المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَلِلْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ أَصْنَافٌ أَحَدُهَا‌ ‌ الْعِلَّةُ ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْعَرَضُ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ - شرح مختصر الروضة - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ:

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي التَّكْلِيفِ

- ‌ تَكْلِيفِ الْمُمَيِّزِ

- ‌فُرُوعٌ:

- ‌ الْجِهَادَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ

- ‌ إِنْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ، صَحَّ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ

-

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ

- ‌الْوَاجِبُ

- ‌الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ

- ‌النَّدْبُ

- ‌الْحَرَامُ

- ‌الْمَكْرُوهُ:

- ‌الْمُبَاحُ:

- ‌التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ»

- ‌هَلْ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ

- ‌ الْعِلَّةُ

- ‌ السَّبَبُ

- ‌ الشَّرْطُ

- ‌ فَوَائِدَ

- ‌ الثَّانِيَةُ: فِي فُرُوقٍ نَافِعَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ:

- ‌ الثَّالِثَةُ: الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ:

- ‌ الْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ

- ‌ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي اللُّغَاتِ

- ‌ مَبْدَأِ اللُّغَاتِ

- ‌ الْأَسْمَاءُ: وَضْعِيَّةٌ، وَعُرْفِيَّةٌ، وَشَرْعِيَّةٌ، وَمَجَازٌ

- ‌ أَقْسَامِ التَّجَوُّزِ

- ‌ الصَّوْتُ:

- ‌الْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ

- ‌الْكَلَامُ: نَصٌّ، وَظَاهِرٌ، وَمُجْمَلٌ

- ‌الظَّاهِرُ:

الفصل: وَلِلْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ أَصْنَافٌ أَحَدُهَا‌ ‌ الْعِلَّةُ ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْعَرَضُ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ

وَلِلْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ أَصْنَافٌ

أَحَدُهَا‌

‌ الْعِلَّةُ

، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْعَرَضُ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ الْبَدَنِ الْحَيَوَانِيِّ عَنِ الِاعْتِدَالِ الطَّبِيعِيِّ. ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ عَقْلًا لِمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَ الْعَقْلِيَّ لِذَاتِهِ، كَالْكَسْرِ لِلِانْكِسَارِ، وَالتَّسْوِيدِ لِلسَّوَادِ. ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ شَرْعًا لَمَعَانٍ: أَحَدُهَا: مَا أَوْجَبَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ مُقْتَضَى الْحُكْمِ وَشَرْطِهِ وَمَحَلِّهِ وَأَهْلِهِ، تَشْبِيهًا بِأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ. الثَّانِي: مُقْتَضَى الْحُكْمِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ لِفَوَاتِ شَرْطٍ، أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ. الثَّالِثُ: الْحِكْمَةُ، كَمَشَقَّةِ السَّفَرِ لِلْقَصْرِ وَالْفِطْرِ، وَالدَّيْنِ لِمَنْعِ الزَّكَاةِ، وَالْأُبُوَّةِ لِمَنْعِ الْقِصَاصِ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَلِلْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ أَصْنَافٌ» ، أَيِ: الْعَلَمُ الَّذِي نَصَبَهُ الشَّارِعُ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ لَهُ أَصْنَافٌ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: أَنْوَاعٌ أَوْ أَقْسَامٌ، كَالْعِلَّةِ، وَالسَّبَبِ، وَالشَّرْطِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرَ، فَالْعَلَمُ كَالْجِنْسِ، وَهَذِهِ أَنْوَاعُهُ، أَوْ كَالنَّوْعِ، وَهَذِهِ أَصْنَافُهُ.

وَالْعَلَمُ فِي اللُّغَةِ: الْعَلَامَةُ، وَمِنْهُ عَلَمُ الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَنْصَابٌ مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا شَاخِصَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: «أَحَدُهَا» ، أَيْ: أَحَدُ أَصْنَافِ الْعِلْمِ «الْعِلَّةُ» . قَوْلُهُ: «وَهِيَ» ، يَعْنِي: الْعِلَّةَ، «فِي الْأَصْلِ» ، أَيْ: فِي أَصْلِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَوِ الِاصْطِلَاحِيِّ: هِيَ «الْعَرَضُ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ الْبَدَنِ الْحَيَوَانِيِّ عَنِ الِاعْتِدَالِ الطَّبِيعِيِّ» ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْمَرَضُ، وَالْمَرَضُ هُوَ هَذَا الْعَرَضُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الظَّاهِرُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَرَضَ لَهُ أَمْرُ كَذَا يَعْرِضُ، أَيْ: ظَهَرَ، وَفِي اصْطِلَاحِ

ص: 419

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْمُتَكَلِّمِينَ: هُوَ مَا لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، كَالْأَلْوَانِ، وَالطُّعُومِ، وَالْحَرَكَاتِ، وَالْأَصْوَاتِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ حَادِثٍ مَا، إِذَا قَامَ بِالْبَدَنِ أَخْرَجَهُ عَنِ الِاعْتِدَالِ.

وَقَوْلُنَا: «الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ الْبَدَنِ» هُوَ إِيجَابٌ حِسِّيٌّ، كَإِيجَابِ الْكَسْرِ لِلِانْكِسَارِ، وَالتَّسْوِيدِ، لِلِاسْوِدَادِ، فَكَذَلِكَ الْأَمْرَاضُ الْبَدَنِيَّةُ مُوجِبَةٌ لِاضْطِرَابِ الْأَبْدَانِ إِيجَابًا مَحْسُوسًا.

وَقَوْلُنَا: «الْبَدَنُ الْحَيَوَانِيُّ» احْتِرَازٌ مِنَ النَّبَاتِيِّ وَالْجَمَادِيِّ، فَإِنَّ الْأَعْرَاضَ الْمُخْرِجَةَ لَهَا عَنْ حَالِ اعْتِدَالٍ مَا مِنْ شَأْنِهِ الِاعْتِدَالُ مِنْهَا لَا يُسَمَّى فِي الِاصْطِلَاحِ عِلَلًا.

وَقَوْلُنَا: «عَنِ الِاعْتِدَالِ الطَّبِيعِيِّ» هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى حَقِيقَةِ الْمِزَاجِ، وَهُوَ الْحَالُ الْمُتَوَسِّطَةُ الْحَاصِلَةُ عَنْ تَفَاعُلِ كَيْفِيَّاتِ الْعَنَاصِرِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ عَلَى مَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْقَوَاعِدِ، فَتِلْكَ الْحَالُ هِيَ الِاعْتِدَالُ الطَّبِيعِيِّ، فَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنِ التَّوَسُّطِ بِغَلَبَةِ الْحَرَارَةِ، أَوِ الْبُرُودَةِ، أَوِ الرُّطُوبَةِ، أَوِ الْيُبُوسَةِ، كَانَ ذَلِكَ هُوَ انْحِرَافُ الْمِزَاجِ، وَهُوَ الْعِلَّةُ وَالْمَرَضُ وَالسَّقَمُ.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ عَقْلًا» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: ثُمَّ اسْتُعِيرَتِ الْعِلَّةُ مِنَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، فَجُعِلَتْ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْعَقْلِيَّةِ «لِمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَ الْعَقْلِيَّ لِذَاتِهِ، كَالْكَسْرِ لِلِانْكِسَارِ، وَالتَّسْوِيدِ» الْمُوجِبِ، أَيْ: الْمُؤْثِرِ «لِلسَّوَادِ» لِذَاتِهِ، أَيْ: لِكَوْنِهِ كَسْرًا، أَوْ تَسْوِيدًا، لَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ مِنْ وَضْعٍ أَوِ اصْطِلَاحٍ.

وَهَكَذَا الْعِلَلُ الْعَقْلِيَّةُ هِيَ مُؤَثِّرَةٌ لِذَوَاتِهَا بِهَذَا الْمَعْنَى، كَالتَّحَرُّكِ الْمُوجِبِ لِلْحَرَكَةِ، وَالتَّسْكِينِ الْمُوجِبِ لِلسُّكُونِ.

«ثُمَّ اسْتُعِيرَتِ» الْعِلَّةُ مِنَ التَّصَرُّفِ الْعَقْلِيِّ إِلَى التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ، فَجُعِلَتْ فِيهِ

ص: 420

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«لِمَعَانٍ» ثَلَاثَةٍ:

«أَحَدُهَا: مَا أَوْجَبَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ» ، أَيْ: مَا وُجِدَ عِنْدَهُ «لَا مَحَالَةَ» ، أَيْ: يُوجَدُ عِنْدَهُ قَطْعًا وَلَابُدَّ «وَهُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ مُقْتَضَى الْحُكْمِ وَشَرْطِهِ وَمَحَلِّهِ وَأَهْلِهِ تَشْبِيهًا بِأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ» .

وَذَلِكَ أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا: كُلُّ حَادِثٍ، فَلَابُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ، لَكِنَّ الْعِلَّةَ إِمَّا مَادِّيَّةٌ: كَالْفِضَّةِ لِلْخَاتَمِ، وَالْخَشَبِ لِلسَّرِيرِ، أَوْ صُورِيَّةٌ: كَاسْتِدَارَةِ الْخَاتَمِ، وَتَرْبِيعِ السَّرِيرِ، أَوْ فَاعِلِيَّةٌ: كَالصَّائِغِ وَالنَّجَّارِ، أَوْ غَائِيَّةٌ: كَالتَّحَلِّي بِالْخَاتَمِ، وَالنَّوْمِ عَلَى السَّرِيرِ. فَهَذِهِ أَجْزَاءُ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَمَجْمُوعُهَا الْمُرَكَّبُ مِنْ أَجْزَائِهَا هُوَ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ، فَكَذَلِكَ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الْعِلَّةِ بِإِزَاءِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَالْمُوجِبُ لَهُ لَا مَحَالَةَ هُوَ مُقْتَضِيهِ وَشَرْطُهُ وَمَحَلُّهُ وَأَهْلُهُ.

مِثَالُهُ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ: حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَمُقْتَضِيهِ: أَمْرُ الشَّارِعِ بِالصَّلَاةِ، وَشَرْطُهُ: أَهْلِيَّةُ الْمُصَلِّي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إِلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَمَحَلُّهُ: الصَّلَاةُ، وَأَهْلُهُ: الْمُصَلِّي.

وَكَذَلِكَ حُصُولُ الْمُلْكِ فِي الْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ: حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَمُقْتَضِيهِ: حِكْمَةُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا، وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِيهِمَا، وَشَرْطُهُ: مَا ذُكِرَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَمَحَلُّهُ: هُوَ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ وَالْمَرْأَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَأَهْلُهُ: كَوْنُ الْعَاقِدِ صَحِيحَ الْعِبَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ.

وَافْرِضْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الزِّنَى وَالْقَتْلِ وَالرِّدَّةِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْعُقُوبَاتِ فِيهَا أَحْكَامٌ لَهَا مُقْتَضَيَاتٌ وَشُرُوطٌ وَمَحَالٌّ وَأَهْلٌ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُقْتَضِي وَالشَّرْطِ وَالْمَحَلِّ وَالْأَهْلِ، بَلِ الْعِلَّةُ الْمَجْمُوعُ، وَالْأَهْلُ وَالْمَحَلُّ وَصْفَانِ مِنْ أَوْصَافِهَا.

قُلْتُ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هُمَا رُكْنَانِ مِنْ أَرْكَانِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمَا جُزْءَانِ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَرُكْنُ الشَّيْءِ: هُوَ جُزْؤُهُ الدَّاخِلُ فِي حَقِيقَتِهِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ مَجْمُوعُهَا يُسَمَّى عِلَّةً، وَمُقْتَضَى الْحُكْمِ: هُوَ الْمَعْنَى الطَّالِبُ لَهُ، وَشَرْطُهُ: يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَهْلُهُ: هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ، وَمَحَلُّهُ: مَا تَعَلَّقَ بِهِ. وَقَدْ بَانَ الْمِثَالُ.

قَوْلُهُ: «الثَّانِي» أَيِ: الثَّانِي مِنَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي اسْتُعِيرَتْ لَهَا الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهُوَ «مُقْتَضَى الْحُكْمِ وَإِنْ تَخَلَّفَ» ، أَيْ: وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ الْحُكْمُ «لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ» ، مِثَالُهُ: الْيَمِينُ هِيَ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَتُسَمَّى عِلَّةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ: الْحَلِفُ الَّذِي هُوَ الْيَمِينُ وَالْحِنْثُ فِيهَا، لَكِنَّ الْحِنْثَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَالْحَلِفُ هُوَ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لَهُ فَقَالُوا: هُوَ عِلَّةٌ، فَإِذَا حَلَفَ الْإِنْسَانُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ، قِيلَ: قَدْ وُجِدَتْ مِنْهُ عِلَّةُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ لَا يُوجَدُ حَتَّى يَحْنَثَ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ، انْعَقَدَ سَبَبُهُ. وَكَذَا الْكَلَامُ فِي مُجَرَّدِ مِلْكِ النَّصَّابِ، يُقَالُ: وُجِدَتْ عِلَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ مِلْكَ النَّصَّابِ مُقْتَضٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْوُجُوبُ إِلَّا بَعْدَ

ص: 422

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حُؤُولِ الْحَوْلِ، وَلَكِنْ بِمِلْكِ النَّصَّابِ، انْعَقَدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ. وَكَذَلِكَ الْجَرْحُ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ، وَزَهُوقُ نَفْسِ الْمَجْرُوحِ شَرْطٌ. وَلِهَذَا لَمَّا انْعَقَدَتْ أَسْبَابُ الْوُجُوبِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْمُقْتَضَيَاتِ، جَازَ فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وُجُودِهَا وَقَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهَا عِنْدَنَا، كَالتَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ.

وَقَوْلُهُ: «لِفَوَاتِ شَرْطٍ» ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ: يُسَمَّى عِلَّةً لِوُجُوبِ الْقَوَدِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ وُجُوبُهُ لِفَوَاتِ الْمُكَافَأَةِ، وَهِيَ شَرْطٌ لَهُ، بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا، «أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ» ، مِثْلِ: إِنْ كَانَ الْقَاتِلُ وَالِدًا، فَإِنَّ الْإِيلَادَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَكَذَلِكَ النِّصَابُ يُسَمَّى: عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ الْوُجُوبُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ، كَحُؤُولِ الْحَوْلِ، أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ، كَالدَّيْنِ، فَإِنَّهُ مَانِعٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ.

قَوْلُهُ: «الثَّالِثُ» ، أَيْ: مِنَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي اسْتُعِيرَتْ لَهَا الْعِلَّةُ فِي الشَّرْعِ، وَهُوَ حِكْمَةُ الْحُكْمِ، «كَمَشَقَّةِ السَّفَرِ لِلْقَصْرِ وَالْفِطْرِ، وَالدَّيْنِ لِمَنْعِ الزَّكَاةِ، وَالْأُبُوَّةِ لِمَنْعِ الْقِصَاصِ» ، فَيَقُولُونَ: مَشَقَّةُ السَّفَرِ هِيَ عِلَّةُ اسْتِبَاحَةِ الْقَصْرِ، وَالْفِطْرُ لِلْمُسَافِرِ، وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ مَالِكِ النِّصَابِ عِلَّةٌ لِمَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَالْأُبُوَّةُ، أَيْ: كَوْنُ الْقَاتِلِ أَبًا، عِلَّةٌ لِمَنْعِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ.

وَالْمُرَادُ بِحِكْمَةِ الْحُكْمِ: هُوَ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ الَّذِي نَشَأَ عَنْهُ الْحُكْمُ.

وَبَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ: أَنَّ حُصُولَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمُسَافِرِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ

ص: 423

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ عَنْهُ بِقَصْرِهَا وَالتَّخْفِيفُ عَنْهُ بِالْفِطْرِ، وَانْقِهَارُ مَالِكِ النَّصَّابِ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَنْهُ، وَكَوْنُ الْأَبِ سَبَبُ وُجُودِ الْوَلَدِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبَ إِيجَادِهِ لَمْ تَقْتَضِ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَبَبَ إِعْدَامِهِ وَهَلَاكِهِ لِمَحْضِ حَقِّهِ.

وَاحْتَرَزْنَا بِهَذَا عَنْ وُجُوبِ رَجْمِهِ إِذَا زَنَى بِابْنَتِهِ، فَهِيَ إِذًا سَبَبُ إِعْدَامِهِ مَعَ كَوْنِهِ سَبَبَ إِيجَادِهَا، لَكِنَّ ذَلِكَ لِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ سبحانه وتعالى، حَتَّى لَوْ قَتَلَهَا، لَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ بِهَا، لَأَنَّ الْحَقَّ لَهَا.

ص: 424