المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مبطلات الخيار وموانعه] - التاج والإكليل لمختصر خليل - جـ ٦

[محمد بن يوسف المواق]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌الْقَسْم الْأَوَّل فِي صِحَّة الْبَيْع وَفَسَاده] [

- ‌بَاب فِي أَرْكَان الْبَيْع]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[حُكْمِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ]

- ‌[بَاب فِي فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ نَهْيِ الشَّارِعِ عَنْهُ]

- ‌[مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قَبْضٍ أَوْ فَوَاتٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَاسِدِ مِنْ جِهَةِ تَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَى الْمُتَعَاوِضَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِينَةِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ وَجَوَازِهِ] [

- ‌فَصْلٌ فِي الْخِيَار] [

- ‌خِيَارُ التَّرَوِّي]

- ‌[خِيَارُ النَّقِيصَةِ]

- ‌[مُبْطِلَاتُ الْخِيَارِ وَمَوَانِعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ]

- ‌[كِتَابُ السَّلَمِ] [

- ‌بَابٌ فِي شُرُوط السَّلَم وَأَدَاء الْمُسْلِم فِيهِ وَالنَّظَر فِي صفته]

- ‌[فَصْلٌ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُكْرِيَ]

- ‌[اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ]

- ‌[وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ رَهْنٍ وَقَضَى دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ]

- ‌[هَلْ يَفْتَقِرُ الرَّهْنُ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ أَمْ لَا]

- ‌[هَلَكَ الرَّهْنُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ]

- ‌[كِتَابُ التَّفْلِيسِ] [

- ‌أَحْكَام الْحَجَر عَلَى الْمُفْلِس]

- ‌[بَيْعُ آلَةِ الصَّانِعِ إذَا فَلَّسَ]

- ‌[حَبَسَ الْمُفْلِس]

- ‌[حَبْسُ مَنْ تَقَعَّدَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَادَّعَى الْعَدَمَ فَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ]

- ‌[مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ] [

- ‌أَسْبَاب الْحَجَر]

- ‌[وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ وَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا]

- ‌[لَا حَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ فِي اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[تَصَرُّفَات الصَّغِير قَبْل الْحَجَر]

- ‌[الْحَجَر بِسَبَبِ الرِّقّ]

- ‌[أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلِيِّهِ]

- ‌[بَيْعُ الْمَأْذُونِ أُمَّ وَلَدِهِ]

- ‌[الْحَجَر عَلَى الْمَرِيض]

- ‌[الْحَجَر عَلَى الزَّوْجَة]

الفصل: ‌[مبطلات الخيار وموانعه]

عَلِمَ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَلَا رَدَّ لِلْمُبْتَاعِ (إلَّا إنْ قُصِدَ وَاشْتُرِيَتْ فِي وَقْتِ الْحِلَابِ وَكَتَمَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ شَاةً حَلُوبًا غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فِي إبَّانِ الْحِلَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا تَحْلُبُ، فَإِنْ كَانَتْ الرَّغْبَةُ فِيهَا إنَّمَا هِيَ اللَّبَنُ وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ مَا تَحْلُبُ فَكَتَمَهُ فَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرْضَاهَا أَوْ يَرُدَّهَا كَصُبْرَةٍ يَعْلَمُ الْبَائِعُ كَيْلَهَا دُونَ الْمُبْتَاعِ (وَلَا بِغَيْرِ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ عَلَى الْأَحْسَنِ) يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: اللَّبَنُ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ لِلْمُبْتَاعِ بِالضَّمَانِ فَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا إنْ رَدَّهَا.

أَبُو الْفَرَجِ: يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا كَالْمُصَرَّاةِ.

ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَحْكِ ابْنُ مُحْرِزٍ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَالصَّقَلِّيَّ غَيْرَ الثَّانِي كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ: لَمْ يَأْخُذْ أَشْهَبُ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ قَالَ: وَهُوَ لَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ وَقَدْ أَكَلَ لَبَنَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلَّبَنِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ عَنْ أَشْهَبَ: إنَّهُ إذَا رَضِيَ بِتَصْرِيَتِهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهَا بِهِ فَلْيَرُدَّ الصَّاعَ إذَا رَضِيَ بِتَصْرِيَتِهَا فَكَأَنَّهَا غَيْرُ مُصَرَّاةٍ، فَإِذَا اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا كَانَ لَهُ رَدُّهَا بِغَيْرِ صَاعٍ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ. انْتَهَى نَصُّهُ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ: لَوْ رَضِيَ بِعَيْبِ تَصْرِيَتِهَا وَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ فَرَدَّهَا بِهِ لَوَجَبَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قِيمَةُ اللَّبَنِ الَّذِي صَرَّاهُ الْبَائِعُ فِي الضَّرْعِ بَعْدَ أَنْ يَتَحَرَّى قَدْرَهُ.

وَقَالَ التُّونِسِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي اللَّبَنِ إذَا رَدَّهَا بِغَيْرِ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَأَمَّلْهُ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ (وَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْأَرْجَحِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ جَمَاعَةَ غَنَمٍ هَلْ يَغْرَمُ صَاعًا وَاحِدًا أَوْ لِكُلِّ شَاةٍ صَاعًا وَهَذَا أَصْوَبُ، وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِابْنِ الْكَاتِبِ وَصَوَّبَهُ (وَإِنْ حُلِبَتْ ثَالِثَةً فَإِنْ حَصَلَ الِاخْتِبَارُ بِالثَّانِيَةِ فَهُوَ رِضًا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَهُ ذَلِكَ وَفِي كَوْنِهِ خِلَافًا تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قُلْت: فَإِنْ حَلَبَهَا ثَالِثَةً؟ قَالَ: إنْ جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَلَبَهَا بَعْدَ أَنْ تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حِلَابِهَا مَا فِيهِ خِبْرَةٌ فَلَا رَدَّ لَهُ وَبَعْدَ حِلَابِهِ بَعْدَ الِاخْتِبَارِ رِضًا بِهَا، وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ إذْ بِهِ يُخْتَبَرُ أَمْرُهَا وَإِنَّمَا يَخْتَبِرُ النَّاسُ ذَلِكَ بِالْحِلَابِ الثَّانِي وَلَا يُعْرَفُ بِالْأَوَّلِ.

وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَهُ رَدُّهَا. اللَّخْمِيِّ: وَهُوَ أَحْسَنُ.

وَقَالَ عِيسَى: إنْ نَقَصَ لَبَنُهَا فِي الثَّانِيَةِ فَظَنَّ نَقْصَهُ مِنْ سَوَاءِ الْمَرْعَى وَنَحْوِهِ ثُمَّ حَلَبَهَا الثَّالِثَةَ فَبَانَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ، فَلَهُ رَدُّهَا بَعْدَ حَلِفِهِ مَا رَضِيَهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: حَمَلَ ابْنُ زَرْقُونٍ الْخِلَافَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَالْمَازِرِيِّ وَاللَّخْمِيِّ: وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْقَوْلَانِ رَاجِعَانِ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.

[مُبْطِلَاتُ الْخِيَارِ وَمَوَانِعُهُ]

ابْنُ شَاسٍ. النَّظَرُ الثَّانِي فِي مُبْطِلَاتِ الْخِيَارِ وَمَوَانِعِهِ وَهِيَ صِنْفَانِ:

الْأَوَّلُ مَا يُبْطِلُ الرَّدَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ، وَفَوَاتُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حِسًّا أَوْ حُكْمًا، وَمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ، وَزَوَالُ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقِيَامِ بِهِ. الصِّنْفُ الثَّانِي مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (وَمَنَعَ بَيْعُ حَاكِمٍ وَوَارِثٍ

ص: 351

رَقِيقًا فَقَطْ بَيَّنَ أَنَّهُ وَارِثٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَنْفَعُ الْبَرَاءَةُ مِمَّا لَا يَعْلَمُ الْبَائِعُ فِي مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ إلَّا فِي الرَّقِيقِ وَحْدَهَا.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ الَّذِي بِهِ آخُذُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ السُّلْطَانِ عَلَى الْمُفْلِسِ وَالْمَغَانِمِ وَغَيْرِهَا. وَإِذَا أَنْفَذَ السُّلْطَانُ بَيْعَ عَبْدِ الْمُفْلِسِ وَقَسَمَ الثَّمَنَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْمُبْتَاعُ عَيْبًا قَدِيمًا لَمْ يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمِدْيَانَ عَلِمَ بِهِ فَكَتَمَهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَيْعُ السُّلْطَانِ فِي الدَّيْنِ وَفِي الْمَغْنَمِ وَغَيْرِهِ وَبَيْعُ الْوَرَثَةِ إذَا ذَكَرُوا أَنَّهُ مِيرَاثٌ ذَلِكَ كُلُّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْبَرَاءَةَ (وَخُيِّرَ مُشْتَرٍ ظَنَّهُ غَيْرَهُمَا) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: بَيْعُ الْمِيرَاثِ وَبَيْعُ السُّلْطَانِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ سُلْطَانٍ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحْبِسَ بِلَا عُهْدَةٍ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُتَوَلِّيهِ أَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ مُفْلِسٍ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَيْعُ سُلْطَانٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ رَدٌّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ وَلَا فِي ذَلِكَ عُهْدَةُ ثَلَاثٍ وَلَا سَنَةٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ، وَلَا يَنْفَعُ فِي غَيْرِ الرَّقِيقِ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ دَوَابّ أَوْ عُرُوضٍ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ بَاعَهُ وَارِثُهُ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ سُلْطَانٌ، وَلِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ بِمَا وَجَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَيْبٍ.

(وَتَبَرُّؤُ غَيْرِهِمَا فِيهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَنْفَعُ الْبَرَاءَةُ مِمَّا لَا يَعْلَمُ بِهِ الْبَائِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ إلَّا فِي الرَّقِيقِ وَحْدَهَا، فَمَنْ بَاعَ وَلِيدَةً أَوْ عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْ الْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ لِأَنَّهَا تَتَوَاضَعُ وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَ (إنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ) قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ وَقَعَ بَيْعُ الْبَرَاءَةِ بَرِئَ مِنْ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. ابْنُ رُشْدٍ: مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَجْهُ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا اخْتَبَرَهُ الْبَائِعُ وَطَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَخْتَبِرْهُ وَلَا طَالَ مُكْثُهُ عِنْدَهُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَنْعَ مِنْهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَبْطُلُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ إذَا وَقَعَ (وَإِنْ عَلِمَهُ بَيَّنَ أَنَّهُ بِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ:

ص: 352

لَا تَنْفَعُ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عَلِمَ بِهِ وَإِنْ سَمَّاهُ بِعَيْنِهِ مَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَرَى أَنْ يَبْرَأَ بِذِكْرِهِ إذَا أَفْرَدَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ بِهِ.

(وَوَصَفَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ بَعِيرًا فَتَبَرَّأَ مِنْ دَبْرَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ دَبْرَةً مُثْقَلَةً مُفْسِدَةً لَمْ يَبْرَأْ، أَوْ إنْ أَرَاهُ إيَّاهَا حَتَّى يَذْكُرَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقَلٍ وَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَبَرَّأَ فِي عَبْدٍ مِنْ إبَاقٍ وَالْمُبْتَاعُ يَظُنُّ أَنَّهُ إبَاقُ لَيْلَةٍ أَوْ مِثْلُ الْعَوَالِي فَيُوجَدُ أَنَّهُ قَدْ أَبَقَ إلَى مِصْرَ وَالشَّامِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: أَوْ أَبَقَ مِرَارًا ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ تَبَرَّأَ مِنْ سَرِقَةِ الْعَبْدِ فَظَنَّ أَنَّهُ إنَّمَا سَرَقَ فِي الْبَيْتِ الرَّغِيفَ فَإِذَا بِهِ عَادٍ يَنْقُبُ بُيُوتَ النَّاسِ فَلَا يَبْرَأُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَمْرَهُ (أَوْ أَرَاهُ لَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَمْ يَبْرَأْ وَإِنْ أَرَاهُ إيَّاهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَرَاءَةُ مِنْ عَيْبٍ مُعَيَّنٍ إنْ لَمْ يَقْبَلْ التَّفَاوُتَ بَرِئَ بِذِكْرِهِ. الْبَاجِيُّ: كَالْعَوَرِ وَإِلَّا لَمْ يَبِعْ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْرَهُ كَالْكَيِّ مِنْهُ الْمُتَفَاحِشُ غَيْرُهُ وَلَا يُبْرِئُهُ إلَّا أَنْ يُجْبِرَهُ بِشَنِيعِ الْكَيِّ أَوْ يُرِيَهُ إيَّاهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ تَبَرَّأَ الْبَائِعُ مِنْ كَيٍّ بِالْأَمَةِ فَوَجَدَ الْكَيَّ بِالظَّهْرِ أَوْ بِالْفَخْذَيْنِ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ ظَنَنْتُهُ بِبَطْنِهَا، فَلَا رَدَّ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَفَاحِشًا فَيَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الدَّبْرِ وَالْإِبَاقِ.

(وَلَمْ يُجْمِلْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَكَثُرَ فِي بَرَاءَتِهِ أَسْمَاءُ الْعُيُوبِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ يُرِيهِ إيَّاهُ وَيُوقِفُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَهُ الرَّدُّ إنْ شَاءَ. وَمَنَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْبَرَاءَةِ عُيُوبًا لَيْسَتْ فِي الْمَبِيعِ إرَادَةَ التَّقْلِيبِ. النَّخَعِيُّ. لَوْ

ص: 353

قَالَ أَبِيعُكَ لَحْمًا عَلَى بَارِيَةٍ لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى يُسَمِّيَ الْعَيْبَ. قَالَ شُرَيْحٌ: حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ.

(وَزَوَالُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ زَوَالُ الْعَيْبِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ بِذَلِكَ فَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أُؤَدِّي عَنْهُ دَيْنَهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ رَبُّ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ.

قَالَ سَحْنُونَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَدَاؤُهُ فِي فَسَادٍ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَمَةٌ فَبَاعَهَا فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا رَدَّ لَهُ، لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ ذَهَبَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ بِعَيْنِهَا بَيَاضٌ فَأَرَادَ رَدَّهَا فَذَهَبَ الْبَيَاضُ قَبْلَ رَدِّهَا قَالَ مَالِكٌ: إذَا ذَهَبَ الْعَيْبُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَ الْوَلَدُ فَلَا رَدَّ لَهُ.

(وَإِلَّا مُحْتَمِلَ الْعَوْدِ) أَشْهَبُ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حُمْقٍ أَوْ بَيَاضِ عَيْنٍ أَوْ نُزُولِ مَاءٍ مِنْهَا ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ بُرْئِهِ، فَإِنْ كَانَ بُرْؤُهُ قَدْ اسْتَمَرَّ فَلَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تُخَافُ عَوْدَتُهُ لَهَا إلَّا بِإِحْدَاثٍ ثَانٍ مِنْ اللَّهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ خِيفَ عَوْدَتُهُ فَلَا يُعَجِّلُ بِرَدِّهِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي شِرَاؤُهُ أَيْضًا حَتَّى يَنْتَظِرَ. وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: يَرُدُّهُ فِي الْجُنُونِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَعُودَ، وَهُوَ عَيْبٌ لَازِمٌ وَأَمْرٌ يَعْتَرِيهِ وَلَا أَمْرُ ذَهَابِهِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جُنَّ عِنْدَهُ سِنِينَ ثُمَّ بَرَأَ ثُمَّ بَاعَهُ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ عِنْدَهُ جُنُونٌ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ، وَأَمَّا الْبَرَصُ وَالْجُذَامُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَرِ عَيْبٌ يَخَافُهُ كَالْجُنُونِ.

(وَفِي زَوَالِهِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ وَطَلَاقِهَا وَهُوَ الْمُتَأَوَّلُ وَالْأَحْسَنُ أَوْ

ص: 354

بِالْمَوْتِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ لَا أَقْوَالٌ) ابْنُ يُونُسَ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ يَذْهَبُ قَبْلَ الْقِيَامِ فَلَا رَدَّ لَهُ إلَّا الزَّوْجَ لِلْأَمَةِ وَالزَّوْجَةَ لِلْعَبْدِ تَنْحَلُّ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا فَلَهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ: يَذْهَبُ الْعَيْبُ بِارْتِفَاعِ الْعِصْمَةِ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ. وَتَأَوَّلَهُ فَضْلٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ اشْتَرَى الْأَمَةَ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ فَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ حَتَّى انْقَضَتْ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ التُّونِسِيُّ قَالَ: لِأَنَّ الْعِصْمَةَ إذَا ارْتَفَعَتْ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ لَمْ يَبْقَ إلَّا اعْتِيَادُهَا بِالْوَطْءِ وَهُوَ لَوْ وَهَبَهَا لِعَبْدِهِ يَطَؤُهَا ثُمَّ انْتَزَعَهَا مِنْهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ بَيَانُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ بَيْنَ اعْتِيَادِهَا الْوَطْءَ بِالنِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي فَرْقًا، وَلَعَمْرِي إنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا لِلزَّوْجَةِ حَقٌّ بِخِلَافِ الْأَمَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ذَهَابُ الْعَيْبِ بِزَوَالِ الْعِصْمَةِ بِالْمَوْتِ دُونَ الطَّلَاقِ. قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَشْهَبُ وَهُوَ أَعْدَلُهَا.

(وَمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا) . ابْن شَاسٍ: ظُهُورُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ سُكُوتٍ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْحَاضِرِ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ رُكُوبَ احْتِبَاسٍ لَهَا بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ: فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ وَذَلِكَ رِضًا، وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا وَشِبْهِ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

قَالَ فِي كِتَابِ الْخِيَارِ: وَلَوْ تَسَوَّقَ أَوْ سَاوَمَ بِالثَّوْبِ أَوْ لَبِسَهُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ فَذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِالْعَيْبِ (إلَّا مَا لَا يُنْقِصُ كَسُكْنَى الدَّارِ) ابْنُ عَرَفَةَ: تَصَرُّفُ الْمُخْتَارِ مُعْتَبَرٌ، أَمَّا سُكْنَى الدَّارِ وَنَحْوِهَا بَعْدَ عِلْمِ عَيْبِهَا وَقَبْلَ الْقِيَامِ بِهِ فَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ مُجَرَّدِ السُّكْنَى. وَأَمَّا بَعْدَ الْقِيَامِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ: لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَالْحَائِطِ حِينَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْغَلَّةُ لَهُ حَتَّى يَحْكُمَ بِالْفَسْخِ فَيَجْنِي الثِّمَارَ وَيَأْخُذُ غَلَّةَ الدَّارِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ الْمُكْرَى ثُمَّ يُخَاصِمَ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لِلسُّكْنَى وَيُمْنَعُ لُبْسَ الثَّوْبِ وَالتَّلَذُّذَ بِالْجَارِيَةِ، فَإِنْ لَبِسَ أَوْ وَطِئَ كَانَ رِضًا وَسَقَطَ قِيَامُهُ. الْمَازِرِيُّ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ. اُنْظُرْ رَسْمَ نَذَرَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ.

(وَحَلَفَ إنْ سَكَتَ بِلَا عُذْرٍ فِي كَالْيَوْمِ) ابْنُ سَلْمُونَ: إنْ ذَهَبَ الْبَائِعُ عِنْدَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ إلَى إحْلَافِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ وَلَا اسْتَخْدَمَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (لَا كَمُسَافِرٍ اُضْطُرَّ لَهَا) ابْنُ يُونُسَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ يُسَافِرُ بِهَا ثُمَّ يَجِدُ بِهَا عَيْبًا فِي سَفَرِهِ، فَرَوَى أَشْهَبُ: إنْ حَمَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهَا لَزِمَتْهُ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي رُكُوبِهَا بَعْدَ عِلْمِهِ، وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُكْرِيَ غَيْرَهَا وَيَسُوقَهَا وَلْيَرْكَبْهَا، فَإِنْ وَصَلَتْ بِحَالِهَا رَدَّهَا، وَإِنْ عَجَفَتْ رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا أَوْ يَحْبِسُهَا وَيَأْخُذُ قِيمَةَ الْعَيْبِ.

وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهِ أَقُولُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُضْطَرَّ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ وَلَوْ تَعْرِفُ مُكْرَهًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ فَكَذَلِكَ مَعَ الِاضْطِرَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَالِ غَيْرِهِ مَعَ الِاضْطِرَارِ فَفِي هَذَا أَحْرَى

ص: 355

(أَوْ تَعَذَّرَ قَوْدُهَا لِحَاضِرٍ) ابْنُ شَاسٍ: عَلَى الْمَشْهُورِ يَنْزِلُ عَنْ الدَّابَّةِ إنْ كَانَ رَاكِبًا إلَّا إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقَوْدُ فَيُعْذَرُ فِي الرُّكُوبِ إلَى مُصَادَفَةِ الْخَصْمِ أَوْ الْقَاضِي عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. اُنْظُرْ رَسْمَ نَذَرَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ.

(فَإِنْ غَابَ بَائِعُهُ أَشْهَدَ فَإِنْ عَجَزَ أَعْلَمَ الْقَاضِيَ فَتَلَوَّمَ فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: غَيْبَةُ بَائِعِ الْمَعِيبِ لَا تُسْقِطُ حَقَّ مُبْتَاعِهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَقَامَ بِيَدِهِ عَبْدٌ اشْتَرَاهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِغَيْبَةِ بَائِعِهِ وَلَمْ يَرْفَعْ لِلسُّلْطَانِ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ، لَهُ الرُّجُوعُ بِعَيْنِهِ وَيُعْذَرُ لِغَيْبَةِ الْبَائِعِ لِثِقَلِ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقُضَاةِ وَيَرْجُو إنْ قَدِمَ الْبَائِعُ مُوَافَقَتَهُ، فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ:" إنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا اسْتَشْهَدَ شَهِيدَيْنِ " يَقْتَضِي أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي رَدِّهِ أَوْ فِي سُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ إنْ قَدِمَ رَبُّهُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ.

ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَهُ أَيْضًا الْقِيَامُ فِي غَيْبَتِهِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَرَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ، فَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ، فَإِنْ أَقَامَهَا لَمْ يُعَجِّلْ الْإِمَامُ عَلَى الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَيَتَلَوَّمُ لَهُ إنْ طَمِعَ بِقُدُومِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ قَضَى عَلَيْهِ بِرَدِّ الْعَيْبِ ثُمَّ يَبِيعُهُ عَلَيْهِ وَيُعْطِي الْمُبْتَاعُ ثَمَنَهُ الَّذِي نَقَدَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ تَقُولَ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ نَقَدَ الثَّمَنَ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا، فَمَا فَضَلَ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِلْغَائِبِ عِنْدَ أَمِينٍ وَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا أَتْبَعَهُ بِهِ الْمُبْتَاعُ (كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ قُدُومَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِيهَا أَيْضًا نَفْيُ التَّلَوُّمِ وَفِي

ص: 356

حَمْلِهِ عَلَى الْخِلَافِ تَأْوِيلَانِ) الْمُتَيْطِيُّ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ يَتَلَوَّمُ لَهُ الْأَيَّامَ إنْ طَمِعَ بِقُدُومِهِ وَإِلَّا بَاعَهُ. وَفِي التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْهَا: إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ قَضَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَلَوُّمًا، وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي قِسْمَتِهَا. فَحَمَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى الْخِلَافِ.

وَلِمَالِكٍ أَيْضًا فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ إنْ خَافَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ أَوْ النَّقْصَ بَاعَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا نَصُّ عُيُوبِهَا. الْمُتَيْطِيُّ: الْقَوْلَانِ وِفَاقٌ وَمَعْنَاهُ يَتَلَوَّمُ لَهُ إنْ طَمِعَ بِقُدُومِهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَانْظُرْ إذَا كَانَ قَدْ غَابَ مُنْذُ شَهْرٍ لَا يَدْرِي الشُّهُودُ إلَى أَيْنَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: الصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَبُو مَرْوَانَ إنَّ الْمَجْهُولَ الْمَكَانَ فِي مَغِيبِهِ كَالْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ أَوْ أَشَدَّ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْمُدَوَّنَةُ وَسِوَاهَا فِي مَسَائِلِ الْمَفْقُودِ وَفِي غَيْرِهَا (ثُمَّ قَضَى إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً) تَقَدَّمَ نَصُّهَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " كَأَنْ لَمْ يَعْلَمْ قُدُومَهُ مُؤَرَّخًا ".

ابْنُ لُبَابَةَ: وَتُؤَرِّخُ الْبَيِّنَةُ الشِّرَاءَ لِقِدَمِ الْبَيْعِ (وَصِحَّةَ الشِّرَاءِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فَسَّرَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَالْمَازِرِيُّ الْمُدَوَّنَةَ بِأَنَّهُ يُكَلَّفُ ثُبُوتَ صِحَّةِ الْعَقْدِ قَالَا: خَوْفَ دَعْوَى الْغَائِبِ فَسَادَهُ (إنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهَا) ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّمَا لَزِمَ الْمُبْتَاعَ

ص: 357

الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ إذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي دَعْوَاهُ صِحَّةَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا نَقْدُ الثَّمَنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْعَادَةِ يُرِيدُ فَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ نَقْدَ الثَّمَنِ حَلَفَ أَنَّهُ نَقَدَهُ وَهُوَ كَذَا، وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ غَيْرَ النَّقْدِ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَقْدِهِ وَعَدَدِهِ. (وَفَوْتُهُ حِسًّا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ " فَوْتُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حِسًّا بِالتَّلَفِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ ".

(كَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ " وَفَوْتُهُ حُكْمًا بِالْعِتْقِ " وَنَحْوُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ مَانِعٌ، مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً بَيْعًا صَحِيحًا وَبِهَا عَيْبٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَتْ أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا لِغَيْرِ ثَوَابٍ، فَذَلِكَ كُلُّهُ فَوْتٌ يُوجِبُ الْآنَ قِيمَةَ الْعَيْبِ. وَانْظُرْ إذَا وَهَبَ نِصْفَهَا، هَلْ هُوَ فَوْتٌ مُوجِبٌ لِقِيمَةِ الْعَيْبِ بَيْنَ النِّصْفِ الْوَاحِدِ وَالْآخَرِ فَرْقٌ وَبَيْنَ بَيْعِ النِّصْفِ أَوْ هِبَتِهِ فَرْقٌ؟ اُنْظُرْ رَسْمَ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْعُيُوبِ

ص: 359

(فَيُقَوَّمُ سَالِمًا وَمَعِيبًا وَيَأْخُذُ مِنْ الثَّمَنِ النِّسْبَةَ) ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَفْسِيرُ الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ صَحِيحَةً يَوْمَ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ لَا عَيْبَ بِهَا، فَيُقَالُ مِائَةُ دِينَارٍ وَقِيمَتُهَا حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ بِهَا الْعَيْبَ، فَيُقَالُ ثَمَانُونَ دِينَارًا فَقَدْ نَقَصَهَا الْعَيْبُ الْخُمُسَ، فَيُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَهُوَ خُمُسُ الثَّمَنِ كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَدْنَى. فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ

ص: 360

خَمْسِينَ حُطَّ عَنْهُ عَشَرَةٌ لِأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ أَرْبَعَةً وَبَقِيَ عِنْدَهُ جُزْءٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ فَيَصِحَّ لَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَجْزَاءِ أَرْبَعُونَ.

(وَوُقِفَ فِي رَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ لِخَلَاصِهِ وَرُدَّ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْبَ بَعْدَمَا رَهَنَ أَوْ أَجَّرَ فَلَا أُرَاهُ فَوْتًا، وَمَتَى رَجَعَتْ إلَيْهِ بِافْتِكَاكٍ أَوْ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِجَارَةِ فَلَهُ رَدُّهَا إنْ كَانَتْ بِحَالِهَا، وَإِنْ دَخَلَهَا عَيْبٌ مُفْسِدٌ رَدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا عِنْدَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُهُ أَنَّ الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ لَيْسَا بِخُرُوجٍ مِنْ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ أَنْ لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً عِنْدَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُ فِيهِ الْآنَ إلَيْهَا، فَمَتَى رَجَعَتْ إلَى يَدِهِ كَانَ عَلَى أَوَّلِ أَمْرِهِ (كَرَدِّهِ لَهُ بِعَيْبٍ أَوْ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ ادَّعَى بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ أَنَّ عَيْبًا كَانَ بِهِ عِنْدَ بَائِعِهِ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ خُصُومَتُهُ إذْ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ السِّلْعَةُ بِشِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ

ص: 361

صَدَقَةٍ أَوْ بِعَيْبٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ لَهُ رَدُّهَا عَلَى بَائِعِهَا الْأَوَّلِ إذَا كَانَ بَيْعُ هَذَا الْمُشْتَرِي حِينَ بَاعَهَا لَمْ يَعْلَمْ بِعَيْبِهَا.

(فَإِنْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ مُطْلَقًا أَوْ لَهُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ إنْ دَلَّسَ فَلَا رُجُوعَ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً أَوْ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ عَنْهَا وَصَارَتْ لِآخَرَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ اتَّخَذَ أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ خُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ ثُمَّ بَاعَ أَوْ وَهَبَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إذَا وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ فِي بَيْعِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ ثَمَنُهُ، وَإِنْ بَاعَ بِأَقَلَّ فَإِنَّ النَّقْصَ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْعَيْبِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ فَرَضِيَهُ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إذَا بَاعَهُ لِبَائِعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا بَاعَهُ لِبَائِعِهِ بِأَكْثَرَ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ

ص: 362

اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مَنْ بَاعَهُ بِشَيْءٍ. وَانْظُرْ قَوْلَ خَلِيلٍ: " إنْ دَلَّسَ " إنْ كَانَ عَنَى بِهِ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ.

(وَإِلَّا رَدَّ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ) اللَّخْمِيِّ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَضْلَ (وَلَهُ بِأَقَلَّ كَمَّلَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِدُونِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ اسْتَتَمَّ.

(وَتَغَيُّرُ الْمَبِيعِ إنْ تَوَسَّطَ فَلَهُ أَخْذُ الْقَدِيمِ وَرَدُّهُ وَدَفْعُ الْحَادِثِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ " الصِّنْفُ الثَّانِي مَا يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ".

وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: الْعُيُوبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: عَيْبٌ خَفِيفٌ يَرُدُّ وَلَا يَرُدُّ مَا نَقَصَهُ لِيَسَارَتِهِ، وَعَيْبٌ مُفْسِدٌ لَا يَرُدُّ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَغَيْرُ هَذَيْنِ الْعَيْبَيْنِ يُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ فِي أَرْشِهِ أَوْ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ.

ص: 363

(وَقُوِّمَا بِتَقْوِيمِ الْمَبِيعِ يَوْمَ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي) نَحْوُ هَذَا عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: الْمَازِرِيُّ: يُعْتَبَرُ التَّقْوِيمُ وَقْتَ ضَمَانِ ذَاتِ الْمُوَاضَعَةِ وَالْغَائِبِ وَالْفَاسِدِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " فَيُقَوَّمُ سَالِمًا " قَالَ: إنْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرُدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا فَيُقَوَّمُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا لِيَعْلَمَ ثَمَنَ مَا قَبَضَ الْمُبْتَاعُ لِيَغْرَمَ قِيمَةَ الْعَيْبِ مِنْهُ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ قِيمَةَ الْعَيْبِ مِنْ أَمَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَكِنْ مِنْ أَمَةٍ مَعِيبَةٍ كَمَا قَبَضَ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَا قِيمَتُهَا يَوْمَ وَقَعَ الشِّرَاءُ صَحِيحَةً بِلَا عَيْبٍ؟ فَيُقَالُ: مِائَةٌ. وَمَا قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ وَبِهَا الْعَيْبُ الْقَدِيمُ؟ فَيُقَالُ: ثَمَانُونَ. فَيُطْرَحُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ خُمُسُهُ وَتَبْقَى أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فَذَلِكَ ثَمَنُهَا يَوْمَ قَبَضَهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ الثَّالِثَةَ إلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِالْعَيْبَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ.

فَإِنْ قِيلَ سِتُّونَ فَقَدْ نَقَصَهَا الْعَيْبُ الْحَادِثُ رُبُعَ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهَا بَعْدَ أَنْ أَسْقَطَ عَنْهُ خُمُسَ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ كُلُّهُ خَمْسِينَ فَإِنْ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ رَجَعَ بِخُمُسِ الثَّمَنِ عَشَرَةٌ، وَإِنْ رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا غَرِمَ رُبُعَ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ فَيُقَاصُّهُ بِهَا مِنْ ثَمَنِهِ وَيَأْخُذُ

ص: 364

مَا بَقِيَ. وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ أَبْيَنُ مَا فِي ذَلِكَ. (وَلَهُ إنْ زَادَ بِكَصَبْغٍ أَنْ يَرُدَّ وَيَشْتَرِكَ بِمَا زَادَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ فَعَلَ فِي الثَّوْبِ مَا زَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ مِنْ صِبْغٍ أَوْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَهُ حَبْسُهُ وَأَخْذُ قِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ رَدُّهُ، وَيَكُونُ بِمَا زَادَتْ الصَّنْعَةُ شَرِيكًا لَا بِقِيمَةِ الصَّنْعَةِ وَلَا بِمَا أَدَّى يُقَوَّمُ الثَّوْبُ أَبْيَضَ مَعِيبًا فَتَكُونُ هَذِهِ الْقِيمَةُ رَأْسَ مَالِ الْبَائِعِ، ثُمَّ يُقَوَّمُ مَصْبُوغًا فَمَا زَادَ فَهُوَ بِهِ شَرِيكٌ، وَسَوَاءٌ دَلَّسَ لَهُ فِي هَذَا أَمْ لَا (يَوْمَ الْبَيْعِ عَلَى الْأَظْهَرِ) قَالَ الْقَابِسِيُّ: الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ الْحُكْمِ.

قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ إذَا نَقَصَ فَأَرَادَ الرَّدَّ وَرَدَّ مَا نَقَصَ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي هَذَا يَوْمَ الْبَيْعِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا فَإِنَّهُ يُقَالُ مَا قِيمَتُهُ يَوْمَ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ بِغَيْرِ عَيْبٍ؟ فَيُقَالُ: مِائَةٌ. ثُمَّ يُقَالُ: وَكَمْ قِيمَتُهُ يَوْمئِذٍ مَعِيبًا لِيَعْلَمَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ؟ فَيُقَالُ: ثَمَانُونَ. ثُمَّ يُقَالُ: وَكَمْ قِيمَتُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَعِيبًا مَخِيطًا؟ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ حَبَسَهُ وَأَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ وَهُوَ خُمُسُ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَصَتْهُ الصَّنْعَةُ، فَإِنْ دَلَّسَ الْبَائِعُ رَدَّ الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ لَمْ يَرُدَّهُ الْمُشْتَرِي إلَّا بِمَا نَقَصَهُ.

ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (وَجُبِرَ بِهِ الْحَادِثُ) ابْنُ يُونُسَ: آخِرُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَجُعِلَ هَاهُنَا مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْخِيَاطَةِ يُجْبَرُ بِهَا مَا أَحْدَثَ مِنْ النَّقْصِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: تَرَدَّدَ التُّونِسِيُّ فِي جَبْرِ الْقَطْعِ بِالْخِيَاطَةِ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْأَمَةِ ابْتَاعَهَا بِعَيْبٍ وَقَدْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ فَيُجْبَرُ نَقْصُ النِّكَاحِ بِالْوَلَدِ

ص: 366

كَمَا يُجْبَرُ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: الْوَلَدُ وَالسِّمَنُ سَمَاوِيَّانِ وَالصِّبْغُ وَالْخِيَاطَةُ كَسْبِيَّانِ فَالْجَبْرُ بِهِمَا أَحْرَوِيٌّ. ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ: اُنْظُرْ عَلَى هَذَا لَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ غَيْرُ الْقَطْعِ وَقَدْ أَحْدَثَ فِيهِ خِيَاطَةً أَوْ صِبْغًا، هَلْ يُجْبَرُ أَيْضًا مَا حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْبِ بِالْخِيَاطَةِ وَالصِّبْغِ؟ اُنْظُرْهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ اشْتَرَى ثِيَابًا أَوْ غَيْرَهَا فَقَطَعَهَا.

(وَفَرْقٌ بَيْنَ مُدَلِّسٍ وَغَيْرِهِ كَهَلَاكِهِ بِالتَّدْلِيسِ وَأَخْذِهِ مِنْهُ بِأَكْثَرَ وَتَبَرٍّ

ص: 368

مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ وَرَدِّ سِمْسَارٍ جُعْلًا وَمَبِيعٌ لِمَحِلِّهِ إنْ رُدَّ بِعَيْبٍ وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ) تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذِهِ

ص: 371

الْفُرُوعِ وَإِنَّمَا كَرَّرَهَا لِأَنَّ مَقَاصِدَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالنَّظَائِرِ. فَأَمَّا الْفَرْعُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " إنْ نَقَصَ " فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالثَّوْبِ عَيْبًا بَعْدَ الْقَطْعِ وَقَبْلَ الْخِيَاطَةِ وَالْبَائِعُ مُدَلِّسٌ رَدَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقَطْعِ أَوْ أَمْسَكَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدَلِّسٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِالْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ عَيْبَ الْقَطْعِ، وَأَمَّا إنْ خَاطَهُ اُنْظُرْهُ فِي بَابِ الْعُيُوبِ فِي الْعُرُوضِ مِنْ اللَّخْمِيِّ. وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ:" كَهَلَاكِهِ بِالتَّدْلِيسِ " فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَبِهِ عَيْبٌ فَهَلَكَ مِنْهُ أَوْ تَنَاهَى إلَى أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ الْبَائِعُ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إنْ هَلَكَ، وَإِنْ تَنَاهَى إلَى أَكْثَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ قِيمَةَ مَا تَنَاهَى، وَإِنْ دَلَّسَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ مَاتَ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إنْ تَنَاهَى وَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ دَلَّسَ بِمَرَضٍ فَاتَ مِنْهُ رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.

اللَّخْمِيِّ: وَإِنْ دَلَّسَ بِالسَّرِقَةِ فَسَرَقَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ رَدَّهُ أَقْطَعَ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَأَخَذَهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ " فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَبِأَكْثَرَ إنْ دَلَّسَ ". وَأَمَّا الْفَرْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَتَبَرَّأَ مِمَّا لَمْ

ص: 374

يَعْلَمْ " فَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " وَتَبَرَّأَ غَيْرُهُمَا فِيهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ ".

. وَأَمَّا الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَرَدِّ سِمْسَارٍ جُعْلًا " فَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ رَدَّ السِّمْسَارُ الْجُعْلَ عَلَى الْبَائِعِ.

قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يُدَلِّسْ، وَأَمَّا إنْ دَلَّسَ فَالْجُعْلُ لِلْأَجِيرِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ.

قَالَ مَالِكٌ: وَمَا بَاعَهُ الطَّوَّافُونَ فِي الْمُزَايَدَةِ وَمِثْلُ النَّخَّاسِينَ وَمَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُ لِلنَّاسِ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمْ فِي بَيْعٍ وَلَا اسْتِحْقَاقَ وَإِنَّمَا التَّبَاعَةُ عَلَى رَبِّهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا اُتُّبِعَ.

وَأَمَّا الْفَرْعُ السَّادِسُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَمَبِيعٌ لِمَحَلِّهِ إنْ رُدَّ بِعَيْبٍ وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ " فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَحَمَلَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ فِيهَا فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَوْضِعٍ اشْتَرَاهَا فِيهِ لِتَدْلِيسِهِ عَلَيْهِ وَقِيلَ: ذَلِكَ عَلَيْهِ. اللَّخْمِيِّ: وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ كِرَاءَ رَدِّهَا عَلَى بَائِعِهَا لِأَنَّهُ غَرَّهُ.

(وَإِلَّا فَاتَ كَعَجْفِ دَابَّةٍ وَسِمَنِهَا) قَوْلُهُ: " وَإِلَّا فَاتَ " أَيْ بِنِسْبَتِهِ، وَمَعْنَاهُ لَا يَتَحَتَّمُ الرَّدُّ بَلْ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ، أَمَّا إنْ لَمْ يَقْرُبْ

ص: 375

الْأَمْرُ فِي رَدِّ السِّلْعَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لَوْ كَانَتْ سِلْعَةٌ فَأَدَّى فِي حَمْلِهَا ثَمَنًا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَعْنِي وَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ دَلَّسَ لَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَتَمَاسَكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَيَصِيرَ كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ. وَأَمَّا الدَّابَّةُ يَشْتَرِيهَا سَمِينَةً فَتَعْجَفُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَجِدُ فِيهَا عَيْبًا فَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا أَوْ حَبَسَهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ. وَأَمَّا الدَّابَّةُ يَشْتَرِيهَا مَهْزُولَةً فَتَسْمَنُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَجِدُ بِهَا عَيْبًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ سِمَنًا بَيِّنًا فَإِنَّهُ أَيْضًا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا كَمَا هِيَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صَلَاحُ الْبَدَنِ بِغَيْرِ بَيْنِ السِّمَنِ لَغْوٌ.

وَعَنْ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ الْمَهْزُولَةِ تَسْمَنُ رِوَايَتَانِ: نَفْيُ الْخِيَارِ وَإِثْبَاتُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا تَقَدَّمَ اهـ. وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفُرُوعَ الثَّلَاثَةَ الْخِيَارُ فِيهَا ثَابِتٌ لِلْمُشْتَرِي لَكِنْ فِي النَّقْلِ وَالسِّمَنِ إنْ رُدَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ بِخِلَافِ الْعَجْفِ، فَلَوْ قَالَ:" وَإِلَّا فَاتَ كَسِمَنِ دَابَّةٍ وَعَجْفِهَا " لِيَعْطِفَ عَلَى عَجْفِهَا مَا بَعْدَهُ لِاسْتِوَاءِ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ لَكَانَ أَبْيَنَ، وَإِلَّا فَانْظُرْ أَنْتَ فِي ذَلِكَ، وَانْظُرْ إذَا خُصِيَ الْعَبْدُ فَزَادَ ثَمَنُهُ، وَانْظُرْ هُزَالَ الرَّقِيقِ وَسِمَنَهُمْ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَالِكٌ: إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِفَوْتٍ. اُنْظُرْ رَسْمَ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْعُيُوبِ.

(وَعَمًى وَشَلَلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ عَيْبٌ مُفْسِدٌ كَالْقَطْعِ وَالشَّلَلِ وَالْعَوَرِ وَالْعَمَى فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَمَا نَقَصَهُ ذَلِكَ الْعَيْبُ أَوْ يَتَمَاسَكَ وَيَرْجِعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَنَا أَقْبَلُهُ بِالْعَيْبِ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَك وَأَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ عَيْبٌ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرُدَّهُ بِلَا غُرْمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ عَيْبِهِ دَلَّسَ لَهُ الْبَائِع أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَحْبِسَهُ مَعِيبًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهُ وَأَرْجِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِقَدْرِ مَا أَصَابَهُ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْبِ. وَكُلُّ مَا حَدَثَ بِالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ مِنْ عَيْبٍ مُفْسِدٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ عَيْبٍ التَّدْلِيسِ فَلَا يَرُدُّهُ إنْ وَجَدَ عَيْبًا إلَّا بِمَا نَقَصَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ، دَلَّسَ لَهُ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ أَمْ لَا.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الدُّورُ بِخِلَافِ الثِّيَابِ تُقْطَعُ وَتُقَصَّرُ إذْ لِهَذَا تُشْتَرَى فَيَفْتَرِقُ فِيهَا التَّدْلِيسُ مِنْ

ص: 376

غَيْرِهِ، وَيَصِيرُ الْمُدَلِّسُ كَالْآذِنِ فِي ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الرَّدِّ مِمَّا نَقَصَهَا إلَّا أَنْ يَفْعَلَ فِي الثِّيَابِ مَا لَا يُفْعَلُ فِي مِثْلِهَا أَوْ يَحْدُثُ فِيهَا عَيْبٌ مُفْسِدٌ مِنْ غَيْرِ التَّقْطِيعِ فَلَا يَرُدَّهَا، إلَّا بِمَا نَقَصَهَا.

قَالَ: وَإِنْ قَطَّعَ الثِّيَابَ قُمُصًا أَوْ سَرَاوِيلَاتٍ أَوْ أَقْبِيَةً ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ فَالْمُبْتَاعُ مُخَيَّرٌ فِي حَبْسِهِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ رَدِّهِ وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ، فَإِنْ دَلَّسَ لَهُ الْبَائِعُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِمَا نَقَصَ الْقَطْعُ إنْ رَدَّهُ.

(وَتَزْوِيجِ أَمَةٍ وَجُبِرَ بِالْوَلَدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَزَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مِنْ

ص: 377

رَجُلٍ حُرٍّ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهَا، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ النِّكَاحِ وَعَلَى الْمُبْتَاعِ مَا نَقَصَهَا النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يُنْقِصْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا رَدَّهَا وَمَعَهَا وَلَدٌ فَيَكُونُ أَكْثَرَ لِثَمَنِهَا.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هَذَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ يَدُلُّ أَنَّهُ إنْ نَقَصَهَا النِّكَاحُ وَقَدْ وَلَدَتْ وَفِي الْوَلَدِ مَا يُجْبَرُ بِهِ نَقْصُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ ذَلِكَ بِالْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ آخَرَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ.

(إلَّا أَنْ يَقْبَلَهُ بِالْحَادِثِ أَوْ يَقِلَّ فَكَالْعَدَمِ) أَمَّا إذَا قَالَ الْبَائِعُ أَقْبَلُ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَك وَأَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ عَيْبٌ، وَأَمَّا إنْ قَلَّ الْعَيْبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ الْعَيْبَ الْخَفِيفَ الْحَادِثَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ يَرُدُّ الْمَبِيعَ وَلَا يَرُدُّ مَا نَقَصَهُ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْمَرَضُ الْخَفِيفُ لَا يُثْبِتُ خِيَارًا (كَوَعْكٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الْوَعْكُ يَسِيرٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَمْ أَجِدْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَرَمَدٍ وَصُدَاعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْعَيْبُ الْخَفِيفُ كَالرَّمَدِ وَالْكَيِّ وَالدَّمَامِيلِ وَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ وَكُلِّ عَيْبٍ لَيْسَ بِمَخُوفٍ وَإِنْ نَقَصَهُ ذَلِكَ فَلَهُ رَدُّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا. ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي هِيَ تُتْلِفُ الْعَبْدَ وَلَا تُنْقِصُهُ نَقْصًا كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ لَا يُفِيتُ الرَّدَّ حَوَالَةُ سُوقٍ

ص: 378

وَلَا نَمَاءٍ. (وَذَهَابِ ظُفْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ ذَهَبَ ظُفْرٌ فَلَهُ رَدُّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا أَرَاهُ عَيْبًا (وَخَفِيفِ حُمَّى) الْبَاجِيُّ: عِنْدِي أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَرَادَ بِالْحُمَّى الْخَفِيفَةَ دُونَ مَا أَضْعَفَ وَمَنْعُ التَّصَرُّفِ مِمَّا يَنْدُرُ فَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ النَّقْصِ.

(وَوَطْءِ ثَيِّبٍ) الْبَاجِيُّ: مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ لَا يَكُونُ فَوْتًا فِي ثَيِّبٍ وَلَا بِكْرٍ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُدَلِّسًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُدَلِّسٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا وَالْبَائِعُ غَيْرُ مُدَلِّسٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِالْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ مَا نَقَصَ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ مُدَلِّسًا.

(وَقَطْعٍ مُعْتَادٍ) ابْنُ رُشْدٍ: النُّقْصَانُ بِمَا أَحْدَثَهُ الْمُبْتَاعُ فِي الْمَبِيعِ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَحْدُثَ فِيهِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّوْبَ فَيَقْطَعَهُ فَيُنْقِصَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنَّ هَذَا فَوْتٌ، وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ مَا نَقَصَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَلِّسًا فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ لِلنُّقْصَانِ شَيْءٌ يَرُدُّهُ مِنْ أَجْلِهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَتَزْوِيجِ أَمَةٍ، وَانْظُرْ هَذَا كُلَّهُ مَعَ لَفْظِ خَلِيلٍ (وَالْمُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ مُفِيتٌ بِالْأَرْشِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَثِيرًا يُبْطِلُ ذَلِكَ الْغَرَضَ الَّذِي يُرَادُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ.

(كَكِبَرِ صَغِيرٍ وَهَرَمٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ صَغِيرًا فَكَبِرَ عِنْدَهُ أَوْ كَبِيرًا فَهَرِمَ عِنْدَهُ فَذَلِكَ

ص: 379

فَوْتٌ يُوجِبُ لَهُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا (وَافْتِضَاضِ بِكْرٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيُّ وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ فَانْظُرْهُ (وَقَطْعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ) وَانْظُرْ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَطْعٍ مُعْتَادٍ "(إلَّا أَنْ يَهْلَكَ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا دَلَّسَ فِيهِ بِعَيْبٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَيْبِ أَوْ نَقَصَ، فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ كَالتَّدْلِيسِ بِالْمَرَضِ فَيَمُوتُ مِنْهُ أَوْ بِالسَّرِقَةِ فَيَسْرِقُ فَتُقْطَعُ يَدُهُ فَيَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَحْيَا، أَوْ بِالْإِبَاقِ فَيَأْبَقُ فَهَلَكَ أَوْ ذَهَبَ فَلَمْ يَرْجِعْ. ابْنُ شِهَابٍ: أَوْ بِالْجُنُونِ فَخُنِقَ فَمَاتَ، فَهَذَا كُلُّهُ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ (أَوْ بِسَمَاوِيٍّ زَمَنَهُ) اللَّخْمِيِّ: إنْ ذَهَبَ يَسْرِقُ فَسَقَطَ مِنْ مَوْضِعٍ فَهَلَكَ فِي ذَهَابِهِ أَوْ فِي رُجُوعِهِ كَانَ مِنْ بَائِعِهِ (كَمَوْتِهِ فِي إبَاقِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فَيَأْبَقُ فَهَلَكَ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ بِعَيْبِهِ رَجَعَ عَلَى الْمُدَلِّسِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بَائِعُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَإِنْ زَادَ فَلِلثَّانِي) التُّونِسِيُّ: إذَا كَانَ الْأَوَّلُ دَلَّسَ بِالْإِبَاقِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا

ص: 380

يَعْلَمُ بِإِبَاقِهِ فَأَبَقَ عِنْدَ الْآخَرِ فَذَهَبَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُؤْخَذُ الثَّمَنُ كُلُّهُ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَدْفَعُ الْآخَرُ مِنْهُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ فَضَلَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ (وَإِنْ نَقَصَ فَهَلْ يُكَمِّلُهُ الثَّانِي؟ قَوْلَانِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَقْوَالُ فِي هَذَا سِتَّةٌ اُنْظُرْهُ فِيهِ.

(وَلَمْ يُحَلِّفْ مُشْتَرٍ اُدُّعِيَتْ رُؤْيَتُهُ إلَّا بِدَعْوَى الْإِرَاءَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ احْلِفْ أَنَّك لَمْ تَرَ الْعَيْبَ حِينَ اشْتَرَيْت لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ فَيُلْزَمُ الْعَيْبَ أَوْ يَدَّعِي أَنَّهُ أَرَاهُ إيَّاهُ فَلْيَحْلِفْ لَهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيْبًا ظَاهِرًا لَا

ص: 381

يَشُكُّ أَنَّهُ يَرَاهُ كَالْعَوَرِ فَلْيُحَلِّفْهُ وَإِلَّا فَلَا.

(وَلَا الرِّضَا بِهِ إلَّا بِدَعْوَى مُخْبِرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا دَلَّسَهُ الْبَائِعُ فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ: احْلِفْ لِي أَنَّك لَمْ تَرْضَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتَهُ وَلَا تَسَوَّقْتَ بِهِ، فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ مُخْبِرًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَسَوَّقَ بِهِ بَعْدَ

ص: 382

مَعْرِفَتِهِ بِالْعَيْبِ أَوْ رَضِيَهُ. ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ أَوَّلًا لَقَدْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ. زَادَ غَيْرُهُ مُخْبِرُ صِدْقٍ.

(وَلَا بَائِعٌ أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ لِإِبَاقِهِ بِالْقُرْبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَأَبَقَ عِنْدَهُ بِقُرْبِ الْبَيْعِ فَقَالَ الْبَائِعُ أَخْشَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ بِقُرْبِ الْبَيْعِ إلَّا وَقَدْ كَانَ عِنْدَكَ آبِقًا فَاحْلِفْ لِي فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَا جُهِلَ أَمْرُهُ فَهُوَ عَلَى السَّلَامَةِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ، وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ أَخْبَرَ أَنَّ الْعَبْدَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَا فَرْقٌ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَبَيْنَ الْعُيُوبِ الَّتِي فِي الْأَبْدَانِ وَاَلَّتِي فِي الْأَخْلَاقِ وَعَرَفَ وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى الْعِلْمِ؟ اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ الْعُيُوبِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَكْثَرِ الْعَيْبِ يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ وَأَقَلِّهِ بِالْجَمِيعِ أَوْ بِالزَّائِدِ مُطْلَقًا أَوْ بَيْنَ هَلَاكِهِ فِيمَا بَيْنَهُ أَوْ لَا؟ أَقْوَالٌ) أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَكْثَرِ الْعَيْبِ يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ وَأَقَلِّهِ بِالْجَمِيعِ فَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَصُّهُ: قَالَ غَيْرُهُ: إنْ بَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ الْعَيْبِ الَّذِي هَلَكَ بِسَبَبِهِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي هَاهُنَا بِمِقْدَارِ مَا كَتَمَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ أَكْثَرَ الْعَيْبِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ مُطْلَقًا فَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا

ص: 383

وَنَصُّهُ: وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا قَالَ أَبَقَ مَرَّةً وَقَدْ كَانَ أَبَقَ مَرَّتَيْنِ فَأَبَقَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ بِسَبَبِ الْإِبَاقِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِقَدْرِ مَا كَتَمَهُ بِخِلَافِ إنْ دَلَّسَ بِجَمِيعِ الْإِبَاقِ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إنْ هَلَكَ فِيمَا بَيَّنَهُ لَهُ وَإِلَّا رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَهُوَ لِابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سُئِلَ عَنْ الَّذِي يَبِيعُ عَبْدًا وَيَقُولُ لِلْمُشْتَرِي أَبَقَ شَهْرًا وَهُوَ قَدْ أَبَقَ سَنَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّذِي يَكْتُمُ بَعْضَهَا، هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ كَتَمَ جَمِيعَ الْعُيُوبِ أَوْ لَا؟ فَقَالَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي بَيَّنَ لَهُ فَأَقَلَّ فَلَا يَكُونُ كَالْمُدَلِّسِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي دَلَّسَ عَلَيْهِ بِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَبَقَ شَهْرًا وَقَدْ أَبَقَ سَنَةً، فَإِنْ أَبَقَ فَهَلَكَ فِي الشَّهْرِ فَأَقَلَّ فَلَا يَكُونُ كَالْمُدَلِّسِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ.

وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِهَلَاكِهِ فِيمَا دَلَّسَ بِهِ انْتَهَى. فَانْظُرْ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي ابْنِ يُونُسَ لَيْسَتْ خِلَافًا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ خَلِيلٍ أَنَّ فِي كُلّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَانْظُرْ أَنْتَ فِي ذَلِكَ.

(وَرُدَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِحِصَّتِهِ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ فِيمَنْ ابْتَاعَ أَشْيَاءَ فِي صَفْقَةٍ فَأَلْفَى بِبَعْضِهَا عَيْبًا بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعِيبُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ وَفِيهِ رَجَاءُ الْفَضْلِ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الرِّضَا بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدُّ جَمِيعَ الصَّفْقَةِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ أَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً فَوَجَدَ بِصِنْفٍ مِنْهَا عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ فَلْيَرُدَّ الْجَمِيعَ.

قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا وَقَعَ الْعَيْبُ نِصْفَ الثَّمَنِ فَأَقَلَّ فَلَيْسَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ وَلَمْ يَرُدَّ إلَّا الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ فَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ابْتَاعَ عَبْدَيْنِ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ رَدُّ مَا وُجِدَ مَعِيبًا بِحِصَّتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْآخَرِ.

(وَرَجَعَ بِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ سِلْعَةً) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِثَوْبَيْنِ فَوَجَدَ عَيْبًا بِأَدْنَى الثَّوْبَيْنِ وَقَدْ فَاتَ أَرْفَعُهُمَا وَالْعَبْدُ قَائِمٌ لَمْ يَفُتْ رَدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ وَرَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَا فِي عَيْنِهِ، يُرِيدُ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِيهِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا إنْ وَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ فَهُوَ

ص: 384

وَجْهُ الصَّفْقَةِ فَيَرُدُّ الْجَمِيعَ.

(أَوْ أَحَدَ مُزْدَوِجَيْنِ أَوْ أُمًّا وَوَلَدَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ابْتَاعَ خُفَّيْنِ أَوْ نَعْلَيْنِ أَوْ مِصْرَاعَيْنِ وَكُلَّ مَا هُوَ زَوْجٌ فَأَصَابَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِمَّا رَدَّهُمَا جَمِيعًا أَوْ حَبَسَهُمَا جَمِيعًا. وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِأَخٍ لِصَاحِبِهِ أَوْ كَانَتْ نِعَالًا فُرَادَى فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَحُكْمُ الْأُمِّ تُبَاعُ مَعَ وَلَدِهَا فَيُوجَدُ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ حُكْمُ مَا لَا يَفْتَرِقُ. (وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَقَلَّ اُسْتُحِقَّ أَكْثَرُهُ) صَوَابُهُ عِيبَ أَكْثَرُهُ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ: وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى ثِيَابًا كَثِيرَةً فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ وَجْهَ

ص: 387

الصَّفْقَةِ انْتَقَضَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَرَدَّ مَا بَقِيَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ إذْ لَا يَعْرِفُ حَتَّى يُقَوَّمَ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَنَا أَسْتَحْسِنُ إذَا اسْتَحَقَّ الْكَثِيرَ وَرَضِيَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا بَعْدَ التَّقْوِيمِ وَمَعْرِفَةِ حِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ فَيَأْخُذَ بِذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ فَيَسْلَمَ مِمَّا كَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ.

(فَإِنْ كَانَ دِرْهَمَانِ وَسِلْعَةٌ تُسَاوِي عَشَرَةً بِثَوْبٍ فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ وَفَاتَ الثَّوْبُ فَلَهُ رَدُّ قِيمَةِ الثَّوْبِ بِكَمَالِهِ وَرَدُّ الدِّرْهَمَيْنِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ كَانَ دِرْهَمَانِ وَسِلْعَةٌ تُسَاوِي عَشَرَةً بِثَوْبٍ فَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ وَفَاتَ الثَّوْبُ فَلَهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِكَمَالِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَرُدُّ الدِّرْهَمَيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا أَدْرِي مُوجِبَ ذِكْرِهِ إيَّاهَا هُنَا وَنَفْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا أَعْرِفُهَا لِغَيْرِهِ اهـ. وَلِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ: إنْ كَانَ دِرْهَمَانِ وَسِلْعَةٌ تُسَاوِي عَشَرَةً بِعَبْدٍ فَفَاتَ الْعَبْدُ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ وَاسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الدِّرْهَمَيْنِ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ.

(وَرَدُّ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا ابْتَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا فِي صَفْقَةٍ فَوَجَدَا بِهِ عَيْبًا فَلِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحْبِسَ دُونَ الْآخَرِ شَاءَ ذَلِكَ الْبَائِعُ أَوْ أَبَى. ابْنُ الْقَاسِمِ: وُجُوبُ الرَّدِّ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بَيِّنٌ إذْ لَوْ فَلَّسَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَتْبَعْ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ اجْتَمَعَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ عَاقِدَانِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ رَدُّ الْمَبِيعِ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا بِرَدِّهِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، أَصْلُهُ إذَا كَانَ الْبَائِعَانِ رَجُلَيْنِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُبْتَاعٌ وَجَدَ بِمَا ابْتَاعَهُ عَيْبًا فَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَلَمْ يَفُتْ عِنْدَهُ فَكَانَ لَهُ رَدُّهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِغَيْرِ أَصْلِهِ إذَا انْفَرَدَ بِهِ

(وَعَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ) الْمَازِرِيُّ: لِمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ دُونَ الْآخَرِ وَتُعَدُّ صَفْقَتُهُمَا صَفْقَتَيْنِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِدُخُولِهِمْ عَلَى اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ كَمَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي اتِّحَادِ الْبَائِعِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مَرْدُودٌ وَيُؤَيِّدُ نَقْلُ الْمَازِرِيِّ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي اُنْظُرْهُ فِيهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا

ص: 388

مِنْ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فَظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ فَلْيَنْتَظِرْ لَعَلَّ لَهُ حُجَّةً، وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ يُرِيدُ وَأَنَّهُ نَقَدَ الثَّمَنَ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا. اُنْظُرْ فِي الْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ رَدَّ الْبَيْعَ عَلَى الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ، وَإِنْ كَانَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِلَّا حَلَفَ الشَّرِيكُ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ وَبُرِّئَ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ كَانَ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا لِأَنَّ غَيْرَهُ تَوَلَّى الْبَيْعَ كَالْوَارِثِ، وَلَوْ حَضَرَ الْبَائِعُ مِنْهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ فِي الظَّاهِرِ وَفِيمَا يَخْفَى عَلَى الْعِلْمِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الْعَيْبِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: " بِلَا يَمِينٍ ". قَالَ ابْنُ يُونُسَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَطَعَنَ فِيهَا بِعَيْبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِهَا عَيْبًا إلَّا بِقَوْلِهِ فَقَالَ لِلْبَائِعِ احْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا يَوْمَ بِعْتَهَا مِنِّي عَيْبٌ، فَلَا يَجِبُ بِذَلِكَ يَمِينٌ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْبَتِّ وَلَا عَلَى الْعِلْمِ (أَوْ قِدَمِهِ إلَّا بِشَهَادَةِ عَادَةٍ لِلْمُشْتَرِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى مِثْلُهُ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَهُوَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى مِثْلُهُ وَيَرَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ قَدِيمًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ قَامَ بِعَيْبٍ ظَاهِرٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَجَبَ بِهِ الرَّدُّ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَلَا مَقَالَ لِلْبَائِعِ، لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ ثَبَتَ صِدْقُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا.

الْبَاجِيُّ: إنْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ مِمَّا حَدَثَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ وَتَيَقَّنُوا ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُبْتَاعِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ شَكُّوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ الْبَائِعُ فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ عَلَى الْبَتِّ وَفِي الْخَفِيِّ عَلَى الْعِلْمِ (وَحَلَفَ مَنْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ) اُنْظُرْ ثَالِثَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْعُيُوبِ (وَقُبِلَ لِلتَّعَذُّرِ غَيْرُ عُدُولٍ أَوْ مُشْرِكَيْنِ) الْبَاجِيُّ: إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ: لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ عُيُوبِهَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ كَالْأَمْرَاضِ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَسْرَارَهَا إلَّا الْأَطِبَّاءُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَهُوَ أَتَمُّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ أَهْلُ عَدْلٍ قُبِلَ فِيهِمْ قَوْلُ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ لِأَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مِمَّا يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْعُيُوبِ فِي جَسَدِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا تَحْتَ الثِّيَابِ

ص: 389

مِنْ الْعُيُوبِ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي يَشْهَدُ النِّسَاءُ بِهِ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ النِّسَاءُ قُبِلَ فِيهِ امْرَأَتَانِ مِنْ عُدُولِ النِّسَاءِ دُونَ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهَا أَهْلُ الْعِلْمِ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ بِصِفَتِهِ وَسُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ عَنْ الْحُكْمِ. الْمُتَيْطِيُّ: الْوَاحِدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ يَكْفِي، إذْ طَرِيقُ ذَلِكَ الْعِلْمُ لَا الشَّهَادَةُ.

هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَعْمُولُ بِهِ (وَيَمِينُهُ بِعْتُهُ وَفِي ذِي التَّوْفِيَةِ وَأَقْبَضْته وَمَا هُوَ بِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَمِينُهُ بِعْته وَأَقْبَضْته وَمَا بِهِ عَيْبٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُهُ: " وَأَقْبَضْته " مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ فِي أَنَّ الضَّمَانَ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْعَقْدِ لَا بِالْقَبْضِ. وَكَذَا اقْتِصَارُهُ عَلَى قَوْلِهِ: " وَمَا بِهِ عَيْبٌ " إنَّمَا الْوَاجِبُ نَفْيُ الْعَيْبِ الْمَخْصُوصِ فَإِنْ نَفَاهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ كَفَاهُ حَسْبَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ: يَحْلِفُ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ عَيْبٌ أَوْ مَا بِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا مُقْتَضَى الْأُصُولِ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ نَقِيضُ نَفْسِ الدَّعْوَى (بَتًّا فِي الظَّاهِرِ وَعَلَى الْعِلْمِ فِي الْخَفِيِّ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا بِهَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ قِدَمِهِ ".

(وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْفَسْخِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إلَّا مَا لَا يُنْقِصُ كَسُكْنَى الدَّارِ "(وَلَمْ تُرَدَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ دَارًا أَوْ عَبِيدًا فَاغْتَلَّهُمْ ثُمَّ رَدَّهُمْ بِعَيْبٍ كَانَ مَا اغْتَلَّ مِنْهُمْ لَهُ بِضَمَانِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا

(بِخِلَافِ وَلَدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مَعَ وَلَدِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوِلَادَةِ إلَّا أَنْ يُنْقِصَهَا ذَلِكَ فَيَرُدُّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَكَانَ فِي الْوَلَدِ مَا يُجْبَرُ بِهِ النَّقْصُ جَبَرَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الشِّرَاءِ مَأْبُورَةً فَاشْتَرَطْتَهَا فَإِنَّك إنْ رَدَدْت النَّخْلَ بِعَيْبٍ وَقَدْ جَدَدْتهَا رَدَدْت الثَّمَرَةَ مَعَهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك، فَإِنْ رَدَدْتهَا مَعَهَا كَانَ لَك أَجْرُ سَقْيِك وَعِلَاجِك فِيهَا يُرِيدُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ قِيمَةَ الثَّمَرَةِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمَّا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً إلَّا بِالِاشْتِرَاطِ صَحَّ أَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ أُلْزِمْهَا لَك إلَّا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ.

وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَإِنْ رَدَّهَا وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أَزْهَتْ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا فَرَدَّهَا بَعْدَ

ص: 390

زُهُوِّ الثَّمَرَةِ فَهِيَ لَهُ.

(وَصُوفٍ تَمَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ صُوفُ الْغَنَمِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ تَامًّا يَجُزُّهُ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ فَلْيَرُدَّ ذَلِكَ مَعَهَا أَوْ مِثْلَهُ إنْ فَاتَ.

ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَزْنَهُ رَدَّ الْغَنَمَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ كَمُشْتَرِي ثَوْبَيْنِ يَفُوتُ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ يَجِدُ بِالْبَاقِي عَيْبًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصُّوفُ يَوْمَ الصَّفْقَةِ تَامًّا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا فِيمَا حَلَبَ مِنْ لَبَنٍ. وَلَوْ كَانَ فِي ضَرْعِهَا يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ انْتَفَعَ بِهِ مِنْ زُبْدٍ أَوْ سَمْنٍ لِأَنَّ ذَلِكَ غَلَّةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ قَدْ فَاتَ، وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ

ص: 391

قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُرَدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَ مِنْ الْغَلَّةِ إلَّا أَنْ يَفُوتَ، وَالْوَلَدُ فِيهِ فَوْتٌ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ:" فَالْوَلَدُ فَوْتٌ " فَفَرْقٌ بَيْنَ الْعَيْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ.

(كَشُفْعَةٍ وَاسْتِحْقَاقٍ وَتَفْلِيسٍ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ طَرَأَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِلنَّخْلِ مُسْتَحِقٌّ أَوْ شَفِيعٌ أَوْ فَلَسٌ، فَإِنْ جَدَّ الثَّمَرَةَ كَانَتْ غَلَّةً لَهُ إنْ كَانَ ابْتَاعَ النَّخْلَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثَمَرَةٌ، وَإِنْ كَانَ ابْتِيَاعُهُ لَهَا وَفِيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةً وَحَاسَبَهُ بِهَا الشَّفِيعُ فَأَخَذَ النَّخْلَ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَحَاسَبَهُ بِهَا الْبَائِعُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا يَنُوبُ الْأُصُولَ وَحَاسَبَهُ بِهَا الْغَرِيمُ (وَفَسَادٍ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ

ص: 393

حُكْمَ الْمَرْدُودِ بِالْعَيْبِ إنْ كَانَ لَهُ غَلَّةٌ وَقَسَّمَ ذَلِكَ تَقْسِيمًا كَثِيرًا قَالَ: فَهَذَا حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَالرَّدُّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ مِثْلُهُ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الشُّفْعَةُ وَالتَّفْلِيسُ وَالِاسْتِحْقَاقُ فَتَتَّفِقُ أَحْكَامُهَا فِي بَعْضٍ وَتَخْتَلِفُ فِي بَعْضٍ. اُنْظُرْ الْمُقَدِّمَاتِ، وَانْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالصُّلْحِ قَالَ: جَرَى عِنْدَنَا حُكْمُ الْحُكَّامِ بِغَيْرِ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُبْتَاعِ إلَى يَوْمِ يَثْبُتُ الْحَقُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوَطَّأِ وَقَوْلِ الْغَيْرِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَانْظُرْ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَ رَسْمِ يُوصِي مِنْ السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ عَلَى عَلَفِ الدَّابَّةِ الْمُوقَفَةِ وَمِمَّنْ ضَمَانُهَا إنْ مَاتَتْ (وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِالْقَبْضِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَ حَاكِمٍ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ) أَحَدُ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَرْدُودَ بِالْعَيْبِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ

ص: 394

الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِقَبْضِهِ أَوْ إنْ ثَبَتَ الْعَيْبُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِرَدِّهِ. اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْعُيُوبِ.

(وَلَمْ يُرَدَّ بِغَلَطٍ إنْ سُمِّيَ بِاسْمِهِ وَلَا بِغَبْنٍ وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ) ابْنُ شَاسٍ: الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ خِيَارِ النَّقِيصَةِ مَا ثَبَتَ بِمُغَابَنَةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْغَبْنُ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ فَفِيهِ طُرُقٌ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يُعْذَرُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِيهِ إنْ كَانَ فِي بَيْعِ مُكَايَسَةٍ هَذَا ظَاهِرُ

ص: 395

الْمَذْهَبِ.

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: الْغَبْنُ فِي بَيْعِ الْمُسْتَسْلِمِ الْمُسْتَنْصِحِ يُوجِبُ لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارَ فِيهِ وَبَيْعُ غَيْرِهِ الْمَالِكِ مِنْ نَفْسِهِ لَا أَعْلَمُ فِي لُزُومِهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ.

وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ السِّلْعَةَ وَأَحَدُهُمَا يَعْرِفُ سُوقَهَا دُونَ الْآخَرِ، هَلْ لِمَنْ جَهِلَ السُّوقَ مِنْهُمَا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ مَقَالٌ؟ اهـ وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: تَنَازَعَ الْبَغْدَادِيُّونَ فِي هَذَا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ عَلَى قِيمَةِ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ فُسِخَ الْبَيْعُ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ بِنُقْصَانِ الثُّلُثِ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مُدَّعِي الْجَهْلِ، فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ اجْتَهَدَ لَهُ الْحَاكِمُ اهـ.

اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فُتْيَا الْإِمَامِ الْمَازِرِيِّ قَالَ: حَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ لِلْمَغْبُونِ الرَّدُّ إذَا كَانَ فَاحِشًا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَغْبُونُ جَاهِلًا بِالْقِيَمِ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: وَالصُّلْحُ فِي هَذَا أَمْثَلُ وَقَسْمُ الْغَبْنِ رَاجِعٌ لِتَعَارُضِ الظَّوَاهِرِ.

قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَنَزَلَ مِثْلُ هَذَا بِزَوْجَةِ شَيْخِنَا الْبَطْرُونِيِّ فَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِنَقْضِ بَيْعِهَا لِأَوْصَافٍ ذَكَرَهَا وَعَذَرَهَا مِنْ أَجْلِهَا.

قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ اهـ. وَبِنَحْوِ هَذَا أَفْتَى ابْنُ لُبٍّ وَضَمَّنَهُ ابْنُ عَاصِمٍ فَقَالَ:

وَمَنْ بِغَبْنٍ فِي مَبِيعٍ قَامَا

فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْعَامَا

وَأَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا صَنَعَ

وَالْغَبْنُ بِالثُّلْثِ فَمَا زَادَ وَقَعَ

اهـ.

وَدَعْوَى جَهْلِ الْمَبِيعِ رَاجِعٌ لِدَعْوَى الْفَسَادِ. وَجَعَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ مُصَلًّى ثُمَّ قَالَ مُشْتَرِيهِ هُوَ خَزٌّ فَقَالَ الْبَائِعُ مَا عَلِمْت أَنَّهُ خَزٌّ لَوْ عَلِمْته مَا بِعْته بِهَذَا الثَّمَنِ: هُوَ لِلْمُشْتَرِي لَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ لَوْ شَاءَ تَثَبَّتَ قَبْلَ بَيْعِهِ. وَكَذَا مَنْ بَاعَ حَجَرًا بِثَمَنٍ يَسِيرٍ ثُمَّ هُوَ يَاقُوتَةٌ تَبْلُغُ مَالًا كَثِيرًا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرَدُّ هَذَا الْبَيْعُ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا سَمَّى الشَّيْءَ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا الشَّيْءَ بِغَيْرِ اسْمِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ أَبِيعُك هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ فَتُوجَدُ غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، أَوْ يَقُولَ أَبِيعُك هَذِهِ الزُّجَاجَةَ ثُمَّ يَعْلَمُ الْبَائِعُ أَنَّهَا

ص: 399

يَاقُوتَةٌ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ. اُنْظُرْ آخِرَ بُيُوعِ الْقَبَّابِ وَرَسْمَ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ

(وَهَلْ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ أَوْ يَسْتَأْمِنَهُ؟ تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَ نَصُّ أَبِي عُمَرَ فِي بَيْعِ الْمُسْتَسْلِمِ الْمُسْتَنْصِحِ يُوجِبُ لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارَ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي هَذِهِ. قَالَ: وَالْقِيَامُ بِالْغَبْنِ وَالشِّرَاءِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْسَالِ وَالِاسْتِمَانَةِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجُزَافٍ إنْ رُئِيَ وَجَهْلٍ بِمَثْمُونٍ ".

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَاتَّفَقُوا أَنَّ النَّائِبَ عَنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ انْتَهَى. وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أَوْلَى مَا يُحْتَاطُ لَهُ فَالْبَيْعُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ عَلَى الْمَحْجُورِ.

قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ الَّذِي يَبِيعُهُ صَاحِبُ الْمَوَارِيثِ قَدْ انْقَطَعَ أَرْبَابُهُ وَبَادَ مَالِكُوهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ وَارِثٌ فَتَقْعُدَ فِيهِ أَشْهَدَ النَّاظِرُ فِي الْمَوَارِيثِ إلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِبَيْعِهِ وَالْهَتْفِ عَلَيْهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَاسْتَبْلَغَ فِي إشْهَارِهَا وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ بِهَا فِي أَمَاكِنِهَا فَبَلَغَتْ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَلَمْ يَلُفَّ عَلَيْهِ فِيهِ زَائِدٌ قَالَ: وَكَذَا تَقُولُ فِي بَيْعِ أَمْلَاكِ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ مَوَاتًا لَا يُنْسَبُ لِأَحَدٍ وَلَا عُلِمَ فِيمَا سَلَفَ لَهُ مَالِكٌ وَبَاعَهُ صَاحِبُ الْمَوَارِيثِ فَتُكْتَبُ فِيهِ كَذَلِكَ اُنْظُرْهُ فِيهِ.

وَلِابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ: مَا أَقَطَعَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا بِإِقْطَاعِهِ حُكْمٌ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ فِي حَيَاةِ الْمُقْطَعِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ بِنَفْسِ الْإِقْطَاعِ يُورَثُ عَنْهُ كَسَائِرِ مَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ السَّوَادِ وَالْأَنْهَارِ انْتَهَى نَصُّهُ. اُنْظُرْ سَمَاعَ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِيمَا بَاعَهُ بَنُو عَبَّادٍ وَقَالَ: مَا بَاعَهُ مَنْ ذَكَرْتُ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فِيهِ السَّدَادُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهِ لَا يَصِحُّ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِ السُّنُونَ وَسِيقَ فِي بَعْضِهِ سِيَاقَاتٌ وَانْعَقَدَتْ عَلَيْهِ أَنْكِحَةٌ وَفَاتَ بِبُيُوعَاتٍ وَأَنْوَاعٍ مِنْ الْفَوَاتَاتِ.

وَنَقَلَ السَّيِّدُ مُفْتِي تُونُسَ الْبُرْزُلِيِّ فِي نَوَازِلِهِ

ص: 400

هَذِهِ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: قُلْت: لَعَلَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ الصَّيْرَفِيِّ حِينَ عَرَّفَا بِابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُمْ أَفْتَوْا أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ بِأَشْيَاءَ يَقْتَضِيهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ حَمْدِينَ. وَقَالَ: هَذَا الْبَحْثُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ كَثِيرٍ مِنْ أَمْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَالتَّعَرُّضِ إلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَلِيقُ فِي كُلِّ بَيْعٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ بَاعَهُ الْعُمَّالُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ مَا وُلُّوا عَلَيْهِ، فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُعْتَرَضَ وَلَا يُنْظَرَ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ عُدُولٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ فَتْحُ بَابِ مَفْسَدَةٍ فِي الْبَحْثِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ لِكَثْرَةِ هَذَا الْوَاقِعِ.

وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْوَلِيُّ الزَّاهِدُ الرَّاوِيَةُ شَيْخُنَا الْبَطْرُونِيُّ رحمه الله حِينَ أَرَادَ بَعْضُ أَوْلَادِ ابْنِ الْحَكِيمِ الْقِيَامَ عَلَيْهِ فِي الْحَمَّامِ الْمَنْسُوبِ إلَى أَبِيهِمْ وَهُوَ مِنْ تَحْبِيسِ الشَّيْخِ ابْنِ تفراحين عَلَى مَدْرَسَتِهِ فَقَالَ: إذَا قِيَم بِنَقْضِ هَذَا وَالْبَحْثِ فِيهِ لَمْ تَبْقَ مُعَامَلَةٌ لِلْمُلُوكِ إلَّا وَيُتَعَرَّضُ لَهَا، فَزَجَرَ الْقَائِمَ الْمَذْكُورَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ أَبُو الْعَبَّاسِ رحمه الله وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ فَانْقَطَعَ حِينَئِذٍ طَلَبُهُمْ. وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ ابْنُ حَمْدِينَ هُوَ الصَّوَابُ الْأَسَدُّ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ تَعَقُّبَ أَفْعَالِ قُضَاةِ الْجَوْرِ وَالْعُمَّالِ الظَّلَمَةِ وَذَلِكَ لِإِسْقَاطِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِأَكْبَرِهِمَا.

وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: إنَّمَا يُوَكَّلُ الْوَكِيلُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: لَا يَتَصَرَّفُ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ إلَّا بِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 34] فَكُلُّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةً فَهُوَ مَعْزُولٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ.

سُئِلَ ابْنُ لُبٍّ عَنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ مِنْهُمْ مَالِكُ أَمْرِ نَفْسِهِ وَمِنْهُمْ

ص: 401

مَحْجُورٌ بَاعُوهَا مِنْ الْغَيْرِ ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ بَعْدَ أَعْوَامٍ بِالْغَبْنِ، فَصَالَحَ بَعْضُ الْمَالِكِينَ أَمْرَ أَنْفُسِهِمْ وَبَقِيَ بَعْضُهُمْ وَالْمَحْجُور؟

فَأَجَابَ: إنَّ مَالِكَ أَمْرِ نَفْسِهِ مُرُورُ عَامٍ قَاطِعٌ بِحُكْمِ قِيَامِهِ، وَأَمَّا الْمَحْجُورُ فَيُنْظَرُ لَهُ لَكِنَّ تَرْكَ الْوَصِيِّ النَّظَرَ لِمَحْجُورِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَعْلُومٌ كَأَنَّهُ مُشْعِرٌ بِتَفْرِيطِهِ لِحَقِّ الْمَحْجُورِ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي وَعِمَارَتِهِ فِي ذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْمُشْتَرِي وَأَنْ تَكُونَ التَّبَعَةُ لِلْمَحْجُورِ بِمَا نَقَصَهُ عَلَى النَّاظِرِ عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَانْظُرْ إذَا بَاعَ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ لِنَفْسِهِ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ، وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ إجَازَتُهُ وَإِيجَابُ الثَّمَنِ لِلِابْنِ.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: وَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ سَلَّطَ الِاعْتِصَارَ فِيمَا كَانَ بَاعَهُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ بَيْعُهُ بِاعْتِصَارٍ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاعْتِصَارِ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَسَمَ عَنْ صَغِيرٍ أَبٌ أَنَّ الْأَبَ يَضْمَنُ إنْ حَابَى ". وَانْظُرْ قَدْرَ هَذَا الْغَبْنِ مَا هُوَ؟ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: لَمْ يُحِدَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي ذَلِكَ حَدًّا، وَكَانَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ يَحِدُّ فِي الْغَبْنِ الَّذِي يُرَدُّ الْبَيْعُ بِهِ الثُّلُثَ وَيَذْكُرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ حَسَنٌ فِي ذَلِكَ

ص: 402

إنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: إنَّمَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ عَلَى الْمَحْجُورِ بِالْغَبْنِ إنْ لَمْ يَفُتْ. قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُفِيتُهُ الْبَيْعَ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ فِي بَيْعِ الْغَبْنِ. قَالَ: وَيَرْجِعُ الْمَحْجُورُ عَلَى الْمُبْتَاعِ مِنْ الْوَصِيِّ. وَنَحْوُ هَذَا فِي الطِّرَازِ.

وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ أَمَةً فَأَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ فَوَاتٌ وَيَرْجِعُ الْمَحْجُورُ عَلَى الْوَصِيِّ انْتَهَى. رَاجِعْ الْمُطَوَّلَاتِ، وَانْظُرْ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ مَا بَاعَهُ بَنُو عَبَّادٍ فَتَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ أَنَّهُ لَا يَسَعُ رَدُّهُ مِنْ أَجْلِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْحُقُوقِ مِنْ الْهِبَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ.

ص: 403

(وَرُدَّ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِكُلِّ حَادِثٍ) الْبَاجِيُّ: مَعْنَى الْعُهْدَةِ تَعَلُّقُ الْمَبِيعِ بِضَمَانِ الْبَائِعِ.

وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: خَاتِمَةٌ لِلنَّظَرِ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ الْعُهْدَتَيْنِ وَهُمَا صُغْرَى فِي الزَّمَانِ كُبْرَى فِي الضَّمَانِ، وَكُبْرَى فِي الزَّمَانِ صُغْرَى فِي الضَّمَانِ. فَالْأُولَى هِيَ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ مِنْ جَمِيعِ الْأَدَاءِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَى الرَّقِيقِ مِنْ نَقْصٍ فِي بَدَنٍ أَوْ فَوَاتِ عَيْنٍ فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ تَكُونُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ لَهُ (إلَّا أَنْ يَبِيعَ بِبَرَاءَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا بِيعَ مِنْ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثِ أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ أَوْ عَيْبٌ أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَاءٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ أَوْ غَرَق أَوْ سَقَطَ مِنْ حَائِطٍ أَوْ خَنَقَ نَفْسَهُ أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَاءٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثِ أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ.

ص: 406

(وَدَخَلَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُؤْتَنَفُ عُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَبَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَمَّا عُهْدَةُ الثَّلَاثِ فَدَاخِلَةٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُهُ أَنَّ الثَّلَاثَ وَالِاسْتِبْرَاءَ فِي الْبَيْعِ التَّامِّ الضَّمَانُ فِيهِ مِنْ الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ التَّقَيُّدُ فِيهَا بِشَرْطٍ، فَلَمَّا اشْتَبَهَ دَخَلَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ. وَعُهْدَةُ السَّنَةِ الضَّمَانُ فِيهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَدْوَاءٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهَا.

قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَيْسَ فِي ذَاتِ الِاسْتِبْرَاءِ عُهْدَةُ ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ تَحِيضَ مِنْ يَوْمِهَا حَيْضَةً بَيِّنَةً فَيُحْسَبُ فِيهَا بَقِيَّةُ الثَّلَاثِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نَحْوَهُ (وَالنَّفَقَةُ وَالْأَرْشُ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ) لَوْ قَالَ:

ص: 407

عَلَيْهِ وَلَهُ " لَكَانَ أَبْيَنَ. رَوَى مُحَمَّدٌ النَّفَقَةُ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ عَلَى الْبَائِعِ. الْمُتَيْطِيُّ: وَكَذَا فِي الْمُوَاضَعَةِ وَبَيْعِ الرَّقِيقِ بِخِيَارٍ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي ضَمَانِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الثَّلَاثِ فَمِنْ الْبَائِعِ وَالْأَرْشُ لَهُ، وَمَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ فِي الثَّلَاثِ مِنْ مَالٍ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَلِلْبَائِعِ (إلَّا الْمُسْتَثْنَى مَالُهُ) ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا نَمَا مَالُ الْعَبْدِ فِي الثَّلَاثِ بِرِبْحٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ اشْتَرَطَ مَالَهُ فَذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ مَالَهُ فَذَلِكَ لِلْبَائِعِ. ابْنُ يُونُسَ: وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(وَفِي

ص: 408

عُهْدَةِ السُّنَّةِ بِجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَجُنُونٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: عُهْدَةُ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَمَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ فَمِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ مِنْ الْبَهَقِ وَالْحُمْرَةِ (لَا بِكَضَرْبَةٍ) الْبَاجِيُّ: جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْجُنُونَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ هُوَ ذَهَابُ الْعَقْلِ مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ لَا ذَهَابُهُ بِضَرْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ (إنْ اُشْتُرِطَا أَوْ اُعْتِيدَا) ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَالسَّنَةِ فِي الرَّقِيقِ إنَّمَا ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ وَأَعْرَاضِهَا الَّذِينَ جَرَوْا عَلَيْهَا، فَبَيْعُهُمْ عَلَى الْعُهْدَةِ أَبَدًا حَتَّى تُشْتَرَطَ الْبَرَاءَةُ، وَلَا تَلْزَمُ غَيْرُهَا مِنْ الْبُلْدَانِ إلَّا أَنْ تُشْتَرَطَ.

وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: أَرَى أَنْ يُتْرَكَ النَّاسُ وَلَا يُحْمَلُوا عَلَى الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ الْجَوَارِي لَا أَرَى أَنْ يُبَعْنَ كَذَلِكَ وَأَرَى فِيهِنَّ الْمُوَاضَعَةَ. ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الْمُوَاضَعَةُ فَوَاجِبَةٌ فِي الْأَمَةِ الَّتِي وَطِئَهَا سَيِّدُهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا رَفِيعَةً كَانَتْ أَوْ وَضَيْعَةً. وَفِي الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا أَوْ وَطِئَهَا وَاسْتَبْرَأَهَا إذَا كَانَتْ رَفِيعَةً إلَّا إنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ زَانِيَةً (وَلِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهَا)

ص: 409

ابْنُ شَاسٍ: وَلِلْمُبْتَاعِ إسْقَاطُ الْعُهْدَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ.

(وَالْمُحْتَمِلُ بَعْدَهُمَا مِنْهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ طَرَأَ عَلَى الْمَبِيعِ أَمْرٌ أَشْكَلَ وَقْتَ حُدُوثِهِ وَلَمْ يُدْرَ أَفِي الْعُهْدَةِ أَمْ بَعْدَهَا، هَلْ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ أَوْ مِنْ الْبَائِعِ؟ مَذْهَبَانِ لِتَقَابُلِ أَصْلَيْ السَّلَامَةِ وَالضَّمَانِ. اللَّخْمِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ سَالِمًا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ.

(لَا فِي مُنْكَحٍ بِهِ) الْبَاجِيُّ: إنَّمَا تَثْبُتُ الْعُهْدَةُ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمَا كَانَ مُبَيَّنًا عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. الْمُتَيْطِيُّ: الْقَضَاءُ بِأَنْ لَا عُهْدَةَ فِي الْمَمْلُوكِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ الَّتِي يُنْكَحُ بِهَا وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَالَ: وَهِيَ مِنْ الْإِحْدَى وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً الَّتِي لَا عُهْدَةَ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَبَاقِيهَا الرَّأْسُ الْمُخَالَعُ لَهُ، وَالْمُصَالَحُ بِهِ فِي دَمٍ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ وَالْمُسْلَمُ فِي غَيْرِهِ، وَالْمُقْرَضُ وَالْغَائِبُ يَشْتَرِي عَلَى الصِّفَةِ، وَالْمُقَاطَعُ بِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَاَلَّذِي يَبِيعُهُ السُّلْطَانُ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمُشْتَرِي لِلْعِتْقِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ دَيْنٍ، وَالْمُقَالُ مِنْهُ، وَالْمَرْدُودُ بِالْعَيْبِ، وَرَقِيقُ الْمِيرَاثِ، وَالْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ، وَالْأَمَةُ يَشْتَرِيهَا زَوْجُهَا، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِاشْتِرَائِهِ لِلْعِتْقِ، وَالْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ بِهِ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِبَيْعِهِ مِمَّنْ أَحَبَّ، وَالْعَبْدُ الَّذِي يُبَاعُ بَيْعًا فَاسِدًا (أَوْ مُخَالَعٍ أَوْ مُصَالَحٍ فِي دَمٍ عَمْدًا أَوْ مُسْلَمٍ فِيهِ أَوْ بِهِ أَوْ قَرْضٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ أَوْ مُقَاطَعٍ بِهِ مُكَاتَبٌ أَوْ مَبِيعٍ عَلَى كَمُفَلِّسٍ أَوْ مُشْتَرًى لِلْعِتْقِ أَوْ مَأْخُوذٍ مِنْ دَيْنٍ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ وُرِثَ أَوْ وُهِبَ أَوْ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا أَوْ مُوصًى بِبَيْعِهِ مِنْ زَيْدٍ أَوْ مِمَّنْ أَحَبَّ أَوْ بِشِرَائِهِ لِلْعِتْقِ أَوْ مُكَاتَبٍ بِهِ أَوْ الْمَبِيعِ فَاسِدًا) تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ لِلْمُتَيْطِيِّ وَمَا تَرَكَ خَلِيلٌ إلَّا الْمُقَالَ مِنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: فِي سُقُوطِهَا فِي الْمُسْتَقَالِ مِنْهُ قَوْلَا سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مَعَ أَصْبَغَ. وَهَذَا إذَا انْتَقَدَ وَإِلَّا سَقَطَتْ اتِّفَاقًا

ص: 410

لِأَنَّهُ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ دَيْنٍ.

وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا عُهْدَةَ فِي الْعَبْدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ دَمِ عَمْدٍ وَلَا فِي الْعَبْدِ الْمُصَالَحِ بِهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ الْمُصَالَحُ بِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ بِخِلَافِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَلَى الْإِقْرَارِ. مِنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ. وَانْظُرْ سَمَاعَ أَشْهَبَ إذَا رَدَّ الرَّائِعَةَ بِعَيْبٍ بَعْدَ وَطْئِهَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ضَمَانَهَا إنْ مَاتَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي.

وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَرَدَّ عِتْقَهُ وَبِيعَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَقَدْ أَفَادَ مَالًا: إنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضَ بَيْعٍ.

(وَسَقَطَتَا بِكَعِتْقٍ فِيهِمَا) اللَّخْمِيِّ: إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ أَوْلَدَ الْأَمَةَ فِي السَّنَةِ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ رِضًا بِإِسْقَاطِ الْعُهْدَةِ.

وَقَالَ أَيْضًا: يَرْجِعُ. وَاخْتَلَفَ إذَا أَعْتَقَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ قَطْعٌ لِلْعُهْدَةِ، فَإِنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ مِمَّا كَانَ يُرَدُّ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ.

(وَضَمِنَ بَائِعٌ مَكِيلًا لِقَبْضِهِ بِكَيْلٍ كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ) ابْنُ شَاسٍ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْكِتَابِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْقَبْضِ وَصُورَتِهِ وَوُجُوبِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ضَمَانُ مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ قَبِلَهَا مِنْ بَائِعِهِ وَيُتِمُّ بَعْدَمَا عَدَّ عَلَى مُبْتَاعِهِ وَاسْتِقْرَارُهَا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فِي وِعَاءِ مُبْتَاعِهِ (وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الصَّوَابُ وَاَلَّذِي يَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّ أَجْرَ الْكَيَّالِينَ عَلَى الْبَائِعِ وَقَدْ قَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: 88] . ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَةِ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَازِمٌ لَنَا. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا خِلَافَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ (بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ عَلَى الْأَرْجَحِ فَكَالْقَرْضِ) ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ: هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى الشَّرِيكِ

ص: 411

أَجْرُ الْكَيْلِ، وَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ إذْ هُمَا مَعْرُوفَانِ كَالشَّرِكَةِ، وَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْقَرْضِ وَالْهِبَةِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَشَرِكَةٍ ".

(وَاسْتَمَرَّ بِمِعْيَارِهِ وَلَوْ تَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي) سَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ زَيْتًا فَأَمَرَ أَجِيرَهُ بِكَيْلِهِ فَكَالَ مَطَرًا مِنْهُ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ كَالَ آخَرَ فَوَقَعَ عَلَى وِعَاءِ الْمُشْتَرِي فَانْكَسَرَا مَعًا، فَالثَّانِي مِنْ بَائِعِهِ وَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ مِنْ سَبَبِهِ وَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي لِأَنَّ لَيْسَ مِنْ سَبَبِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَطَرُ خَفِيفٌ هُوَ مِعْيَارٌ يُكَالُ بِهِ. وَالْمَسْأَلَةُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَكَوْنُ الثَّانِي مِنْ بَائِعِهِ لِأَنَّ يَدَ أَجِيرِهِ كَيَدِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْأَجِيرُ مَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ. وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ هُوَ الَّذِي يَكْتَالُ لِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَجِيرُهُ بَعْدَ أَنْ امْتَلَأَ وَقَبْلَ أَنْ يَصُبَّهُ فِي وِعَائِهِ فَانْكَسَرَ وَذَهَبَ مَا فِيهِ فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمِكْيَالُ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ بِهِ الْمُبْتَاعُ إلَى مَنْزِلِهِ لَيْسَ لَهُ إنَاءٌ غَيْرُهُ، فَيَكُونُ ضَمَانُ مَا فِيهِ مِنْهُ إذَا امْتَلَأَ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ الْمُبْتَاعُ. قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَسَمِعَ عِيسَى: الَّذِي يَبْتَاعُ حِمْلَ مَاءٍ وَجَّهَهُ مَعَ السَّقَّاءِ فَانْكَسَرَتْ قِلَالُهُ ضَمَانُ الْمَاءِ مِنْ السَّقَّاءِ.

ص: 412

ابْنُ رُشْدٍ: حُمِلَ هَذَا عَلَى عَادَةِ النَّاسِ لَوْ كَانَ زَيْتًا لَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ أَصْبَغُ: ضَمَانُ الْمَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْقِيَاسُ.

(وَقَبْضُ الْعَقَارِ بِالتَّخْلِيَةِ وَغَيْرِهِ بِالْعُرْفِ) اُنْظُرْ هَذَا وَهُمْ قَدْ نَصُّوا أَنَّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي شِرَاءِ الدَّارِ الْغَائِبَةِ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ بَعُدَتْ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الَّذِي يَبِيعُ الدَّارَ وَيَسْتَثْنِي سُكْنَاهَا سَنَةً فَانْهَدَمَتْ الدَّارُ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ السَّنَةُ أَنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَكَذَا إذَا نَفَقَتْ الدَّابَّةُ بِيَدِ الْبَائِعِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي اسْتَثْنَى رُكُوبَهَا أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي.

وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: حُكْمُ الْقَبْضِ انْتِقَالُ الضَّمَانِ إلَى الْمُشْتَرِي وَصُورَتُهُ تُحَكَّمُ فِيهِ الْعَادَةُ، فَأَمَّا فِي الْعَقَارِ فَتَكْفِي التَّخْلِيَةُ، وَكَذَلِكَ فِيمَا بِيعَ عَلَى الْجُزَافِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَعَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ فِيهِ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَلْ لِهَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ مَظْهَرٌ فِي الْخَارِجِ، أَوْ هُوَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ فِي الْإِنْزَالِ؟ قَالَ: مَضَى بِالْإِنْزَالِ عَمَلُ الْأَنْدَلُسِ وَلَا مَعْنَى لَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ وَلَا غَيْرُهُ انْتَهَى.

وَكَذَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْعَقَارِ لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ أَنْ يُخَلِّيَ الْبَائِعُ مَتَاعَهُ مِنْهَا لَكَانَ ضَمَانُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ عَلَيْهِ ثَوْبًا بِدِينَارٍ وَقَالَ لِلْمُشْتَرِيَّ أَبْلُغُ الْبَيْتَ بِهِ آخُذُ عَلَى نَفْسِي ثَوْبًا ثُمَّ آتِيك بِذَلِكَ فَاخْتُلِسَ مِنْهُ الثَّوْبَ فَإِنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ سُؤَالَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَذْهَبَ بِالثَّوْبِ إلَى بَيْتِهِ اسْتِعَارَةٌ مِنْهُ لَهُ، وَمَنْ اسْتَعَارَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى تَلَفِهِ، فَالْمُصِيبَةُ مِنْ الْمُعِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْعَيْبِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ وَأَقْبَضْته وَمَا بِهِ عَيْبٌ وَقَالَ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ فِي أَنَّ الضَّمَانَ بِالْعَقْدِ لَا بِالْقَبْضِ إلَّا فِيمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ

ص: 413

مِنْ مَبِيعٍ لَمْ يُحْبَسْ فِي ثَمَنِهِ مِنْ مُبْتَاعِهِ بِعَقْدٍ بَتًّا.

(إلَّا الْمَحْبُوسَةَ لِلثَّمَنِ أَوْ الْإِشْهَادِ فَكَالرَّهْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْمُبْتَاعُ الْأَمَةَ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ حَتَّى مَاتَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ حَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ وَقَدْ قَبَضَ ثَمَنَهَا أَمْ لَا، فَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ احْتَبَسَهَا بِالثَّمَنِ كَالرَّهْنِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ الْمَحْبُوسَةَ بِالثَّمَنِ رَهْنٌ بِهِ تَكُونُ مُصِيبَتُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهَا، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ وَلَزِمَهُ غُرْمُ قِيمَتِهَا. ابْنُ بَشِيرٍ: وَفِي مَعْنَى احْتِبَاسِهِ بِالثَّمَنِ احْتِبَاسُهُ حَتَّى يَشْهَدَ قَالَ: وَمَا بِيعَ نَسِيئَةً فَلَيْسَ لِبَائِعِهِ احْتِبَاسُهُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِهِ دُونَ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا لَكِنْ يَحْبِسُهُ لِلْإِشْهَادِ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ وَمِنْ سَمَاعِ عَلِيٍّ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ السِّلَعِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنَّك لَا تَبِيعُ وَلَا تَهَبُ وَلَا تَعْتِقُ حَتَّى تُعْطِيَ الثَّمَنَ. قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ إعْطَاءُ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ السَّلَمِ (وَإِلَّا الْغَائِبَ فَبِالْقَبْضِ) تَقَدَّمَ هَذَا فِي بَيْعِ الْغَائِبِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي.

" (وَإِلَّا الْمُوَاضَعَةَ فَبِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ) لَوْ قَالَ: " فَبِدُخُولِهَا فِي الْحَيْضَةِ " لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ. ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَى الْمُوَاضَعَةِ أَنْ تُوضَعَ الْجَارِيَةُ عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ عَدْلَةٍ حَتَّى تَحِيضَ، فَإِنْ حَاضَتْ تَمَّ الْبَيْعُ فِيهَا وَضَمَانُهَا مُدَّةَ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَمَا لَحِقَهَا مِنْ مَوْتٍ أَوْ نُقْصَانِ جِسْمٍ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ، وَلِلْمُبْتَاعِ فِي الْمَوْتِ إمْسَاكُ جَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ لَمْ يُخْرِجْهُ وَارْتِجَاعُهُ إنْ كَانَ أَخْرَجَهُ، وَلَهُ فِيمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فِي جَسَدِهَا خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْإِمْسَاكِ.

ص: 414

قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابٍ مَالِكٍ: وَكَذَا مَا كَانَ فِي غَيْرِ جَسَدِهَا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ لَوْ كَانَ أَقْدَمَ مِنْ أَمَدِ التَّبَايُعِ لَرُدَّتْ بِهِ خِلَافًا لِأَصْبَغَ. الْبَاجِيُّ: وَبِأَوَّلِ الدَّمِ تَخْرُجُ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا بِغَيْرِ جِمَاعٍ. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

(وَإِلَّا الثِّمَارَ لِلْجَائِحَةِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اشْتَرَى نِصْفَ ثَمَرَةٍ بَعْدَمَا بَدَا صَلَاحُهَا فَلَا أَرَى بِبَيْعِهَا بَأْسًا قَبْلَ أَنْ يَجِدَّهَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ حَظَّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ دَاخِلٌ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ كَمَا يَدْخُلُ جَمِيعُهَا فِي ضَمَانِهِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا إلَّا فِي ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْجَائِحَةِ عَنْ سَنَتِهَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا (وَبُدِّئَ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَازُعِ) سَمِعَ أَشْهَبُ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ لَا يَدْفَعَ مَا بَاعَ مِنْهُ وَلَا يَزِنَهُ لَهُ وَلَا يَكِيلَهُ لَهُ إنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ. هَذَا مُتَّفَقٌ

ص: 415

عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَيُخْتَلَفُ فِي غَيْرِ هَذَا. قِيلَ: يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى دَفْعِ السِّلْعَةِ. وَقِيلَ: يُجْبَرُ الْمُبْتَاعُ أَوَّلًا عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ. وَقِيلَ: يَقُولُ الْحَاكِمُ لَهُمَا مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمَا أَنْ أَقْضِيَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَلْيَدْفَعْ إلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ. ابْنُ عَرَفَةَ: إذَا اخْتَلَفَ الْعَاقِدَانِ فِي التَّبْدِئَةِ بِالدَّفْعِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا جَلِيًّا لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: الَّذِي يَقْوَى فِي نَفْسِي جَبْرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَدْءِ أَوْ يُقَالُ لَهُمَا أَنْتُمَا أَعْلَمُ، إمَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ أَحَدُكُمَا بِالْبَدْءِ أَوْ كُونَا عَلَى مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ وَأَنْ يُجْبَرَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

(وَالتَّلَفُ وَقْتَ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِسَمَاوِيٍّ يَفْسَخُ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ عُيِّبَ) لَوْ قَالَ: " إنْ تَعَيَّبَ " لَكَانَ أَبْيَنَ، وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا " وَالْبَائِعُ وَالْأَجْنَبِيُّ يُوجِبُ الْغُرْمَ " وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: حَيْثُ قُلْنَا: إنْ الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ فَتَلِفَ الْمَبِيعُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ لَهُ، وَإِتْلَافُ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَيُوجِبُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ.

(أَوْ غُيِّبَ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا؟ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ عَرْضًا يُغَابُ عَلَيْهِ فِي حِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ فَلَمْ تَدْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى

ص: 416

أَحْرَقَهُ رَجُلٌ بِيَدِك وَلَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ كَانَ مِنْك وَانْتَقَضَ السَّلَمُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلْتَ عَنْ الْيَمِينِ خُيِّرَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ بَيْنَ أَنْ يُغْرِمَك قِيمَتَهُ وَيُثْبِتَ السَّلَمَ أَوْ لَا يُغْرِمَك وَيَفْسَخَ السَّلَمَ اهـ. (أَوْ اُسْتُحِقَّ شَائِعٌ وَإِنْ قَلَّ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ.

قَالَ عِيسَى: قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا اُسْتُحِقَّ عَبْدٌ مِنْ الرَّقِيقِ، أَوْ عَبْدَانِ أَوْ شَيْءٌ يَكُونُ مِنْ الرَّقِيقِ يَسِيرًا فِي عِدَّتِهِمْ، أَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ

ص: 417

عَبِيدٍ بِأَعْيَانِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ الْيَسِيرُ سَهْمًا اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فِي جَمِيعِ الرَّقِيقِ بَعْدَ مَنْعِ الْوَطْءِ إنْ كَانَ فِيهَا جَارِيَةٌ؟ قَالَ: سَوَاءٌ اسْتَحَقَّ فِي جَمِيعِهَا سَهْمًا أَوْ عَبِيدًا بِأَعْيَانِهِمْ إنْ كَانَ كَثِيرًا لَزِمَهُ الْبَيْعُ. وَقِيلَ لَهُ قَاسِمْ شَرِيكَك. اُنْظُرْ أَبَدًا كُلَّ شَيْءٍ يُسْتَحَقُّ وَهُوَ يُقْسَمُ رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهُ يَسِيرًا لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَإِذَا كَانَ مَا لَا يَنْقَسِمُ فِي الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ رَدَّهُ إنْ شَاءَ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. قِيلَ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ مِثْلَ الشَّجَرَةِ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ أَوْ الثَّوْبِ أَهُوَ كَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ بَيَّنَ فِيهَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا يَنْقَسِمُ كَاسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْعَدَدِ لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ هَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، فَهُوَ تَفْسِيرُ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ. وَالْيَسِيرُ النِّصْفُ فَأَقَلُّ وَالْكَثِيرُ الْجُلُّ وَمَا زَادَ عَنْ النِّصْفِ. وَهَذَا فِي الْعُرُوضِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهُ يَرَى فِيهِ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثِ مِمَّا زَادَ كَثِيرًا. ابْنُ رُشْدٍ: وَالدَّارُ إنْ اُسْتُحِقَّ عُشْرُهَا أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ وَكَانَتْ لَا تَنْقَسِمُ أَعْشَارًا فَلَهُ رَدُّ جَمِيعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَنْقَسِمُ.

(وَتَلَفُ بَعْضِهِ وَاسْتِحْقَاقُهُ كَعَيْبٍ بِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: هَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ ضَمَانِهِ مُبْتَاعَهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ بَائِعُهُ كَاسْتِحْقَاقِهِ يَنْقُضُ بَيْعَهُ، وَتَغَيُّرُهُ حِينَئِذٍ يُوجِبُ تَخْيِيرَ مُبْتَاعِهِ وَتَلَفُ بَعْضِهِ أَوْ اسْتِحْقَاقُهُ كَرَدِّهِ بِعَيْبٍ إنْ قَلَّ لَزِمَهُ الْبَاقِي بِمَنَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَرُدَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِحِصَّتِهِ " وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ: الْمَوْضِعُ الَّذِي لِلْبَائِعِ فِي الْعُيُوبِ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ يَرُدَّ فِيهِ لِلْمُبْتَاعِ حُجَّةٌ فِي

ص: 418

الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ أَوْ يَمْسِكَ السَّالِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي لَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي رَدِّ الْمَعِيبِ عَلَيْهِ حُجَّةٌ لِقِلَّتِهِ لَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي اسْتِحْقَاقِ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ حُجَّةٌ لِقِلَّتِهِ وَيَلْزَمُهُ أَخْذُ السَّالِمِ بِحِصَّتِهِ، هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَحَرُمَ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَقَلَّ اُسْتُحِقَّ " أَكْثَرُهُ مُخْتَارًا ابْنُ يُونُسَ.

(إلَّا الْمِثْلِيَّ) ابْنُ رُشْدٍ: الْخِلَافُ الْمَوْجُودُ فِي الطَّعَامِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الْعُرُوضِ إذَا وُجِدَ فِي أَسْفَلِهِ مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِهِ يَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الطَّعَامُ كَالْكَائِنِ فِي قِيعَانِ الْأَهْرَاءِ وَالْبُيُوتِ، فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي

الثَّانِي مَا يَنْفَكُّ مِنْهُ الطَّعَامُ إلَّا أَنَّهُ يَسِيرٌ لَا خَطْبَ لَهُ، فَهَذَا إنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَمْسِكَ الْمَعِيبَ وَيُلْزِمُ الْمُشْتَرِي السَّالِمَ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَلْتَزِمَ السَّالِمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا بَاعَ عَلَى أَنْ حَمَلَ بَعْضُهُ بَعْضًا

الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْخُمُسِ وَالرُّبُعِ، فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَمْسِكَ الْمَعِيبَ وَيُلْزِمَ الْمُشْتَرِي السَّالِمَ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ رُبُعِ الطَّعَامِ لَا يُوجِبُ لِلْمُبْتَاعِ رَدَّ الْبَاقِي، وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَلْزَمَ السَّالِمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ اتِّفَاقًا اهـ. وَمَضْمَنُهُ أَنَّ الْفَتْوَى فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ قَالَ:

الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ، فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَمْسِكَ الْمَعِيبَ وَيُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ السَّالِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَذْهَبِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْخُذَ السَّالِمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ، اُنْظُرْ قَبْلَ قَوْلِهِ:" وَتَلِفَ بَعْضُهُ ". ابْنُ رُشْدٍ: الْقِسْمُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَمْسِكَ الْمَعِيبَ وَيُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْخُذَ السَّالِمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ أَيْضًا بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْفَتْوَى فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَاحِدَةٌ (وَلَا كَلَامَ لِوَاحِدٍ فِي قَلِيلٍ لَا يَنْفَكُّ كَقَاعٍ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ كَمَا قَالَ

ص: 419

(وَإِنْ انْفَكَّ فَلِلْبَائِعِ إلْزَامُ الرُّبُعِ بِحِصَّتِهِ) اُنْظُرْ مِنْ بَابِ أَوْلَى مَا دُونَ الرُّبُعِ وَهَذَا هُوَ الْقَاسِمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ (لَا أَكْثَرَ) يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَحُكْمُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَشْهُورِ (وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْتِزَامُهُ بِحِصَّتِهِ مُطْلَقًا) أَمَّا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ فَصَحَّ قَوْلُهُ " مُطْلَقًا ".

(وَرَجَعَ لِلْقِيمَةِ لَا إلَى التَّسْمِيَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي صَفْقَةٍ وَسَمَّوْا لِكُلِّ ثَوْبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَصَابَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا، لَمْ يُنْظَرْ إلَى مَا سَمَّوْا لِكُلِّ ثَوْبٍ وَلَكِنْ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيَمِ الثِّيَابِ، فَيُنْظَرُ هَلْ الْمَعِيبُ وَجْهُ الصَّفْقَةِ أَمْ لَا. ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ وَقَعَ لِلْمَعِيبِ نِصْفُ الثَّمَنِ فَأَقَلُّ لَمْ يَكُنْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ وَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ فَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ.

(وَصَحَّ وَلَوْ سَكَتَا لَا إنْ شَرَطَا الرُّجُوعَ لَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مِنْ ابْتَاعَ سِلَعًا كَثِيرَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّمَا يَقَعُ لِكُلِّ سِلْعَةٍ مِنْهَا حِصَّتُهَا مِنْ يَوْمِ رُفِعَتْ الصَّفْقَةُ، وَمِنْ ابْتَاعَ صُبْرَةَ قَمْحٍ وَصُبْرَةَ شَعِيرٍ جُزَافًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ صُبْرَةٍ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ ثِيَابًا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ عَبْدٍ وَثَوْبٍ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا وَكَذَا فَاسْتَحَقَّ أَحَدُ الصُّبْرَتَيْنِ أَوْ أَحَدُ الْعَبِيدِ أَوْ الثِّيَابِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يُقَسَّمُ عَلَى جَمِيعِ الصَّفْقَةِ، فَمَا أَصَابَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْ الثَّمَنِ وُضِعَ عَنْ الْمُبْتَاعِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا سَمَّيَا مِنْ الثَّمَنِ. وَقِيلَ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ إذَا أُطْلِقَ هَكَذَا لِأَنَّهُ كَالْمُشْتَرِطِ أَنْ لَا يَضُرَّ الثَّمَنُ وَمَا سَمَّيَا هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ اهـ مَا لِابْنِ يُونُسَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفَرَضَهَا الْمُتَيْطِيُّ فِي الْعَبِيدِ ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَمْلُوكُ الْفُلَانِيُّ بِكَذَا وَالْآخَرُ بِكَذَا وَحَقَّقَا ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ وَرَضِيَا فَتَنْفُذُ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ.

(وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ) ابْنُ شَاسٍ: حَيْثُ قُلْنَا: إنْ الضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ فَتَلِفَ الْمَبِيعُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ مِنْهُ. اللَّخْمِيِّ: مَنْ أَتْلَفَ طَعَامًا ابْتَاعَهُ عَلَى الْكَيْلِ قَبْلَ كَيْلِهِ وَعُرِفَ كَيْلُهُ فَهُوَ قَبْضٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَيْلُهُ فَالْقَدْرُ الَّذِي يُقَالُ: إنَّهُ كَانَ فِيهَا إنْ قِيلَ قَفِيزٌ غَرِمَ ثَمَنَهُ.

(وَإِتْلَافُ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ يُوجِبُ الْغُرْمَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اشْتَرَيْتَ صُبْرَةَ طَعَامٍ جُزَافًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهَا قَبْلَ

ص: 420

قَبْضِهَا وَهِيَ كَسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا ضَمَانُهَا بِالْعَقْدِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ هَلَكَتْ بِالْعَقْدِ فَهِيَ مِنْك، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَعَدِّي أَحَدٍ ابْتَعْتهَا بِقِيمَتِهَا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ كَانَ بَائِعَك أَوْ غَيْرَهُ.

(وَإِنْ أَهْلَكَ بَائِعٌ صُبْرَةً عَلَى الْكَيْلِ فَالْمِثْلُ تَحَرِّيًا لِيُوفِيَهُ وَلَا خِيَارَ لَك أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَالْقِيمَةُ إنْ جُهِلَتْ الْمَكِيلَةُ ثُمَّ اشْتَرَى لِلْبَائِعِ مَا يُوفِي فَإِنْ فَضَلَ فَلِلْبَائِعِ وَإِنْ نَقَصَ فَكَالِاسْتِحْقَاقِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ ابْتَعْت صُبْرَةً عَلَى الْكَيْلِ كُلَّ قَفِيزٍ بِكَذَا فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْكَيْلِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ، كَانَتْ مِنْ الْبَائِعِ وَانْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَإِنْ هَلَكَتْ بِتَعَدِّي الْبَائِعِ أَوْ أَفَاتَهَا بِبَيْعٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا تَحَرِّيًا يُوفِيكهَا عَلَى الْكَيْلِ، وَلَا خِيَارَ لَك فِي أَخْذِ ثَمَنِك أَوْ الطَّعَامِ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا أَجْنَبِيٌّ غَرِمَ مَكِيلَتَهَا إنْ عَرَفَ وَقَبَضْتَهُ عَلَى مَا اشْتَرَيْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَيْلَهَا أَغْرَمْنَا لِلْبَائِعِ قِيمَتَهَا عَيْنًا ثُمَّ ابْتَعْنَا بِالْقِيمَةِ طَعَامًا مِثْلَهُ فَأَوْفَيْنَاك عَلَى الْكَيْلِ، وَلَيْسَ بِبَيْعٍ مِنْك لِطَعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ التَّعَدِّي عَلَى الْبَائِعِ وَقَعَ، وَأَمَّا التَّعَدِّي بَعْدَ الْكَيْلِ فَمِنْك. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَإِذَا غَرِمَ الْأَجْنَبِيُّ قِيمَةَ تِلْكَ الصُّبْرَةِ فَاشْتَرَى مِثْلَهَا وَفَضَلَتْ مِنْ الْقِيمَةِ فَضْلَةٌ لِرُخْصٍ حَدَثَ، فَإِنَّ الْفَضْلَةَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ أُغْرِمَتْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَعَدِّي لَوْ أُعْدِمَ أَوْ ذَهَبَ فَلَمْ يُوجَدْ كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الْبَائِعِ، فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ التَّوَى كَانَ لَهُ النَّمَاءُ وَالْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَ نِصْفَ صُبْرَتِهِ الَّتِي اشْتَرَى لَمْ يُظْلَمْ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَقَلُّ مِنْ الصُّبْرَةِ الْأُولَى كَانَ مَا نَقَصَ كَالِاسْتِحْقَاقِ فَيُرَاعَى إنْ كَانَ كَثِيرًا، فَلِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا سَقَطَ عَنْهُ مَا يَخُصُّ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْكِتَابِ أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ لَهُ

ص: 421

أَغْرَمْت.

(وَجَازَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ) الْبَاجِيُّ: مَا اشْتَرَيْت مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَلَا تَبِعْهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنَّهُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ جُزَافًا. وَمِنْ الْمُوَطَّأِ: مَنْ أَسْلَفَ فِي غَيْرِ طَعَامٍ فَلَهُ بَيْعُ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ بِمَا شَاءَ، لَا تُرَاعِ رَأْسَ الْمَالِ إذْ لَا يُرَاعَى فِي الْبَيْعِ مِنْ زَيْدٍ مَا اُبْتِيعَ مِنْ عَمْرٍو، وَلِذَلِكَ بَيْعُهُ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ بِعَرَضٍ يَقْبِضُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَرَضُ مِمَّا يُسْلَمُ عَلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ وَيَكُونُ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ أَوْ بَقِيَ لِحُلُولِهِ مِثْلُ أَجَلِ السَّلَمِ عَدَا ابْنَ زَرْقُونٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا ابْتَعْتَهُ أَوْ أَسْلَمْتَ فِيهِ عَدَا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ عَلَى عَدٍّ أَوْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَجَائِزٌ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَبْلَ أَجَلِهِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِك بِمِثْلِ رَأْسِ مَالِكِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ بِمَا شِئْت مِنْ الْأَثْمَانِ إلَّا أَنْ تَبِيعَهُ بِمِثْلِ صِنْفِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، يُرِيدُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَأَمَّا مِثْلُ عَدَدِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ كَيْلِهِ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَاتِ: إنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُبْتَاعِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْبَائِعِ جَازَ وَهُوَ قَرْضٌ.

قَالَ مَالِكٌ: وَجَائِزٌ بَيْعُ ذَلِكَ السَّلَمِ مِنْ بَائِعِك بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ، حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا، لِأَنَّ سَلَمَك صَارَ لَغْوًا فَهَذَا سَلَفٌ جَرّ نَفْعًا (إلَّا مُطْلَقَ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ طَعَامٍ ابْتَعْتَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ مِنْ بَائِعِك أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ إلَّا أَنْ تَقِيلَ مِنْهُ أَوْ تُشْرِكَ فِيهِ أَوْ تُوَلِّيَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ عَدَا الْمَاءَ.

قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَا أَكْرَيْتَ بِهِ أَوْ صَالَحْت مِنْ دَمٍ عَمْدًا وَخَالَعْتَ بِهِ مِنْ طَعَامٍ بِعَيْنِهِ أَوْ مَضْمُونٍ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الطَّعَامَ غَيْرَ الرِّبَوِيِّ كَالرِّبَوِيِّ (وَلَوْ كَرِزْقِ قَاضٍ) مِنْ الْوَاضِحَةِ: كُلُّ مَا ارْتَزَقَهُ الْقُضَاةُ وَالْكُتَّابُ وَالْمُؤَذِّنُونَ وَصَاحِبُ السُّوقِ مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يُبَاعُ حَتَّى يُسْتَوْفَى، فَأَمَّا مَا كَانَ صِلَةً أَوْ عَطِيَّةً يُرِيدُ أَوْ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: أَوْ مِثْلَ مَا فَرَضَ عُمَرُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَرْزَاقِ مِنْ الطَّعَامِ، فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ هَذَا كُلِّهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (أَوْ أُخِذَ بِكَيْلِ) ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا النَّهْيُ فِيمَا يُسْتَوْفَى بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ دُونَ الْجُزَافِ إذْ الْجُزَافُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ دَاخِلٌ فِي ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ اهـ.

اُنْظُرْ مَنْ اسْتَهْلَكَ لِإِنْسَانٍ مَكِيلَةَ طَعَامٍ، هَلْ لَهُ أَنْ يُغَرِّمَهُ ثَمَنَهُ؟ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَأَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ. وَانْظُرْ أَيْضًا مَا

ص: 422

وَجَبَ مِنْ الطَّعَامِ لِلْمَرْأَةِ فِي نَفَقَتِهَا، الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ فِيهِ ثَمَنًا وَذَلِكَ مَا تُنْفِقُهُ عَلَى أَوْلَادِهَا، اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ ".

(وَكَلَبَنِ شَاةٍ) لَوْ قَالَ: " شِيَاهٍ " لَكَانَ أَصْوَبَ. التُّونِسِيُّ: اُخْتُلِفَ فِيمَا بِيعَ مِنْ الطَّعَامِ جُزَافًا مِمَّا لَا يَضْمَنُهُ مُشْتَرِيهِ بِالْعَقْدِ كَلَبَنِ الْغَنَمِ إذَا اُشْتُرِيَ شَهْرًا أَوْ بِيَعِ ثِمَارٍ غَائِبَةٍ عَلَى الصِّفَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِ بَائِعِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ الْمَكِيلَ اهـ. اُنْظُرْ مَنْ اسْتَثْنَى كَيْلًا مِنْ ثَمَرِ جِنَانِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى إجَازَتِهِ (وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْ نَفْسِهِ إلَّا كَوَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ) ابْنُ شَاسٍ: حَيْثُ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ إلَّا مَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَالْأَبِ فِي وَلَدَيْهِ وَالْوَصِيِّ فِي يَتِيمِهِ.

وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ.

وَقَالَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَدِيعَةً وَشِبْهَهَا فَاشْتَرَاهُ مِنْ مَالِكِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ عَنْ الشِّرَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ السَّابِقَ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا تَامًّا، لِأَنَّ رَبَّ الطَّعَامِ لَوْ أَرَادَ إزَالَتَهُ مِنْ يَدِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَبْضُ قَوِيًّا كَالْوَلَدِ وَالْوَصِيِّ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ طَعَامَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ كَانَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْضًا ثَانِيًا حِسِّيًّا، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فِي يَتِيمِهِ وَالْأَبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَقْرَبُ مَنْعُ هَذَا. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ هُوَ ظَاهِرُ السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (وَجَازَ بِالْعَقْدِ جُزَافًا) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " إنْ أَخَذَ بِكَيْلٍ "(وَصَدَقَةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْوَاضِحَةِ: مَا كَانَ صِلَةً أَوْ عَطِيَّةً أَنَّهُ يُبَاعُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَانْظُرْ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا عِنْدَ الْمُتَصَدِّقِ أَمْ لَا فَرْقٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا عِنْدَهُ فَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ لَا فَرْقٌ. اُنْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ السَّلَمِ. وَمِثْلُ الصَّدَقَةِ الْإِرْثُ وَالسَّلَفُ يَتَنَزَّلُ الْوَارِثُ مَنْزِلَةَ الْمَوْرُوثِ.

(وَبَيْعٌ عَلَى مُكَاتَبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَاتَبْت عَبْدَك بِطَعَامٍ مَوْصُوفٍ إلَى أَجَلٍ جَازَ أَنْ تَبِيعَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ خَاصَّةً قَبْلَ الْأَجَلِ بِعَرْضٍ أَوْ بِعَيْنٍ وَإِنْ لَمْ تَتَعَجَّلْهُ، وَلَا تَبِعْ ذَلِكَ الطَّعَامَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ حَتَّى تَقْبِضَهُ (وَهَلْ إنْ عَجَّلَ الْعِتْقَ؟ تَأْوِيلَانِ) سَحْنُونَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَ مِنْ الْمُكَاتَبِ نَجْمًا مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ فَيَعْتِقُ بِذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْعِتْقِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ حَقَّهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَانْظُرْ هُنَا أَيْضًا مَنْعَ الذِّمِّيِّ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مُسْلِمٌ. وَهَلْ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُعَلَّلٌ أَوْ تَعَبُّدٌ؟ وَهَلْ تَجُوزُ فِيهِ الْمُوَاعَدَةُ وَالتَّعْرِيضُ وَهَلْ تَضُرُّ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ؟ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ لَك عَلَيْهِ طَعَامُ سَلَمٍ لَا تَقُلْ لَهُ بِعْهُ وَجِئْنِي بِالثَّمَنِ. وَانْظُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ لَهُ: اشْتَرِ بِهِ مِثْلَ مَا لَك عَلَيَّ مِنْ الطَّعَامِ.

(وَإِقْرَاضُهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: يَجُوزُ قَرْضُ مَا بِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَعِبَارَةُ اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ سَلَمٌ أَنْ يُقْرِضَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُقْرَضُ هَذَا الطَّعَامَ لَمْ يَجُزْ لِلَّذِي أَقْرَضَهُ لَهُ

ص: 423

أَنْ يَبِيعَهُ لَهُ.

قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَلَا لِغَيْرٍ. حَتَّى يَقْبِضَهُ اهـ. وَنَصَّ عَلَى هَذَا فِي رَسْمِ بَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى قَالَ: بِخِلَافِ إذَا قَبَضَهُ وَكِيلُهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا قَبَضَهُ الْمُسْتَسْلِفُ فَلَمْ يَدْخُلْهُ بَعْدُ فِي ضَمَانِ الْمُسْلِفِ، فَإِنْ بَاعَهُ فَهُوَ بَيْعُ طَعَامِ سَلَمٍ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَوَفَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: جَازَ لَهُ إقْرَاضُهُ أَوْ وَفَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ، وَأَمَّا عَكْسُ هَذَا فَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُحِيلَ بِطَعَامٍ عَلَيْك مِنْ بَيْعٍ عَلَى طَعَامٍ لَك مِنْ قَرْضٍ قَالَ: وَلَكِنْ لَا يَبِيعُهُ هُوَ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ.

(وَبَيْعُهُ لِمُقْتَرِضٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: مَنْ اقْتَرَضَ طَعَامًا جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ. وَانْظُرْ هَذَا الْبَيْعَ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمُقْرِضِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْ الْمُقْرِضِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّمَنُ الَّذِي يُعْطِي الْمُقْرِضُ إنَّمَا هُوَ ثَمَنٌ عَلَى مَا يَقْبِضُ مِنْ الْمُقْتَرِضِ فَيُرَاعَى أَجَلُ السَّلَمِ، وَالطَّعَامُ بِالطَّعَامِ.

(وَإِقَالَةٌ مِنْ الْجَمِيعِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقَالَةُ تَرْكُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَهِيَ رُخْصَةٌ وَعَزِيمَةٌ. الْأَوْلَى فِيمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا تَجُوزُ

ص: 424

الْإِقَالَةُ مِنْ الْبَعْضِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَأَقَالَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ بَعْضٍ وَأَخَذَ بَعْضًا، لَمْ يَجُزْ، وَدَخَلَهُ فِضَّةٌ نَقْدًا بِفِضَّةٍ وَعَرْضٌ إلَى أَجَلٍ وَبَيْعٌ وَسَلَفٌ مَعَ مَا فِي الطَّعَامِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَسْلَمْت إلَى أَجَلٍ ثِيَابًا فِي طَعَامٍ فَأَقَلْته مِنْ نَفْسِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْك نِصْفَ ثِيَابِك الَّتِي دَفَعْتَ إلَيْهِ بِعَيْنِهَا وَقَدْ حَالَ سُوقُهَا أَمْ لَا، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ.

(وَإِنْ تَغَيَّرَ سُوقُ شَيْئِك لَا بَدَنُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَجَازَ مَالِكٌ لِمَنْ أَسْلَمَ دَابَّةً فِي طَعَامٍ أَنْ يُقِيلَ مِنْهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَيَأْخُذَهَا وَالدَّوَابُّ تَحُولُ أَسْوَاقُهَا فِي شَهْرَيْنِ، فَلَا يُفِيتُ الْإِقَالَةُ حَوَالَةَ سُوقِ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَحُولَ رَأْسُ الْمَالِ فِي عَيْنِهِ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ بَيْنَ عَوَرٍ أَوْ عَيْبٍ، فَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقِيلَهُ مِنْ الطَّعَامِ كُلِّهِ وَلَا مِنْ بَعْضِهِ. وَالنَّمَاءُ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ يَكْبَرُ وَذَهَابِ بَيَاضِ الْعَيْنِ وَزَوَالِ صَمَمٍ بِهِ فَهَذِهِ تُفِيتُهُ الْإِقَالَةُ (كَسِمَنِ دَابَّةِ وَهُزَالِهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ جَارِيَةً فَتَغَيَّرَتْ فِي

ص: 425

بَدَنِهَا بِهُزَالٍ أَوْ سِمَنٍ لَمْ تَفُتْ الْإِقَالَةُ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةً كَانَ السِّمَنُ وَالْهُزَالُ مُفِيتًا لِلْإِقَالَةِ لِأَنَّ الدَّوَابَّ تُشْتَرَى لِشَحْمِهَا وَالرَّقِيقُ لَيْسُوا كَذَلِكَ.

وَقَالَ يَحْيَى: ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ وَالدَّابَّةِ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

(وَمِثْلُ مِثْلِيِّك إلَّا الْعَيْنَ فَلَهُ دَفْعُ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ أَوْ طَعَامًا أَسْلَمَهُ فِي عَرْضٍ فَأَقَالَك لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُبَاعُ لِعَيْنِهِ وَالدَّرَاهِمُ لَا تُبَاعُ لِعَيْنِهَا، فَإِنْ أَسْلَمْت إلَيْهِ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ أَقَالَك بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَدَرَاهِمُك بِيَدِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَك غَيْرَهَا مِثْلَهَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَ، شَرَطْتَ اسْتِرْجَاعَهَا بِعَيْنِهَا أَمْ لَا. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَهَا صَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا أَعْطَاك مِثْلَهَا لَمْ يَظْلِمْك، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ النَّاجِزِ. ابْنُ يُونُسَ: وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَهُوَ أَحْسَنُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ مَا ابْتَعْته مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ فَقَبَضْتَهُ فَأَتْلَفْته فَجَائِزٌ أَنْ تُقِيلَ مِنْهُ وَتَرُدَّ مِثْلَهُ بَعْدَ عِلْمِ الْبَائِعِ بِهَلَاكِهِ وَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ حَاضِرًا عِنْدَك وَتَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ قَبَضْتَهُ وَإِنْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَصَبْتَهُ فَأَتْلَفْتَهُ فَإِنَّمَا عَلَيْك مِثْلُهُ لَا قِيمَتُهُ وَإِنْ حَالَ سُوقُهُ، وَتَدْفَعُهُ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ غَصَبْته مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي نَقَلَهُ إلَيْهِ قَرِيبًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَعِيدًا صَارَتْ إقَالَةً عَلَى تَأْخِيرٍ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ.

(وَالْإِقَالَةُ بَيْعٌ إلَّا فِي الطَّعَامِ وَالشُّفْعَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْإِقَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعٌ حَادِثٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الشُّفْعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ صَارَفْتَ رَجُلًا ثُمَّ لَقِيتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَقَلْته وَدَفَعْتَ إلَيْهِ دَنَانِيرَهُ وَفَارَقْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ دَرَاهِمَك لَمْ يَجُزْ، وَالْإِقَالَةُ هَاهُنَا بَيْعٌ حَادِثٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْإِقَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ فِي الطَّعَامِ مُسْتَخْرَجَةٌ بِرُخْصَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا أَخْرَجَ بَيْعَ الْعَرِيَّةِ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَالْحَوْلَةُ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.

(وَالْمُرَابَحَةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقَالَةُ فِي الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ وَإِنَّمَا وَجَبَ

ص: 426

التَّبْيِينُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ يَكْرَهُ ذَلِكَ (وَتَوْلِيَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: التَّوْلِيَةُ تَصْيِيرُ مُشْتَرٍ مَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، وَهِيَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ جُزَافٍ قَبْلَ كَيْلِهِ رُخْصَةٌ لِلْحَدِيثِ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الثَّمَنِ عَيْنًا. ابْنُ حَبِيبٍ: فَمَا ثَمَنُهُ إجَارَةٌ أَوْ كِرَاءٌ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ. اُنْظُرْ إذَا اشْتَرَى مَكِيلَ طَعَامٍ بِدِينَارٍ فَوَلَّى بَعْضَهُ. اُنْظُرْ رَسْمَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى (وَشَرِكَةٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: الشَّرِكَةُ هُنَا جَعْلُ مُشْتَرٍ قَدْرَ الْغَيْرِ بَائِعَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِمَنَابِهِ مِنْ ثَمَنِهِ، هُوَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ جُزَافٍ قَبْلَ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ رُخْصَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ إذَا انْتَقَدَ الثَّمَنَ مِمَّنْ يُشْرِكُهُ أَوْ يُقِيلُهُ أَوْ يُوَلِّيهِ.

قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ فِي طَعَامٍ أَشْرَكَ فِيهِ أَوْ وَلَّاهُ بَعْدَ أَنْ اكْتَالَهُ لَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ أَوْ وَلَّاهُ كَالْبَيْعِ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْعُهْدَةَ بِخِلَافِ طَعَامٍ اسْتَقْرَضَهُ هَذَا كَيْلُهُ عَلَى مُسْتَقْرِضِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ: قَوْلُهُ: " إذَا هَلَكَ الطَّعَامُ الْمُشْتَرَكُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ أَنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ أَنْ يَكِيلَهُ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ ضَامِنًا لَهُ حَتَّى يَكِيلَهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ

ص: 427

مَعْرُوفٌ فَأَشْبَهَ الْقَرْضَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرِكَةَ وَالتَّوْلِيَةَ وَالْقَرْضَ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكْتَلْ ذَلِكَ مُشْتَرِيهِ وَلَا يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَعْرُوفٌ.

(إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ عِنْدَك) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْ جَمِيعِ الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ تُشْرِكَ فِيهِ رَجُلًا قَبْلَ

ص: 428

قَبْضِك لَهُ أَوْ بَعْدُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ عَنْك لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ مِنْهُ لَكَ (وَاسْتَوَى عَقْدَاهُمَا فِيهِمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِثَمَنٍ نَقْدًا فَنَقَدَ ثَمَنَهُ وَلَمْ يَكْتَلْهُ حَتَّى أَقَالَ مِنْهُ أَوْ أَشْرَكَ فِيهِ أَوْ وَلَّاهُ رَجُلًا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ إلَى أَجَلٍ، لَمْ يَصْلُحْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا مُؤْتَنَفًا، وَإِنَّمَا رُخِّصَ فِي ذَلِكَ إذَا انْتَقَدَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِثْلَ مَا نَقَدَ فَيَحِلُّوا فِي الطَّعَامِ مَحِلَّهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ، فَإِذَا أُحِيلَ عَنْ مَوْضِعِ رُخْصَتِهِ لَمْ يَصْلُحْ. قَالَ: وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا كَيْلًا بِثَمَنِهِ إلَى أَجَلٍ فَلَمْ يَكْتَلْهُ حَتَّى وَلَّاهُ رَجُلًا أَوْ أَشْرَكَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَقِدُ إلَّا إلَى الْأَجَلِ فَجَائِزٌ، وَإِنْ تَعَجَّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَشْرَكَهُ أَوْ وَلَّاهُ بَعْدَ أَنْ اكْتَالَهُ وَقَبَضَهُ وَشَرَطَ تَعْجِيلَ الثَّمَنِ جَازَ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِنَقْدٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى أَشْرَكَ فِيهَا رَجُلًا أَوْ وَلَّاهُ إيَّاهَا وَقَدْ نَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَهَلَاكُهَا مِنْهُمَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا وَاكْتَالَهُ فِي سَفِينَةٍ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا رَجُلًا ثُمَّ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ وَذَهَبَ الطَّعَامُ قَبْلَ أَنْ يُقَاسِمَهُ: فَهَلَاكُهُ مِنْهُمَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَشْرَكْتَهُ فَضَمَانُهُ مِنْكُمَا وَإِنْ لَمْ يَكْتَلْهُ. قَالَ سَحْنُونَ: يُرِيدُ، وَقَدْ اكْتَلْتَهُ أَنْتَ قَبْلَ شَرِكَتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِلَّا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ مِنْكَ (وَإِلَّا فَبَيْعٌ كَغَيْرِهِ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنْ لَمْ يَسْتَوِ عَقْدُ الْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فِي الْمِقْدَارِ وَالْأَجَلِ وَغَيْرِهِمَا فَبَيْعٌ كَغَيْرِهِ، وَهَذِهِ هِيَ عِبَارَةُ الْمُوَطَّأِ فِي تَرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي الشَّرِكَةِ وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي الْمُعَيَّنَ. اُنْظُرْ ذِكْرَ هَذَا الْفَرْعِ هُنَا وَمَا مَعْنَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ إنْ كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، ضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، ضَمَانُهُ مِنْ مُبْتَاعِهِ بِعَقْدِهِ.

(وَطَعَامًا كِلْتَهُ وَصَدَّقَك) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ فِي مُدَّيْ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قُلْت لَهُ كِلْهُ لِي فِي غَرَائِرِك أَوْ فِي نَاحِيَةِ بَيْتِك أَوْ فِي غَرَائِرَ دَفَعَهَا لَهُ، فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كِلْتُهُ وَضَاعَ عِنْدَك قَالَ مَالِكٌ: مَا يُعْجِبُنِي هَذَا، يُرِيدُ مَالِكٌ وَلَا يَبِيعُهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَاهُ ضَامِنًا لِلطَّعَامِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى كَيْلِهِ أَوْ تُصَدِّقَهُ أَنْتَ فِي الْكَيْلِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الضَّيَاعِ لِأَنَّهُ لَمَّا اكْتَالَهُ صِرْت أَنْتَ قَابِضًا لَهُ. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى كَيْلِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا إنْ صَدَّقَهُ عَلَى كَيْلِهِ فَلَا يَبِعْهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِيهِ فَيَحْتَاطُ فِي بَيْعِهِ، وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ يَرْتَفِعُ عَنْهُ. خَرَّجَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَرَائِرِ الْأَجِيرَ يَقُولُ لِمُؤَجِّرِهِ اشْتَرِ لِي بِمَالِي قِبَلَك ثَوْبًا، كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ فَإِنْ وَقَعَ فَهَلْ يُصَدَّقُ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَتَلِفَ؟ قَالَ:

ص: 429

يَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ الْغَرَائِرِ. اُنْظُرْ رَسْمَ سَنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ السَّلَمِ.

(وَإِنْ أَشْرَكَهُ حُمِلَ إنْ أُطْلِقَ عَلَى النِّصْفِ وَإِنْ سَأَلَ ثَالِثٌ شَرِكَتَهُمَا فَلَهُ الثُّلُثُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا ابْتَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا فَسَأَلَهُمَا رَجُلٌ أَنْ يُشْرِكَاهُ فِيهِ فَفَعَلَا فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا. اللَّخْمِيِّ: لِأَنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَأَحَدِهِمَا فَجَعَلَا لَهُ الثُّلُثَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَصْدُ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا كَانَ لَهُ النِّصْفُ عَلَى قَوْلِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ كَانَ أَنْصِبَاءُ الْأَوَّلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَكَانَ لِلْمُشْرَكِ نِصْفُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ.

(وَإِنْ وَلَّيْتَ مَا اشْتَرَيْتَ بِمَا اشْتَرَيْتَ جَازَ إنْ لَمْ تُلْزِمْهُ، وَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ رَضِيَ بِأَنَّهُ عَبْدٌ ثُمَّ عَلِمَ بِالثَّمَنِ فَكَرِهَ فَذَلِكَ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اشْتَرَيْتَ سِلْعَةً ثُمَّ وَلَّيْتهَا الرَّجُلَ وَلَمْ تُسَمِّهَا لَهُ وَلَا ثَمَنَهَا أَوْ سَمَّيْت لَهُ أَحَدَهُمَا، فَإِنْ كُنْت قَدْ أَلْزَمْتَهَا إيَّاهُ إلْزَامًا؛ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ وَقِمَارٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِلْزَامِ، جَازَ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهَا وَعَلِمَ الثَّمَنَ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدٌ وَرَضِيَ ثُمَّ سَمَّيْتَ لَهُ الثَّمَنَ فَلَمْ يَرْضَ، فَذَلِكَ لَهُ، وَهَذَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَعْرُوفِ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى حَتَّى يَرْضَى بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَعِلْمِ الثَّمَنِ، كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا وَعَلَيْهِ مِثْلُ صِفَةِ الْعَرْضِ بِعَيْنِهِ أَوْ الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَالْمِثْلُ حَاضِرٌ عِنْدَهُ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك.

قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا إنْ بِعْت مِنْهُ عَبْدًا فِي بَيْتِك بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَمْ تَصِفْهُ وَلَا رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ تَجْعَلْهُ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَ إلَيْهِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلَا يَكُونُ الْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْمُكَايَسَةِ، وَلَوْ كُنْتَ جَعَلْته فِيهِ بِالْخِيَارِ إذَا نَظَرَهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَايَسَةِ.

(وَالْأَضْيَقُ صَرْفٌ ثُمَّ إقَالَةُ طَعَامٍ ثُمَّ تَوْلِيَةٌ وَشَرِكَةٌ فِيهِ ثُمَّ إقَالَةُ عُرُوضٍ وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدِّينِ ثُمَّ بَيْعُ الدَّيْنِ ثُمَّ ابْتِدَاؤُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: أَضْيَقُ مَا تَجِبُ فِيهِ

ص: 430