المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَ‌ ‌الْوَاجِبُ ، قِيلَ: مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ. وَرُدَّ بِجَوَازِ الْعَفْوِ. وَقِيلَ: مَا - شرح مختصر الروضة - جـ ١

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ:

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِيفِي التَّكْلِيفِ

- ‌ تَكْلِيفِ الْمُمَيِّزِ

- ‌فُرُوعٌ:

- ‌ الْجِهَادَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ

- ‌ إِنْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لِغَيْرِهِ، صَحَّ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ

-

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُفِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ

- ‌الْوَاجِبُ

- ‌الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ

- ‌النَّدْبُ

- ‌الْحَرَامُ

- ‌الْمَكْرُوهُ:

- ‌الْمُبَاحُ:

- ‌التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ»

- ‌هَلْ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ

- ‌ الْعِلَّةُ

- ‌ السَّبَبُ

- ‌ الشَّرْطُ

- ‌ فَوَائِدَ

- ‌ الثَّانِيَةُ: فِي فُرُوقٍ نَافِعَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ:

- ‌ الثَّالِثَةُ: الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ:

- ‌ الْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ

- ‌ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُفِي اللُّغَاتِ

- ‌ مَبْدَأِ اللُّغَاتِ

- ‌ الْأَسْمَاءُ: وَضْعِيَّةٌ، وَعُرْفِيَّةٌ، وَشَرْعِيَّةٌ، وَمَجَازٌ

- ‌ أَقْسَامِ التَّجَوُّزِ

- ‌ الصَّوْتُ:

- ‌الْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ

- ‌الْكَلَامُ: نَصٌّ، وَظَاهِرٌ، وَمُجْمَلٌ

- ‌الظَّاهِرُ:

الفصل: فَ‌ ‌الْوَاجِبُ ، قِيلَ: مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ. وَرُدَّ بِجَوَازِ الْعَفْوِ. وَقِيلَ: مَا

فَ‌

‌الْوَاجِبُ

، قِيلَ: مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ. وَرُدَّ بِجَوَازِ الْعَفْوِ. وَقِيلَ: مَا تُوُعِّدَ عَلَى تَرْكِهِ بِالْعِقَابِ. وَرُدَّ بِصِدْقِ إِيعَادِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى أَصْلِنَا، لِجَوَازِ تَعْلِيقِ إِيقَاعِ الْوَعِيدِ بِالْمَشِيئَةِ، أَوْ لِأَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ مِنَ الْكَرَمِ شَاهِدًا، فَلَا يَقْبُحُ غَائِبًا. ثُمَّ قَدْ حُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ، جَوَازُ أَنْ يُضْمَرَ فِي الْكَلَامِ مَا يَخْتَلُّ بِهِ مَعْنَى ظَاهِرِهِ، وَهَذَا مِنْهُ. وَالْمُخْتَارُ مَا ذُمَّ شَرْعًا تَارِكُهُ مُطْلَقًا. وَهُوَ مُرَادِفٌ لِلْفَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، الْفَرْضُ: الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَالْوَاجِبُ: الْمَظْنُونُ، إِذِ الْوُجُوبُ لُغَةً: السُّقُوطُ، وَالْفَرْضُ: التَّأْثِيرُ وَهُوَ أَخَصُّ، فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِقُوَّةٍ حُكْمًا، كَمَا اخْتُصَّ لُغَةً. وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ، إِذْ لَا نِزَاعَ فِي انْقِسَامِ الْوَاجِبِ إِلَى ظَنِّيٍ وَقَطْعِيٍ. فَلْيُسَمُّوا هُمُ الْقَطْعِيَّ مَا شَاءُوا. ثُمَّ لِنَتَكَلَّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَحْكَامِ.

ــ

قَوْلُهُ: " فَالْوَاجِبُ، قِيلَ: مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ ". لَمَّا انْتَهَى الْكَلَامُ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ، وَقِسْمَةِ أَنْوَاعِهِ إِلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ، أَخَذَ يُبَيِّنُ تَعْرِيفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ. وَنَحْنُ قَبْلَ ذَلِكَ نُشِيرُ إِلَى حُدُودِهَا الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ طَرِيقِ قِسْمَتِهَا.

فَالْوَاجِبُ: هُوَ مَا اقْتَضَى الشَّرْعُ فِعْلَهُ اقْتِضَاءً جَازِمًا.

وَالْمَنْدُوبُ: هُوَ مَا اقْتَضَى فِعْلُهُ اقْتِضَاءً غَيْرَ جَازِمٍ.

وَالْمَحْظُورُ: مَا اقْتَضَى تَرْكُهُ اقْتِضَاءً جَازِمًا.

وَالْمَكْرُوهُ: مَا اقْتَضَى تَرْكُهُ اقْتِضَاءً غَيْرَ جَازِمٍ.

وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ هِيَ مَحَالُّ الْأَحْكَامِ وَمُتَعَلِّقَاتُهَا، أَمَّا الْأَحْكَامُ نَفْسُهَا فَهِيَ:

الْإِيجَابُ: وَهُوَ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ الْجَازِمِ.

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَالنَّدْبُ: وَهُوَ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ غَيْرِ الْجَازِمِ.

وَالْحَظْرُ وَالْكَرَاهَةُ جَمِيعًا: اقْتِضَاءُ تَرْكِ الْفِعْلِ الْجَازِمِ أَوْ غَيْرِ الْجَازِمِ.

وَالْوَاجِبُ، مُشْتَقٌّ مِنْ: وَجَبَ وُجُوبًا، وَالْوُجُوبُ فِي اللُّغَةِ: اللُّزُومُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَجَبَ الشَّيْءُ، أَيْ: لَزِمَ، يَجِبُ وُجُوبًا، وَأَوْجَبَهُ اللَّهُ، وَاسْتَوْجَبَهُ، أَيِ: اسْتَحَقَّهُ.

قُلْتُ: فَالْوَاجِبُ، هُوَ اللَّازِمُ الْمُسْتَحَقُّ، وَقَدِ اشْتُهِرَ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي اللُّغَةِ: السُّقُوطُ، وَهُوَ أَيْضًا عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْوَجْبَةُ، السَّقْطَةُ مَعَ الْهَدَّةِ، وَوَجَبَ الْمَيِّتُ، إِذَا سَقَطَ وَمَاتَ.

غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ إِشْكَالًا، وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ: مَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ مَنْ أَمَتِهِ لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ، وَقِيلَ: يَجِبُ وَيَسْقُطُ. قَالَ: فَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ مَعْنَاهُ السُّقُوطُ، لَكَانَ تَقْدِيرُ هَذَا الْكَلَامِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ وَيَسْقُطُ. وَهَذَا تَكْرَارٌ غَيْرُ مُفِيدٍ.

قُلْتُ: وَإِنَّمَا وَقَعَ اللَّبْسُ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاكِ لَفْظِ السُّقُوطِ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى وُقُوعِ الشَّيْءِ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ، كَقَوْلِنَا: سَقَطَ الْحَجَرُ مِنَ الْجَبَلِ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} [سَبَأٍ: 9]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الْإِسْرَاءِ: 92]، {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} [الطُّورِ: 44] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ بِمَعْنَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِمَّا كَانَتْ مَشْغُولَةً بِهِ، وَزَوَالُ اللُّزُومِ، كَقَوْلِنَا: سَقَطَ الْمَهْرُ وَالدَّيْنُ وَنَحْوِهِ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْقَضَاءِ، أَيْ: بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِنْهُ، وَزَالَ لُزُومُهُ لَهَا، وَحِينَئِذٍ مَعْنَى قَوْلِنَا: الْوُجُوبُ فِي اللُّغَةِ: السُّقُوطُ، هُوَ أَنَّا نَتَخَيَّلُ الْحُكْمَ أَوِ الشَّيْءَ الْوَاجِبَ جَزْمًا سَقَطَ، أَيْ: وَقَعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنَ اللَّهِ سبحانه وتعالى، الَّذِي هُوَ فَوْقَ عِبَادِهِ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهَا فَوْقِيَّةٌ رُتْبَةً، أَوْ

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَوْقِيَّةٌ جِهَةً، وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرَ مُفِيدَةٍ، لِأَنَّ أَحَدَ السُّقُوطَيْنِ فِيهَا غَيْرُ الْآخَرِ.

قُلْتُ: وَالتَّحْقِيقُ فِي الْوُجُوبِ لُغَةً: أَنَّهُ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَالِاسْتِقْرَارِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى تَرْجِعُ فُرُوعُ مَادَّتِهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ. فَمَعْنَى وَجَبَتِ الشَّمْسُ: ثَبَتَ غُرُوبُهَا وَاسْتَقَرَّ، أَوْ أَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي سُفْلِ الْفَلَكِ، وَوَجَبَ الْمَيِّتُ: ثَبَتَ مَوْتُهُ وَاسْتَقَرَّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الْحَجِّ: 36]، أَيْ: ثَبَتَتْ وَاسْتَقَرَّتْ بِالْأَرْضِ، وَوَجَبَ الْمَهْرُ وَالدَّيْنُ: ثَبَتَ فِي مَحَلِّهِ وَاسْتَقَرَّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فُرُوعِ الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ.

إِذَا ثَبَتَ هَذَا، عُدْنَا إِلَى قَوْلِهِ:" فَالْوَاجِبُ، قِيلَ: مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ ". وَإِنَّمَا قُلْتُ: قِيلَ، لِأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي حَدِّ الْوَاجِبِ يَأْتِي بَعْدُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: " وَرُدَّ " يَعْنِي: هَذَا التَّعْرِيفُ لِلْوَاجِبِ مَرْدُودٌ " بِجَوَازِ الْعَفْوِ "، وَوَجْهُ رَدِّهِ: هُوَ أَنَّ قَوْلَهُمُ: الْوَاجِبُ مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ، يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاجِبٍ، فَإِنَّ تَارِكَهُ يُعَاقَبُ، لَكِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ تَارِكِ الْوَاجِبِ، أَوْ يُسْقِطَ الْعِقَابَ عَنْهُ بِتَوْبَةٍ، أَوِ اسْتِغْفَارٍ، أَوْ دُعَاءِ دَاعٍ، أَوْ بِتَكْمِيلِ فَرْضٍ بِنَفْلٍ، عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.

وَبِالْجُمْلَةِ: فَتَرْكُ الْوَاجِبِ، وَفِعْلُ الْمَحْظُورِ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ، غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ يَجُوزُ

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَخَلُّفُهُ عَنْ سَبَبِهِ لِمَانِعٍ، أَوِ انْتِفَاءِ شَرْطٍ، أَوْ مُعَارِضٍ مُقَاوِمٍ أَوْ رَاجِحٍ، وَإِذَا جَازَ الْعَفْوُ عَنْ تَارِكِ الْوَاجِبِ، اقْتَضَى الْحَدُّ الْمَذْكُورُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْوَاجِبُ الْمَتْرُوكُ وَاجِبًا، لِأَنَّ تَارِكَهُ لَمْ يُعَاقَبْ.

مِثَالُهُ: لَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، ثُمَّ تَخَلَّفَ الْعِقَابُ عَنْهُ لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ، لَزِمَ بِمُقْتَضَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ أَنْ لَا تَكُونَ الْمَكْتُوبَةُ وَاجِبَةً، وَهُوَ بَاطِلٌ.

وَهَذَا النَّقْضُ مِنْ حَيْثُ الْعَكْسِ، وَهُوَ قَوْلُنَا: كُلُّ مَا لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى تَرْكِهِ، فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَيَبْطُلُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الطَّرْدِ، ضَرْبُ ابْنِ عَشْرٍ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، إِذِ الصَّلَاةُ هَاهُنَا فِعْلٌ عُوقِبَ تَارِكُهُ، وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا أُدِّبَ الصِّبْيَانُ عَلَى تَرْكِهِ هُوَ مُعَاقَبٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ.

قَوْلُهُ: " وَقِيلَ: مَا تُوُعِّدَ " أَيِ: الْوَاجِبُ مَا تُوُعِّدَ " عَلَى تَرْكِهِ بِالْعِقَابِ ".

هَذَا تَعْرِيفٌ آخَرُ لِلْوَاجِبِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّ كُلَّ مُعَاقَبٍ عَلَى تَرْكِهِ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُتَوَعَّدٍ عَلَى تَرْكِهِ بِالْعِقَابِ مُعَاقَبًا عَلَيْهِ، لِجَوَازِ الْعَفْوِ بَعْدَ الْوَعِيدِ، وَصَاحِبُ هَذَا التَّعْرِيفِ فَرَّ مِمَّا وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ.

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: " وَرُدَّ " هَذَا التَّعْرِيفُ أَيْضًا رُدَّ " بِصِدْقِ إِيعَادِ اللَّهِ تَعَالَى ".

وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْوَعِيدَ خَبَرٌ، وَخَبَرُ اللَّهِ سبحانه وتعالى صَادِقٌ، لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ مَخْبَرِهِ، وَإِذَا لَزِمَ وُقُوعُ مُقْتَضَى الْوَعِيدِ، صَارَ هَذَا التَّعْرِيفُ مِثْلَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمُ: الْوَاجِبُ مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ، فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: " وَلَيْسَ بِوَارِدٍ " أَيْ: لَيْسَ مَا ذُكِرَ مِنْ صِدْقِ إِيعَادِ اللَّهِ سبحانه وتعالى بِوَارِدٍ عَلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ. " عَلَى أَصْلِنَا ". وَالْأَصْلُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَا تَنَازَعَ فِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ مِنْ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ فَاعِلِ الْكَبِيرَةِ مَا لَمْ يَتُبْ مُحَالٌ عِنْدَهُمْ، عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ:" إِبْطَالِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ " وَبَيَانُ عَدَمِ وُرُودِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: " جَوَازُ تَعْلِيقِ إِيقَاعِ الْوَعِيدِ بِالْمَشِيئَةِ " مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: صَلِّ، فَإِنْ تَرَكْتَ الصَّلَاةَ عَذَّبْتُكَ إِنْ شِئْتُ، فَإِذَا تَرَكَهَا، بَقِيَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ بِمُقْتَضَى الْوَعِيدِ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِمُقْتَضَى الرَّحْمَةِ وَالْجُودِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النِّسَاءِ: 48 وَ 116]، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ فِي الصَّلَاةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ، مَنْ أَتَى بِهِنَّ، لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ، فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

ص: 269

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَإِذَا جَازَ تَعْلِيقُ إِيقَاعِ الْوَعِيدِ بِالْمَشِيئَةِ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ صِدْقِ الْإِيعَادِ وُقُوعُ مُقْتَضَاهُ مِنَ الْعِقَابِ لِجَوَازِ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَلَمْ يَشَأْ إِيقَاعَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَوْلُنَا: الْوَاجِبُ: مَا تُوُعِّدَ عَلَى تَرْكِهِ، فَاسِدًا كَقَوْلِنَا: الْوَاجِبُ مَا عُوقِبَ تَارِكُهُ، لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ الْوَعِيدِ الْوُقُوعَ، فَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: " أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ مِنَ الْكَرَمِ شَاهِدًا " أَيْ: فِيمَا يُشَاهَدُ مِنْ أَحْوَالِ الْعُقَلَاءِ. " فَلَا يَقْبُحُ " يَعْنِي: إِخْلَافَ الْوَعِيدِ " غَائِبًا " أَيْ: فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ غَائِبٌ عَنِ الْأَبْصَارِ، وَإِنْ كَانَ شَاهِدًا لِخَلْقِهِ كَمَا يَشَاءُ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

أَمَّا أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ مِنَ الْكَرَمِ فِي الشَّاهِدِ، فَلِإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ عَلَى حُسْنِ الْعَفْوِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ جَوَازِ الْعُقُوبَةِ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِإِخْلَافِ الْوَعِيدِ مُطْلَقًا أَوْ غَالِبًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَرْكُ الْوَعِيدِ إِلَى الْعَفْوِ حَسَنٌ، مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي عُرْفِ النَّاسِ، وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ. بِأَنَّ خَبَرَ النَّاسِ يَجُوزُ إِخْلَافُهُ، بِخِلَافِ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الْخَبَرِ كَذِبٌ، وَالْكَذِبُ قَبِيحٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ، خُصُوصًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّ قُبْحَهُ ذَاتِيٌّ لَا يَخْتَلِفُ. ثُمَّ قَدْ جَازَ إِخْلَافُ الْوَعِيدِ مِنَ الْعُقَلَاءِ فِي عُرْفِهِمْ، فَكَذَلِكَ إِخْلَافُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ مِنْ بَابِ الْكَرَمِ، لَا مِنْ بَابِ الْكَذِبِ، وَفِي هَذَا الْبَابِ أَنْشَدَ عَمْرُو بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

ص: 270

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَإِنِّيَ إِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ

لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي

وَأَمَّا أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ لَا يَقْبُحُ مِنَ اللَّهِ سبحانه وتعالى، فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَصْلِهِمُ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَنَّ مَا قَبُحَ مِنَ الْخَلْقِ، قَبُحَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا لَا، فَلَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إِخْلَافَ الْوَعِيدِ لَا يَقْبُحُ مِنَ الْخَلْقِ، فَلَا يَقْبُحُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ لَازِمٌ لِقَاعِدَتِهِمْ، وَهِيَ أَنَّ الْأَفْعَالَ حَسَنَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ لِذَاتِهَا، أَوْ لِوَصْفٍ قَائِمٍ بِهَا، وَحِينَئِذٍ مَا أَدْرَكَ الْعَقْلُ قُبْحَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْخَلْقِ أَوْ حُسْنَهُ، أَدْرَكَ حُسْنَهُ أَوْ قُبْحَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَقِّ. وَلِهَذَا قَطَعُوا بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُ يَقْبُحُ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا وَيُعَاقِبَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَكَذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى يَقْبُحُ ذَلِكَ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: " ثُمَّ قَدْ حُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ "، جَوَازُ أَنْ يُضْمَرَ فِي الْكَلَامِ مَا يَخْتَلُّ بِهِ مَعْنَى ظَاهِرِهِ، وَهَذَا مِنْهُ ".

هَذَا تَقْرِيرٌ لِجَوَازِ تَعْلِيقِ الْعِقَابِ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى مَنْ يَسْتَبْعِدُهُ، وَإِلْزَامٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ بِمِثْلِهِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ.

وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ: أَكْثَرُ مَا فِي تَعْلِيقِ الْعِقَابِ بِالْمَشِيئَةِ أَنَّهُ أَضْمَرَ فِي الْكَلَامِ مَا اخْتَلَّ بِهِ مَعْنَى ظَاهِرِهِ، إِذْ قَوْلُهُ: إِنْ تَرَكْتَ الصَّلَاةَ عَاقَبْتُكَ، ظَاهِرُهُ وُقُوعُ الْعِقَابِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ شَاءَ ذَلِكَ.

فَقَوْلُهُ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُعَاقِبَكَ إِنْ شِئْتُ، تَقْيِيدٌ مُخَصِّصٌ رَافِعٌ لِحُكْمِ ظَاهِرِ

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْكَلَامِ، وَذَلِكَ مُخِلٌّ بِالظَّاهِرِ، لَكِنَّ مِثْلَ هَذَا جَائِزٌ عَقْلًا، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ مُحَالٌ، وَوَاقِعٌ شَرْعًا، إِذْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْصِيصٌ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ كَثِيرًا، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ مِثْلُهُ فِي التَّعْرِيضِ، وَبَيَانُهُ: أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ: إِنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا يُعْلَمُ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِالْعَقْلِ، كَالْكَذِبِ، فَإِنَّهُ قَبِيحٌ فِي الْعَقْلِ لِذَاتِهِ، قُلْنَا لَهُمْ: لَوْ كَانَ الْكَذِبُ قَبِيحًا لِذَاتِهِ، لَمَا اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، لَكِنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ، فَإِنَّا لَوْ رَأَيْنَا كَافِرًا يَطْلُبُ نَبِيًّا لِيَقْتُلَهُ، فَدَخَلَ دَارًا، فَجَاءَ الْكَافِرُ، فَقَالَ: أَيْنَ الرَّسُولُ، هَلْ هُوَ عِنْدَكُمْ؟ لَوَجَبَ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ الْكَذِبُ هَاهُنَا، لِئَلَّا يُهْدِرَ دَمَ الرَّسُولِ ظُلْمًا.

وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنْ قَالُوا: لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ الْكَذِبِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ دَافِعًا عَنِ الرَّسُولِ، إِذْ فِي التَّعْرِيضِ غَنْيَةٌ عَنْهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَنَا: هَلْ رَأَيْتُمُ الرَّسُولَ؟ فَنَقُولُ: مَا رَأَيْنَا الرَّسُولَ، وَنَعْنِي بِهِ رَسُولَ زَيْدٍ. أَوْ يَقُولُ لَنَا: هَلْ عِنْدَكُمُ الرَّسُولُ؟ فَنَقُولُ: لَا، وَنُرِيدُ بِهِ رَسُولَ السُّلْطَانِ، وَهَذَا إِضْمَارٌ يُخِلُّ بِمَعْنَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ، وَقَدْ قَالُوا بِهِ، فَلْيَجُزْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ إِيقَاعِ الْعِقَابِ بِالْمَشِيئَةِ، لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ التَّعْرِيضِ، وَقَعَ لِفَائِدَةِ التَّرْهِيبِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:" وَهَذَا مِنْهُ ".

قَوْلُهُ: " وَالْمُخْتَارُ " أَيْ: وَالْمُخْتَارُ فِي حَدِّ الْوَاجِبِ أَنَّهُ: " مَا ذُمَّ شَرْعًا تَارِكُهُ مُطْلَقًا ".

وَهَذَا أَعَمُّ مِنَ التَّعْرِيفَيْنِ قَبْلَهُ، لِأَنَّ كُلَّ مُعَاقَبٍ أَوْ مُتَوَعَّدٍ بِالْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَذْمُومٌ، أَيْ: يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ، وَلَيْسَ كُلُّ مَذْمُومٍ مُعَاقَبًا، أَوْ مُتَوَعَّدًا عَلَى التَّرْكِ، لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: صَلِّ أَوْ صُمْ. فَإِنْ تَرَكْتَ، فَقَدْ أَخْطَأْتَ وَعَصَيْتَ وَلَا عِقَابَ عَلَيْكَ، لِأَنَّ الْعِقَابَ مَوْضُوعٌ شَرْعِيٌّ، فَلِلشَّرْعِ أَنْ يَضَعَهُ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ، وَالذَّمُّ هُوَ الْعَيْبُ، وَهُوَ نَقِيضُ الْمَدْحِ وَالْحَمْدِ، يُقَالُ: ذَمَّهُ يَذُمُّهُ: إِذَا عَابَهُ، وَالْعَيْبُ: النَّقْصُ. فَكَانَ الذَّمُّ نِسْبَةَ النَّقْصِ إِلَى الشَّخْصِ، فَقَوْلُنَا:" مَا ذُمَّ "، أَيْ: مَا عِيبَ " شَرْعًا "، أَيِ: احْتِرَازٌ مِمَّا عِيبَ عَقْلًا أَوْ عُرْفًا، وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَفْعَالِ يُذَمُّ فَاعِلُهُ عُرْفًا لَا شَرْعًا، فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالذَّمِّ الشَّرْعِيِّ.

وَقَوْلُنَا: " مُطْلَقًا ": احْتِرَازٌ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ، وَالْمُخَيَّرِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَإِنَّ التَّرْكَ يَلْحَقُهَا بِالْجُمْلَةِ، وَهُوَ تَرْكُ الْمُوَسَّعِ فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ وَقْتِهِ، وَتَرْكُ بَعْضِ أَعْيَانِ الْمُخَيَّرِ، وَتَرْكُ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَرْكًا مُطْلَقًا، إِذِ الْمُوَسَّعُ إِنْ تُرِكَ فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ وَقْتِهِ فُعِلَ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَمُخَيَّرٌ إِنْ تَرَكَ بَعْضَ أَعْيَانِهِ، فَعَلَ الْبَعْضَ الْآخَرَ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ إِنْ تَرَكَهُ بَعْضُ الْمُكَلَّفِينَ، فَعَلَهُ الْبَعْضُ الْآخَرُ، وَكُلُّهُمْ فِيهِ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا التَّرْكِ ذَمٌّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَرْكًا مُطْلَقًا، بِمَعْنَى خُلُوِّ مَحَلِّ التَّكْلِيفِ عَنْ إِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ.

وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَذْكُرُ قَيْدَ الْإِطْلَاقِ فِي " الرَّوْضَةِ "، بَلْ قَالَ: وَقِيلَ: مَا يُذَمُّ تَارِكُهُ شَرْعًا. فَتُرَدُّ الْوَاجِبَاتُ الثَّلَاثَةُ حَيْثُ يَلْحَقُهَا التَّرْكُ.

ص: 273