الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جَعَلْتُ مَسْكَنَكَ الظُّلُمَاتِ، وَطَعَامَكَ التُّرَابَ» . وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهَا تَمْكُثُ بِغَيْرِ غِذَاءٍ ظَاهِرٍ، لَكِنَّهَا تَسْتَعِدُّ مِنَ الصَّيْفِ لِلشِّتَاءِ بِأَنْ تَأْكُلَ فِيهِ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ الْإِلْهَامِ الْإِلَهِيِّ.
قَوْلُهُ: «وَعَكْسُهُ» ، أَيْ: وَعَكْسُ الشَّرْطِ «الْمَانِعِ، وَهُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ» كَالدَّيْنِ مَعَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَالْأُبُوَّةِ مَعَ الْقِصَاصِ.
وَوَجْهُ الْعَكْسِ فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِانْتِفَائِهِ، وَالْمَانِعُ يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِهِ. فَوُجُودُ الْمَانِعِ وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ سَوَاءٌ فِي اسْتِلْزَامِهِمَا انْتِفَاءَ الْحُكْمِ، وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرْطِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُمَا وُجُودُ الْحُكْمِ وَلَا عَدَمُهُ.
تَنْبِيهٌ، يَتَضَمَّنُ
فَوَائِدَ
، كَالتَّكْمِلَةِ لِمَا فِي «الْمُخْتَصَرِ» :
إِحْدَاهُنَّ: فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّبَبِ وَالشَّرْطِ وَالْمَانِعِ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: السَّبَبُ عِبَارَةٌ عَنْ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ دَلَّ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى كَوْنِهِ مُعَرِّفًا لِثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، طَرْدِيًّا كَانَ، كَجَعْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّلَاةِ، أَوْ غَيْرَ طَرْدِيٍّ، كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، سَوَاءٌ اطَّرَدَ الْحُكْمُ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَطَّرِدْ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: وَصْفٌ، احْتِرَازٌ مِنَ الذَّوَاتِ، فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ أَسْبَابًا.
وَقَوْلُهُ: ظَاهِرٌ: احْتِرَازٌ مِنَ الْوَصْفِ الْخَفِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا.
وَقَوْلُهُ: مُنْضَبِطٌ احْتِرَازٌ مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ حَتَّى يَتَرَتَّبَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُمَثَّلُ الْخَفِيُّ وَغَيْرُ الْمُنْضَبِطِ جَمِيعًا بِخُرُوجِ الْحَدَثِ حَالَ النَّوْمِ، وَبِحَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ، وَكَذَلِكَ رَبَطَ الْحُكْمَ بِوُجُودِ النَّوْمِ وَالسَّفَرِ لِانْضِبَاطِهِمَا.
وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ طَرْدِيًّا، أَيْ: غَيْرَ مُنَاسِبٍ عَقْلًا، أَوْ غَيْرَ طَرْدِيٍّ، أَيْ: مُنَاسِبًا عَقْلًا، كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، فَإِنَّهَا تُنَاسِبُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ، بِخِلَافِ الزَّوَالِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ عَقْلًا وُجُوبَ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ شَرْعًا، وَلَوْلَاهُ مَا ثَبَتَ.
وَقَوْلُهُ: اطَّرَدَ الْحُكْمُ أَوْ لَمْ يَطَّرِدْ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السَّبَبَ الشَّرْعِيَّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ، إِذْ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ إِلَّا وُجُودُ حُكْمِهَا فِي بَعْضِ صُوَرِ وُجُودِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَهُوَ عَدَمُ الِاطِّرَادِ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: السَّبَبُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، وَمَنْ عَدِمَهُ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ.
فَالْأَوَّلُ: احْتِرَازٌ مِنَ الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ.
وَالثَّانِي: احْتِرَازٌ مِنَ الْمَانِعِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ.
وَالثَّالِثُ: احْتِرَازٌ مِمَّا لَوْ قَارَنَ السَّبَبُ فِقْدَانَ الشَّرْطِ أَوْ وُجُودَ الْمَانِعِ، كَالنِّصَابِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، أَوْ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ وَوُجُودُ الْمَانِعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَّفَ السَّبَبَ سَبَبٌ آخَرُ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ عَدِمَهُ الْعَدَمُ، كَالزِّنَى إِذَا عُدِمَ، لَا يَلْزَمُ مَنْ عَدِمَهُ عَدَمُ الْجَلْدِ، لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِالْقَذْفِ، وَكَالرِّدَّةِ إِذَا انْتَفَتْ، لَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْقَتْلِ لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ قِصَاصًا، لَكِنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَهُوَ كَوْنُ السَّبَبِ الْآخَرِ خَلَّفَهُ.
قُلْتُ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ حُكْمِهِ الْخَاصِّ بِهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ لَا مُطْلَقًا، وَحُكْمُ السَّبَبِ الْخَالِفِ غَيْرُ حُكْمِ السَّبَبِ الزَّائِلِ، إِذِ الْجَلْدُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بِالْقَذْفِ غَيْرُ الْجَلْدِ بِالزِّنَى.
وَأَمَّا الشَّرْطُ، فَقَالَ الْقَرَافِيُّ: هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَلَا الْعَدَمُ لِذَاتِهِ.
فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَانِعِ.
قُلْتُ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ، كَالدَّيْنِ: يَجُوزُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ مَعَ انْتِفَائِهِ لِوُجُودِ الْغِنَى، وَعَدَمُ وُجُوبِهَا لِوُجُودِ الْفَقْرِ مَعَ انْتِفَاءِ الدَّيْنِ.
وَالثَّانِي: احْتِرَازٌ مِنَ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ أَيْضًا. أَمَّا مِنَ السَّبَبِ، فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ لِذَاتِهِ كَمَا سَبَقَ، وَأَمَّا مِنَ الْمَانِعِ فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ.
وَالثَّالِثُ: احْتِرَازٌ مِنْ مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ وُجُودَ السَّبَبِ، فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ، أَوْ قِيَامَ الْمَانِعِ، فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ، لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ شَرْطًا، بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَهُوَ مُقَارَنَةُ السَّبَبِ، أَوْ قِيَامُ الْمَانِعِ، وَقِيلَ: الشَّرْطُ عِبَارَةٌ عَنْ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ دَلَّ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ عَدَمُهُ مُخِلًّا بِحُكْمِهِ السَّبَبَ فَهُوَ شَرْطُ السَّبَبِ كَالْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ، فَإِنَّ عَدَمَهُ مُخِلٌّ بِحِكْمَةِ النِّصَابِ، إِذْ حِكْمَتُهُ الْغِنَى، وَكَمَالُ الْغِنَى بِالْحَوْلِ لِتَحَقُّقِ تَنْمِيَةِ الْمَالِ لِمَنْ أَرَادَهَا، فَتَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، فَعَدَمُ تَمَامِ الْحَوْلِ مُخِلٌّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ، فَهُوَ شَرْطُ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى حِكْمَةٍ مُنَاقِضَةٍ لِحِكْمَةِ السَّبَبِ مَعَ بَقَائِهَا، فَهُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ كَانْتِفَاءِ الْأُبُوَّةِ هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ، فَعَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْأُبُوَّةِ، غَيْرُ مُخِلٍّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ، وَهِيَ الْقَتْلُ قِصَاصًا، إِذْ لَوْ قُتِلَ الْأَبُ بِوَلَدِهِ، لَحَصَلَتِ الْحِكْمَةُ، وَهِيَ الزَّجْرُ، لَكِنَّهُ مُشْتَمِلٌ