المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في أركان البيع] - التاج والإكليل لمختصر خليل - جـ ٦

[محمد بن يوسف المواق]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌الْقَسْم الْأَوَّل فِي صِحَّة الْبَيْع وَفَسَاده] [

- ‌بَاب فِي أَرْكَان الْبَيْع]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[حُكْمِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ]

- ‌[بَاب فِي فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ نَهْيِ الشَّارِعِ عَنْهُ]

- ‌[مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قَبْضٍ أَوْ فَوَاتٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَاسِدِ مِنْ جِهَةِ تَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَى الْمُتَعَاوِضَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِينَةِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ وَجَوَازِهِ] [

- ‌فَصْلٌ فِي الْخِيَار] [

- ‌خِيَارُ التَّرَوِّي]

- ‌[خِيَارُ النَّقِيصَةِ]

- ‌[مُبْطِلَاتُ الْخِيَارِ وَمَوَانِعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ]

- ‌[كِتَابُ السَّلَمِ] [

- ‌بَابٌ فِي شُرُوط السَّلَم وَأَدَاء الْمُسْلِم فِيهِ وَالنَّظَر فِي صفته]

- ‌[فَصْلٌ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُكْرِيَ]

- ‌[اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ]

- ‌[وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ رَهْنٍ وَقَضَى دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ]

- ‌[هَلْ يَفْتَقِرُ الرَّهْنُ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ أَمْ لَا]

- ‌[هَلَكَ الرَّهْنُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ]

- ‌[كِتَابُ التَّفْلِيسِ] [

- ‌أَحْكَام الْحَجَر عَلَى الْمُفْلِس]

- ‌[بَيْعُ آلَةِ الصَّانِعِ إذَا فَلَّسَ]

- ‌[حَبَسَ الْمُفْلِس]

- ‌[حَبْسُ مَنْ تَقَعَّدَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَادَّعَى الْعَدَمَ فَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ]

- ‌[مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ] [

- ‌أَسْبَاب الْحَجَر]

- ‌[وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ وَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا]

- ‌[لَا حَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ فِي اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[تَصَرُّفَات الصَّغِير قَبْل الْحَجَر]

- ‌[الْحَجَر بِسَبَبِ الرِّقّ]

- ‌[أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلِيِّهِ]

- ‌[بَيْعُ الْمَأْذُونِ أُمَّ وَلَدِهِ]

- ‌[الْحَجَر عَلَى الْمَرِيض]

- ‌[الْحَجَر عَلَى الزَّوْجَة]

الفصل: ‌باب في أركان البيع]

[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

‌الْقَسْم الْأَوَّل فِي صِحَّة الْبَيْع وَفَسَاده] [

‌بَاب فِي أَرْكَان الْبَيْع]

ِ ابْنُ شَاسٍ: النَّظَرُ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِخَمْسَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ.

الثَّانِي فِي لُزُومِهِ وَجَوَازِهِ.

الثَّالِثُ فِي حُكْمِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ.

الرَّابِعُ فِيمَا يَقْتَضِيه مُطْلَقُ أَلْفَاظِهِ فِي الثِّمَارِ وَالْأَشْجَارِ وَاسْتِتْبَاعِ الْأُصُولِ لِلْفُرُوعِ.

الْخَامِسُ فِي مُدَايَنَةِ الْعَبِيدِ وَالتَّحَالُفِ.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي صِحَّتِهِ

ص: 3

وَفَسَادِهِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ: الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ:

مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْعَاقِدُ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ (يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ) . الْبَاجِيُّ: الْبَيْعُ مَعْرُوفٌ وَيَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ

ص: 12

وَقَبُولٍ، وَكُلُّ لَفْظٍ وَإِشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ بِهِ الْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ. ابْنُ شَاسٍ: وَتَكْفِي الْمُعَاطَاةُ (وَبِبِعْنِي فَيَقُولُ بِعْتُك وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُك وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا وَحَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَ إنْ قَالَ

ص: 14

أَبِيعُكهَا بِكَذَا وَأَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ) لَوْ قَالَ وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُك وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا. وَحَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَ إنْ قَالَ بِعْنِي فَيَقُولُ بِعْتُك أَوْ أَبِيعُكهَا بِكَذَا وَأَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ لِتَنْزِلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ.

قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: إذَا قَالَ بَائِعُ السِّلْعَةِ بِعْتُكهَا بِكَذَا أَوْ قَدْ أَعْطَيْتُكهَا بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَبَى الْبَائِعُ وَقَالَ لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ ابْتَعْت مِنْك سِلْعَتَك بِكَذَا أَوْ قَدْ أَخَذْتهَا مِنْك بِكَذَا وَرَضِيَ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قُلْت لِرَجُلٍ بِعْنِي سِلْعَتَك هَذِهِ

ص: 17

بِعَشْرَةٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت فَقُلْت لَا أَرْضَى فَلْتَحْلِفْ أَنَّك مَا سَاوَمْته عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ لَمَّا تَذَكَّرَهُ وَتَبَرُّ وَتَبْرَأُ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَزِمَك الْبَيْعُ.

قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَبِيعُكهَا بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ فَذَلِكَ لَهُ وَيَحْلِفُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْك بِكَذَا فَرَضِيَ الْبَائِعُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَيَحْلِفُ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَطَرِيقَةُ فُتْيَاهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَفْعَلُ عِدَّةٌ وَعَدَهُ إيَّاهَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ، وَقَوْلُهُ قَدْ فَعَلْته إيجَابٌ أَوْجَبَهُ

ص: 19

عَلَى نَفْسِهِ فَافْتَرَقَا

(أَوْ تَسَوَّقَ بِهَا فَقَالَ: بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ فَقَالَ: أَخَذْتهَا) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْقَفَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ فَقُلْت بِكَمْ؟ فَقَالَ: بِمِائَةٍ فَقُلْت: قَدْ رَضِيت. فَقَالَ: لَا يَرْضَى، أَنَّهُ يَحْلِفُ مَا سَاوَمَك عَلَى إيجَابِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ لَمَّا يَذْكُرُ وَيَبْرَأُ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَهَذَا هُوَ رَابِعُ الْأَقْوَالِ أَعْنِي الْفَرْقَ

ص: 20

بَيْنَ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ وَقَفَهَا صَاحِبُهَا لِلْبَيْعِ أَوْ لَا.

(وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ

ص: 31

وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي الْعَارِضَةِ وَفِي ابْنِ شَاسٍ مَا هُوَ مِنْ مَعْنَاهَا فَانْظُرْهُ. وَمُقْتَضَى مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بَيْعُهُ مَوْقُوفٌ، وَكَذَا بَيْعُ الْمَجْنُونِ وَبَيْعُ مَنْ لَيْسَ فِي عَقْلِهِ، وَكَذَا بَيْعُ السَّكْرَانِ إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ بَيْعُهُ مَوْقُوفٌ حَسْبَمَا يَتَقَرَّرُ

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْعَاقِدُ الْجَائِزُ الْأَمْرِ الطَّائِعُ لَازِمٌ عَقْدُهُ، وَعَقْدُ الْمَجْنُونِ حِينَ جُنُونِهِ يَنْظُرُ لَهُ السُّلْطَانُ فِي الْأَصْلَحِ فِي إتْمَامِهِ أَوْ فَسْخِهِ إنْ كَانَ

ص: 35

مَعَ مَنْ يَلْزَمُهُ عَقْدُهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ بَاعَ مَرِيضٌ لَيْسَ فِي عَقْلِهِ فَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ إلْزَامُهُ الْمُبْتَاعَ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَكَذَا السَّكْرَانُ بِغَيْرِ خَمْرٍ بَيْعُهُ أَيْضًا مَوْقُوفٌ، فَإِنْ سَكِرَ حَرَامًا فَرَوَى سَحْنُونَ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ بَيْعُهُ.

قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَلَمْ يَحْكِ أَبُو عُمَرَ غَيْرَهُ، وَزَادَ: وَيَحْلِفُ مَا كَانَ فِي بَيْعِهِ عَاقِلًا.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ الْأَمَةَ رَجُلٌ أَوْ بَاعَتْ هِيَ نَفْسَهَا فَأَجَازَ ذَلِكَ السَّيِّدُ جَازَ وَلَا كَلَامَ لِلْمُبْتَاعِ.

وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: فَرْقٌ بَيْن مَسْأَلَتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ بَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَيُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ رَبِّهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ وَفِي كَلَامِ الْمَوْضِعَيْنِ غَرَرٌ، ثُمَّ وَجَّهَ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: مَنْ قَالَ اشْتَرِ مِنِّي عَبْدَ فُلَانٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا فَإِنِّي أَعْطَيْته فِيهِ عَطَاءً أَرْجُو أَنْ يُمْضِيَهُ لِي فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قَدْ اشْتَرَيْته مِنْك بِالسِّتِّينَ ثُمَّ رَجَعَ الْبَائِعُ إلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِخَمْسِينَ فَقَالَ: أَكْرَهُ هَذَا وَإِنْ وَقَعَ أَمْضَيْته

ابْنُ رُشْدٍ: أَجَازَ هَذَا إذَا وَقَعَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَخَذْته مِنْك بِسِتِّينَ إنْ أَمْضَاهُ لَك صَاحِبُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ نَاجِزًا عَلَى أَنْ يَتَحَصَّلَهُ مِنْ بَائِعِهِ بِمَا قَدَّرَ لَكَانَ بَيْعًا فَاسِدًا. اُنْظُرْ تَمَامَ الْكَلَامِ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ. الْبَاجِيُّ: الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ. وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرِضًا لِذَلِكَ، فَإِنْ عَقَلَ وَكَانَ مَعْرِضًا لِذَلِكَ جَازَ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ وَتُدْفَعُ لَهُمَا إجَارَتُهُمَا وَيَبْرَأُ بِذَلِكَ الدَّافِعُ مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَمَرَ الْوَلِيُّ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ جَازَ. وَمِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ يَبِيعُ لِلصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُمْ أَمْ لَا، فَيُكْرَهُ ذَلِكَ تَنْزِيهًا اهـ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ

ص: 36

وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْآنَ، وَاسْتُحِبَّ لَهُ إمْضَاؤُهُ وَمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا الْمُتْعَةُ فَفِعْلُهُ فِيهِ جَائِزٌ، فَيَجُوزُ طَلَاقُهُ زَوْجَتَهُ وَعِتْقُهُ أُمَّ وَلَدِهِ

ابْنُ عَرَفَةَ: فِي الْمَحْجُورِ طَرِيقَانِ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: مَا بَاعَهُ مِنْ عَقَارِهِ دُونَ إذْنِ وَصِيِّهِ تَعَقَّبَهُ إنْ رَآهُ سَدَادًا وَالثَّمَنُ بَاقٍ أَوْ بَعْضُهُ وَبَاقِيه أَنْفَقَهُ فِي مَصَالِحِهِ أَمْضَاهُ وَإِلَّا فَسَخَهُ.

قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: فَإِنْ كَانَ الْمَحْجُورُ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُبْتَاعُ بِحَالِهِ وَعَرَفَهُ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْهُ مِنْ حِينِ قَبْضِهِ وَأَنَّ الَّذِي وُجِدَ بِيَدِهِ هُوَ مَا قَبَضَهُ وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَهُ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ الَّتِي لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا خَسِرَهُ الْمُبْتَاعُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ فِي مَالِهِ، وَأَلَّا يَلْتَفِتَ إلَّا إقْرَارِ

ص: 37

الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي كَوْنِ النَّظَرِ فِي حَالِ بَيْعِهِ يَوْمَ عَقْدِهِ أَوْ يَوْمَ النَّظَرِ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ " لَا مِنْ صَغِيرَةٍ وَسَفِيهَةٍ ".

(لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا) ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ

ص: 41

الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ظُلْمًا لَا يَلْزَمُهُ. ابْنُ سَحْنُونٍ: إجْمَاعًا (وَرُدَّ عَلَيْهِ بِلَا ثَمَنٍ) . سَحْنُونَ: مَنْ أُكْرِهَ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ ظُلْمًا فَبَيْعُهُ لِذَلِكَ بَيْعُ مُكْرَهٍ وَلِرَبِّ الْمَبِيعِ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِضَغْطِهِ وَإِلَّا فَبِالثَّمَنِ. وَرَوَى مُطَرِّفٌ: يَتْبَعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ الظَّالِمَ دَفَعَهُ هُوَ لَهُ أَوْ الْبَائِعُ، وَلَوْ قَبَضَهُ وَكِيلُ الظَّالِمِ تَبِعَ أَيَّهُمَا شَاءَ.

قَالَ مُطَرِّفٌ: فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ مَا فَعَلْته إلَّا خَوْفًا مِنْ الظَّالِمِ لَمْ يُعْذَرْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» وَكَذَا كُلُّ مَا أَقَرَّ بِفِعْلِهِ ظُلْمًا مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ جَلْدٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ وَهُوَ يَخَافُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ نَزَلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَالْغُرْمُ

ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ مِمَّا يُبَيِّنُ لَك حَالَ بَعْضِ الْقُضَاةِ فِي تَقْوِيمِهِمْ مَنْ يَعْرِفُونَ جُرْحَتَهُ شَرْعًا لِلشَّهَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ يَعْتَذِرُونَ بِالْخَوْفِ مِنْ مُوَلِّيهِمْ الْقَضَاءَ مَعَ أَنَّهُمْ فِيمَا رَأَيْت لَا يَخَافُونَ مِنْهُ إلَّا

ص: 42

عُزْلَتَهُ عَنْ الْقَضَاءِ

ابْنُ عَرَفَةَ: وَبَيْعُ قَرِيبِ الْمَضْغُوطِ لِفِكَاكِهِ مِنْ عَذَابٍ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَقَرِيبِهِ لَازِمٌ.

قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إذَا وَقَعَ مُغْرِمٌ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ وَأَسْلَمَ لَهُمْ الدَّرَاهِمَ عَلَى الزَّيْتُونِ وَغَيْرِهِ. وَثَبَتَ أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ مَضْغُوطُونَ، فَمَنْ سَلَّمَ إلَيْهِمْ فَلَا دَرَاهِمَ لَهُ وَلَا زَيْتُونَ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ أَخَذَهَا السُّلْطَانُ بِأَعْيَانِهَا اهـ. اُنْظُرْ ظَاهِرَهُ وَلَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ أَرْبَابُ الزَّيْتُونِ خِلَافُ مَا لِسَحْنُونٍ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ، وَاَلَّذِي صَدَرَ بِهِ الْحُكْمُ فِي زَمَانِنَا أَنَّ الْمَضْغُوطَ إذَا تَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا حَتَّى يَرُدَّ الثَّمَنَ، وَهَذَا هُوَ الْبَيِّنُ. اُنْظُرْ أَوَّلَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ.

وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: مَنْ أَضْغَطَ فِي مَالٍ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ كِنَانَةَ، وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الْإِمَامُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَسُئِلَ اللَّخْمِيِّ عَنْ يَتِيمٍ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ وَاضْطَرَّهُ لِبَيْعِ رُبُعِهِ فَتَوَقَّفَ وَلِيُّهُ فَأَجَابَ اللَّخْمِيِّ: الْبَيْعُ نَافِذٌ.

وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: بَيْعُهُ لَازِمٌ لِأَنَّهُ أَنْقَذَهُ مِنْ الْعَذَابِ. وَهَذَا أَيْضًا مَذْهَبُ السُّيُورِيِّ. وَانْظُرْ إذَا أُسِرَ الْمَحْجُورُ

وَفِي النَّوَادِرِ

ص: 43

عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ الْمَضْغُوطَ يَلْزَمُهُ رَدُّ السَّلَفِ الَّذِي يُسْلِفُهُ فِي حَالِ ضَغْطِهِ.

وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَكَذَا الْكَفَالَةُ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَمِنْ بَابِ أَوْلَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ.

(وَمَضَى فِي جَبْرِ عَامِلٍ) مُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: الْعَامِلُ يَعْزِلُهُ الْوَالِي عَلَى سَخْطَةٍ أَوْ يَتَقَبَّلُ الْكُورَةَ بِمَالٍ يَلْتَزِمُهُ وَيَأْخُذُ أَهْلَهَا بِمَا شَاءَ مِنْ الظُّلْمِ فَيَعْجَزُ عَمَّا عَلَيْهِ فَيُغَرِّمُهُ الْوَالِي مَالًا بِعَذَابٍ حَتَّى يُلْجِئَهُ لِبَيْعِ مَالِهِ فَبَيْعُهُ مَاضٍ عَلَيْهِ كَمَضْغُوطٍ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَخَذَ الْوَالِي مَالَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ رَدَّهُ عَلَى أَرْبَابِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ وَالْمَضْغُوطُ فِي الْبَيْعِ لِحَقٍّ عَلَيْهِ أَوْ دَيْنٍ لَازِمٍ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَنْوَةِ فِيمَا عَلَيْهِمْ مِنْ جِزْيَةٍ اهـ. اُنْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّهُ كَمَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِحَقٍّ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ يُجْبَرُ ذُو رَبْعٍ عَلَى بَيْعِهِ لِتَوْسِيعِ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ. أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ سَحْنُونَ: يُجْبَرُ ذُو أَرْضٍ تُلَاصِقُ طَرِيقًا هَدَّهَا نَهْرٌ لَا مَمَرَّ لِلنَّاسِ إلَّا فِيهَا عَلَى بَيْعِ طَرِيقٍ مِنْهَا لَهُمْ بِثَمَنٍ يَدْفَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْحَاجِّ أَنَّ رَبَّ الْعَلْجِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ لِفِدَاءِ مُسْلِمٍ.

قَالَ: مَنْ هُوَ فِي

ص: 47

يَدِهِ لَا أَفْدِيهِ إلَّا بِهِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْمَاءُ لِمَنْ بِهِ عَطَشٌ وَمَنْ انْهَارَتْ بِئْرُهُ وَالْمُحْتَكَرُ وَسَاقِيَةُ الْبَلَدِ وَالْفَدَّانُ فِي قَرْنِ الْجَبَلِ لِتَخَلُّصِ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ وَعْرِهِ، وَالْفَرَسُ يَطْلُبُهُ السُّلْطَانُ إنْ لَمْ يُدْفَعْ لَهُ جَبَرَ النَّاسَ.

(وَمُنِعَ بَيْعُ مُسْلِمٍ وَمُصْحَفٍ وَصَغِيرٍ لِكَافِرٍ وَأُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ اشْتَرَى مُصْحَفًا، جُبِرَ عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ مِنْ

ص: 49

مُسْلِمٍ وَلَمْ يُنْقَضْ شِرَاؤُهُ. وَإِذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ بِأَمَانٍ فِي شِرَاءِ مَنْ سُبِيَ مِنْهُمْ فَلَا يُمَكَّنُوا مِنْ شِرَاءِ الذُّكُورِ بِثَمَنٍ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا وَلَهُمْ شِرَاءُ النِّسَاءِ مَا لَمْ تَكُنْ صَغِيرَةً، وَيَشْتَرِي الزُّمَنَاءَ وَأَهْلَ الْبَلَاءِ إلَّا مَنْ يَخَافُ كَيْدَهُ وَشِدَّةَ رَأْيِهِ فَلَا يُفْدَى إلَّا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ اهـ. وَانْظُرْ قَوْلَهُ " وَصَغِيرٍ " إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مِمَّنْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيُبَاعُ عَلَى مُشْتَرِيه النَّصْرَانِيِّ، وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَهَلْ مُنِعَ الصَّغِيرُ " وَانْظُرْ مُبَايَعَةَ الْكَافِرِ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَفِيهِ اسْمُ اللَّهِ أَعْظَمَ مَالِكٌ ذَلِكَ وَكَرِهَهُ.

قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَتُهُ، وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِقَيْصَرَ بِالْبَسْمَلَةِ

الْمَازِرِيُّ: رَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنْ لَا يَكْتُبَ الْبَسْمَلَةَ فِي عُقُودِ الْيَهُودِ. وَانْظُرْ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَاعُ مِنْ الْحَرْبِيِّ سِلَاحٌ وَلَا سُرُوجٌ وَلَا نُحَاسٌ.

قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَمَنْ بَاعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِيعَ عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ عَلَى قِيَاسِ النَّصْرَانِيِّ يَشْتَرِي الْمُسْلِمَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَوَاءٌ كَانُوا فِي هُدْنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ فِي الْهُدْنَةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْهُدْنَةِ فَلَا.

قَالَ الْحَسَنُ: وَمَنْ حَمَلَ إلَيْهِمْ الطَّعَامَ فَهُوَ فَاسِقٌ، وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ السِّلَاحَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُكْرَهُ بَيْعُ الْكَرْمِ بِجُدْرَتِهِ مِنْ الْيَهُودِ وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله يَقُولُ بِالْمَنْعِ لِمَنْعِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُعْطُوا الْكَرْمَ مُسَاقَاةً، وَكَانَ رحمه الله يَسْتَخِفُّ بَيْعَ الْعِنَبِ مِنْهُمْ بِالدِّرْهَمِ وَالْقِيرَاطِ إذْ الْعَادَةُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَكْلِ وَكَذَا بَيْعُ الزَّبِيبِ (وَإِنْ بِعِتْقٍ) ابْنُ شَاسٍ: لِلْكَافِرِ يَشْتَرِي الْمُسْلِمَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ مِنْ مُسْلِمٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبِلُوا هَذَا وَلَا أَعْرِفُهُ قَطُّ وَفِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسْخِ نَظَرٌ (أَوْ هِبَةٍ) .

ص: 50

(وَلِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ عَلَى الْأَرْجَحِ) ابْنُ يُونُسَ: إذَا أَسْلَمَ عَبِيدُ زَوْجَةِ الْمُسْلِمِ النَّصْرَانِيَّةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْقَلَ مِلْكُهَا عَنْهُمْ بِبَيْعِهِمْ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ بِصَدَقَتِهِمْ عَلَى وَلَدِهَا الصِّغَارِ مِنْهُ، وَاخْتَلَفَ شُيُوخُ إفْرِيقِيَّةَ إذَا وَهَبَتْهُمْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ؛ فَقِيلَ لَيْسَ ذَلِكَ بِخُرُوجٍ مِنْ مِلْكِهَا إذْ لَهَا الِاعْتِصَارُ، وَقِيلَ إنَّ الِاعْتِصَارَ حَادِثٌ وَمِلْكُهَا الْآنَ قَدْ انْتَقَلَ حَقِيقَةً. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَجْوَدُ (لَا بِكِتَابَةٍ) الْفِقْهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ

ص: 52

عَلَيْهِمْ دِرْهَمٌ.

(وَرَهْنٍ وَأَتَى بِرَهْنِ ثِقَةٍ إنْ عَلِمَ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلَامِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَإِلَّا عُجِّلَ) اُنْظُرْ هَلْ يَتَنَزَّلُ هَذَا عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ؟ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ النَّصْرَانِيِّ فَرَهَنَهُ بِعْته وَعَجَّلْت الْحَقَّ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ النَّصْرَانِيُّ بِرَهْنِ ثِقَةٍ مَكَانَ الْعَبْدِ فَيَأْخُذَ الثَّمَنَ.

قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: إنَّمَا هَذَا إذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ، وَأَمَّا لَوْ رَهَنَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ لِبَيْعٍ عَلَيْهِ وَعَجَّلَ الْحَقَّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنٍ آخَرَ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَقَدَ بَيْعُهُ عَلَى هَذَا الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ عَمَدَ فَرَهَنَهُ لِيَسْتَدِيمَ مِلْكُهُ فَمَنَعْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَبِعْنَاهُ عَلَيْهِ وَعَجَّلْنَا لِلْمُرْتَهِنِ حَقَّهُ إذَا شُرِطَ لَهُ تَعْيِينُ هَذَا الرَّهْنِ وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ (كَعِتْقِهِ)

ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ بَيْعُ عَبْدِ الْكَافِرِ يُسْلِمُ عَلَيْهِ قَالُوا: وَلَهُ الْعِتْقُ وَهُوَ وَاضِحٌ دَلِيلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى.

وَهَذَا هُوَ الْفَرْعُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَمَّا عِتْقُ الرَّهْنِ فَلَيْسَ هَاهُنَا مَوْضِعُ ذِكْرِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ هُوَ بِقَوْلِهِ " وَمَضَى عِتْقُ الْمُوسِرِ وَعَجَّلَ ". وَكَمَا نَصُّوا عَلَى جَبْرِهِ عَلَى بَيْعِهِ مُسْلِمًا اشْتَرَاهُ كَذَلِكَ نَصُّوا

ص: 53

عَلَى بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ تَحْتَ يَدِهِ فَلَعَلَّهُ نَقَصَ هَاهُنَا شَيْءٌ.

(وَجَازَ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: الْمُسْلِمُ يَشْتَرِي عَبْدًا مَجُوسِيًّا مِنْ ذِمِّيٍّ فَيُسْلِمُ فِي يَدِهِ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَرُدُّهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ.

(وَفِي خِيَارِ مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ يُمْهَلُ لِانْقِضَائِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ نَصْرَانِيٌّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا مِنْ مُسْلِمٍ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي الْمُسْلِمِ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى إسْلَامَهُ فَوْتًا، وَلِلْمُسْلِمِ الْخِيَارُ إنْ رَدَّهُ بِيعَ عَلَى بَائِعِهِ. الْمَازِرِيُّ: وَاللَّخْمِيُّ: ظَاهِرُهُ لَا يُعَجَّلُ خِيَارُهُ عَلَى مُدَّتِهِ.

(وَيُسْتَعْجَلُ الْكَافِرُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ نَصْرَانِيٌّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا مِنْ نَصْرَانِيٍّ بِخِيَارٍ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ وَقِيلَ: لِمَالِكِ الْخِيَارِ اخْتَرْ أَوْ رُدَّ ثُمَّ بِيعَ عَلَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ.

(كَبَيْعِهِ إنْ أَسْلَمَ وَبَعُدَتْ غَيْبَةُ سَيِّدِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ النَّصْرَانِيِّ وَسَيِّدُهُ غَائِبٌ فَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ بِيعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْتَظَرْ، وَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ وَكَتَبَ فِيهِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ أَوْ يُسْلِمُ الْآنَ، وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ الْغَائِبُ تُسْلِمُ زَوْجَتُهُ.

ص: 54

وَانْظُرْ فَرْقُ مَا بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ تُسْلِمُ أَمَتُهُ يُمَكَّنُ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ وَطْئِهَا وَرَدِّهَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ.

قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ. اُنْظُرْ فِي الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِهِ " إلَّا أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ قَدِمُوا بِهِ ".

(وَفِي الْبَائِعِ يُمْنَعُ مِنْ الْإِمْضَاءِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا لِابْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: لَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَالْخِيَارُ لَهُ أَعْنِي لِلْبَائِعِ الْمُسْلِمِ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، فَوَاضِحٌ كَوْنُ الْمُسْلِمِ عَلَى خِيَارِهِ. وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي اُحْتُمِلَ إبْقَاءُ الْخِيَارِ لِمُدَّتِهِ إذْ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ وَتَعْجِيلُهُ إذْ لَا حُرْمَةَ لِعَقْدِ الْكَافِرِ.

وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ كَافِرَيْنِ يُعَجَّلُ الْخِيَارُ إذْ قَدْ يَصِيرُ لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمَا اهـ. كَذَا يَنْبَغِي اهـ لَفْظُ ابْنِ يُونُسَ (وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ) ابْنُ شَاسٍ: ثُمَّ حَيْثُ أَمَرْنَاهُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ يَبْقَى النَّظَرُ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَهُ أَيَّامًا أَمْ لَا؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ.

(وَهَلْ مَنْعُ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيه أَوْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ مِنْ شِرَاءِ صِغَارِ الْكِتَابِيِّينَ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ كِبَارِ الْكِتَابِيِّينَ. عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَا آبَاءَ مَعَهُمْ فَإِذَا اشْتَرَاهُمْ مُسْلِمٌ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ مِنْ كَافِرٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ. عَلَى هَذَا تَأَوَّلَ الْمَسْأَلَةَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعِ الْيَهُودِ مِنْ النَّصَارَى وَهَذَا بَعِيدٌ

ص: 55

مِنْ مَذْهَبِ الْكِتَابِ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ (وَجَبْرُهُ تَهْدِيدٌ وَضَرْبٌ) نَقَصَ هُنَا شَيْءٌ وَعِبَارَةُ الْمَازِرِيِّ: بَيْعُ صِغَارِ النَّصَارَى مِنْ النَّصَارَى مَبْنِيٌّ عَلَى جَبْرِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَإِذَا قِيلَ بِهَذَا فَهَذَا الْجَبْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّهْدِيدِ وَالضَّرْبِ لَا بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ ثُمَّ ارْتَدَّ. اللَّخْمِيِّ: وَلَوْ كَانَ جَبْرُهُ بِالْقَتْلِ مَا جَازَ بَيْعُهُ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي قَدْ دَخَلَ عَلَى مَا لَا يَدْرِي هَلْ يَحْيَا أَوْ يُقْتَلُ.

(وَلَهُ شِرَاءُ بَالِغٍ عَلَى دِينِهِ إنْ أَقَامَ بِهِ) اللَّخْمِيِّ: لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ إذَا كَانَ بَالِغًا مِنْ نَصْرَانِيٍّ. ابْنُ شَاسٍ: بِشَرْطِ أَنْ يَسْكُنَ بِهِ بَلَدَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُبَاعُ مِمَّنْ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يُخْشَى مِنْ اطِّلَاعِهِ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى.

وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ هَذَا هُوَ نَصُّ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَبِي الْفَرَجِ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجِهَادِ " كَالنَّظَرِ فِي الْأَسْرَى بِمَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ " فَقَدْ نَصَّ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْأَسِيرِ الْفِدَاءَ يَبْقَى النَّظَرُ فِي غَيْرِ الْإِمَامِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَدِمَ النَّصْرَانِيُّ بِأَمَانٍ فِي شِرَاءِ مَنْ سُبِيَ مِنْهُمْ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ شِرَاءِ الذُّكُورِ بِثَمَنٍ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا، وَلَهُمْ شِرَاءُ النِّسَاءِ مَا لَمْ تَكُنْ صَغِيرَةً، وَيَشْتَرُوا الزُّمَنَاءَ وَأَهْلَ الْبَلَاءِ إلَّا مَنْ يُخَافُ كَيْدُهُ وَشِدَّةُ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْدَى إلَّا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ (لَا غَيْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: اخْتَلَفَ فِي بَيْعِ النَّصْرَانِيِّ الْبَالِغِ مِنْ الْيَهُودِ فَأَجَازَهُ مُحَمَّدٌ، وَمَنَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ

ص: 56

وَسَحْنُونٌ لِلْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَهُوَ أَحْسَنُ

(وَالصَّغِيرِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَشُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ طَهَارَةٌ) ابْنُ شَاسٍ.

: الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ طَاهِرًا. ابْنُ عَرَفَةَ: فَيَحْرُمُ بَيْعُ النَّجِسِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ (لَا كَزِبْلٍ) ابْنُ يُونُسَ: كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ الْعَذِرَةِ وَهِيَ رَجِيعُ النَّاسِ لِيُزَبَّلَ بِهَا الزَّرْعُ أَوْ غَيْرُهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا زُبِّلَ بِهَا. قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي زِبْلِ الدَّوَابِّ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ عِنْدَهُ نَجِسٌ فَكَذَلِكَ الزِّبْلُ عِنْدَهُ، وَلَا أَرَى أَنَا بِبَيْعِهِ بَأْسًا. اللَّخْمِيِّ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: هَذَا اسْتِقْرَاءٌ ضَعِيفٌ. وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ جَوَازَ بَيْعِ الْعَذِرَةِ. أَشْهَبُ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ خَثَاءِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ بَيْعِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَأَجَازَ بَيْعَهُ وَإِنْ

ص: 57

قَبْلَ دَبْغِهِ ابْنُ وَهْبٍ: ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ بَاعَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ غَنَمًا فَنَمَتْ ثُمَّ تَابَ تَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ لَا بِالْغَنَمِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ صَدَقَتُهُ بِفَضْلِ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا (وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ " قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ.

ص: 58

(وَانْتِفَاعٌ) ابْنُ شَاسٍ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي صُوَرٍ عَلَى قَدْرِ الشِّبْرِ يُجْعَلُ لَهَا وُجُوهٌ لَا خَيْرَ فِيهَا وَلَيْسَ التَّجْرُ فِيهَا مِنْ تَجْرِ النَّاسِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ " لَا خَيْرَ فِيهَا " يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ دُونَ التَّحْرِيمِ وَلِذَلِكَ أَجَازَهَا أَصْبَغُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُصَوَّرَةً بِصُورَةِ الْإِنْسَانِ إنَّمَا فِيهَا شَبَهُ الْوُجُوهِ بِالتَّزْوِيقِ فَصَارَتْ كَالرَّقْمِ وَلِذَلِكَ أَجَازَهَا أَصْبَغُ، وَكُلَّمَا قَلَّ الشَّبَهُ قَوِيَ الْجَوَازُ، وَكُلَّمَا جَازَ اللَّعِبُ بِهِ جَازَ بَيْعُهُ. الْبُرْزُلِيِّ: وَعَلَى هَذَا الْآلَاتُ الَّتِي يَلْعَبُ بِهَا الصِّبْيَانُ.

قَالَ شَيْخُنَا الْغُبْرِينِيُّ: يَشْتَرِي لِلْأَيْتَامِ الدوليات والزرابط وَنَحْوُهَا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمَحْجُورِهِ. بَعْضَ مَا يَلْهُو بِهِ. ابْنُ كِنَانَةَ: وَيُنْفِقُ فِي عُرْسِهِ بِقَدْرِ حَالِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُفْسَخُ بَيْعُ الْبُوقِ وَالْعُودِ وَالْكَبَرِ وَيُؤَدَّبُ أَهْلُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: يُفْسَخُ فِي الْأَوَّلَيْنِ اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ فِي الْكَبَرِ خِلَافُ قَوْلِهِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَقَطْعُ سَارِقِهِ فِي قِيمَتِهِ قَائِمًا (لَا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفَ) ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ وَنَصُّ ابْنِ مُحْرِزٍ مَنْعُ بَيْعِ مَنْ فِي السِّيَاقِ وَلَوْ كَانَ

ص: 64

مَأْكُولَ اللَّحْمِ لِلْغَرَرِ فِي حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ حَيَاتِهِ أَوْ صَيْرُورَتِهِ لَحْمًا وَفِي حُصُولِ ذَكَاتِهِ لِاحْتِمَالِ حَرَكَتِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ، وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَأْكُولِ اللَّحْمِ

الْبَاجِيُّ: قَدْ يَكُونُ الْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ حَالِهِ كَالْعَبْدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ يَمْرَضُ مَرَضًا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ. ابْنُ زَرْقُونٍ: اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ هَذَا الْمَرَضِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إذَا بَلَغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ إلَّا فِي ثُلُثِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْحَامِلُ لَا تُبَاعُ. إذَا جَاوَزَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَوَلَدُهَا مَعَهَا

ص: 68

فِي الْبَيْعِ وَرَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى شِرَاءِ الْمَرِيضَةِ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ لَمْ يَجُزْ. اُنْظُرْ ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ حَلَفَ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتِ.

(وَعَدَمُ نَهْيٍ) ابْنُ شَاسٍ: فِي مَعْنَى مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مَا كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ إلَّا أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِالشَّرْعِ إذْ الْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا انْتَهَى. اُنْظُرْ بَيْعَ الطِّفْلِ مِمَّنْ يَأْكُلُهُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ يَأْكُلُهُ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَأَكْلُهُ حَرَامٌ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَكْلُهُ مَكْرُوهٌ. وَسَمِعَ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَرْكُ التَّجْرِ فِي الْخُصْيَانِ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ

ابْنُ رُشْدٍ: كَانَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَصِيٌّ وَكَذَا لِمَالِكٍ، وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله يَقُولُ نَحْوَ هَذَا فِي الشِّرَاءِ مِنْ الْعِبَارَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ إذْ الْمَبِيعُ لَيْسَ بِمَغْصُوبٍ، وَإِنَّمَا تَرْكُ الشِّرَاءِ مِنْ أَجْلِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْخُصْيَانِ، وَكَمَا نَصَّ الْمَازِرِيُّ إذَا فَرَّ النَّاسُ مِنْ الزَّحْفِ لَا يَلْزَمُ الْمَرْءَ وَحْدَهُ أَنْ يَقِفَ (لَا كَكَلْبِ صَيْدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْكَلْبُ الْمَنْهِيُّ عَنْ اتِّخَاذِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا، وَفِي غَيْرِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ بَيْعِهِ وَأَجَازَ بَيْعَهُ سَحْنُونَ قَالَ: نَعَمْ وَأَحُجُّ بِثَمَنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ مِثْلَ قَوْلِ سَحْنُونَ.

قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ. وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ كَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ قَتَلَ كَلْبًا مِنْ كِلَابِ الدُّورِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكِلَابِ لِلزَّرْعِ وَالْأَجِنَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ الزَّرْعِ. أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ: وَكَذَا عِنْدِي يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهَا لِلْمَنَافِعِ كُلِّهَا وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فِي غَيْرِ الْبَادِيَةِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَخُوفِ فِيهَا السَّرِقَةُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ مِنْ الْكِلَابِ الْمُؤْذِي مِنْهَا وَمَا يَكُونُ بِمَوْضِعٍ لَا يَنْبَغِي.

وَقَالَ

ص: 70

ابْنُ لُبَابَةَ: إنْ كَانَ الْكَلْبُ مُتَّخَذًا بِمَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ بِهِ فَصَاحِبُهُ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ الرِّدَاء يُقَوَّمُ صَحِيحًا وَيُقَوَّمُ بِاَلَّذِي أَصَابَهُ، فَمَا كَانَ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ ضَمِنَهُ وَيُوفِيهِ صَاحِبُ الْكَلْبِ.

قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: لَمْ يُوجِبْ ابْنُ الْقَاسِمِ ضَمَانَ مَا أَصَابَ الْعَقُورَ إلَّا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَالْآخَرُ اتِّخَاذُهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ فِيهِ. اُنْظُرْ آخِرَ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ.

(وَجَازَ هِرٌّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ (وَسَبُعٌ لِلْجِلْدِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا بَيْعُ السِّبَاعِ أَحْيَاءً وَالْفُهُودِ وَالنُّمُورِ وَالذِّئَابِ وَشَبَهِهَا فَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا تُشْتَرَى وَتُذَكَّى لِجِلْدِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا ذُكِّيَتْ السِّبَاعُ جَازَ لِبَاسُ جُلُودِهَا وَالصَّلَاةُ عَلَيْهَا.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَجَازَ بَيْعُهَا (وَحَامِلٌ مُقْرِبٌ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَامِلَ إذَا تَجَاوَزَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ وَلَا أَنْ تَبِيعَ، وَهَذَا الْفَرْعُ مُقْحَمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَلَوْ قَالَ " لَا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفَ وَحَامِلٍ مُقْرِبٍ " لَتَنَزَّلَ عَلَى مَا يَتَقَرَّرُ هُنَاكَ. وَإِنْ عَنَى بِالْحَامِلِ الْمُقْرِبِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْعَاقِدَةُ فَكَانَ مَوْضِعُ ذِكْرِهِ الرُّكْنَ الْأَوَّلَ. وَعِبَارَةُ الْمُتَيْطِيِّ: بَيْعُ الْمَرِيضِ كَالصَّحِيحِ سَوَاءً إلَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ مُحَابَاةٌ فَتِلْكَ الْمُحَابَاةُ فِي ثُلُثِهِ.

(وَقُدْرَةٌ عَلَيْهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يُطْلَبُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ أَوْ لِمَنْ نَابَ عَنْهُ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ وَلَا غَرَرَ (لَا كَآبِقٍ) فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: بَيْعُ الْآبِقِ وَلَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ مَمْنُوعٌ، وَكَذَا الشَّارِدُ وَمَا نَدَّ وَضَلَّ (وَإِبِلٍ أُهْمِلَتْ) سَمْعُ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا أُحِبُّ شِرَاءَ الرَّجُلِ بَعِيرًا رَآهُ مُهْمَلًا فِي الرَّعْيِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُوجَدُ كَإِبِلِ الْأَعْرَابِ الْمُهْمَلَةِ فِي الْمَهَامِهِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَا الْمَهَارَةُ وَالْفِلَاءُ بِالْبَرَارِيِ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِعَيْبٍ يَدْخُلُهَا (وَمَغْصُوبٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ الْمَغْصُوبِ رَبَّهُ وَهُوَ بِيَدِ الْغَاصِبِ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ وَالْغَاصِبُ لَا يَأْخُذُهُ حُكْمٌ فَاسِدٌ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ كَانَ يَأْخُذُهُ الْحُكْمُ وَكَانَ حَاضِرًا مُنْكِرًا لِلْغَصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِيهِ حَظْوَةٌ، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ حَاضِرًا يَأْخُذُهُ الْحُكْمُ جَازَ الْبَيْعُ (إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ غَصَبَك دَنَانِيرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَصْرِفَهَا مِنْهُ بِدَرَاهِمَ وَتَقْبِضَهَا،

ص: 71

ذَكَرَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا لِأَنَّهَا فِي ذِمَّتِهِ. وَانْظُرْ فَرْقَ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ فِي هَذَا بَيْن الْحُلِيِّ. وَلَوْ غَصَبَك جَارِيَةً جَازَ أَنْ تَبِيعَهَا مِنْهُ وَهِيَ بِبَلَدٍ آخَرَ غَائِبَةٌ، وَيَنْقُدُك الثَّمَنَ إذَا وَصَفَهَا لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ وَالدَّنَانِيرُ فِي ذَلِكَ أَبْيَنُ

ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْجَارِيَةِ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ إنْ مُلِكَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ جَازَ النَّقْدُ فِيهَا إذْ لَا يَبْقَى فِيهَا رَدُّ الثَّمَنِ لَهَا كُلِّهَا قَبْلَ الْعَقْدِ كَمَا اتَّقَى فِي النَّقْدِ فِي الْحَيَوَانِ الْغَائِبِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ هَلَكَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَجَبَ رَدُّ الثَّمَنِ فَيَكُونُ النَّقْدُ حِينَئِذٍ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا وَهَذَا لَا يُخْشَى رَدُّهُ لِأَنَّ هَلَاكَهُ مِنْهُ (وَهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةٌ؟ تَرَدُّدٌ) ابْنُ رُشْدٍ: تَحْصِيلُ شِرَاءِ الْغَاصِبِ مَا غَصَبَهُ وَهُوَ بِيَدِهِ. إنْ عُلِمَ مَنْعُهُ رَبَّهُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ فَسَدَ، وَإِنْ عُلِمَ رَدُّهُ لَهُ جَازَ اتِّفَاقًا فِيهَا وَإِلَّا فَظَاهِرُ صَرْفِهَا وَغَصْبِهَا الْجَوَازُ.

وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ.

وَنَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ الْجَوَازِ وَبِهِ حَكَمَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي رَحَى الْمَدْبَحِ لِلسُّلْطَانِ شِرَاؤُهَا حَتَّى صَحَّتْ

ص: 72

لِصَاحِبِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ

(وَلِلْغَاصِبِ نَقْضُ مَا بَاعَهُ إنْ وَرِثَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَعَدَّى عَلَى مَتَاعٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ مَاتَ رَبُّهُ فَكَانَ الْمُتَعَدِّي نَقَضَ الْبَيْعَ إذَا ثَبَتَ التَّعَدِّي. ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ حَلَّ هَذَا مَحَلَّ رَبِّهِ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ أَوْ نَقْضِهِ. وَسَمِعَ سَحْنُونَ ابْنَ الْقَاسِمِ: وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ ثُمَّ وَرِثَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَبْدِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ يُوجِبُ لَهُ بِالْإِرْثِ مَا كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ (لَا اشْتَرَاهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ مَا غَصَبَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ صَنِيعُهُ وَكَأَنَّ الْقِيمَةَ لَزِمَتْهُ فَغَرِمَهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَا الْوَدِيعَةُ الَّتِي بَاعَهَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ رَبِّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ بِخِلَافِ أَنْ لَوْ وَرِثَهَا لِأَنَّ

ص: 73

الْمِيرَاثَ لَمْ يَجُرَّهُ إلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَهُوَ مِنْ سَبَبِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا يَتَسَبَّبُ بِهِ إلَى نَقْضِ عَقْدِهِ، وَنَظِيرُ هَذَا رُجُوعُ الْهِبَةِ وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَتَكْمِيلِ الْعِتْقِ أَيْ وَالشُّفْعَةِ فِيمَا بَاعَ (وَوُقِفَ مَرْهُونٌ عَلَى رِضَا مُرْتَهِنِهِ) سَيَأْتِي فِي الرَّهْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ فِي بَيْعٍ وَسَلَمٍ ".

(وَمِلْكُ غَيْرِهِ عَلَى رِضَاهُ) الْمُتَيْطِيُّ: الْبَائِعُ عَلَى غَيْرِهِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ: سِمْسَارٌ وَقَاضٍ وَوَصِيٌّ وَوَكِيلٌ عَلَى مُعَيَّنٍ وَوَكِيلٌ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ وَشَرِيكٌ فِي مُعَيَّنٍ وَشَرِيكٌ مُفَاوِضٌ وَمُبْضِعٌ مَعَهُ وَمُفْتَاتٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ بَاعَ رَجُلٌ أَمَةَ آخَرَ جَازَ إنْ أَجَازَ ذَلِكَ السَّيِّدُ انْتَهَى. لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ إذَا أَجَازَ الْمُفْتَاتُ عَلَيْهِ الْبَيْعَ فَأَبَى الْمُشْتَرِي وَيُحْتَجُّ بِانْتِقَالِ الْعُهْدَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ يَبِيعُ بِاسْمِ نَفْسِهِ. اُنْظُرْ رَسْمَ بَاعَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ، وَرَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَانْظُرْ إنْ سَكَتَ هَذَا الَّذِي أُفْتِيت عَلَيْهِ وَبِيعَ مَالُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ فَلَمْ يَقُمْ حَتَّى بِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ أَرَادَ الدَّعْوَى فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ غَيْرِ مَقْهُورٍ بِالطَّاقَةِ.

قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: وَإِنَّمَا يُقْضَى لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ خَاصَّةً. رَاجِعْ الْمُفِيدَ أَوْ ابْنَ سَلْمُونَ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ.

(وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي) مِنْ الْمُفِيدِ: إنْ قَالَ أَبِيعُك دَارَ فُلَانٍ وَفُلَانٌ غَائِبٌ فَتَمَّ الْبَيْعُ فِيهَا ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ بِذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ أَوْ قَدِمَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ مَالَهُ اهـ. وَانْظُرْ بَيْعَ

ص: 74

الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ غَصْبَهُ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ لِعِلْمِ الْعَاقِدَيْنِ فَسَادَهُ بِخِلَافِ عِلْمِ أَحَدِهِمَا. وَجَعَلَ ابْنُ يُونُسَ مِنْ هَذَا أَيْضًا سَلَفَ أَحَدِ الْمُصْطَرِفَيْنِ بَيْنَ عِلْمِهِمَا بِذَلِكَ وَلَا فَرْقَ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَعْرِفُ كَيْلَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ رَضِيت أَخْذَهَا جُزَافًا بِكَذَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ.

قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّهُمَا قَصَدَا بِهَذَا الْعَقْدِ الْغَرَرَ وَالْخَطَرَ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ صَارَ لَهُ طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، فَإِذَا رَضِيَ بِأَنْ لَا يَعْلَمَهُ فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِالتَّغْرِيرِ وَأَنْ يُعَاوِضَ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى عِلْمِهِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ، يَشْهَدُ لِهَذَا مَا قَالَهُ سَحْنُونَ: وَلَوْ بَاعَ أَمَةً فَخَرَجَتْ مُغَنِّيَةً لَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَإِنْ شَرَطَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ سِلْعَةً لَا يَمْلِكُهَا تَعَدِّيًا وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ، وَلَوْ أَعْلَمَ أَنَّهُ غَاصِبٌ فَدَخَلَ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِيهِ عَلَى صِفَةٍ لَوْ شَرَطَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ اهـ. اُنْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الْمَرْأَةُ تَهَبُ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا وَلَمْ تَحُزْهَا لَهُ حَتَّى مَاتَتْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ شَرَطَتْ هَذَا أَوْ لَا فَرْقٌ. اُنْظُرْ نَوَازِلَ أَصْبَغَ مِنْ الْهِبَاتِ بَاعَهُ سَاعَةً بِدِينَارٍ إلَّا ثُلُثًا فَجَاءَهُ الْمُشْتَرِي بِدِينَارٍ عِنْدَ الْأَجَلِ أَعْطَاهُ لَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بَقِيَّةَ صَرْفِهِ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا شُرِطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ لَا فَرْقَ

وَمِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا خَيْرَ فِي بَيْعِ الرَّجُلِ الدَّابَّةَ بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ لَمْ يَجُزْ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ بِجَنِينِهَا ثَمَنًا.

قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إلَّا أَنْ يَقُولَ هِيَ حَامِلٌ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ خِلَافًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ: فَإِنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ بِهَذَا الشَّرْطِ. اُنْظُرْ

ص: 75

آخِرَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ. وَاللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ فَتْحُونَ إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَظْهَرْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ كَالْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُهُ لِئَلَّا تَقَعَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ لَا يَثْبُتُ فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ. وَمِنْ هَذَا أَيْضًا مَا نَقَلَ ابْنُ عَاتٍ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْغَزْلِ فِي النَّسْجِ عِنْدَ الْقَطْعِ إنْ كَانَ الْعُرْفُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالْحَضْرَةِ وَأَنَّ الْحَائِكَ يَنْتَفِعُ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْحَائِكِ وَكَأَنَّهُ مِنْ الْأَجْرِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَائِكِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِأَنَّهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ لَا يَقْبِضُهُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ نَسْجِ الثَّوْبِ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ " وَعَصَافِيرُ حَيَّةٌ بِقَفَصٍ ". وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَنْحَى شَرْطَ الْخُلْطَةِ فِي الْقِرَاضِ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَنْ شَرَطَ فِي حَبْسِهِ عَلَى صِغَارِ بَنِيهِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِزُ لَهُمْ نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْحُكْمَ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْحَبْسِ، وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ تَأَخَّرَ مِنْ الصَّرْفِ مَنْ اشْتَرَى بِنِصْفِ دِينَارٍ لِشَهْرٍ فَالْحُكْمُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ بِصَرْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ هَذَا فِي الْعَقْدِ إلَّا

ص: 76

ابْنَ رُشْدٍ قَالَ: إنَّمَا هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَقَدْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ قِبَلَ الْمُشْتَرِي نِصْفٌ آخَرُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِدِينَارٍ فَيَكُونُ الشَّرْطُ عَلَى هَذَا مُخَالِفًا لِمَا يَقْتَضِيهِ الْحُكْمُ.

(وَالْعَبْدُ الْجَانِي عَلَى رِضَا مُسْتَحِقِّهَا وَحُلِّفَ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ ثُمَّ لِلْمُسْتَحِقِّ رَدُّهُ إنْ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ السَّيِّدُ أَوْ الْمُبْتَاعُ الْأَرْشَ وَلَهُ أَخْذُ ثَمَنِهِ وَرَجَعَ الْمُبْتَاعُ بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ إنْ تَعَمَّدَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ جَنَى حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ حَمْلَ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ إنْ دَفَعَ الْأَرْشَ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ وَإِلَّا كَانَ لَهُمْ إجَازَةُ الْبَيْعِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَلَهُمْ فَسْخُهُ وَأَخْذُ الْبَيْعِ.

قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُبْتَاعُ دَفْعَ الْأَرْشِ إلَيْهِمْ فَذَلِكَ لَهُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا افْتَكَّهُ بِهِ أَوْ الثَّمَنِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ افْتَكَّهُ الْبَائِعُ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ بِهَذَا الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ بَيَّنَهُ لَهُ فَيَلْزَمُهُ الْمَبِيعُ. قَالَ غَيْرُهُ: هَذَا فِي الْعَمْدِ،

ص: 79

فَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلَا وَهُوَ كَعَيْبٍ قَدْ ذَهَبَ.

(وَرُدَّ الْبَيْعُ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ مَا يَجُوزُ وَرُدَّ لِمِلْكِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ أَمَةً حَلَفَ بِحُرِّيَّتِهَا لَيَضْرِبَنَّهَا ضَرْبًا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ بَيْعِهِ. فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهَا حَتَّى مَاتَ عَتَقَتْ فِي ثُلُثِهِ.

وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: تَعْتِقُ حِينَ نُقِضَ بَيْعُهَا وَلَا تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَا تُنْقَضُ صَفْقَةُ مُسْلِمٍ

ص: 80

إلَّا لِعِتْقٍ نَاجِزٍ.

(وَجَازَ بَيْعُ عَمُودٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ إنْ انْتَفَتْ الْإِضَاعَةُ وَأُمِنَ كَسْرُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَيَجُوزُ أَنْ أَشْتَرِيَ عَمُودًا عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ وَأَنْقُضَ الْعَمُودَ إنْ أَحْبَبْت؟ قَالَ: نَعَمْ. اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ إنْ قَدَرَ عَلَى تَعْلِيقِ مَا عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يَسِيرًا أَوْ أَضْعَفَ لَهُ فِي الثَّمَنِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فَسَادٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَعَزْوُ

ص: 81

ابْنِ رُشْدٍ شَرْطَ كَوْنِ بَيْعِهِ لَيْسَ إضَاعَةَ مَالٍ، وَأَمْنُ قَلْعِهِ لِلْمَازِرِيِّ يُوهِمُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ (وَنَقَضَهُ الْبَائِعُ) ابْنُ يُونُسَ قَالَ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَقَلْعُ الْعَمُودِ عَلَى الْبَائِعِ قَالَ الْقَابِسِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُزِيلَ مَا عَلَى الْعَمُودِ لِيَصِلَ الْمُبْتَاعُ إلَى قَبْضِهِ، وَمَا أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَوَالِهِ فِي كَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمِنْ الْمُبْتَاعِ وَانْظُرْ إذَا اشْتَرَى صُوفًا عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ فَأُصِيبَ مِنْهَا كَبْشٌ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: أَرَاهَا مِنْ الْبَائِعِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْجُذَاذَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَمَنْ اشْتَرَى زَيْتُونَةً عَلَى الْقَطْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ. اُنْظُرْ رَسْمَ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَانْظُرْ رَسْمَ الثَّمَرَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى إنْ تَوَانَى فِي قَطْعِ الزَّيْتُونَةِ حَتَّى أَثْمَرَتْ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الشِّرَاءِ قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِنْدَ الشِّرَاءِ الثَّمَرُ وَفِيهَا ثَمَرٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِبَارِ فَفِي هَذَا

ص: 82

السَّمَاعِ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ اشْتَرَطَ الْأَغْصَانَ، فَإِنْ اشْتَرَى عَمُودَ الزَّيْتُونَةِ رَجُلٌ وَاشْتَرَى الْأَغْصَانَ آخَرُ وَاسْتُؤْنِيَ بِقَطْعِهَا حَتَّى أَثْمَرَتْ، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْعَمُودِ وَعَلَى صَاحِبِ الْعَمُودِ كِرَاءُ الْأَرْضِ، وَهَذَا إذَا كَانَا غَائِبَيْنِ بِاتِّفَاقٍ أَوْ حَاضِرَيْنِ عَلَى اخْتِلَافٍ.

(وَهَوَاءٍ فَوْقَ هَوَاءٍ إنْ وُصِفَ الْبِنَاءُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ بَيْعُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ فَصَاعِدًا مِنْ هَوَاءِ بَيْتٍ، إنْ وَصَفَا مَا يُبْنَى فَوْقَ جِدَارِهِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ فَوْقَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَوَاءٍ إذَا شَرَطَا بِنَاءً يَبْنِيهِ وَيَصِفُهُ لِيَبْنِيَ الْمُبْتَاعُ فَوْقَهُ

الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ هَوَاؤُهُ لَا فَرْشَ عَلَيْهِ جَازَ شَرْطُهُ عَلَى بَائِعِهِ أَوْ مُبْتَاعِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمُبْتَاعِ بَيْعُ هَوَاءٍ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ.

(وَغَرْزُ جِذْعٍ فِي حَائِطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ شِرَاءُ طَرِيقٍ فِي دَارِ رَجُلٍ وَمَوْضِعِ جُذُوعٍ مِنْ حَائِطٍ يَحْمِلُهَا عَلَيْهِ إذَا وَصَفَهَا. أَشْهَبُ: شَرْطُ بَيْعِ الطَّرِيقِ كَوْنُهُ يَصِلُ مِنْهُ لِمِلْكٍ. التُّونِسِيُّ: لِأَنَّهُ دُونَهُ بَيْعُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ مِلْكَهُ انْفَسَخَ بَيْعُ الطَّرِيقِ (وَهُوَ مَضْمُونٌ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الْمُدَّةَ فَإِجَارَةٌ تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِهِ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ اشْتَرَى مَوْضِعَ الْجُذُوعِ شِرَاءً مُؤَبَّدًا فَانْهَدَمَ الْجِدَارُ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَعَلَى رَبِّهِ أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ فَمَحَلُّ هَذَا عَلَيْهِ جُذُوعُهُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ حَمْلَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَانْهَدَمَ الْجِدَارُ

ص: 84

لَا يَلْزَمُ رَبَّهُ بِنَاؤُهُ وَيَفْسَخُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ وَيَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ كِرَاءٌ وَالْمُكْرِي لَا يَلْزَمُهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ أَنْ يَبْنِيَهَا وَيَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ وَاَلَّذِي اشْتَرَى ذَلِكَ مُؤَبَّدًا قَدْ مَلَكَ مَوْضِعَ الْحَمْلِ، فَإِذَا انْهَدَمَ لَزِمَ رَبَّهُ بِنَاؤُهُ كَانْهِدَامِ السُّفْلِ أَنَّ عَلَى رَبِّهِ بِنَاءَهُ لِيَبْنِيَ صَاحِبُ الْعُلْوِ فَوْقَهُ.

(وَعَدَمُ حُرْمَةٍ وَلَوْ لِبَعْضِهِ) الْبَاجِيُّ: مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا بَطَلَ جَمِيعُهَا وَجُعِلَ مِنْ ذَلِكَ تَرْكُ التَّنَاجُزِ فِي بَعْضِ الصَّرْفِ قَالَ: لَمْ يَتَنَاجَزَا فِي الصَّرْفِ فَهُوَ مَفْسُوخٌ.

قَالَ: وَتَأْخِيرُ الْيَسِيرِ كَتَأْخِيرِ جَمِيعِهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى أَرْضًا بِدَرَاهِمَ وَخَمْرٍ فَسَدَ جَمِيعُهَا وَلَمْ يَجُزْ حِصَّةُ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ رَضِيَ الْمُكْتَرِي بِتَرْكِ الْخَمْرِ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ وَالسَّلَفِ الَّذِي إنْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ السَّلَفِ جَازَ.

(وَجَهْلٍ بِمَثْمُونٍ أَوْ ثَمَنٍ وَلَوْ تَفْصِيلًا كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِكَذَا) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْجَهْلُ بِالْمَثْمُونِ مُبْطِلٌ كَزِنَةِ حَجَرٍ مَجْهُولٍ.

وَفِي الْوَاضِحَةِ: مِنْ الْغَرَرِ بَيْعُ الْقَمْحِ بِالْعِنَبِ مُوَازَنَةً

ابْنُ عَرَفَةَ: جَهْلُ أَحَدِ

ص: 85

الْعِوَضَيْنِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا يُفْسِدُ بَيْعَهُ. فِيهَا مَنْعُ بَيْعِ تُرَابِ الصَّوَّاغِينَ.

ثُمَّ ذَكَرَ بَيْعَ تُرَابِ الْمَعَادِنِ وَبَيْعَ الْحَبِّ فِي أَنْدَرِهِ وَزَيْتِ زَيْتُونٍ قَبْلَ عَصْرِهِ ثُمَّ قَالَ: وَجَهْلُ الثَّمَنِ مُطْلَقًا مَانِعٌ وَفِي جَهْلِهِ مِنْ وَجْهٍ خِلَافٌ، وَالرِّوَايَاتُ مَعَ الْمُدَوَّنَةِ مَنْعُ بَيْعِ سِلْعَةٍ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهَا مِنْ ثَمَنِهَا مِنْ غَيْرِهَا.

ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ بِعْتُكهَا بِمَا شِئْت ثُمَّ سَخِطَ مَا أَعْطَاهُ إنْ أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ لَزِمَهُ. الْبَاجِيُّ: حَمَلَهُ عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَهِبَةِ الثَّوَابِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي جَمْعِ الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَهُمَا فِي الْبَيْعِ.

رَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلَانِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ فَيَبِيعَانِهَا بِثَمَنٍ يُسَمِّيَانِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَدْرِي بِمَا بَاعَ وَلَا بِمَا يُطَالِبُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا بَعْدَ الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَكْرَيَا هَذَا عَبْدَهُ وَهَذَا دَارِهِ صَفْقَةً هَكَذَا.

وَيَنْبَغِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي وَظَنَّ أَنَّهُمَا شُرَكَاءُ فِي السِّلْعَتَيْنِ جَمِيعًا أَنْ لَا يُفْسَخَ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا مِنْ جِهَتِهِمَا اهـ.

اُنْظُرْ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ " لَا يَدْرِي بِمَا بَاعَ وَلَا بِمَا يُطَالِبُ إلَّا بَعْدَ الْقِيمَةِ فَمُقْتَضَاهُ إنْ قَوَّمَا قَبْلَ الْبَيْعِ جَازَ وَهُوَ رَابِعُ الْأَقْوَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ لَفْظُ

ص: 88

ابْنِ مُحْرِزٍ مَعَ ظَاهِرِ نَقْلِ اللَّخْمِيِّ رَاجِعْهُ فِيهِ.

وَانْظُرْ جَمْعَ السِّلْعَتَيْنِ فِي الشِّرَاءِ كَرَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا عَبْدًا وَثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الْعَبْدَ وَلِلْآخَرِ الثَّوْبَ كَمَا لَوْ ابْتَاعَا أَرْضًا بَيْنَ حَائِطَيْهِمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْقِسْمَةِ مَا يَلِيهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً جَازَ.

رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ وَانْظُرْهُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ كُلُّ رِطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظُرُوفِهِ وَيُطْرَحَ وَزْنُهَا بَعْدَ تَفْرِيغِهَا انْتَهَى.

وَانْظُرْ هَلْ يَتَحَرَّى وَزْنَ الظَّرْفِ؟ كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله يَحْكِي عَنْ ابْنِ عَلَاقٍ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ إذْ اسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُ الْمَعْلُومَ مَجْهُولًا.

وَكَانَ هُوَ رحمه الله يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ وَإِنَّهُ إذَا تَحَرَّى زِنَةَ الظَّرْفِ صَارَ مَا كَانَ فِيهِ مُتَحَرًّى وَبَيْعُهُ بِالتَّحَرِّي جَائِزٌ، وَهَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي مُشْتَرِي الْفَحْمِ بِسَوْقِهِ يَذْهَبُ بِالْحَمَّالِ مَعَهُ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ يَصْعُبُ الرُّجُوعُ مِنْهُ لِزِنَةِ الْوِعَاءِ، ثُمَّ وَجَدْت الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصَةً لِعِزِّ الدِّينِ.

وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَسَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَرَفَةَ وَانْظُرْ أَيْضًا هَلْ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَ الْبَائِعَ فِي الْقَدْرِ أَوْ زِنَةِ الظَّرْفِ؟ اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي " وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا أَخْرَجَ مِنْ طَعَامِهِ يَعْنِي الْمَكِيلَ إرْدَبًّا أَوْ إرْدَبَّيْنِ ثُمَّ نَسِيَ أَوْ أَخْرَجَ قَدْرَ ذَلِكَ جُزَافًا فَلَا أَرَى أَنْ يَبِيعَ مَا بَقِيَ جُزَافًا حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ.

ابْنُ رُشْدٍ: إذَا أَخْرَجَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مِنْ طَعَامِهِ الَّذِي يَعْرِفُ كَيْلَهُ جُزَافًا يَسِيرًا أَوْ كَيْلًا يَسِيرًا أَوْ نَسِيَ حَقِيقَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْبَاقِيَ جُزَافًا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِمَا

ص: 89

عَلِمَ مِنْ كَيْلِهِ وَبِالْقَدْرِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْهُ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا حَتَّى يَسْتَوِيَا جَمِيعًا فِي الْمَعْرِفَةِ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ كَيْلِهِ فَهُوَ عَالِمٌ بِقَدْرِهِ. انْتَهَى.

اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ حَتَّى يَسْتَوِيَا جَمِيعًا فِي الْمَعْرِفَةِ، وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ خَبَرِهِ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى يَسُوغُ فِي بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ كَمَا جَازَ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي قَدْرِ مَا أَخْرَجَ كَذَلِكَ يُقَلِّدُهُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ لَا سِيَّمَا الْعَقَاقِيرُ الْهِنْدِيَّةُ وَأَشْبَاهُهَا مِمَّا لَا يَعْرِفُ ثَمَنَهَا وَلَا عَيْنَهَا إلَّا أَرْبَابُهَا، وَسَأَزِيدُ هَذَا بَيَانًا فِي بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ

وَانْظُرْ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَالْحُكْمُ فِيهَا أَنْ يَذْكُرَ مَا دَفَعَ وَأَيَّ وَقْتٍ اشْتَرَى وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ، فَرُبَّمَا يُقَيِّدُ التَّاجِرُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الثَّوْبِ وَلَا يَسْتَحْضِرُ فِي ذِهْنِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ إلَّا مَا قَيَّدَ، فَهَلْ يَكُونُ مِثْلَ الطَّعَامِ إذَا نَسِيَ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ فَيَقُولُ لِلْمُشْتَرِي هَذَا هُوَ الثَّمَنُ عَلَى الْجُمْلَةِ وَلَسْت بِذَاكِرٍ لِلتَّفْصِيلِ ثُمَّ يَطْلُبُ الرِّبْحَ عَلَى ذَلِكَ؟ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ: لَا تَجُوزُ الْمُرَابَحَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ عِلْمُ الْمُشْتَرِي مَعَ عِلْمِ الْبَائِعِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا وَمَا جَرَى عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِهَا. وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا مَا وَقَعَ لِمَالِكٍ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ السَّمْنِ فِي الزِّقَاقِ أَرْطَالًا مُسَمَّاةً كَذَا وَكَذَا رِطْلًا بِدِينَارٍ وَزِقَاقُهَا فِي الْوَزْنِ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. قَدْ يُرِيدُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَحْمِلَهَا إلَى بَلَدٍ فَيَشْتَرِيَهَا وَيَحْمِلَهَا كَمَا هِيَ قُلْت: فَالْقِلَالُ؟ قَالَ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي التَّقَارُبِ مِثْلَ الزِّقَاقِ مَا رَأَيْت بِهَا بَأْسًا.

وَقَالَ أَصْبَغُ: قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي قِلَالِ الْخَلِّ: أَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا بِخَلِّهَا مُطَيَّنَةً وَلَا يُدْرَى مَا فِيهَا؟ فَقَالَ لِي: إنْ كَانَ قَدْ مَضَى عَمَلُ النَّاسِ أَفَأُحَرِّمُهُ كَأَنَّهُ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.

قَالَ أَصْبَغُ: لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ حَزْرَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لَمْ يَزِنْهُ وَلَمْ يَعْرِفْ جَيِّدَهُ مِنْ رَدِيئِهِ، وَفَتْحُهُ كُلُّهُ لِلْبَيْعِ فَسَادٌ. ثُمَّ رَشَّحَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا قَالَ: كَمَا جَازَ شِرَاءُ الثَّوْبِ الرَّفِيعِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْفَتْحُ وَالنَّشْرُ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ أَنْ يُفْتَحَ وَيَنْشُرَهُ وَيُقَلِّبَهُ كَمَا جَازَ بَيْعُ الْأَحْمَالِ عَلَى صِفَةِ الْبَرْنَامَجِ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ.

وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ: ظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ فِي بَيْعِ السَّاجِ عَلَى الصِّفَةِ، فَمَنَعَهُ مَرَّةً وَأَجَازَهُ أُخْرَى.

(وَرَطْلٍ مِنْ شَاةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ لَحْمِ شَاتِهِ الْحَيَّةِ رَطْلًا وَلَا رَطْلَيْنِ وَلَيْسَ كَاسْتِثْنَاءِ الْبَائِعِ ذَلِكَ مِنْهَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ قَبْلَ سَلْخِهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَحْمُ مَغِيبٍ.

(وَتُرَابِ صَائِغٍ وَرَدَّهُ مُشْتَرِيه وَلَوْ خَلَّصَهُ وَلَهُ الْأَجْرُ) مُنِعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْعُ

ص: 90

تُرَابِ الصَّوَّاغِينَ. الْمَازِرِيُّ: هُوَ الشُّهْرَةُ إنْ كَانَ الْمُصَفَّى ذَهَبًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِضَّةً ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ عَامٌّ فِيهِمَا وَفِي تُرَابِ حَوَانِيتِهِمْ كَتُرَابِ حَوَانِيتِ الْعَطَّارِينَ. فَلَوْ قَالَ مُبْتَاعُهُ ضَاعَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَلَفَ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ، وَلَوْ فَاتَ بِتَخْلِيصِهِ فَرَابِعُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ: الْمَشْهُورُ لُزُومُ الْبَائِعِ أَخْذَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَدَفْعَ مِثْلِ أَجْرِ خَلَاصِهِ لَا مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ غيران الْمَعَادِنِ لِأَنَّ مَنْ أُقْطِعَتْ لَهُ إذَا مَاتَ أُقْطِعَتْ لِغَيْرِهِ وَلَمْ تُورَثْ، وَيَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَتُرَابِ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ الْمَعْدِنِ ضَرِيبَةُ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَطَرٌ.

(وَشَاةٍ قَبْلَ سَلْخِهَا) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ عَلَى حَالِهَا، وَلَوْ ابْتَاعَهَا ثُمَّ تُسْلَخُ وَتُوزَنُ لَمْ يَجُزْ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ بَيْعُهَا بَيْعَ لَحْمِ مَغِيبٍ كَمَا أَنَّ الْكَسِيرَ وَمَا لَا يُسْتَحْيَا لَيْسَ بِبَيْعِ لَحْمِ مَغِيبٍ، وَأَمَّا بَيْعُ أَرْطَالٍ مِنْهَا قَبْلَ السَّلَمِ فَإِنَّهُ بَيْعُ لَحْمِ مَغِيبٍ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ مَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ لَيْسَ بَيْعَ لَحْمِ مَغِيبٍ وَمَا لَا يَضْمَنُهُ حَتَّى يُوَفَّى فَهُوَ بَيْعُ لَحْمِ مَغِيبٍ.

(وَحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلٍ وَتِبْنٍ إنْ بِكَيْلٍ) مِنْ

ص: 91

الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ زَرْعٍ اسْتَحْصَدَ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا بِثَمَنٍ نَقْدٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَلَوْ تَأَخَّرَ دَرْسُهُ لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْكَيْلِ وَيَصِلُ لِمَعْرِفَةِ الْقَمْحِ بِفَرْكِ سُنْبُلِهِ.

قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله: وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ الْمُعَيَّنِ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلضَّرُورَةِ. وَانْظُرْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ وَفِي سُنْبُلِهِ أَوْ تِبْنِهِ فَرْقٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ ص ل ى مِنْ السَّلَمِ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمَيْنِ أَوْ إلَى الْمَكَانِ الْقَرِيبِ جَازَ لَا فِيمَا بَعْدُ إذْ لَا يَدْرِي الْمُبْتَاعُ كَيْفَ تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ فِيمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَمِنْ الْبَائِعِ فِيمَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ جَازَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ. اُنْظُرْ أَوَّلَ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِ الرَّوَاحِلِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ، وَمِنْ رَسْمِ الْقِسْمَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى فِيمَنْ اشْتَرَى الْمَتَاعَ فِي الْمَرْكَبِ فَسَقَطَ مِنْ يَدِ النُّوتِيِّ فِي الْبَحْرِ ضَمَانُهُ مِنْ مُشْتَرِيه، فَإِنْ كَانَ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ إلَى الْبَرِّ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ، وَعَلَى أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ بَائِعِهِ فَصَارَ مُبْتَاعًا لِلضَّمَانِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِعَيْنِهِ وَصَارَ فِي ضَمَانِهِ إلَّا أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ حِمْلَانَهُ لَا بَأْسَ بِهَذَا. اُنْظُرْ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ. وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ هَذَا الْفَصْلَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَبَعْدَهُ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانٍ إنَّمَا فِيهَا التَّسْلِيمُ وَالِاتِّبَاعُ لِلْعُلَمَاءِ. وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ عَلَى كَيْلٍ وَهِيَ فِي تِبْنِهَا

(وَقَتٍّ جُزَافًا لَا مَنْفُوشًا) الْقَتُّ الْفَصْفَصَةُ. الْجَلَّابُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزَّرْعِ إذَا يَبِسَ وَاشْتَدَّ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ بَعْدَ جُذَاذِهِ إذَا كَانَ حُزَمًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا دُرِسَ وَاخْتَلَطَ بِتِبْنِهِ.

وَقَالَ

ص: 92

عِيَاضٌ: الْحَبُّ إذَا اخْتَلَطَ فِي أَنْدَرِهِ وَكُرِّسَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

(وَزَيْتِ زَيْتُونٍ بِوَزْنٍ إنْ لَمْ يَخْتَلِف إلَّا أَنْ يُخَيَّرَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ قُلْت لِرَجُلٍ اعْصِرْ زَيْتُونَك هَذَا فَقَدْ أَخَذْت مِنْك زِنَةَ كُلِّ رِطْلٍ بِكَذَا، فَإِنْ كَانَ خُرُوجُ الزَّيْتِ عِنْدَ النَّاسِ مَعْرُوفًا لَا يَخْتَلِطُ إذَا عُصِرَ وَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبًا كَالزَّرْعِ جَازَ وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِيهِ وَلَا يَنْقُدُهُ وَيَكُونُ عَصْرُهُ قَرِيبًا إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَدَقِيقِ حِنْطَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ زَيْتُونٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ عَصَرَهُ أَوْ زَرْعًا قَائِمًا عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ حَصَادَهُ وَدِرَاسَهُ وَكَأَنَّهُ ابْتَاعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا قَمْحًا عَلَى أَنْ يَطْحَنَهُ فَاسْتَخَفَّهُ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ كَرِهَهُ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ لَك أَوْ نَعْلَيْنِ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُمَا لَك فَلَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ الْغَزْلِ عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ لَك.

(وَصَاعٍ أَوْ كُلِّ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَإِنْ جُهِلَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَاتُ مَعَهَا جَوَازُ بَيْعِ عَدَدِ آصُعٍ أَوْ أَقْفِزَةٍ مِنْ صُبْرَةٍ أَوْ كُلِّهَا عَلَى الْكَيْلِ كُلُّ صَاعٍ أَوْ قَفِيزٍ بِكَذَا. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَرْضِ عَلَى الصِّفَةِ كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا وَكَذَا دُونَ أَنْ يَرَاهَا، وَكَذَلِكَ الصُّبْرَةُ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا عَلَى الصِّفَةِ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا دُونَ أَنْ يَرَاهَا (لَا مِنْهَا وَأُزِيدَ الْبَعْضُ) لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ كِرَاءَ الدَّارِ سَنَةً عَلَى أَنَّ الْمُكْتَرِيَ مَتَى شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ خَرَجَ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ بِإِجَازَةِ ذَلِكَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ قَدْ بِعْتُك مِنْ صُبْرَتِي هَذِهِ مَا شِئْت كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ.

الْقَبَّابُ: لَعَلَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَبِيعَ جَمِيعُ الصُّبْرَةِ عَلَى خِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَعْضِ. وَاَلَّذِي مَنَعَ ابْنُ جَمَاعَةَ هِيَ أَنْ تَقُولَ بِعْ لِي مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِحِسَابِ قَفِيزٍ بِدِينَارٍ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّيَ عَدَدَ مَا يَشْتَرِي. رَاجِعْهُ وَابْنَ عَرَفَةَ.

(وَشَاةٍ وَاسْتِثْنَاءُ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ) رَابِعُ الْأَقْوَالِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى مِنْ لَحْمِهَا أَرْطَالًا يَسِيرَةً ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً جَازَ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُجْبَرُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الرِّبْحِ هَاهُنَا وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَالِكٌ

ص: 93

الثُّلُثَ.

ابْنُ عَلَاقٍ: وَالْمُرَادُ بِالرَّطْلِ هُنَا الرَّجُلُ الصَّغِيرُ الْفُلْفُلِيُّ. هَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَانْظُرْ هَلْ حُكْمُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ حُكْمُ الشَّاةِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ فَقَطْ؟ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِبَارَ صِغَرِ الْبَهِيمَةِ وَكِبَرِهَا (وَلَا يَأْخُذُ لَحْمَ

ص: 94

غَيْرِهَا) .

أَشْهَبُ: لَيْسَ لِمُبْتَاعِهَا اسْتِحْيَاؤُهَا وَيُعْطَى الْبَائِعُ قَدْرَ لَحْمِهِ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيٍّ (وَصُبْرَةٍ وَثَمَرَةٍ وَاسْتِثْنَاءُ قَدْرِ ثُلُثٍ) ابْنُ الْمَوَّازِ: اتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصُّبْرَةِ وَالثَّمَرَةِ كَيْلًا قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ، فَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَزْنًا مِنْ لَحْمِ شَاةٍ بَاعَهَا فَأَشْهَبُ يُجِيزُ قَدْرَ الثُّلُثِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَالِكٌ الثُّلُثَ. الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ مَغِيبٌ وَطَعَامَ الصُّبْرَةِ مَرْئِيٌّ اهـ. اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً وَهِيَ قَدْ يَبِيعُ الْكَرْمَ مَثَلًا عَصِيرًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ وَزْنًا قَدْرَ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ ابْتِدَاءً وَيُقَاصِّهِ بِثَمَنِهِ، إنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْهُ فَهَذَا جَائِزٌ وَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ يَوْمَ الصَّفْقَةِ.

اُنْظُرْ تَرْجَمَةَ مَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الثِّمَارِ مِنْ الْمُتَيْطِيِّ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ زِيَادَةٌ فَانْظُرْهُ

وَمِنْهُ إنْ لَمْ يَسْتَثْنِ بَائِعُ الثَّمَرَةِ

ص: 95

شَيْئًا فَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَدْرَ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ مُقَاصَّةً، وَلَا يَشْتَرِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ بِنَقْدٍ إنْ كَانَ بَاعَ بِتَأْخِيرٍ وَلَا بِتَأْخِيرٍ إنْ كَانَ بَاعَ بِنَقْدٍ.

وَانْظُرْ أَوَّلَ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ. قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ مَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ رُطَبًا بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ.

إذَا صَارَ تَمْرًا بِبَعْضِ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا يَأْخُذُهُ كَذَلِكَ فِي التَّفْلِيسِ، لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ حِينِ الْمَبِيعِ فَلَيْسَ بِبَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ. اُنْظُرْ الرَّسْمَ الْمَذْكُورَ، وَانْظُرْ سَمَاعَ أَصْبَغَ مِنْ السَّلَمِ أَيْضًا إذَا اشْتَرَى حَدِيدًا جُزَافًا ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى وَيَكُونُ الثَّمَنُ مُقَاصَّةً.

وَانْظُرْ إذَا بَاعَ الْكَرْمَ وَاسْتَثْنَى أَسْلَالًا أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَنَفَذَ عِنَبُ الْكَرْمِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْبَائِعُ سِلَلَهُ، هَلْ بَيْنَ أَنْ يَنْفُذَ بِبَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ فَرْقٌ؟ اُنْظُرْ رَسْمَ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ، وَانْظُرْ أَيْضًا رَسْمَ مَرِضَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ مَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَ مُسْتَثْنَى كَيْلٍ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ

ص: 96

ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُبْقِي عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ.

(وَجِلْدٍ وَسَاقِطٍ بِسَفَرٍ فَقَطْ) سَادِسُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى فَخْذَهَا أَوْ بَطْنَهَا أَوْ كَبِدَهَا لَمْ يَجُزْ.

ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ الْمَغِيبِ قَالَ: وَأَمَّا إنْ اسْتَثْنَى الصُّوفَ وَالشَّعْرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ جَائِزٌ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجِلْدَ أَوْ الرَّأْسَ فَقَدْ أَجَازَهُ مَالِكٌ فِي السَّفَرِ إذْ لَا ثَمَنَ لَهُ هُنَاكَ، وَكَرِهَهُ لِلْحَاضِرِ إذْ كَأَنَّهُ ابْتَاعَ اللَّحْمَ.

(وَجُزْءٍ مُطْلَقًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً وَاسْتَثْنَى جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ رُبْعًا أَوْ نِصْفًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مَا لَمْ يَسْتَثْنِ.

قَالَ عِيسَى: وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهَا عَلَى الذَّبْحِ أَوْ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْمُبْتَاعِ بِقَدْرِ مَا اسْتَثْنَى بَعْضُ

ص: 97

الْقَرَوِيِّينَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ آبِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَاهُ عَلَى الذَّبْحِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

وَفِي النَّوَادِرِ فِي ثَلَاثَةٍ اشْتَرَوْا شَاةً بَيْنَهُمْ إنْ كَانَتْ يَتَوَزَّعُونَ لَحْمَهَا جُبِرَ عَلَى الذَّبْحِ آبِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ بِيعَتْ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا بِالْمُقَاوَاةِ (وَتَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي) ابْنُ مُحْرِزٍ: الصَّوَابُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْبُورٍ عَلَى الذَّبْحِ إذْ لَوْ شَاءَ أَعْطَى جِلْدًا مِنْ عِنْدَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الذَّبْحِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قِسْطٌ مِنْ أُجْرَةِ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ (وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِمَا) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْجَبْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَبَى الْمُبْتَاعُ فِي السَّفَرِ ذَبْحَهَا وَالْبَائِعُ قَدْ اسْتَثْنَى رَأْسَهَا وَجِلْدَهَا.

قَالَ: عَلَيْهِ شِرَاءُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتُهُ يَعْنِي بِشِرَاءِ مِثْلِهِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ شَرِيكًا بِالْجِلْدِ إذْ عَلَى الْمَوْتِ بَاعَ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْقِيمَةُ أَعْدَلُ (بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَثْنَى أَرْطَالًا يَسِيرَةً جَازَ وَيُجْبِرُهُ الْمُبْتَاعُ عَلَى الذَّبْحِ هَاهُنَا (وَخُيِّرَ فِي دَفْعِ رَأْسٍ أَوْ قِيمَتِهَا وَهِيَ أَعْدَلُ)

ص: 98

تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ " بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ "

(وَهَلْ التَّخْيِيرُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي؟ قَوْلَانِ) ثَالِثُ الْأَقْوَالِ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ وَصَوَّبَهُ مُحَمَّدٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَعْزُ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ.

(وَلَوْ مَاتَ مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مُعَيَّنٌ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي جِلْدًا وَسَاقِطًا لَا لَحْمًا) رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى جِلْدَهَا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ فَتَمُوتُ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَرَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْجِلْدِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: لَوْ كَانَ إنَّمَا اسْتَثْنَى أَرْطَالًا يَسِيرَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُبْتَاعِ شَيْءٌ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ الْبَائِعُ مِنْ اللَّحْمِ.

قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ. اُنْظُرْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فُرُوعًا ذَكَرَهَا. مَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ لَحْمَ شَاةٍ وَلِآخَرَ جِلْدَهَا فَوَلَدَتْ، وَكَيْفَ لَوْ نَفَذَ الْكَرْمُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمُسْتَثْنَى وَاسْتِثْنَاءِ مُبْتَاعِ عَبْدٍ مَالَهُ أَوْ نِصْفَ مَالِهِ، وَكَيْفَ لَوْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ كَانَ فِيهِ بَعِيرٌ شَارِدٌ كَاسْتِثْنَائِهِ نِصْفَ حِلْيَةِ السَّيْفِ أَوْ نِصْفَ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ كَبَيْعِ أَرْضٍ ذَاتِ زَرْعٍ أَخْضَرَ لِبَائِعِهَا جُزْءٌ مِنْهُ مَعَ حِصَّةٍ مِنْهُ.

(وَجُزَافٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ الْجُزَافِ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ

ص: 99

عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يُعْلَمَ وَالْأَصْلُ مَنْعُهُ وَخُفِّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ أَوْ قَلَّ جَهْلُهُ.

ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَاعُ جُزَافًا إلَّا مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَقَدْ يَكُونُ شَيْءٌ مِمَّا يُبَاعُ عَدَدًا يُبَاعُ جُزَافًا كَالْجَوْزِ وَالتِّينِ وَالْبَيْضِ وَذَلِكَ فِيمَا كَثُرَ وَشَقَّ عَدَدُهُ (إنْ رُئِيَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مِنْ شَرْطِ بَيْعِ الْجُزَافِ وَإِنْ كَانَ عَلَى كَيْلٍ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا.

وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ: لَا تُبَاعُ الدَّارُ الْغَائِبَةُ عَلَى الصِّفَةِ إلَّا مُذَارَعَةً. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: حَوَائِطُ الشَّجَرِ الْغَائِبَةِ يُبَاعُ ثَمَرُهَا كَيْلًا أَوْ جُزَافًا وَهِيَ عَلَى مَسِيرَةِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: قَبُولُهُمْ هَذَا مَعَ اشْتِرَاطِهِمْ كَوْنَ الْجُزَافِ مَرْئِيًّا مُتَنَافٍ اهـ.

وَانْظُرْ أَيْضًا شِرَاءَ الْأَبْزَارِ يَجْعَلُهُ الْعَطَّارُ فِي كَاغِدٍ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِهِ وَلَا وَزْنٍ.

قَالَ الْقَبَّابُ: هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ يَجُوزُ وَعَلَيْهِ مَضَى الْأَشْيَاخُ، وَالْمَنْصُوصُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَسَادُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ إذَا سَمَّى الْمَبِيعَ بِغَيْرِ اسْمِهِ كَأَنْ يَقُولَ أَبِيعُك هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ فَيَجِدُهَا الْمُشْتَرِي غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ.

فَانْظُرْ عَدَمَ لُزُومِ هَذَا الْبَيْعِ مَعَ كَوْنِ الْمُشْتَرِي قَدْ رَأَى الْمَثْمُونَ، وَانْظُرْ تَصْدِيقَ

ص: 100

الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ، وَانْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَجَهِلَ بِمَثْمُونٍ تَصْدِيقَ الْبَائِعِ فِي الْحَزْرِ " كُلُّ ذَلِكَ فُرُوعُ جَوَازِ تَصْدِيقِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ وَالْقَدْرِ، وَهُوَ يُرَشِّحُ مَا قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ، قَالَ الْقَبَّابُ: وَعَلَيْهِ مَضَى الْأَشْيَاخُ.

وَإِنَّمَا انْبَسَطْت فِي هَذَا مِنْ أَجْلِ مَا نَجِدُ عَلَيْهِ بَعْضَ بَاعَةِ بَلَدِنَا مَا عِنْدَهُمْ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُنَا يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئًا لَا يَدْرِي أَرَدِيءٌ هُوَ أَمْ طَيِّبٌ، بَلْ بَعْضُ الْعَقَاقِيرِ وَالْأَشْرِبَةِ مَا يَكُونُ أَحَدُنَا رَآهَا فَضْلًا أَنْ يَكُونَ عَرَفَ قِيمَتَهَا وَيَظُنُّ هَذَا الْبَائِعُ أَنَّهُ بِالْإِرَاءَةِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مَعَ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُؤْمِنَ عَلَى الثَّمَنِ وَعَلَى الْمَثْمُونِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرَاقِبَ اللَّهَ فِي ذَلِكَ وَيَبِيعَ بِمَا يُبَاعُ بِهِ ذَلِكَ وَيَدَعَ لَا يُرِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُعَرِّفُهُ بِشَيْءٍ فَدَفَعَ غَيْرُهُ فَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ إذْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ ثُمَّ تَفَطَّنَ الْبَائِعُ فَبَادَرَ فِي الْوَقْتِ وَاسْتَرَدَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي اسْتَرَدَّ لَوْ اسْتَعْمَلَهُ الْمُشْتَرِي لَقَتَلَهُ.

(وَلَمْ يَكْثُرْ جِدًّا وَجَهِلَاهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ شَرْطُ بَيْعِ الْجُزَافِ جَهْلُ الْعَاقِدَيْنِ قَدْرَ كُلِّ الْمَبِيعِ أَوْ وَزْنَهُ أَوْ عَدَدَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَ الْآخَرُ كَانَ الَّذِي عَلِمَ قَدْ قَصَدَ إلَى خَدِيعَةِ الَّذِي جَهِلَ، وَكَذَلِكَ الْجُعْلُ عَلَى طَلَبِ الْآبِقِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ لَا يَجُوزُ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ خَبِرَ الْأَرْضَ أَوْ عَرَفَ مَوْضِعَ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا أَيْضًا نَظَائِرُ أَعْنِي لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِلْمِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ بِجَهْلِهِمَا، مِنْهَا مَسْأَلَةُ كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُدَّعِي حَقًّا فِي دَارٍ فَيُصَالِحُ عَلَيْهِ وَلَا يُسَمِّيهِ (وَحَزَرَا) .

ص: 102

اللَّخْمِيِّ: شَرْطُ بَيْعِ الْجُزَافِ كَوْنُهُ مِمَّنْ اعْتَادَ الْحَزْرَ لِأَنَّهُ لَا يُخْطِئُ إلَّا يَسِيرًا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُعْتَادٍ لَهُ لَمْ يَجُزْ. (وَاسْتَوَتْ أَرْضُهُ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ اشْتَرَى صُبْرَةً تَحْتَهَا دَكَّةٌ تَمْنَعُ تَخْمِينَ الْقَدْرِ إنْ تَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْغَرَرِ، وَإِنْ اشْتَرَى فَظَهَرَتْ فَلَهُ الْخِيَارُ.

ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْحُفْرَةُ كَذَلِكَ وَالْخِيَارُ هُنَا لِلْبَائِعِ (وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْمَوَّازِ وَذَلِكَ فِيمَا شَقَّ عَدَدُهُ وَلَمْ يُقْصَدْ أَفْرَادُهُ. الْبَاجِيُّ: مَا يُعَدُّ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ تَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ كَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ، فَهَذَا لَا تَكَادُ جُمْلَةٌ مِنْهَا تَتَّفِقُ آحَادُهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا لِأَنَّ آحَادَهُ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَنْفَرِدَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَالْمَعْرِفَةِ بِصِفَتِهَا وَقِيمَتِهَا.

وَقِسْمٌ لَا تَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَمَا إذَا وُجِدَتْ جُمْلَةٌ مِنْهَا فَأَكْثَرُهَا تَتَّفِقُ صِفَاتُ آحَادِهَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُ، فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَدَدًا مِنْ جُمْلَةِ الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ تَعْيِينُهَا دُونَ خِيَارٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَرْطٍ بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَالرَّقِيقِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا عَدَدًا مِنْ الْجُمْلَةِ إلَّا مُعَيَّنًا أَوْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ.

وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَجُوزُ الْجُزَافُ فِي الْمَعْدُودِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ مِمَّا الْغَرَضُ مَبْلَغُهُ دُونَ أَعْيَانِهِ (إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَلَّتْ أَثْمَانُ الْمَعْدُودَاتِ جَازَ بَيْعُهَا جُزَافًا وَإِنْ كَثُرَتْ

ص: 103

أَثْمَانُهَا وَاخْتَلَفَتْ آحَادُهَا اخْتِلَافًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا جُزَافًا لِأَنَّ الْغَرَرَ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: مَعْرِفَةُ الْآحَادِ، وَمَعْرِفَةُ الْمَبْلَغِ.

وَإِذَا كَثُرَ الْغَرَرُ مُنِعَ الْبَيْعُ، وَإِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ الْجُمْلَةَ دُونَ الْآحَادِ فَالْغَرَرُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَإِذَا قَلَّ الْغَرَرُ لَمْ يَحْرُمْ الْبَيْعُ. الْقَبَّابُ: قَيَّدُوا الْجَوَازَ فِي الْمَعْدُودَاتِ بِمَا تَسَاوَتْ أَفْرَادُهُ أَوْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مَبْلَغَهُ لَا آحَادَهُ. كَالْبِطِّيخِ (لَا غَيْرِ مَرْئِيٍّ) تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي هَذَا.

(وَإِنْ مِلْءَ ظَرْفٍ وَلَوْ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: بَيْعُ مِلْءِ غِرَارَةٍ قَبْلَ مَلْئِهَا لَا يَجُوزُ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ إنْ نَزَلَ مُحَمَّدٌ: وَشِرَاؤُهَا مَمْلُوءَةً جَائِزٌ فَلَوْ قَالَ فَرِّغْهَا وَامْلَأْهَا لَمْ يَجُزْ. وَانْظُرْ مَنْ أَتْلَفَ فِي الْغِرَارَةِ وَكَانَتْ مَمْلُوءَةً هَلْ يَغْرَمُ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا كَمَنْ نَكَحَ بِقِلَالِ خَلٍّ فَوُجِدَتْ خَمْرًا هَلْ يَغْرَمُ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا؟ اُنْظُرْ تَرْجَمَةً مِنْ

ص: 104

النِّكَاحِ الثَّانِي (إلَّا فِي كَسَلَّةِ تِينٍ) سَمِعَ أَبُو زَيْدِ: لَوْ وَجَدَ عِنْدَهُ سَلَّةً مَمْلُوءَةً تِينًا فَقَالَ أَنَا آخُذُهَا مِنْك بِكَذَا وَأَمْلَؤُهَا ثَانِيَةً بِدِرْهَمٍ فَهُوَ خَفِيفٌ بِخِلَافِ غِرَارَةِ الْقَمْحِ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَا عِنْدِي هَذِهِ الْقَارُورَةُ الْمَمْلُوءَةُ بِدِرْهَمٍ وَيَمْلَؤُهَا لَهُ ثَانِيَةً بِدِرْهَمٍ فَهُوَ خَفِيفٌ لِأَنَّهُ كَالْمَرْئِيِّ الْمُقَدَّرِ، وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ فِي الْغِرَارَةِ

ص: 105

مَا بَعُدَ وَلَكِنَّهُ فِي الْقَارُورَةِ أَبْيَنُ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ مِلْؤُهَا فَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ خَطَرٍ، وَالْغَرَرُ الْيَسِيرُ إذَا انْضَافَ إلَى أَصْلٍ جَائِزٍ جَازَ بِخِلَافِهِ إذَا انْفَرَدَ (وَعَصَافِيرَ حَيَّةٍ بِقَفَصٍ) ابْنُ حَبِيبٍ: أَمَّا الطَّيْرُ حَيًّا فِي الْأَقْفَاصِ فَلَا يُبَاعُ جُزَافًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَتَّى يُعَدَّ. ابْنُ رُشْدٍ: اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَمُوجُ وَيَلُوذُ وَيَدْخُلُ بَعْضُهُ تَحْتَ بَعْضٍ فَيَعْمَى أَمْرُهُ، وَأَمَّا الطَّيْرُ الْمَذْبُوحُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا فِيمَا كَثُرَ وَيَجُوزُ فِيمَا قَلَّ (وَحَمَامٍ بِبُرْجٍ) هَذَا الْفَرْعُ مُقْحَمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَا فِي الْبُرْجِ مِنْ حَمَامٍ أَوْ بَيْعِهِ بِحَمَامِهِ جُزَافًا. وَسَمِعَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ إذَا عَايَنَهُ وَأَحَاطَ بِهِ نَظَرًا أَوْ مَعْرِفَةً اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمَامِ جُزَافًا مَعَ الْبُرْجِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مَعَ صُبْرَةِ قَمْحٍ جُزَافًا لَا عَلَى كَيْلٍ.

ص: 106

وَانْظُرْ رَبْطَهُ الْخُضْرَةَ، مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ الْجُزَافُ مَا أَمْكَنَ عِلْمُ وَزْنِهِ أَوْ عَدُّهُ أَوْ كَيْلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ كَالثَّوْبِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْقَتِّ جُزَافًا

(وَثِيَابٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ الثِّيَابَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا.

(وَنَقْدٍ إنْ سُكَّ وَالتَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ وَإِلَّا جَازَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: بَيْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ جُزَافًا قِمَارٌ وَمُخَاطَرَةٌ. الْأَبْهَرِيُّ: لِأَنَّ الْغَرَرَ يَدْخُلُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ خِفَّةِ الدَّرَاهِمِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَبْلَغِ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ.

وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حِينَئِذٍ آحَادُهُ وَمَبْلَغُهُ. ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ فِي الْمَسْكُوكِ بِالْوَزْنِ فَجُلُّ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حِينَئِذٍ مَبْلَغُهُ لَا آحَادُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْعَيْنِ مَكْسُورًا أَوْ مَصُوغًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ سِوَارٍ ذَهَبٍ لَا يُعْلَمُ وَزْنُهُ بِفِضَّةٍ لَا يُعْلَمُ وَزْنُهَا، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ جُزَافًا بِخِلَافِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.

وَإِنْ أَسْلَمَ نُقَارَ فِضَّةٍ أَوْ تِبْرًا مَكْسُورًا جُزَافًا لَا يَعْلَمُ وَزْنَهُ فِي سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ جَازَ، لِأَنَّ التِّبْرَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ سِلْعَةٍ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحُلِيِّ الْمَحْشُوِّ جُزَافًا. الْأَبْهَرِيُّ: لِأَنَّ الْغَرَرَ يَدْخُلُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَبْلَغِ خَاصَّةً وَذَلِكَ يُدْرَكُ بِالْحَزْرِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ.

قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله: وَإِذَا أَخْرَجَ مَا فِي الْحُلِيِّ مِنْ رَمْلٍ وَوَزَنَ وَحَزَرَ مَا فِيهِ مِنْ زُجَاجٍ فَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِم فِي سِلْعَةٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ جُزَافًا عَرَفَ عَدَدَهَا أَمْ لَا إذَا لَمْ يَعْرِفَا وَزْنَهَا وَذَلِكَ قِمَارٌ وَخَطَرٌ.

قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إلَّا فِي بَلَدٍ تَجُوزُ فِيهِ عَدَدًا فَلَيْسَ فِي بَيْعِهَا مُخَاطَرَةٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ عَرَفُوهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْمٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ دَوَابُّ فَبَاعُوهَا بِدَرَاهِمَ مُخَالِفَةٍ الْوَزْنَ مِنْهَا النَّاقِصُ وَالْوَازِنُ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهَا عَدَدًا بِغَيْرِ وَزْنٍ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهَذَا بَأْسٌ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إذَا كَانَ النَّاقِصُ يَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنِ فَاقْتَسَمَا مَعًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ النَّاقِصُ مِنْهَا لَا يَجُوزُ بِجَوَازٍ دُونَ أَنْ يُعْرَفَ النَّاقِصُ مِنْهَا مِنْ الْوَازِنِ فَغَرَرٌ لَا يَجُوزُ. وَانْظُرْ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ النَّاقِصُ يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ. نَهَى مَالِكٌ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِلسُّلْطَانِ فِي تَغْيِيرِهِ خَوْفَ أَنْ يَقَعَ كَسَادٌ لِأَنَّهُ قَالَ: وَتَأْتِي الْمَرْأَةُ بِغَزْلِهَا. وَفِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ أَتَبِيعُنِي ثَوْبَك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَلَا تَزِنُهَا قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا إنْ كَانَتْ النَّاقِصَةُ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ (فَإِنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِعِلْمِ الْآخَرِ بِقَدْرِهِ خُيِّرَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ اطِّلَاعَ

ص: 107

الْمُبْتَاعِ عَلَى عِلْمِ الْبَائِعِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ يُوجِبُ خِيَارَهُ.

(وَإِنْ أَعْلَمُهُ أَوَّلًا فَسَدَ كَالْمُغَنِّيَةِ) تَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي " وَانْظُرْ هَاهُنَا فُرُوعًا.

قَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ عِنْدَنَا كَيْلًا وَإِنْ كَانَ مِعْيَارُهَا بِالشَّرْعِ الْكَيْلَ قَالَ: لِأَنَّ عُرْفَنَا فِيهِ الْوَزْنُ. وَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيِّ فِيمَا الْعُرْفُ فِيهِ الْجُزَافُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَزْنًا كَالْحَطَبِ. وَكَذَا ذَكَرَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله فِي الدُّورِ قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى الْقَيْسِ.

(وَجُزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ أَوْ أَرْضٍ) ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُ الْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ حُكْمُ الْمَكِيلِ. رَوَى أَصْبَغُ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُبَاعُ مَعَ الْجُزَافِ شَيْءٌ لَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا عَرْضٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ. وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ كَانَ يُجِيزُهُ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُونَ أَنْ يُضَافَ إلَى بَيْعِ الْجُزَافِ الْجَائِزِ كُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْجُزَافُ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا كَالْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْمَكِيلِ مِنْهُ وَلَا مَعَ الْمَكِيلِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا كَالْأَرَضِينَ وَالثِّيَابِ بِاتِّفَاقٍ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ بِاتِّفَاقٍ وَمَعَ إطْلَاقِ أَبِي عُمَرَ الْخِلَافَ قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله كُلُّ الشُّيُوخِ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ وَلَمْ يُفَصِّلُوا تَفْصِيلَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْهُمْ عِيَاضٌ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ اهـ. اُنْظُرْ مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى وَهِيَ أَنَّ الْمَرْءَ يَشْتَرِي مِنْ الْعَطَّارِ وَزْنًا مَعْلُومًا مِنْ شَيْءٍ وَيَفْضُلُ لَهُ دِرْهَمٌ فَيَقُولُ لَهُ أَعْطِنِي بِهِ أَبْزَارًا وَالْأَبْزَارُ بِالدِّرْهَمِ يَكُونُ جُزَافًا. فَهَذَا جَائِزٌ إذَا لَمْ يَدْخُلَا عَلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لَا يَجُوزُ شِرَاءُ صُبْرَةٍ وَقَفِيزٍ مِنْ أُخْرَى بِدِرْهَمٍ. هَذَا إنْ اشْتَرَاهَا فَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الْأُخْرَى، فَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَجَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ إحْدَى الصُّبْرَتَيْنِ بِالْأُخْرَى فَيَكُونُ ابْتِيَاعُهُ إحْدَاهُمَا لِأَجْلِ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْ الْأُخْرَى. اهـ نَصُّهُ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ " فَشَرَطَ عَلَيْهِ " يَخْرُجُ مِنْ هَذَا بَيْعُ الِاسْتِئْمَانِ. اُنْظُرْ هَذَا فَإِنَّهُ يُضَاهِي نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ إذَا دَفَعَ مُبْتَاعُ سِلْعَةٍ بِثُلُثَيْ دِينَارٍ لِبَائِعِهَا دِينَارًا وَقَالَ لَهُ اسْتَوْفِ مِنْهُ ثُلُثَيْك وَدَعْ ثُلُثَهُ عِنْدَك انْتَفِعْ بِهِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الْبَيْعِ إضْمَارًا وَلَا عَادَةً

وَفِي رَسْمِ حَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ

ص: 108

لَهُ أَنْ يَتْرُكَ بَقِيَّةَ الدِّينَارِ أَوْ الدِّرْهَمِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَدِيعَةً أَوْ شَرِكَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الْمُفَاصَلَةَ أَحْضَرَا الدِّينَارَ أَوْ الدِّرْهَمَ وَتَعَامَلَا فِيهِ بِمَا يَجُوزُ. وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُرَاطِلَ صَاحِبَهُ فِي حَظِّهِ؟ قَالَ اللَّخْمِيِّ: لَوْ كَانَ رَجُلَانِ شَرِيكَيْنِ فِي حُلِيٍّ أَوْ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ نُقْرَةٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَرِيكِهِ بِمِثْلِ وَزْنِهِ جَازَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالْحُلِيِّ وَهِيَ كَالْمُرَاطَلَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي النُّقْرَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْجَوَازَ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ الْمَنْعَ

(وَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِهَا) ابْنُ رُشْدٍ: الْجُزَافُ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْلًا كَالْأَرَضِينَ وَالثِّيَابِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْكَيْلِ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَحْكِي فِيهِ الْخِلَافَ.

وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يُرِدْ بِالْمَكِيلِ الْجُزَافِ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. قَالَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله: رَأَيْت فُتْيَا لِلْأَصِيلِيِّ اعْتَرَضَ فِيهَا عَلَى الْأَنْدَلُسِيِّينَ مَنْعَهُمْ بَيْعَ أَرْضٍ عَلَى التَّكْسِيرِ وَبِهَا زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ قَالَ: لِأَنَّ الْجُزَافَ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ. اُنْظُرْ ثَانِيَ مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ السَّلَمِ.

(لَا مَعَ حَبٍّ) ابْنُ رُشْدٍ: اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا مَعَ الْكَيْلِ مِمَّا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ كَيْلًا، فَقِيلَ إنَّهُ جَائِزٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ زَرْبٍ وَأَقَامَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهَا: يَجُوزُ السَّلَمُ فِي ثِيَابٍ وَطَعَامٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً. ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ: ابْنُ عَرَفَةَ: لِابْنِ مُحْرِزٍ مِثْلَ ابْنِ زَرْبٍ.

ص: 109

(وَيَجُوزُ جُزَافَانِ وَمَكِيلَانِ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَكِيلَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْجُزَافَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْضًا عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَجُزَافٌ مَعَ عَرْضٍ) الصِّحَاحُ: الْعَرْضُ، الْمَتَاعُ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعُرُوض الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَشْيَاءُ عُرُوضٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا كَيْلًا وَلَا وَزْنًا كَالْعَبِيدِ وَالْحَيَوَانِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْجُزَافِ مَعَ الْعُرُوضِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلُهُ بَعِيدٌ. اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَحَمَامٍ بِبُرْجٍ ".

ص: 110

(وَجُزَافَانِ عَلَى كَيْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْكَيْلُ وَالصِّفَةُ) ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا بَيْعُ الْجُزَافَيْنِ عَلَى الْكَيْلِ فَإِنْ كَانَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِكَيْلٍ وَاحِدٍ جَازَ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْكَيْلُ وَالصِّفَةُ جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ اتَّفَقَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْآخَرُ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ صُبْرَتَيْنِ مِنْ قَمْحٍ صِفَةً وَاحِدَةً فَيَشْتَرِيَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً هَذِهِ الثَّلَاثَ الْأَرَادِبَ بِدِينَارٍ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةَ بِدِينَارٍ، أَوْ صُبْرَةً مِنْ قَمْحٍ وَصُبْرَةً مِنْ شَعِيرٍ فَيَشْتَرِيَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً ثَلَاثَةَ أَرَادِبَ بِدِرْهَمٍ، جَازَ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَبِيعَ

ص: 112

الرَّجُلُ قَرْيَتَهُ تَكْسِيرًا كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا إلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ أَرْضُهَا فِي الطَّيِّبِ وَالْكَرْمِ وَلَا يَكُونُ فِيهَا ثَمَرَةٌ.

(وَلَا يُضَافُ لِجُزَافِ كُلِّ كَيْلٍ غَيْرُهُ مُطْلَقًا) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا بَيْعُ الْجُزَافِ عَلَى الْكَيْلِ فَلَا يَنْضَافُ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ شَيْءٌ بِحَالٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ (الْعَرْضُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا مَبْلَغُ كَيْلِهَا) .

قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَا يَأْخُذُ مِنْ الْكَيْلِ وَلَا يَصِحُّ عَدَدٌ وَجُزَافٌ.

قَالَ أَصْبَغُ: وَأَنَا أَقُولُهُ خَوْفَ الذَّرِيعَةِ لِلْمُزَابَنَةِ اسْتِحْسَانًا وَاتِّبَاعًا وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ، وَلَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَهُ قَبْلَهُ وَقَدْ أَجَازَهُ أَشْهَبُ.

اُنْظُرْ آخِرَ بَابٍ مِنْ السَّلَمِ وَلِابْنِ يُونُسَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجُعْلِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ وَجُعْلٍ فِي عَقْدٍ لِأَنَّ الْجُعْلَ رُخْصَةٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ مَعَهُ شَيْءٌ.

قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ: لَا يُجْمَعُ كَالنِّكَاحِ وَالصَّرْفِ وَالْمُسَاقَاةِ مَعَ الْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْجُزَافُ مَعَ الْمَكِيلِ، وَسَحْنُونٌ فِي الْمُغَارَسَةِ أَنَّهُ أَجَازَ جَمْعَهَا مَعَ الْإِجَارَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ الْجُعْلُ مُنْفَرِدًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ يَجُوزُ فَمَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ إضَافَتِهِ مَعَ الْبَيْعِ الَّذِي لَا غَرَرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ لِعِلَّةٍ

ص: 113

أُخْرَى وَهِيَ الْأَطْمَاعُ فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْجُعْلَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ مَتَى شَاءَ وَالْجَاعِلُ بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ أَنْ لَوْ عَقَدَ مَعَهُ الْكِرَاءَ إلَى مَكَّةَ بِعَشَرَةٍ وَشَرَطَ فِي رَجْعَتِهِ مِنْ مَكَّةَ أَنَّهُ إنْ شَاءَ أَكْرَى بِعَشَرَةٍ عَلَى مِثْلِ الْحُمُولَةِ الْأُولَى، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُكْرِ، فَهَذَا عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهُ فِي الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ أَنْ يُكْرِيَ مِنْهُ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ لَهُ فِي الْأَوَّلِ لِأَمْرٍ يَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ وَابْنُ الْقَاسِمِ قَدْ أَجَازَ هَذَا، وَأَجَازَ شِرَاءَ سِلْعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِالْإِيجَابِ وَأُخْرَى بِالْخِيَارِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ عِلَّةَ الْأَطْمَاعِ لِضَعْفِ ذَلِكَ عِنْدَهُ الْجُعْلُ وَالْبَيْعُ يَتَقَوَّى عَلَى قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ.

(وَجَازَ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ) ابْنُ عَرَفَةَ: رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ كَكُلِّهِ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُ الْمِثْلِيِّ عَلَى الصِّفَةِ.

وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ السَّلَمِ: إنْ اشْتَرَى طَعَامَ غَائِبٍ فَلَمْ يَشْتَرِ إلَّا وَوَكِيلُ الْبَائِعِ قَدْ قَدِمَ بِهِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِهِ هُنَا أَوْ رَدِّهِ لِمَوْضِعِهِ أَوْ أَخَذَهُ هُنَاكَ. وَلِابْنِ رُشْدٍ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ طَعَامِ غَائِبٍ جُزَافًا إلَّا عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى الْكَيْلِ فَيَجُوزُ عَلَى الصِّفَةِ وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّمْ لِلْبَائِعِ فِيهِ رُؤْيَةٌ. اُنْظُرْ رَسْمَ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ

ص: 114

الْبَضَائِعِ.

(وَالصَّوَّانِ) ابْنُ رُشْدٍ: «أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَ الْحَبِّ فِي أَكْمَامِهِ حِينَ يَبْيَضُّ» وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ عَلَى صِفَةِ مَا أُفْرِكَ مِنْهُ، فَفِيهِ حُجَّةٌ فِي بَيْعِ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَغِيبٌ تَحْتَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَقْلَعُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى بَقِيَّتِهِ، وَيَسْتَدِلُّ أَيْضًا عَلَيْهِ بِفُرُوعِهِ وَمِنْ هَذَا بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ.

(وَعَلَى الْبَرْنَامَجِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا زَالَ النَّاسُ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْبَرْنَامَجِ. الْأَبْهَرِيُّ: مِمَّا يَلْحَقُ النَّاسَ مِنْ نَشْرِهِ وَطَيِّهِ وَإِذْ قَدْ يُرِيدُ الْمُبْتَاعُ الْإِضْرَارَ بِهَا فَيَأْمُرُهُ بِنَشْرِهَا ثُمَّ يَدَعُ الْبَيْعَ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْمَشَقَّةُ وَالْخُسْرَانُ، فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جُوِّزَ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ، فَإِنْ وَافَقَتْ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، وَإِنْ خَالَفَتْ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ إنْ شَاءَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَهِيَ بَيْعُ الثَّوْبِ الْمَطْوِيِّ لَا يُنْشَرُ وَلَا يُعْلَمُ مَا فِيهِ؟ قِيلَ: الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَلَا كَبِيرَ مَشَقَّةٍ فِي نَشْرِهِ كَمَا ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَعْدَالِ، وَقَدْ يَجُوزُ الْغَرَرُ الْيَسِيرُ إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ اهـ

وَخَرَّجَ اللَّخْمِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَوَازَ بَيْعِ السَّاجِ الْمُدْرَجِ فِي جِرَابِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَجَهِلَ بِمَثْمُونٍ جَوَازًا ". ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ.

وَفِي الْمُوَطَّأِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْبَرْنَامَجِ بِخِلَافِ السَّاجِ الْمُدْرَجِ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا عَمَلُ الْمَاضِينَ

عِيَاضٌ: السَّاجُ الْمُدْرَجُ الطَّيْلَسَانُ الْمَطْوِيُّ وَالْجِرَابُ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ.

(وَمِنْ الْأَعْمَى) ابْنُ عَرَفَةَ: أَجَازَ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ الْأَعْمَى وَأَنْ يَبْتَاعَ وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ الْمَذْهَبَ.

وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: يُمْنَعُ إنْ كَانَ خُلِقَ أَعْمَى.

(وَبِرُؤْيَةِ مَا لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً غَائِبَةً عَلَى رُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ مُنْذُ وَقْتٍ لَا يَتَغَيَّرُ مِثْلُهَا فِيهِ

ص: 115

جَازَ الْبَيْعُ.

(وَحَلَفَ مُدَّعٍ لِبَيْعِ بَرْنَامَجٍ أَنَّ مُوَافَقَتَهُ لِلْمَكْتُوبِ وَعَدَمَ دَفْعِ رَدِيءٍ أَوْ نَاقِصٍ) مِنْ

ص: 116

الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ ابْتَاعَ عِدْلًا بِبَرْنَامَجِهِ جَازَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَيَغِيبَ عَلَيْهِ قَبْلَ فَتْحِهِ، فَإِنْ أَلْفَاهُ عَلَى الصِّفَةِ لَزِمَهُ، وَإِنْ قَالَ وَجَدْته بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ عَلَيْهِ مَعَ بَيِّنَةٍ لَمْ تُفَارِقْهُ أَوْ تَغَارَرَا بِذَلِكَ فَلَهُ الرِّضَا بِهِ أَوْ رَدُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْجِنْسِ الْمُشْتَرَطِ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ صَدَّقَهُ إذَا قَبَضَ عَلَى صِفَتِهِ

وَكَذَلِكَ مَنْ صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ فَغَابَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَدَّ مِنْهَا رَدِيئًا فَأَنْكَرَهُ الصَّرَّافُ فَمَا عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَمَا يَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَبَضَ طَعَامًا عَلَى تَصْدِيقِ الْكَيْلِ ثُمَّ ادَّعَى نَقْصًا أَوْ اقْتَضَى دَيْنًا فَأَخَذَ صُرَّةً صَدَّقَ الدَّافِعُ أَنَّ فِيهَا كَذَا ثُمَّ وَجَدَهَا تَنْقُصُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ إذَا رَدَّ رَدِيئًا مِنْ دَرَاهِمِ الصَّرْفِ بَعْدَ أَنْ غَابَ عَلَى الدَّرَاهِمِ أَنَّهُ يُحَلَّفُ الصَّرَّافُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ السَّلَمِ أَنَّ مَنْ تَسَلَّفَ دَرَاهِمَ مِنْ إنْسَانٍ وَخَلَطَهَا مَعَ دَرَاهِمَ غَيْرِهِ ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا زَائِفًا أَنَّهُ إنَّمَا يَخْلُفُهَا إنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهَا، وَأَمَّا إنْ غَابَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِلُحُوقِ يَمِينِ التُّهْمَةِ.

(وَبَقَاءِ الصِّفَةِ إنْ شَكَّ) اللَّخْمِيِّ: مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً غَائِبَةً عَلَى رُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتْ فَلَمَّا رَآهَا قَالَ تَغَيَّرَتْ، فَإِنْ قَرُبَ مَا بَيْنَ الرُّؤْيَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى عَلَى حَالِهِ قُبِلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:

ص: 117

الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ اهـ. اُنْظُرْ هَلْ نَقَصَ مِنْ عِبَارَةِ خَلِيلٍ شَيْءٌ؟ .

(وَغَائِبٍ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَجُوزُ بَيْعٌ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَلَا رُؤْيَةٍ وَلَا مَعَ شَرْطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اُشْتُرِطَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ.

وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْأُصُولِ. ابْنُ يُونُسَ:

ص: 118

لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِمْ جَوَازَهُ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ (أَوْ عَلَى يَوْمٍ أَوْ وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ.

وَفِي الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ فِيمَا قَرُبَ مَكَانُهُ أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ. مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ وَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ.

وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: مُنِعَ بَيْعُ حَاضِرٍ عَلَى الصِّفَةِ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَوْمٍ فَأَكْثَرَ وَلَيْسَ هَذَا بِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ جَوَازُ بَيْعِ حَاضِرِ الْبَلَدِ عَلَى الصِّفَةِ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبِيعَ دَابَّةً عِنْدَهُ فِي الدَّارِ حَاضِرَةً عَلَى الصِّفَةِ وَيَنْتَقِدَ.

قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى نَظَرِهَا. ابْنُ يُونُسَ: إلَّا أَنْ يَزِيدَ صَوَابٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَدْ أَجَازَ فِيهَا أَنْ يُكْرِيَ دَارًا بِثَوْبٍ فِي بَيْتِهِ.

وَوَصَفَهُ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ، وَلَا يَبْتَدِئُ هَذَا فِي السُّكْنَى حَتَّى يَنْظُرَ الثَّوْبَ فَيَتَّفِقَ الْقَوْلَانِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْعَقَارِ الْغَائِبَةِ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ بَعِيدًا فَجَائِزٌ شِرَاؤُهَا وَالنَّقْدُ فِيهَا لَا مِنْهَا، وَأَمَّا الرَّقِيقُ وَالْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ وَالطَّعَامُ فَإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ ذَلِكَ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ، وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ جَازَ شِرَاؤُهُ وَلَمْ يَجُزْ النَّقْدُ فِيهِ.

ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْعَطَّارِ قِيلَ إنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِصِفَةِ الْبَائِعِ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِصِفَةِ الْبَائِعِ رَبْعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي الرَّقِيقِ وَالْعُرُوضِ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ عَلَى يَوْمَيْنِ.

قَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ

ص: 119

يُوَفَّاهَا هُنَا أَوْ بِمَوْضِعٍ آخَرَ (إنْ لَمْ يَبْعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَدْ يَشْتَرِي بِالْمَدِينَةِ دُورًا بِالْعِرَاقِ وَتُنْقَدُ أَثْمَانُهَا وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يَنْقُدُهُ دُورًا أَوْ حَيَوَانًا.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ مَا لَمْ تَتَفَاحَشْ غَيْبَتُهُ جِدًّا. ابْنُ عَرَفَةَ: نَقْلُ الْمَازِرِيِّ هَذَا كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَحُدَّهُ بِتَعْيِينٍ.

وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ خُرَاسَانَ (وَلَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ) ابْنُ عَرَفَةَ:

ص: 120

الْمَعْرُوفُ مَنْعُ بَيْعِ حَاضِرِ الْعَاقِدَيْنِ بِصِفَتِهِ وَدَلِيلُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ ابْتَاعَ ثِيَابًا مَطْوِيَّةً لَمْ يَنْشُرْهَا وَلَا وُصِفَتْ لَهُ لَمْ يَجُزْ جَوَازُهُ اهـ.

وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ لَا يَبْتَدِئُ فِي السُّكْنَى حَتَّى يَنْظُرَ الثَّوْبَ، فَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ بَيْعِ الْحَاضِرِ بِصِفَةٍ لَكِنْ لَا يَنْقُدُ حَتَّى يَرَاهُ فَانْظُرْهُ (وَالنَّقْدُ فِيهِ وَمَعَ الشَّرْطِ فِي الْعَقَارِ

ص: 122

وَضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَلَمْ يَجُزْ النَّقْدُ فِيهِ لِغَلَبَةِ الْغَرَرِ فِيهِ مِنْ تَغْيِيرٍ أَوْ هَلَاكٍ فَيَصِيرُ النَّقْدُ فِيهِ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا،

ص: 123

وَكَذَلِكَ النَّقْدُ فِيهَا بَيْعٌ عَلَى خِيَارٍ أَوْ مُوَاضَعَةٍ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَالنَّقْدُ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَيَجُوزُ وَأَمَّا الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ وَالْعَقَارُ الْغَائِبَةُ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ بَعِيدًا فَجَائِزٌ شِرَاؤُهَا وَالنَّقْدُ فِيهَا لَا مِنْهَا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّبْعِ وَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْعَقَارِ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَإِنْ بَعُدَتْ.

ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا بِيعَ الْحَائِطُ الْغَائِبُ وَفِيهِ الْحَيَوَانُ وَالْعَبِيدُ فَالنَّقْدُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ وَالضَّمَانُ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَعٌ لِلْحَائِطِ كَمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الشُّفْعَةُ إذَا بِيعَ مَعَ الْحَائِطِ (وَفِي غَيْرِهِ إنْ قَرُبَ كَالْيَوْمَيْنِ وَضَمِنَهُ بَائِعٌ إلَّا لِشَرْطٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: الرَّقِيقُ وَالْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ وَالطَّعَامُ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ ذَلِكَ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ شِرَاؤُهُ وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ فِيهِ النَّقْدُ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِالْعَيْنِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ فَإِنْ وَضَعَهُ بِيَدِ أَمِينٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. اُنْظُرْ رَسْمَ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ السَّلَمِ وَالْآجَالِ.

وَمِنْ رَسْمِ نَذَرَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ إذَا اشْتَرَى الْمَأْمُونُ الْغَائِبُ بِصِفَةِ بَائِعِهِ جَازَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَجُزْ النَّقْدُ بِشَرْطٍ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِصِفَةِ غَيْرِ بَائِعِهِ جَازَ الْبَيْعُ وَالنَّقْدُ بِشَرْطٍ، فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ الْمُشْتَرِي غَيْرَ مَأْمُونٍ كَالْحَيَوَانِ وَشِبْهِهِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ النَّقْدُ إذَا بَعُدَ بِشَرْطٍ، فَإِنْ قَرُبَ جَازَ فِيهِ النَّقْدُ بِشَرْطٍ إذَا وَصَفَهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يَجُزْ إذَا وَصَفَهُ صَاحِبُهُ.

وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبِهَذَا أَقُولُ وَالنَّقْصُ وَالنَّمَاءُ كَالْهَلَاكِ، وَهَذَا فِي كُلِّ سِلْعَةٍ غَائِبَةٍ بَعِيدَةِ الْغَيْبَةِ أَوْ قَرِيبَةٍ خَلَا الرِّبَاعِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ بَعُدَتْ.

(أَوْ مُنَازَعَةٍ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ. وَهُنَا فَرْعَانِ: الْأَوَّلُ

ص: 124