الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَكْرُوهُ:
ضِدُّ الْمَنْدُوبِ. وَهُوَ مَا مُدِحَ تَارِكُهُ، وَلَمْ يُذَمَّ فَاعِلُهُ.
وَقِيلَ: مَا تَرَجَّحَ تَرْكُهُ عَلَى فِعْلِهِ، مِنْ غَيْرِ وَعِيدٍ فِيهِ.
وَقِيلَ: مَا تَرْكُهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ، كَذَلِكَ. وَمَعَانِيهَا وَاحِدَةٌ.
وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِانْقِسَامِ النَّهْيِ إِلَى كَرَاهَةٍ وَحَظْرٍ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِتَنَافِيهِمَا.
وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ، كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَعَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى. وَإِطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ يَنْصَرِفُ إِلَى التَّنْزِيهِ.
ــ
«قَوْلُهُ: الْمَكْرُوهُ ضِدُّ الْمَنْدُوبِ» قُلْتُ: يَظْهَرُ تَضَادُّهُمَا مِنْ حُدُودِهِمَا عَلَى مَا مَضَى فِي الْمَنْدُوبِ وَذُكِرَ هُنَا.
وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ تَقْسِيمِ الْخِطَابِ إِلَى الْأَحْكَامِ أَنَّ الْمَنْدُوبَ: هُوَ الْمَأْمُورُ غَيْرُ الْجَازِمِ، وَالْمَكْرُوهَ: الْمَنْهِيُّ غَيْرُ الْجَازِمِ، فَالْمَنْدُوبُ قَسِيمُ الْوَاجِبِ فِي الْأَمْرِ، وَالْمَكْرُوهُ قَسِيمُ الْحَرَامِ فِي النَّهْيِ، فَتَحَقَّقَتِ الضِّدِّيَّةُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَادَّةِ، أَيْ: مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتِهِمَا وَمَادَّتِهِمَا، وَالْمَنْهِيُّ وَالْمَكْرُوهُ مَا نَفَرَ عَنْهُ الطَّبْعُ وَالشَّرْعُ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْكَرِيهَةُ: الشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْكُرْهُ بِالضَّمِّ: الْمَشَقَّةُ.
قُلْتُ: فَيَجُوزُ اشْتِقَاقُ الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الطَّبْعَ وَالشَّرْعَ لَا يُنَفِّرَانِ إِلَّا عَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شِدَّةٍ وَمَشَقَّةٍ بِحَسَبِ حَالِهِمَا.
قَوْلُهُ: «وَهُوَ» يَعْنِي الْمَكْرُوهَ «مَا مُدِحَ تَارِكُهُ وَلَمْ يُذَمَّ فَاعِلُهُ» فَمَا مُدِحَ تَارِكُهُ يَتَنَاوَلُ الْحَرَامَ. وَبِقَوْلِنَا: «وَلَمْ يُذَمَّ فَاعِلُهُ» يَخْرُجُ الْحَرَامُ، لِأَنَّ فَاعِلَهُ مَذْمُومٌ.
«وَقِيلَ: مَا تَرَجَّحَ تَرْكُهُ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ وَعِيدٍ فِيهِ» وَبِهَذَا الْقَيْدِ الْأَخِيرِ أَيْضًا يَخْرُجُ الْحَرَامُ.
«وَقِيلَ: مَا تَرْكُهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ» وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُ الْحَرَامَ، لِأَنَّ تَرْكَهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ، لَكِنْ إِنَّمَا قَيَّدْتُهُ بِقَوْلِي، «كَذَلِكَ» أَيْ: مِنْ غَيْرِ وَعِيدٍ فِي فِعْلِهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَدِّ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ: هُوَ مَا تَرَجَّحَ تَرْكُهُ عَلَى فِعْلِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ، وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَ.
قَوْلُهُ: «وَمَعَانِيهَا وَاحِدَةٌ» أَيْ: مَعَانِي هَذِهِ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمَكْرُوهِ وَاحِدَةٌ لِاشْتِرَاكِ جَمِيعِهَا فِي أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا الْمَطْلُوبُ تَرْكُهُ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ.
قَوْلُهُ: «وَهُوَ» يَعْنِي الْمَكْرُوهَ «مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِانْقِسَامِ النَّهْيِ إِلَى كَرَاهَةٍ وَحَظْرٍ» ، وَمَوْرِدُ الْقِسْمَةِ مُشْتَرِكٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَيَتَّجِهُ فِي كَوْنِ الْمَكْرُوهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ مَا اتَّجَهَ فِي كَوْنِ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورًا بِهِ، لِأَنَّهُ مُقَابِلُهُ وَفِي وِزَانِهِ.
قَوْلُهُ: «فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِتَنَافِيهِمَا» . هَذِهِ الْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ، أَيْ: لَمَّا كَانَ الْمَكْرُوهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ، فَكَوْنُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ هُوَ السَّبَبُ فِي عَدَمِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَنَاوُلِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ لَهُ لِتَنَافِيهِمَا، أَيْ: لِتَنَافِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي إِيجَادَ الْفِعْلِ، وَالنَّهْيَ الصَّادِقَ عَلَى الْكَرَاهَةِ يَقْتَضِي الْكَفَّ عَنِ الْفِعْلِ بِالْجُمْلَةِ فَيَتَنَافَيَانِ. فَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى السَّدْلِ وَالتَّخَصُّرِ وَرَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ وَاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَالِالْتِفَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ فِيهَا، وَالْأَمْرُ بِالطَّوَافِ لَا يَتَنَاوَلُ طَوَافَ الْمُحْدِثِ عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ لَهُ الْوُضُوءَ.
قَوْلُهُ: «وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ» أَيِ: الْمَكْرُوهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ «كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» أَيْ: يَحْرُمُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى، كَقَوْلِهِ: وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ كَرِهْنَا لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُعِيدُ، أَيِ: الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَوْ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا تَرَكَ ذَلِكَ الْأَوْلَى. قَالَ الْآمِدِيُّ: قَدْ يُطْلَقُ الْمَكْرُوهُ عَلَى الْحَرَامِ وَعَلَى مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَعَلَى تَرْكِ مَا فِعْلُهُ رَاجِحٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ تَرْكُ الْأَوْلَى كَمَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَنْفِرُ مِنْهَا النَّفْسُ شَرْعًا.
قَوْلُهُ: «وَإِطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ يَنْصَرِفُ إِلَى التَّنْزِيهِ» أَيْ: إِذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْمَكْرُوهِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَانْصَرَفَ إِلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْمَحْظُورِ، وَهُوَ مَا تَرَجَّحَ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ وَعِيدٍ فِيهِ إِلَى أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ يَصْرِفُهُ إِلَى التَّحْرِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَكَثِيرًا مَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَئِمَّةِ الْعِلْمِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا لَفْظُ الْكَرَاهَةِ وَمَعْنَاهَا التَّحْرِيمُ، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى إِرَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ إِطْلَاقَ الْكَرَاهَةِ يَنْصَرِفُ إِلَى التَّنْزِيهِ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ كَمَا ذَكَرْنَا خَمْسَةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَدْ خُصَّ بِاسْمٍ غَلَبَ عَلَيْهِ، كَالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْحَرَامِ وَالْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ اخْتِصَاصَ مُسَمَّى الْمَكْرُوهِ بِاسْمِهِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ أُسْوَةً بِبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ، وَلَا مَعْنَى لِغَلَبَةِ اسْمِهِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ إِلَى مُسَمَّاهُ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ.