المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأداء والإعادة والقضاء - شرح مختصر الروضة - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ:

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي التَّكْلِيفِ

- ‌ تَكْلِيفِ الْمُمَيِّزِ

- ‌فُرُوعٌ:

- ‌ الْجِهَادَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ

- ‌ إِنْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ، صَحَّ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ

-

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ

- ‌الْوَاجِبُ

- ‌الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ

- ‌النَّدْبُ

- ‌الْحَرَامُ

- ‌الْمَكْرُوهُ:

- ‌الْمُبَاحُ:

- ‌التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ»

- ‌هَلْ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ

- ‌ الْعِلَّةُ

- ‌ السَّبَبُ

- ‌ الشَّرْطُ

- ‌ فَوَائِدَ

- ‌ الثَّانِيَةُ: فِي فُرُوقٍ نَافِعَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ:

- ‌ الثَّالِثَةُ: الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ:

- ‌ الْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ

- ‌ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي اللُّغَاتِ

- ‌ مَبْدَأِ اللُّغَاتِ

- ‌ الْأَسْمَاءُ: وَضْعِيَّةٌ، وَعُرْفِيَّةٌ، وَشَرْعِيَّةٌ، وَمَجَازٌ

- ‌ أَقْسَامِ التَّجَوُّزِ

- ‌ الصَّوْتُ:

- ‌الْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ

- ‌الْكَلَامُ: نَصٌّ، وَظَاهِرٌ، وَمُجْمَلٌ

- ‌الظَّاهِرُ:

الفصل: ‌ الأداء والإعادة والقضاء

الثَّانِي: الْأَدَاءُ: فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا. وَالْإِعَادَةُ: فِعْلُهُ فِيهِ ثَانِيًا، لِخَلَلٍ فِي الْأَوَّلِ. وَالْقَضَاءُ: فِعْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ، لِفَوَاتِهِ فِيهِ، لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ.

ــ

قَوْلُهُ: «الثَّانِي» ، أَيِ: الْأَمْرُ الثَّانِي مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ مِنْ لَوَاحِقِ خِطَابِ الْوَضْعِ، أَوْ كَاللَّوَاحِقِ لَهُ، وَهُوَ الْقَوْلُ فِي‌

‌ الْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ

، فَالْأَدَاءُ «فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا» كَفِعْلِ الْمَغْرِبِ مَا بَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِ الشَّفَقِ، وَالْفَجْرِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مُضَيَّقًا، كَالصَّوْمِ، وَمُوَسَّعًا مَحْدُودًا بِوَقْتٍ كَالصَّلَوَاتِ، أَوْ غَيْرَ مَحْدُودٍ، كَالْحَجِّ، فَإِنَّ وَقْتَهُ الْعُمْرُ، وَتَحْدِيدُهُ بِالْمَوْتِ ضَرُورِيٌّ لَيْسَ كَتَحْدِيدِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.

وَقَوْلُنَا: «فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ» احْتِرَازٌ مِمَّا رُبِطَ الْأَمْرُ بِفِعْلِهِ بِوُجُودِ سَبَبِهِ كَإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ إِذَا ظَهَرَ، وَإِنْقَاذِ غَرِيقٍ إِذَا وُجِدَ، وَكَالْجِهَادِ إِذَا تَحَرَّكَ الْعَدُوُّ، أَوْ حُصِرَ الْبَلَدُ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ فِعْلٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَلَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ فِي الِاصْطِلَاحِ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ وَقْتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقَالُ فِي فَاعِلِهِ: إِنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَوْلُنَا: «شَرْعًا» : احْتِرَازٌ مِنَ الْعُرْفِ وَالْعَقْلِ، فَإِنَّهُمَا لَا تَصَرُّفَ لَهُمَا فِي تَقْدِيرِ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ.

قَوْلُهُ: «وَالْإِعَادَةُ فِعْلُهُ فِيهِ» ، أَيْ: فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا «لِخَلَلٍ فِي الْأَوَّلِ» أَيْ: فِي الْفِعْلِ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ كَانَ الْخَلَلُ فِي الْأَجْزَاءِ، كَمَنْ صَلَّى بِدُونِ

ص: 447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ، أَوْ فِي الْكَمَالِ كَمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، فَيُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ فِي الْوَقْتِ. هَكَذَا يَذْكُرُهُ الْأُصُولِيُّونَ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ: الْإِعَادَةُ فِعْلُ الشَّيْءِ مَرَّةً أُخْرَى.

قُلْتُ: وَهَذَا أَوْفَقُ لِلُّغَةِ وَالْمَذْهَبِ، أَمَّا اللُّغَةُ: فَإِنَّ الْعَرَبَ عَلَى ذَلِكَ تُطْلِقُ الْإِعَادَةَ، يَقُولُونَ: أَعَدْتُ الْكَرَّةَ إِذَا كَرَّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَأَعَدْنَا الْحَرْبَ خَدْعَةً، وَرَجَعَ عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ، أَيْ: عَادَ رَاجِعًا كَمَا ذَهَبَ. وَإِعَادَةُ اللَّهِ سبحانه وتعالى لِلْعَالَمِ هُوَ إِنْشَاؤُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الْأَعْرَافِ: 29]، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الْأَنْبِيَاءِ: 104] ، {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الرُّومِ: 27] ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَعَرُّضٌ لِوُقُوعِ الْخَلَلِ فِي الْفِعْلِ الْأَوَّلِ.

وَأَمَّا الْمَذْهَبُ، فَإِنَّ أَصْحَابَنَا وَغَيْرَهُمْ قَالُوا: مَنْ صَلَّى ثُمَّ حَضَرَ جَمَاعَةً، سُنَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَهُمْ، إِلَّا الْمَغْرِبَ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا.

قُلْتُ: سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاتُهُ الْأَوْلَى مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ، فَقَدْ أَثْبَتُوا الْإِعَادَةَ مَعَ عَدَمِ الْخَلَلِ فِي الْأُولَى، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ: لَا تَخْتَصُّ الْإِعَادَةُ بِالْوَقْتِ، بَلْ هِيَ فِي الْوَقْتِ لِاسْتِدْرَاكِ الْمَنْدُوبَاتِ، وَبَعْدَ الْوَقْتِ لِاسْتِدْرَاكِ الْوَاجِبَاتِ.

قَوْلُهُ: «وَالْقَضَاءُ فِعْلُهُ» ، أَيْ: فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ «خَارِجَ الْوَقْتِ» ، أَيْ: بَعْدَ خُرُوجِهِ «لِفَوَاتِهِ فِيهِ» أَيْ: لِفَوَاتِ فِعْلِهِ فِي الْوَقْتِ «لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ» يَعْنِي: إِذَا فَاتَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي وَقْتِهِ الشَّرْعِيِّ فَفِعْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ قَضَاءٌ، سَوَاءٌ كَانَ فَوَاتُهُ فِي الْوَقْتِ لِعُذْرٍ،

ص: 448

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كَالْحَائِضِ يَفُوتُهَا الصَّوْمُ فِي رَمَضَانَ، فَتَصُومُ بَعْدَهُ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِأَنْ أَخَّرَ الْمَأْمُورَ بِهِ عَمْدًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى قَضَاءً فِي اللُّغَةِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ، تَقُولُ: قَضَيْتُ حَاجَتِي، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ، تَقُولُ: قَضَيْتُ دَيْنِي. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الْإِسْرَاءِ: 4]، {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ} [الْحِجْرِ: 66] ، أَيْ: أَنْهَيْنَاهُ وَأَبْلَغْنَاهُ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ فِعْلَ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا لِفَوَاتِهَا فِيهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، هُوَ فَرَاغٌ مِنْهَا وَأَدَاءٌ لِمَا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْهَا لُغَةً، وَانْتِهَاءٌ إِلَيْهِ، وَإِنْهَاءٌ لَهُ.

ص: 449

وَقِيلَ: لَا يُسَمَّى قَضَاءً مَا فَاتَ لِعُذْرٍ، كَالْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ يَسْتَدْرِكُونَ الصَّوْمَ، لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ حَالَ الْعُذْرِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ عِصْيَانِهِمْ لَوْ مَاتُوا فِيهِ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَقِيلَ: لَا يُسَمَّى قَضَاءً مَا فَاتَ لِعُذْرٍ» ، إِلَى آخِرِهِ.

هَذَا قَوْلٌ آخَرُ فِي الْقَضَاءِ يَتَضَمَّنُ تَفْصِيلًا، أَيْ إِنْ كَانَ فَوَاتُ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي وَقْتِهِ لَا لِعُذْرٍ، فَفَعَلَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ يَكُونُ قَضَاءً، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءً، كَالْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ: يَفُوتُهُمْ صَوْمُ رَمَضَانَ لِعُذْرِ الْحَيْضِ وَالسَّفَرِ، فَيَسْتَدْرِكُونَهُ بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: «لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ حَالَ الْعُذْرِ» ، إِلَى آخِرِهِ.

هَذَا تَوْجِيهُ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ قَضَاءً.

وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى هَؤُلَاءِ حَالَ الْحَيْضِ وَالسَّفَرِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمْ لَهُ قَضَاءً، إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِمْ حَالَ الْعُذْرِ، لِأَنَّهُمْ لَوْ مَاتُوا حِينَئِذٍ لَمْ يَكُونُوا عُصَاةً، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:«بِدَلِيلِ عَدَمِ عِصْيَانِهِمْ لَوْ مَاتُوا فِيهِ» ، أَيْ: فِي حَالِ الْعُذْرِ، الْحَائِضُ لَوْ مَاتَتْ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لَمْ تَعْصِ بِتَرْكِ الصَّوْمِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا، لَعَصَتْ بِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا حَالَ الْعُذْرِ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ بَعْدَهُ قَضَاءً، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ، وَلِهَذَا الْخِلَافِ أَصْلٌ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ.

ص: 450

وَرَدَ، بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ إِجْمَاعًا، وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها:(كُنَّا نَحِيضُ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ) ، وَبِأَنَّ ثُبُوتَ الْعِبَادَةِ فِي الذِّمَّةِ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، فَكِلَاهُمَا يُقْضَى. وَفِعْلُ الزَّكَاةِ وَالصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ بَعْدَ تَأْخِيرِهِمَا عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهِمَا لَا يُسَمَّى قَضَاءً، لِعَدَمِ تَعَيُّنِ وَقْتِ الزَّكَاةِ، وَامْتِنَاعِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ.

ــ

قَوْلُهُ: " وَرَدَ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ إِجْمَاعًا "، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: وَرَدَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي فُصِلَ فِيهِ: بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ لَا لِعُذْرٍ، فَيَكُونُ قَضَاءً، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ، فَلَا يَكُونُ قَضَاءً، بِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَائِضَ وَالْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ إِذَا صَامُوا بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِمْ، تَجِبُ عَلَيْهِمْ نِيَّةُ الْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكُلُّ مَا وَجَبَتْ فِيهِ نِيَّةُ الْقَضَاءِ، فَهُوَ قَضَاءٌ، إِذْ لَوْ كَانَ أَدَاءً، لَمَا جَازَ أَنْ يَنْوُوا الْقَضَاءَ فِيهِ، لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَنْوُونَ غَيْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ عليه السلام: وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. الْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: " كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَمَعْنَاهُ فِي " الصَّحِيحِ ". فَسَمَّتْهُ قَضَاءً، وَأَخْبَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَمِّيهِ قَضَاءً وَيَأْمُرُ بِهِ.

لَا يُقَالُ: إِنَّمَا سَمَّاهُ قَضَاءً لُغَةً، وَالْقَضَاءُ وَالْأَدَاءُ فِي اللُّغَةِ قَدْ يَكُونَانِ بِمَعْنًى

ص: 451

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَاحِدٍ، نَحْوَ: قَضَيْتُ الدَّيْنَ وَأَدَّيْتُهُ، لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ أَلْفَاظَ الشَّارِعِ الْمُبَيِّنَةَ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ إِنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا الشَّرْعِيَّةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ، وَالْقَضَاءُ وَالْأَدَاءُ فِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ مُتَغَايِرَانِ كَمَا تَقَرَّرَ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ ثُبُوتَ الْعِبَادَةِ فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، كَمَا أَنَّ ثُبُوتَ دَيْنِ الْآدَمِيِّ فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَإِذَا كَانَ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزًا، كَانَ فِعْلُهَا خَارِجَ وَقْتِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ قَضَاءً كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ امْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْعِبَادَةِ فِي الذِّمَّةِ، هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ يَعْنِي مِنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّ، فَشَبَّهَ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِدَيْنِ الْآدَمِيِّ فِي الْقَضَاءِ الَّذِي الثُّبُوتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ لَوَازِمِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ دِينَ اللَّهِ سبحانه وتعالى يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْعِبَادَاتُ مِنْ دَيْنِهِ، فَيَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَلِأَنَّ مَعْنَى الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ هُوَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ مُتَرَاخِيًا، وَهَذَا مُمْكِنٌ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا، فَيَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَيَسْتَدْرِكُ فِعْلَهَا بِالْقَضَاءِ.

فَأَمَّا قَوْلُهُمُ: الْعِبَادَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ حَالَ الْعُذْرِ، قُلْنَا: أَدَاؤُهَا هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ، أَمَّا الْتِزَامُهَا فِي الذِّمَّةِ، فَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْصُوا بِمَوْتِهِمْ حَالَ الْعُذْرِ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ بِفِعْلِهَا حِينَئِذٍ، كَالنَّائِمِ وَالنَّاسِي، هُمَا مُخَاطَبَانِ بِالْوُجُوبِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُمَا الْإِثْمُ بِتَرْكِ الْفِعْلِ حَالَ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا أَنَّ شَرْطَ الْقَضَاءِ، هَلْ هُوَ تَقَدُّمُ وُجُوبِ الْفِعْلِ أَوْ تَقَدُّمُ

ص: 452

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سَبَبِهِ فَقَطْ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَكُونُ فِعْلُ الْحَائِضِ لِلصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ قَضَاءً، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهَا، فَانْتَفَى شَرْطُ الْقَضَاءِ، فَانْتَفَى لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ.

وَعَلَى الثَّانِي: يَكُونُ قَضَاءً، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوُجُوبِ، وَإِنِ انْتَفَتْ، لَكِنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ أَهْلِيَّتُهَا لِلتَّكْلِيفِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ السَّبَبُ قَدْ يَكُونُ مَعَ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ، كَالتَّارِكِ الْمُتَعَمِّدِ الْمُتَمَكِّنِ مِنَ الْفِعْلِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَعَ الْإِثْمِ، كَالنَّائِمِ وَالْحَائِضِ. ثُمَّ الْمُزِيلُ لِلْإِثْمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، كَالسَّفَرِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، كَالْحَيْضِ، ثُمَّ قَدْ يَصِحُّ مَعَهُ الْأَدَاءُ، كَالْمَرَضِ، وَقَدْ لَا يَصِحُّ، إِمَّا شَرْعًا كَالْحَيْضِ، أَوْ عَقْلًا كَالنَّوْمِ.

قُلْتُ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْتِزَامَ الْعِبَادَةِ وَاجِبٌ حَالَ الْعُذْرِ عَمَلًا بِالْخِطَابِ السَّابِقِ، وَإِيقَاعَهَا حِينَئِذٍ غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَجْلِ الْعُذْرِ.

تَنْبِيهٌ: الْفِعْلُ الْمُقَدَّرُ وَقْتُهُ إِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبُ وُجُوبِهِ، لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءً إِجْمَاعًا، وَإِنِ انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ وَوَجَبَ، كَانَ فِعْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ قَضَاءً حَقِيقَةً، وَإِنِ انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ وَلَمْ يَجِبْ لِمُعَارِضٍ، سُمِّيَ قَضَاءً أَيْضًا، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ. هَلْ هُوَ قَضَاءٌ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؟ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، هَلْ كَانَ لِاسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةٍ مَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ، فَيَكُونُ هَاهُنَا حَقِيقَةً لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، أَوْ لِاسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةٍ مَا وَجَبَ، فَيَكُونُ هَاهُنَا مَجَازٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ.

هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَهُوَ تَلْخِيصٌ حَسَنٌ وَمَأْخَذٌ جَيِّدٌ.

قَوْلُهُ: " وَفِعْلُ الزَّكَاةِ وَالصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ بَعْدَ تَأْخِيرِهِمَا عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهِمَا لَا يُسَمَّى قَضَاءً لِعَدَمِ تَعَيُّنِ وَقْتِ الزَّكَاةِ وَامْتِنَاعِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ ".

هَاتَانِ صُورَتَانِ قَدْ يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِيهِمَا، هَلْ هُمَا قَضَاءٌ أَوْ لَا؟ فَبُيِّنَ حُكْمُهُمَا

ص: 453

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَأَنَّهُمَا لَيْسَا قَضَاءً.

أَمَّا الزَّكَاةُ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَلَى الْفَوْرِ، فَهُوَ وَقْتُ وُجُوبِهَا، فَلَوْ أُخِّرَتْ عَنْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ مُسَوِّغٍ لِلتَّأْخِيرِ، ثُمَّ أُدِّيَتْ، لَمْ تُسَمَّ قَضَاءً لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ وَقْتَهَا غَيْرُ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ، مُقَدَّرٌ كَتَقْدِيرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَنَحْنُ قُلْنَا: إِنَّ الْقَضَاءَ هُوَ فِعْلُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا.

قُلْتُ: وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ تَحْدِيدَ الْوَقْتِ بِطَرَفَيْهِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ هَاهُنَا، بَلِ الْمُؤَثِّرُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ وَقْتِهِ مَعْلُومًا فِي الْجُمْلَةِ، وَوَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ، وَهُوَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِقَدْرِ مَا يَتَّسِعُ لِأَدَائِهَا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُؤَخَّرُ أَدَاؤُهَا فِيهَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِإِخْرَاجِهَا فِيهِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ قُلْنَا: إِنَّ أَدَاءَهَا فِي الْوَقْتِ الثَّانِي بَعْدَ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا الْأَوَّلِ قَضَاءٌ، لَزِمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، فَيَلْزَمُ بِتَقْدِيرِ تَأْخِيرِهَا أَزْمِنَةٌ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ يُؤَدِّيهَا، أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْإِخْرَاجُ لَهَا هُوَ قَضَاءُ قَضَاءِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ، بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ: إِذَا أُخِّرَتْ عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا الْأَوَّلِ، وَجَبَ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ الثَّانِي، وَهُوَ حَالُ الذِّكْرِ أَوِ الِانْتِبَاهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام: مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَذَلِكَ وَقْتُهَا

ص: 454

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ.

فَلَوْ أَخَّرَهَا وَقْتَ الِانْتِبَاهِ قَدْرَ مَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِهَا فَصَاعِدًا، ثُمَّ فَعَلَهَا، لَمْ يُسَمَّ هَذَا الْفِعْلُ قَضَاءً، لِأَنَّهُ لَوْ سُمِّيَ قَضَاءً لَلَزِمَ أَنْ يُسَمَّى قَضَاءَ الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْهُودٍ، وَيُفْضِي إِلَى كَثْرَةِ أَلْفَاظِ الْقَضَاءِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ.

قُلْتُ: الْعِبَادَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، فَإِذَا نَفَيْنَا أَنْ تَكُونَ هَاتَانِ الصُّورَتَانِ قَضَاءً، لَزِمَ أَنْ يَكُونَا أَدَاءً لِاسْتِحَالَةِ خُلُوِّ الْمَحَلِّ عَنِ الضِّدَّيْنِ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ أَدَاءً لِفَوَاتِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ قَضَاءً فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنَّهُمْ إِنَّمَا رَفَضُوا تَسْمِيَتَهَا قَضَاءً وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْقَضَاءِ فِيهَا تَخْفِيفًا، اسْتِثْقَالًا لِتَكْرَارِ لَفْظِ الْقَضَاءِ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْقَضَاءِ اسْتِدْرَاكُ مَصْلَحَةٍ فَائِتَةٍ، وَهَذَا كَذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: هُوَ شَرْحُ عِبَارَةِ " الْمُخْتَصَرِ " عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي " الرَّوْضَةِ "، وَفِيهِ تَكَلُّفٌ وَعَدَمُ تَحْقِيقٍ لِحَدِّ الْقَضَاءِ.

وَالْأَحْسَنُ فِي حَدِّهِ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ، حَيْثُ قَالَ: الْقَضَاءُ إِيقَاعُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا الَّذِي عَيَّنَهُ الشَّرْعُ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ، أَيْ: فِي الْوَقْتِ، احْتِرَازٌ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ الشَّرْعُ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ، كَالْفَوْرِيَّاتِ الَّتِي عَيَّنَ الشَّرْعُ لَهَا الزَّمَنَ الَّذِي يَلِي

ص: 455

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وُرُودَ الْأَمْرِ، فَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي الْمَأْمُورَاتِ كَانَتْ لَا فِي الْوَقْتِ الْفَوْرِيِّ، بِخِلَافِ الْأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ لِلْعِبَادَاتِ، فَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي أَوْقَاتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَظْهَرُ، فَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ، وَإِنْقَاذُ الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ لِمَصْلَحَةٍ فِي الْإِزَالَةِ وَالْإِنْقَاذِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَأَمَّا تَعْيِينُ وَقْتِ الزَّوَالِ لِلظُّهْرِ، وَسَائِرُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَوْقَاتِ، فَهُوَ لِمَصْلَحَةٍ فِي الْوَقْتِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهَا.

وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَخْرُجُ صُورَةُ الزَّكَاةِ وَالصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ إِذَا فُعِلَا بَعْدَ تَأْخِيرِهِمَا عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهِمَا عَنْ كَوْنِهِمَا قَضَاءً بِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِّ، لِأَنَّهُمَا فَوْرِيَّتَانِ مَصْلَحَتُهُمَا فِي فِعْلِهِمَا لَا فِي وَقْتِهِمَا، وَيَطَّرِدُ هَذَا فِي الْحَجِّ حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، إِذِ الْمَصْلَحَةُ فِي فِعْلِهِ لَا فِي وَقْتِهِ، مِنْ حَيْثُ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ عِبَادَةً أَوْ حَجًّا. فَإِذَنْ لَهُ جِهَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: جِهَةُ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ عَلَى الْفَوْرِ، فَمَصْلَحَتُهُ فِيهِ.

وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُهُ عِبَادَةً، فَالْمَصْلَحَةُ فِيهِ وَفِي وَقْتِهِ الْخَاصِّ، وَهِيَ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَهَذَا الْمَكَانُ يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا.

فَائِدَةٌ: الْعِبَادَاتُ قَدْ تُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَقَدْ لَا تُوصَفُ بِهِمَا، كَالنَّوَافِلِ، لِعَدَمِ تَقْدِيرِ وَقْتِهَا. وَقَدْ تُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَحْدَهُ، كَالْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ.

وَعَدَمُ الْقَضَاءِ فِيهِمَا لِلتَّوْقِيفِ أَوِ الْإِجْمَاعِ، لَا لِامْتِنَاعِهِ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا.

ص: 456