ، فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُقْتَضًى وَمُسْتَدْعًى وَمَطْلُوبٌ وَمُثَابٌ عَلَيْهِ أَشْبَهَ الْوَاجِبَ، فَأُلْحِقَ بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا عِقَابَ فِي تَرْكِهِ أَشْبَهَ الْمُبَاحَ، فَأُلْحِقَ بِهِ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ قُصُورِ الْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ عَنْ تَنَاوُلِ التَّكْلِيفِ لَهُمَا، وَالْمَادَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُتَقَارِبَةٌ.

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَقَالَ الْكِنَانِيُّ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمَنْدُوبَ هَلْ يُشَارِكُ الْوَاجِبَ فِي حَقِيقَتِهِ؟

قُلْتُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ إِنْ عَنَى أَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرَكًا، فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ يُشَارِكُ الْوَاجِبَ فِي كَمَالِ حَقِيقَتِهِ، فَلَا نِزَاعَ أَيْضًا فِي عَدَمِ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمَنْدُوبُ وَاجِبًا. وَقَدِ افْتَرَقَا فِي الْعِقَابِ أَوِ الْوَعِيدِ عَلَى التَّرْكِ وَعَدَمِهِ.

قَالَ: وَفَائِدَةُ الْمَسْأَلَةِ تَظْهَرُ فِي تَعْيِينِ مُجْمَلِ قَوْلِهِ عليه السلام: أَمَرْتُكُمْ بِكَذَا، أَوْ قَوْلِ الرَّاوِي عَنْهُ: أَمَرَ بِكَذَا.

قُلْتُ: يَعْنِي إِنْ قُلْنَا: الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ، كَانَ الْأَمْرُ الْمَحْكِيُّ عَنْهُ عليه السلام مُتَرَدِّدًا بَيْنَ إِرَادَةِ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ تَعَيَّنَ لِلْوُجُوبِ.

ص: 358