المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الرَّابِعُ‌ ‌ الصَّوْتُ: عَرَضٌ مَسْمُوعٌ. وَاللَّفْظُ: صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى مَخْرَجٍ مِنْ - شرح مختصر الروضة - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ:

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي التَّكْلِيفِ

- ‌ تَكْلِيفِ الْمُمَيِّزِ

- ‌فُرُوعٌ:

- ‌ الْجِهَادَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ

- ‌ إِنْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ، صَحَّ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ

-

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ

- ‌الْوَاجِبُ

- ‌الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ

- ‌النَّدْبُ

- ‌الْحَرَامُ

- ‌الْمَكْرُوهُ:

- ‌الْمُبَاحُ:

- ‌التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ»

- ‌هَلْ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ

- ‌ الْعِلَّةُ

- ‌ السَّبَبُ

- ‌ الشَّرْطُ

- ‌ فَوَائِدَ

- ‌ الثَّانِيَةُ: فِي فُرُوقٍ نَافِعَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ:

- ‌ الثَّالِثَةُ: الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ:

- ‌ الْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ

- ‌ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي اللُّغَاتِ

- ‌ مَبْدَأِ اللُّغَاتِ

- ‌ الْأَسْمَاءُ: وَضْعِيَّةٌ، وَعُرْفِيَّةٌ، وَشَرْعِيَّةٌ، وَمَجَازٌ

- ‌ أَقْسَامِ التَّجَوُّزِ

- ‌ الصَّوْتُ:

- ‌الْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ

- ‌الْكَلَامُ: نَصٌّ، وَظَاهِرٌ، وَمُجْمَلٌ

- ‌الظَّاهِرُ:

الفصل: الرَّابِعُ‌ ‌ الصَّوْتُ: عَرَضٌ مَسْمُوعٌ. وَاللَّفْظُ: صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى مَخْرَجٍ مِنْ

الرَّابِعُ‌

‌ الصَّوْتُ:

عَرَضٌ مَسْمُوعٌ. وَاللَّفْظُ: صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى مَخْرَجٍ مِنْ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ. وَالْكَلِمَةُ: لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى مُفْرَدٍ، وَالْأَجْوَدُ لَفْظٌ اسْتُعْمِلَ. وَجَمْعُهَا كَلِمٌ مُفِيدًا أَوْ غَيْرَ مُفِيدٍ. وَهِيَ جِنْسُ أَنْوَاعِهِ: اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ، وَلِقِسْمَتِهَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ.

ــ

قَوْلُهُ: «الرَّابِعُ» ، أَيِ: الْبَحْثُ الرَّابِعُ مِنْ أَبْحَاثِ اللُّغَةِ.

الصَّوْتُ وَاللَّفْظُ وَالْكَلِمَةُ

قَوْلُهُ: «الصَّوْتُ عَرَضٌ مَسْمُوعٌ» ، هَذَا ذِكْرٌ لِجُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ اللُّغَةِ وَأَجْزَائِهَا مِنْ أَوَّلِ مَبَادِئِهَا، وَهَكَذَا رَسْمُ الصَّوْتِ بِأَنَّهُ عَرَضٌ مَسْمُوعٌ، يَحْصُلُ عَنِ اصْطِكَاكِ الْأَجْرَامِ، وَسَبَبُهُ انْضِغَاطُ الْهَوَاءِ بَيْنَ الْجَرْمَيْنِ، فَيَتَمَوَّجُ تَمَوُّجًا شَدِيدًا، فَيَخْرُجُ فَيَقْرَعُ صِمَاخَ الْأُذُنِ، فَتُدْرِكُهُ قُوَّةُ السَّمْعِ، وَلِهَذَا تَخْتَلِفُ الْأَصْوَاتُ فِي الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ، لِاخْتِلَافِ الْأَجْسَامِ الْمُتَصَاكِكَةِ فِي الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ، فَالصَّوْتُ الْحَاصِلُ عَنْ وُقُوعِ الْبَرَدِ عَلَى الْحَجَرِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنَ الْحَاصِلِ مِنْ وُقُوعِ الْمَطَرِ عَلَى الْأَرْضِ اللَّيِّنَةِ أَوِ التُّرَابِ الثَّائِرِ، وَالصَّوْتُ الْحَاصِلُ عَنْ وُقُوعِ الْمِطْرَقَةِ عَلَى السِّنْدَانِ أَظْهَرُ مِنَ الْحَاصِلِ عَنْ وُقُوعِ جَزَّةِ صُوفٍ مَنْقُوشٍ عَلَى مِثْلِهَا.

فَأَمَّا صَوْتُ الْمُتَكَلِّمِ، فَهُوَ أَيْضًا عَرَضٌ حَاصِلٌ عَنِ اصْطِكَاكِ أَجْرَامِ الْفَمِ - وَهِيَ مَخَارِجُ الْحُرُوفِ - وَدَفْعِ النَّفَسِ الْهَوَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى أُذُنِ السَّامِعِ، مُتَكَيِّفًا بِصُورَةِ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ.

وَقَوْلُنَا: الصَّوْتُ عَرَضٌ، هُوَ جِنْسٌ لَهُ، يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَعْرَاضِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا،

ص: 538

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كَالْحَرَكَاتِ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ.

وَقَوْلُنَا: مَسْمُوعٌ، خَرَجَتْ جَمِيعُهَا، إِلَّا الْعَرَضَ الَّذِي يُدْرَكُ بِالسَّمْعِ - وَهُوَ الصَّوْتُ - وَإِنَّمَا بَدَأْنَا بِالصَّوْتِ لِأَنَّهُ الْجِنْسُ الْأَعْلَى لِلْكَلَامِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِ الْكَلَامِ فِيهِ فِي الْبَحْثِ.

قَوْلُهُ: «وَاللَّفْظُ مُعْتَمِدٌ عَلَى مَخْرَجٍ مِنْ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ» .

اعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ مَصْدَرُ لَفَظْتُ الشَّيْءَ أَلْفِظُهُ لَفْظًا: إِذَا أَلْقَيْتُهُ نَابِذًا لَهُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الصَّوْتُ الْمُعْتَمِدُ عَلَى مَخَارِجِ الْحُرُوفِ، لِأَنَّ الصَّوْتَ لِخُرُوجِهِ مِنَ الْفَمِ صَارَ كَالْجَوْهَرِ الْمَلْفُوظِ الْمُلْقَى، فَهُوَ مَلْفُوظٌ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، فَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ تَسْمِيَةٌ لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ، كَتَسْمِيَةِ الثَّوْبِ الْمَنْسُوجِ نَسْجًا، وَالدِّرْهَمِ الْمَضْرُوبِ ضَرْبًا فِي قَوْلِهِمْ: هَذَا الثَّوْبُ نَسْجُ الْيَمَنِ، وَهَذَا الدِّرْهَمُ ضَرْبُ الْأَمِيرِ.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَاللَّفْظُ الِاصْطِلَاحِيُّ نَوْعُ لِلصَّوْتِ، لِأَنَّهُ صَوْتٌ مَخْصُوصٌ، وَلِهَذَا أُخِذَ الصَّوْتُ فِي حَدِّ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ فِي الشَّيْءِ جِنْسُ ذَلِكَ الشَّيْءِ.

وَمَخَارِجُ الْحُرُوفِ سِتَّةَ عَشَرَ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَمَعْنَى اعْتِمَادِ الصَّوْتِ عَلَى الْمَخْرِجِ هُوَ أَنَّ الصَّوْتَ هَوَاءٌ يَصْحَبُ النَّفَسَ مِنَ الْجَوْفِ، وَلِهَذَا إِذَا أُمْسِكَ حَلْقُ الْإِنْسَانِ، انْقَطَعَ صَوْتُهُ، لِانْقِطَاعِ مَادَّةِ الْهَوَاءِ الصَّاعِدِ مِنَ الْجَوْفِ

ص: 539

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إِلَى الْفَمِ، فَإِذَا وَصَلَ ذَلِكَ الْهَوَاءُ إِلَى الْأَمَاكِنِ الْمَخْصُوصَةِ مِنَ الْفَمِ وَالْحَلْقِ، الْمُسَمَّاةِ بِمَخَارِجِ الْحُرُوفِ، يُقَطَّعُ عِنْدَهَا تَقْطِيعًا مَخْصُوصًا، لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ عَنْ خُرُوجِهِ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ، فَتَظْهَرُ الْحُرُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ التَّقْطِيعِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: الْأَلِفُ حَرْفٌ هَوَائِيٌّ لَا مَخْرَجَ لَهُ، لِأَنَّ النَّفَسَ يَخْرُجُ بِهَا مُسْتَقِيمًا لَا عَائِقَ لَهُ، بِخِلَافِ الْحَاءِ وَالْهَاءِ وَالْهَمْزَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ، فَإِنَّ الْعَائِقَ يَعْرِضُ لِلنَّفَسِ فِي الْحَلْقِ، فَتَظْهَرُ هَذِهِ الْحُرُوفُ، وَالْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ وَالْفَاءُ يَعْرِضُ الْعَائِقُ لِلنَّفَسِ فِيهَا فِي الشَّفَتَيْنِ فَتَظْهَرُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ: الشَّفَوِيَّةَ، وَالْأُولَى: الْحُرُوفَ الْحَلْقِيَّةَ.

وَقَوْلُنَا: «اللَّفْظُ صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى مَخْرَجٍ مِنْ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ» ، ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ صَوْتٍ اعْتَمَدَ عَلَى مَخْرَجٍ وَاحِدٍ مِنَ الْمَخَارِجِ يَكُونُ لَفْظًا، وَهُوَ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ حُرُوفَ الْهِجَاءِ الْمُفْرَدَةِ، نَحْوَ: ب ت ث، وَنَحْوَهُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا تَرَكَّبَ مِنْهَا مِنِ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ حَرْفٍ، نَحْوَ: زَيْدٌ قَامَ فِي الدَّارِ، لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِيهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْمَخْرَجِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمَخْرَجِ الْوَاحِدِ وَجَمِيعِ الْمَخَارِجِ، وَهُوَ بَعْضُ الْمَخَارِجِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِهِ هَكَذَا: اللَّفْظُ صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى بَعْضِ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ، فَهُوَ أَجْوَدُ وَأَبْيَنُ.

قَوْلُهُ: «وَالْكَلِمَةُ لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى مُفْرَدٍ» .

هَذَا حَدُّ الْكَلِمَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَخَطَرَ لِي أَنَّ قَوْلَهُ: لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى، يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ اخْتِصَاصَهُ بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي هِيَ حَقَائِقُ وَضْعِيَّةٌ، كَالْأَسَدِ فِي السَّبُعِ، لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ دُونَ الْكَلِمِ الْمَجَازِيَّةِ، كَالْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ، فَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: أَنْ لَا يَكُونَ كَلِمَةً، وَهُوَ كَلِمَةٌ بِلَا خِلَافٍ، فَلِذَلِكَ قُلْتُ: «وَالْأَجْوَدُ

ص: 540

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لَفْظٌ اسْتُعْمِلَ» أَيِ: الْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ: الْكَلِمَةُ لَفْظٌ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنًى مُفْرَدٍ، لِيَتَنَاوَلَ مَا وُضِعَ لِمَعْنًى بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَمَا نُقِلَ إِلَى غَيْرِ مَوْضُوعِهِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ أَعَمُّ مِنَ الْوَضْعِ، فَإِنْ كَانَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وُضِعَ، الْوَضْعَ الْأَوَّلَ الْحَقِيقِيَّ، وَرَدَّ عَلَيْهِ كُلَّ لَفْظٍ مَجَازِيٍّ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِعْمَالَ كَمَا ذَكَرْنَا، فَالتَّصْرِيحُ بِهِ كَمَا قُلْنَا أَوْلَى، لِمَا عُرِفَ مِنْ وُجُوبِ صِيَانَةِ الْحُدُودِ عَنِ الْأَجْمَالِ وَالْإِبْهَامِ. غَيْرَ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْأَلْفَاظَ فِيمَا بَيْنَ وَضْعِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا، وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ حِينَئِذٍ كَلِمَاتٍ، لَكِنَّ الْخَطْبَ فِيهَا يَسِيرٌ، وَيُمْكِنُنَا الْتِزَامُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهَا كَلِمَةً، كَمَا كَانَ شَرْطًا فِي كَوْنِهَا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا.

إِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَالْكَلِمَةُ نَوْعٌ لِلَّفْظِ، لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي حَدِّهَا، كَمَا أُخِذَ الصَّوْتُ فِي حَدِّ اللَّفْظِ.

وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: مُفْرَدٌ، هَلْ هُوَ مَجْرُورٌ عَلَى النَّعْتِ لِمَعْنًى، أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى النَّعْتِ لِلَّفْظٍ. وَتَقْدِيرُهُ: الْكَلِمَةُ لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى. وَفِي هَذَا كَلَامٌ طَوِيلٌ، لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ هَاهُنَا.

قَوْلُهُ: «وَجَمْعُهَا» ، أَيْ: جَمْعُ الْكَلِمَةِ، «كَلِمٌ» ، وَنَظِيرُهُ: لَبِنَةٌ وَلَبِنٌ، وَنَبِقَةٌ وَنَبِقٌ، وَثَفِنَةٌ وَثَفِنٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْفَاءِ، وَهِيَ مَا يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَعْضَاءِ الْبَعِيرِ إِذَا بَرَكَ، وَتُجْمَعُ أَيْضًا هِيَ وَنَظَائِرُهَا بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ، نَحْوَ: كَلِمَاتٍ، وَلَبِنَاتٍ، وَنَبِقَاتٍ، وَهَذَا جَمْعُ تَصْحِيحٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: «مُفِيدًا» كَانَ «أَوْ غَيْرَ مُفِيدٍ» ، أَيِ: الْكَلِمُ الَّذِي هُوَ جَمْعُ الْكَلِمَةِ: يُطْلَقُ عَلَى الْمُفِيدِ، نَحْوَ: زَيْدٌ قَائِمٌ فِي الدَّارِ، وَعَلَى غَيْرِ الْمُفِيدِ، نَحْوَ:«زَيْدٌ» «هَلْ» «قَدْ»

ص: 541

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«مِنْ» «إِلَى» «قَامَ» «قَعَدَ» .

قَوْلُهُ: «وَهِيَ» يَعْنِي الْكَلِمَةَ «جِنْسُ أَنْوَاعِهِ: اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ. وَلِقِسْمَتِهَا» ، أَيْ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ «طُرُقٌ كَثِيرَةٌ» ، أَمَّا كَوْنُ الْكَلِمَةِ جِنْسًا لِلِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ، فَلِأَنَّهَا تُوجَدُ فِي حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ، فَيُقَالُ:

الِاسْمُ: كَلِمَةٌ دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهَا غَيْرُ مُقْتَرِنَةٍ بِزَمَانِ ذَلِكَ الْمَعْنَى.

وَالْفِعْلُ: كَلِمَةٌ دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهَا وَعَلَى زَمَانِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، نَحْوَ: قَامَ يَقُومُ.

وَالْحَرْفُ: كَلِمَةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى إِلَّا فِي غَيْرِهَا.

وَكُلُّ مَا أُخِذَ فِي حَدِّ شَيْءٍ، فَهُوَ جِنْسٌ لَهُ كَمَا سَبَقَ، وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْجِنْسَ أَعَمُّ مِنْ نَوْعِهِ، وَالنَّوْعَ أَخَصُّ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَلِمَةَ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ، وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَخَصُّ مِنَ الْكَلِمَةِ، إِذْ كُلُّ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ حَرْفٍ، فَهُوَ كَلِمَةٌ، وَلَيْسَ كُلٌّ اسْمًا، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ فِعْلًا أَوْ حَرْفًا، وَلَا فِعْلًا، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ اسْمًا أَوْ حَرْفًا، وَلَا حَرْفًا، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلِمَةَ جِنْسٌ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ جِنْسٍ قُسِّمَ إِلَى أَنْوَاعِهِ، أَوْ نَوْعٌ قُسِّمَ إِلَى أَشْخَاصِهِ، فَاسْمُ الْمَقْسُومِ صَادِقٌ عَلَى الْمَقْسُومِ إِلَيْهِ، كَالْحَيَوَانِ الْمُقَسَّمِ إِلَى نَاطِقٍ وَغَيْرِهِ، وَكِلَاهُمَا حَيَوَانٌ، وَالْإِنْسَانُ الْمَقْسُومُ إِلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو

ص: 542

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَبَكْرٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَشْخَاصِ، وَكُلُّهُمْ إِنْسَانٌ، وَالْكَلِمَةُ صَادِقَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ، فَهِيَ جِنْسٌ لَهَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا. وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِاللَّازِمِ الْمُسَاوِي، لِأَنَّ الْجِنْسَ يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ انْقِسَامِهِ إِلَى الْأَنْوَاعِ، وَالِانْقِسَامَ إِلَى الْأَنْوَاعِ يَسْتَلْزِمُ صِدْقَ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَقْسُومِ إِلَى الْمَقْسُومِ إِلَيْهِ.

وَأَمَّا أَنَّ لِقِسْمَةِ الْكَلِمَةِ إِلَى الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ طُرُقًا كَثِيرَةً، فَلِأَنَّ مِنْ تِلْكَ الطُّرُقِ:

الطَّرِيقَةُ الْأُولَى، الْمَنْسُوبَةَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، الَّذِي أَنْشَأَ الْعَرَبِيَّةَ، وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ وَالْكَلِمَةَ، إِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى ذَاتٍ، أَوْ عَلَى حَرَكَةِ ذَاتٍ، أَوْ عَلَى رَابِطَةٍ بَيْنَهُمَا.

فَالْأَوَّلُ: الِاسْمُ، كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو.

وَالثَّانِي: الْفِعْلُ، كَقَامَ وَقَعَدَ، لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْحَقِيقَةَ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ حَرَكَاتُ الْأَجْسَامِ، وَالْأَفْعَالَ الْمَجَازِيَّةِ، نَحْوَ: رَخُصَ السِّعْرُ، وَسَهُلَ الْأَمْرُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مُلْحَقٌ.

وَالثَّالِثُ: الْحَرْفُ، نَحْوَ «مِنْ» وَ «إِلَى» وَ «قَدْ» وَ «هَلْ» لِأَنَّهُ إِنَّمَا أُتِيَ بِهِ لِيَرْبُطَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي.

ص: 543

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَمِنْهَا: طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهِيَ أَنَّ الْكَلِمَةَ إِمَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهَا أَوْ لَا، فَإِنْ دَلَّتْ، فَإِمَّا أَنْ لَا تَدُلَّ عَلَى زَمَنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ تَدُلَّ، فَالْأَوَّلُ: الِاسْمُ، وَالثَّانِي: الْفِعْلُ، وَالثَّالِثُ: الْحَرْفُ، وَهَذَا عَلَى مُرَاعَاةِ مَرَاتِبِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ.

أَمَّا مَعَ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ فَيُقَالُ: الْكَلِمَةُ إِمَّا أَنْ لَا تَدُلَّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهَا وَهُوَ الْحَرْفُ، أَوْ تَدُلَّ، فَإِمَّا مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى زَمَانِ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْفِعْلُ، أَوْ عَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الِاسْمُ.

وَمِنْهَا: طَرِيقَةُ الْآمِدِيِّ: وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ إِمَّا أَنْ يَصِحَّ تَرَكُّبُ الْقَضِيَّةِ الْخَبَرِيَّةِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ صَحَّ، فَهُوَ الِاسْمُ، كَقَوْلِنَا: زَيْدٌ قَائِمٌ. قَدْ تَرَكَّبَتِ الْقَضِيَّةُ مِنِ اسْمَيْنِ، وَجِنْسُهُمَا وَاحِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ تَرَكُّبُ الْقَضِيَّةِ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا فِيهَا أَوْ لَا، فَإِنْ صَحَّ، فَهُوَ الْفِعْلُ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَرَكُّبُ الْجُمْلَةِ الْمُفِيدَةِ مِنْهُ، كَقَوْلِنَا: قَامَ قَامَ، أَوْ قَامَ قَعَدَ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا فِيهَا، نَحْوَ: قَامَ زَيْدٌ، وَقَعَدَ عَمْرٌو، إِذِ الْفِعْلُ أَحَدُ رُكْنَيِ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا فِيهَا، فَهُوَ الْحَرْفُ.

وَمِنْهَا: طَرِيقَةُ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى انْحِصَارِ أَنْوَاعِ الْكَلِمَةِ، بَلْ أَجْزَاءُ الْكَلَامِ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُنْحَصِرَةً فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، لَاخْتَلَّ مَقْصُودُ التَّفَاهُمِ بِالزِّيَادَةِ أَوِ النَّقْصِ، لَكِنَّ مَقْصُودَ التَّفَاهُمِ لَمْ يَخْتَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى انْحِصَارِ أَجْزَاءِ الْكَلَامِ فِي الْكَلِمِ الثَّلَاثِ. وَذَلِكَ أَنَّ مَقْصُودَ التَّفَاهُمِ حُصُولُ أَلْفَاظٍ مُطَابِقَةٍ لِمَا فِي النُّفُوسِ، يُعَبَّرُ بِهَا عَنْهُ، فَلَوْ لَمْ تَنْحَصِرْ أَجْزَاءُ

ص: 544

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْكَلَامِ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، لَكَانَتْ إِمَّا أَرْبَعَةٌ فَصَاعِدًا، فَيَبْقَى فِي اللُّغَةِ جُزْءٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَتَكُونُ زِيَادَتُهُ عَبَثًا، لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الضَّرُورَةِ يَكُونُ عَبَثًا. وَإِمَّا اثْنَيْنِ فَأَقَلَّ، فَيَبْقَى بَعْضُ أَغْرَاضِ النُّفُوسِ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ، فَيَكُونُ تَقْصِيرًا عَنِ الْوَفَاءِ بِالضَّرُورَةِ، وَهُوَ خَلَلٌ فِي الْحِكْمَةِ، فَلَمَّا رَأَيْنَا هَذِهِ الْأَقْسَامَ وَافِيَةً بِالتَّعْبِيرِ عَمَّا فِي النُّفُوسِ، مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ بِزِيَادَةٍ، وَلَا تَفْرِيطٍ بِنَقْصٍ، دَلَّ عَلَى انْحِصَارِهَا فِيهَا.

وَمِنْهَا: طَرِيقَةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَاحِدِ الْكُوفِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْجُمَلِ، وَاسْتَضْعَفَهَا. وَوَجْهُ اسْتِضْعَافِهَا أَنَّهَا غَيْرُ حَاصِرَةٍ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ الْعَقْلِيَّةَ تَقْتَضِي قِسْمًا رَابِعًا، وَهُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ لَا بِهِ.

قُلْتُ: هُوَ كَذَلِكَ، لَكِنَّ هَذَا إِنَّمَا تُرِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ، لَا لِكَوْنِهِ أُهْمِلَ ذِكْرُهُ مَعَ إِمْكَانِهِ. وَوَجْهُ عَدَمِ تَصَوُّرِهِ أَنَّ كُلَّ مُخْبَرٍ عَنْهُ يَصِحُّ أَنْ يُخْبَرَ بِهِ وَلَا عَكْسَ، فَالْمُخْبَرُ عَنْهُ أَخَصُّ مِنَ الْمُخْبَرِ بِهِ، فَلَوْ وُجِدَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ بِدُونِ الْمُخْبَرِ بِهِ، لَوُجِدَ الْأَخَصُّ بِدُونِ الْأَعَمِّ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَيَتَّضِحُ هَذَا بِأَنْ يُجْعَلَ مَكَانَ الْإِخْبَارِ الْإِسْنَادُ، فَنَقُولُ: اللَّفْظُ إِمَّا أَنْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا، وَمُسْنَدًا إِلَيْهِ، وَهُوَ الِاسْمُ، أَوْ لَا مُسْنَدًا وَلَا مُسْنَدًا إِلَيْهِ، وَهُوَ الْحَرْفُ، أَوْ مُسْنَدًا إِلَيْهِ، وَهُوَ الْفِعْلُ، أَوْ مُسْنَدًا إِلَيْهِ لَا مُسْنَدًا، وَهُوَ مُحَالٌ، لِأَنَّ كُلَّ مُسْنَدٍ إِلَيْهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا إِلَى مِثْلِهِ، أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مُسْنَدٍ يَصِحُّ

ص: 545

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَنْ يَكُونَ مُسْنَدًا إِلَيْهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَحْتَاجَ لِضَعْفِهِ إِلَى أَنْ يُسْنَدَ، وَيَضْعُفَ لِذَلِكَ عَنْ أَنْ يُسْنَدَ إِلَيْهِ. وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالْمَحْسُوسَاتِ، فَالْمُسْنَدُ إِلَيْهِ أَخَصُّ مِنَ الْمُسْنَدِ، فَلَوْ وُجِدَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ بِدُونِ صِحَّةِ كَوْنِهِ مُسْنَدًا، لَزِمَ وُجُودُ الْأَخَصِّ بِدُونِ الْأَعَمِّ، وَهُوَ مُحَالٌ.

ص: 546