المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحكام الحجر على المفلس] - التاج والإكليل لمختصر خليل - جـ ٦

[محمد بن يوسف المواق]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [

- ‌الْقَسْم الْأَوَّل فِي صِحَّة الْبَيْع وَفَسَاده] [

- ‌بَاب فِي أَرْكَان الْبَيْع]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[حُكْمِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ]

- ‌[بَاب فِي فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ جِهَةِ نَهْيِ الشَّارِعِ عَنْهُ]

- ‌[مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ قَبْضٍ أَوْ فَوَاتٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْفَاسِدِ مِنْ جِهَةِ تَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَى الْمُتَعَاوِضَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِينَةِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ وَجَوَازِهِ] [

- ‌فَصْلٌ فِي الْخِيَار] [

- ‌خِيَارُ التَّرَوِّي]

- ‌[خِيَارُ النَّقِيصَةِ]

- ‌[مُبْطِلَاتُ الْخِيَارِ وَمَوَانِعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ]

- ‌[كِتَابُ السَّلَمِ] [

- ‌بَابٌ فِي شُرُوط السَّلَم وَأَدَاء الْمُسْلِم فِيهِ وَالنَّظَر فِي صفته]

- ‌[فَصْلٌ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُكْرِيَ]

- ‌[اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ]

- ‌[وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ رَهْنٍ وَقَضَى دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ]

- ‌[هَلْ يَفْتَقِرُ الرَّهْنُ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ أَمْ لَا]

- ‌[هَلَكَ الرَّهْنُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ]

- ‌[كِتَابُ التَّفْلِيسِ] [

- ‌أَحْكَام الْحَجَر عَلَى الْمُفْلِس]

- ‌[بَيْعُ آلَةِ الصَّانِعِ إذَا فَلَّسَ]

- ‌[حَبَسَ الْمُفْلِس]

- ‌[حَبْسُ مَنْ تَقَعَّدَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَادَّعَى الْعَدَمَ فَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ]

- ‌[مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ] [

- ‌أَسْبَاب الْحَجَر]

- ‌[وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ وَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا]

- ‌[لَا حَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ فِي اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ]

- ‌[تَصَرُّفَات الصَّغِير قَبْل الْحَجَر]

- ‌[الْحَجَر بِسَبَبِ الرِّقّ]

- ‌[أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلِيِّهِ]

- ‌[بَيْعُ الْمَأْذُونِ أُمَّ وَلَدِهِ]

- ‌[الْحَجَر عَلَى الْمَرِيض]

- ‌[الْحَجَر عَلَى الزَّوْجَة]

الفصل: ‌أحكام الحجر على المفلس]

[كِتَابُ التَّفْلِيسِ] [

‌أَحْكَام الْحَجَر عَلَى الْمُفْلِس]

وَلِلْحَجْرِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: الْأَوَّلُ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ.

الثَّانِي بَيْعُ مَالِهِ وَقِسْمَتُهُ.

الثَّالِثُ حَبْسُهُ إلَى ثُبُوتِ إعْسَارِهِ.

الرَّابِعُ الرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ

(لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ

ص: 588

مِنْ تَبَرُّعِهِ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ " لِلْغَرِيمِ " سَيَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ إتْلَافُهُ الْمَالَ قَبْلَ التَّفْلِيسِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ.

وَقَالَ ابْنُ حَارِثٍ: أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ الرُّوَاةِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ الَّذِي لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا كُلُّ مَا فَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ وَلَا إقْرَارُهُ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فَإِذَا ضَرَبَ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ.

اللَّخْمِيِّ: مِنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ إذَا تَبَيَّنَ فَلَسُ غَرِيمِهِمْ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَانْتِزَاعُ مَا فِي يَدَيْهِ، ابْنُ شَاسٍ: وَمِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ خَوْفِ الْحَجْرِ بِوُجُوهِ التَّبَرُّعِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ، وَالْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ.

وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ: مَنْ نَحَلَ بِنْتَه ثُلُثَ مَالِهِ عِنْدَ نِكَاحِهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ مَاتَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ النِّحْلَةِ فَالدَّيْنُ مُبْدَأٌ أَوْ لِلْمَنْحُولِ لَهَا ثُلُثُ مَا يَبْقَى.

وَإِنْ كَانَ بَعْدَ النِّحْلَةِ فَلِلْمَنْحُولِ لَهَا ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَالدَّيْنُ بَعْدَهَا.

وَفِي الْمُفِيدِ مَا نَصُّهُ: مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ هِبَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ، فَإِنْ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ وَبِيَدِهِ مَالٌ لَا يَدْرِي أَيَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ أَمْ لَا فَالصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ انْتَهَى.

وَانْظُرْ هَلْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ مُطْلَقًا، وَسَيَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ إنْ فَرَّقَا فِي عِتْقِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ لَا.

وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَصِيَّةُ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَعِتْقُهُمْ مَرْدُودٌ، وَيُرَشِّحُ هَذَا نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْحَبْسِ فِقْهًا مُسَلَّمًا أَنَّ مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرَقِ ذِمَّةٍ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ ضَمِنَهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ هَذَا ثُمَّ قَالَ: وَلِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَأَظُنُّهُ الصَّائِغَ وَنَقَلَ عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ أَنَّ دُرَّةً جَلِيلَةً خَرَجَتْ مِنْ دَارِ السُّلْطَانِ بِبَغْدَادَ لِبَعْضِ الْأُمَرَاءِ فَوَصَلَتْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ فَاسْتَحْسَنَهَا كُلُّ مَنْ حَضَرَ وَجَعَلَ يُقَبِّلُهَا، وَفِي الْمَجْلِسِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ سَحْنُونٍ فَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَقْبِيلِهَا.

فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ: أَخْبِرْنِي لِمَ لَمْ تَفْعَلْ؟ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مُرَادَهُ فَقَالَ: هِيَ لِغَيْرِ مَالِكِهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ يَلْزَمُ ضَمَانُهَا مُلْتَقِطَهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إلَى مَالِكِهَا فَلَوْ أَخَذْتُهَا لَضَمِنْتهَا، وَنَحْوُ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ، فَاسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي وَدَلَّ عَلَى فَضْلِ قَائِلِهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا فُتْيَا ابْنِ إبْرَاهِيمَ لِلْأَمِيرِ بِالْكَفَّارَةِ بِالصَّوْمِ لِفَقْرِهِ بِاسْتِغْرَاقِ ذِمَّتِهِ، وَعَلَى هَذَا صَدَرَتْ فُتْيَا ابْنِ رُشْدٍ فِي الْعُمَّالِ الظَّلَمَةِ أَنَّهُ يَضُمُّ مَا وَجَدَ لَهُمْ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَالَ: وَأَمَّا مَا فَاتَ بِبَيْعٍ فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِفَوْتِهِ.

وَعُرِفَ عِيَاضٌ بِعَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَشْهُورِ بِالْوَرَعِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ جُنْدِيٌّ فَرَسَهُ فَرَكِبَهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ إمَّا وَرَعٌ نَقَصَ وَإِمَّا عِلْمٌ زَادَ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّهُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ انْتِفَاعِهِ بِهِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عُرِفَ بِهِ عِيَاضٌ أَيْضًا وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ قَالَ: ذَهَبَ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ لِيَزُورَهُ بِالزَّهْرَاءِ قَالَ: وَكَانَ صَدِيقَهُ

ص: 590

فَدَعَاهُ إلَى الْأَكْلِ مَعَهُ فَأَكَلَ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ إلَّا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ، فَقِيلَ لِابْنِ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَمْسَكْتُ عَنْ طَعَامِهِ لَكَانَ جَفَاءً عَلَيْهِ.

وَقَدْ قَوَّمْتُ مَا أَكَلْت وَأَجْمَعْت عَلَى الصَّدَقَةِ بِهِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ، وَرَأَيْت هَذَا أَفْضَلَ مِنْ الشُّهْرَةِ وَالْجَفَاءِ عَلَى الرَّجُلِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ عَنْ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ بِالْحَرَامِ، هَلْ تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ؟ فَقَالَ: فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ أَنَّ الْفُقَرَاءَ لَمْ يَسْتَحِقُّوا عَيْنَ مَا بِيَدِهِ إنَّمَا اسْتَحَقُّوا قَدْرَهُ خَاصَّةً لَا عَيْنَهُ، فَإِذَا بَذَلَ لَهُ مِثْلَهُ فَلَا مَضَرَّةَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ خَيْرًا إذَا كَانَ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مِمَّا يُخْفِيهِ وَكَانَ الَّذِي بَذَلَ لَهُ مِمَّا يُظْهِرُهُ إذْ قَدْ يُقَامُ عَلَيْهِ فَيُوجَدُ لَهُ مَا يُؤْخَذُ لَهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا أَيْضًا هَلْ هُوَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَإِنَّ الْحَرَامَ إذَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ صَارَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ مَالًا مِنْ مَالِهِ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهُ لَهُ. وَقَدْ بَالَغَ فِي الْإِحْيَاءِ فِي هَذَا وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ: لَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَسْرِقَ مَالَ ظَالِمٍ وَلَا لَك أَنْ تُخْفِيَ وَدِيعَتَهُ وَتُفَرِّقَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِشِرَاءٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّ كَوْنَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ تَحْتَ يَدِهِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى.

وَانْظُرْ قَوْلَهُ " فِي ذِمَّتِهِ " مَذْهَبُنَا نَحْنُ أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا اشْتَرَى مُطْلَقًا إذَا لَمْ يُكْرِهْ الْبَائِعَ عَلَى الْبَيْعِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى ذَلِكَ الشِّقْصَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مَغْصُوبَةً فَلَكَ أَنْتَ أَنْ تَشْفَعَ فِي ذَلِكَ الشِّقْصِ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ، وَإِذَا قَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهَا أَتْبَعَهُ بِهَا وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الشِّقْصَ بِعَبْدٍ مَغْصُوبٍ فَلَا شُفْعَةَ لَك حَتَّى يَفُوتَ الْعَبْدُ وَيَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ.

وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ إذَا تُوُفِّيَ هَذَا الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا كَانَ حَرَامًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَفُتْ أَوْ كَانَ لَهُ طَالِبٌ مُعَيَّنٌ، وَهَكَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ هَلَكَ وَتَرَكَ مَالًا حَرَامًا فَقَالَ مَا نَصُّهُ: أَجَازَ وِرَاثَتَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبَاهُ الْقَاسِمُ وَغَيْرُهُ، وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ أَهْلَهُ فَيَرُدَّ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهُ فَلَا يَقْضِي عَلَى الْوَرَثَةِ بِأَنْ يَتَصَدَّقُوا بِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي لَهُمْ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ هِيَ فُتْيَا الْأَشْيَاخِ فِي أَشْخَاصِ الْمَسَائِلِ دُونَ كَلَامِهِمْ الْعَامِّ فِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ فِيمَنْ عَمِلَ لِلسَّلَاطِينِ فَظَلَمَ النَّاسَ أَوْ كَانَ قَاهِرًا غَاصِبًا أَوْ قَاطِعًا لِلسُّبُلِ أَوْ سَارِقًا أَوْ تَاجِرًا عَمِلَ بِالرِّبَا ثُمَّ مَرِضَ وَأَرَادَ التَّنَحِّيَ مِمَّا نَالَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ فِي مَرَضِهِ إنِّي نِلْت مِنْ

ص: 591

أَمْوَالِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مَالِي فَأَنَا أُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي. قَالَ: فَأَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى: إنْ أَبَى الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْفُقَرَاءِ إلَّا الثُّلُثُ خَاصَّةً، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ طَالِبًا مُعَيَّنًا وَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ فَذَلِكَ كَالدَّيْنِ انْتَهَى.

وَانْظُرْ إنْ قَامَ السُّلْطَانُ عَلَى مِثْلِ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فُتْيَا ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ كَالطَّالِبِ الْمُعَيَّنِ إلَّا إنْ كَانَ مَا بَاعَ مَضَى. وَنَحْوُ هَذَا قَبْلَ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ تَرْجَمَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الشُّورَى فِيمَا خَلَفَهُ ابْنُ السَّقَّاءِ قَيِّمُ دَوْلَةِ ابْنِ جَوْهَرٍ، وَأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ اسْتِطَالَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَفَاهَةٍ وَفَرَهٍ يَوْمَ وَلِيَ النَّظَرَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ هُذَيْلٍ وَابْنُ مَالِكٍ أَنَّ جَمِيعَ مَا خَلَّفَهُ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَمِنْ نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَا تَرَكَهُ مُسْتَغْرَقُ الذِّمَّةِ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي تَرِكَتِهِ أَكْثَرُ ضَرَبَ الْغُرَمَاءُ فِيمَا يَبْقَى بَعْدَ أَخْذِ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَجِبُ لَهُ. وَمِنْ وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَفَادَهُ الْعُمَّالُ كَمَا «فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ مِنْ الْعَامِلِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي قَالَ هَذَا أُهْدِيَ لِي وَقَالَ: هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرَ مَا يُهْدَى إلَيْهِ» . وَقَدْ فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَكُلُّ مَا اسْتَفَادَهُ وَالٍ مِنْ مَالٍ سِوَى رِزْقِهِ وَقَاضٍ فِي قَضَائِهِ فَلِلْإِمَامِ أَخْذُهُ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَشَاطَرَ عُمَرُ رضي الله عنه أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى وَغَيْرَهُمْ رضي الله عنهم.

وَانْظُرْ قَضِيَّتَهُ رضي الله عنه حِينَ شَاطَرَ بَنِيهِ فِي الرِّبْحِ الَّذِي رَبِحَاهُ فِيمَا سَلَّفَهُمَا أَبُو مُوسَى. قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَاسْتَسْهَلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الشَّكْوَى بِاَلَّذِينَ يُرْسِلُونَ الْبَهَائِمَ فِي الْكُرُومِ إلَى حَاكِمِ الْفَحْصِ فَيُلْزِمُهُمْ عَلَيْهَا شَيْئًا مَدْخُولًا عَلَيْهِ، وَكُنْت أَنَا أَسْتَحْسِنُ هَذَا وَأَحْتَجُّ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ مُسْتَغْرِقُو الذِّمَّةِ، فَكُلُّ مَا أَغْرَمَهُمْ فَسَائِغٌ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَالَ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ سَائِغٌ لِكُلِّ النَّاسِ كَالْفَيْءِ.

وَقَالَ الدَّاوُدِيِّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَانْظُرْ أَيْضًا مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ هَلْ يَسُوغُ لَهُ إمْسَاكُ مَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ مَالٍ بِإِرْثٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ يَصْرِفُهُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّبَاعَاتِ. فِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ حُكْمُ اللُّقَطَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهَا لَهُ أَنْ يَمْسِكَهَا كَمَا قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ الَّذِي وُجِدَ فِي الْكِفَّةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَغْنَمِ مَالًا كَثِيرًا وَقَدْ وَقَعَ لَهُ.

وَلِابْنِ الْحَاجِّ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِمَا فِي

ص: 592

أَمْوَالِ الْبَرْبَرِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنْ الْغَارَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مَا حُكْمُ الْوَرَثَةُ؟ فَقَالَ: حُكْمُهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَالِ كَاللُّقَطَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ بِهَا وَلَا تَجِبُ لَا سِيَّمَا إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْأَمْوَالُ الْمَغْصُوبَةُ وَإِنَّمَا هِيَ نَسْلُهَا فَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا لِمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهَا.

وَفِي نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ فِي الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ زَوْجَةِ الرَّجُلِ الظَّالِمِ يَأْبَى طَلَاقَهَا، لَهَا أَنْ تَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ وَإِثْمُهَا فِي عُنُقِهِ وَكَذَلِكَ الْمَمْلُوكُ انْتَهَى.

وَهَذَا لَا شَكَّ مَا لَمْ يَكُنْ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ.

قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ قَدْ صَارَ مَالُهُ بِيَدِهِ كَالصَّنَمِ فِي كَبَّةِ الْخُيُوطِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الدَّاوُدِيُّ وَقِيلَ: هُوَ كَالْمِدْيَانِ قَبْلَ الضَّرْبِ عَلَى يَدَيْهِ يَجُوزُ تَرْكُهَا بِلَا مُحَابَاةٍ. تَزَوَّجَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِنْتَ عَمِّهِ وَقَالَ لَهَا: رُدِّي حُلِيَّك لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ

قَالَ: وَانْظُرْ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ ظَفِرَ بِمَالِ مَنْ جَحَدَهُ، هَلْ لِلْفَقِيرِ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ؟ أَفْتَى شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَمْنَعُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً.

هَذَا هُوَ الَّذِي شَافَهَنِي بِهِ ثُمَّ بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ لِجَوَازِ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ إلَى مَالِ الْغَيْرِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا أَوْ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَحَدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَشْتَرِيَ أَنْتَ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ الثَّوْبَ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا اشْتَرَى الشِّقْصَ بِالدَّنَانِيرِ الْمَغْصُوبَةِ أَنَّ لَك أَنْ تَشْفَعَ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَجَازَ قَبُولَ هَذَا الْمُشْتَرِي هِبَةً ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ حَبِيبٍ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَا اشْتَرَاهُ هَؤُلَاءِ الْعُمَّالُ فِي الْأَسْوَاقِ فَأَهْدَوْهُ لَك طَابَ لَك أَكْلُهُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْحَرَامَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَالْمُهْدِي فَهُمَا الْمَأْخُوذَانِ بِهِ وَالْمَسْئُولَانِ عَنْهُ، وَنَحْوُ هَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إذْ قَالَ: لَك الْمَهْنَأُ وَعَلَى غَيْرِك الْمَأْثَمُ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَوْدَعْته دَنَانِيرَ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَلَيْسَ لَك فِي السِّلْعَةِ شَيْءٌ إنَّمَا تُتْبِعُهُ بِدَنَانِيرِك.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كَرِهَ مَالِكٌ الشِّرَاءَ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ تَلَقَّى الْجَزَّارُ شِرَاءَهَا مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَالْقِيَاسُ عَلَى قَوْل مَنْ يَقُولُ هَذَا جَوَازُ الشِّرَاءِ لِأَنَّ بِذَبْحِهَا فَاتَ بَيْعُهَا الْفَاسِدُ وَوَجَبَتْ لَهُ بِقِيمَتِهَا فَالْمُشْتَرِي مِنْ لَحْمِهَا إنَّمَا اشْتَرَى لَحْمَ شَاةٍ قَدْ صَحَّ مِلْكُ بَائِعِهِ لِدُخُولِ الشَّاةِ فِي ضَمَانِهِ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا غَصَبَ قَمْحًا فَطَحَنَهُ ضَمِنَ مِثْلَهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُمَكَّنُ رَبُّ الْقَمْحِ مِنْ أَخْذِ الدَّقِيقِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ إلَّا إنْ طَحَنَ الْقَمْحَ سَوِيقًا وَلَتَّ بِسَمْنٍ فَيَتَّفِقُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ لَيْسَ لِرَبِّ الْقَمْحِ أَخْذُهُ كَذَلِكَ، وَلَا أَخْذُ بَعْضِهِ عَنْ قَمْحٍ لِأَنَّهُ رِبًا.

قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي مُعَامَلَةِ الْمُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ بِالْحَرَامِ: إنَّ مُعَامَلَتَهُ فِي غَيْرِ عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ تَكُونُ كَمُعَامَلَةِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَلَمْ يُفْلِسْ لَا حُكْمَ الْمُفْلِسِ فَيُعَامَلُ بِالْقِيمَةِ اهـ. وَحَكَى ابْن رُشْدٍ هَذَا أَيْضًا وَشَهَرَ مَنْعَ مُعَامَلَتِهِ قَائِلًا. لِأَنَّ الدُّيُونَ قَدْ

ص: 593

اغْتَرَقَتْ ذِمَّتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ وَلَوْ بِبَيْعٍ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ الْمُغَابَنَةِ وَقَدْ تَغْلُو السِّلْعَةُ الَّتِي تُشْتَرَى مِنْهُ وَتَرْخُصُ السِّلْعَةُ الَّتِي تُبَاعُ مِنْهُ فَيَكُونُ قَدْ أَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ تَبَاعَتِهِ نَقْصًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. قَالَ: أَمَّا لَوْ اغْتَصَبَ هَذَا الْمُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ رَجُلًا مِثْلِيًّا فَغَابَ عَلَيْهِ لَسَاغَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فِي ذَلِكَ مِثْلَهُ إذْ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ بِمَا أَخَذَ نَقْصًا، وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَصَبَ مِنْهُ سِلْعَةً فَجَحَدَهَا لَسَاغَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا لِأَنَّهُ لَا يُدْخِلُ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ نَقْصًا.

أَمَّا لَوْ جَنَى عَلَى دَابَّةٍ فَقَتَلَهَا أَوْ عَلَى ثَوْبٍ فَأَفْسَدَهُ لَسَاغَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُغْرِمَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يُدْخِلُ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ نَقْصًا، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَسُوغُ لِأَجِيرٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أُجْرَةً فِي خِدْمَتِهِ إيَّاهُ وَلَا لِحَجَّامٍ إجَارَةً فِي حِجَامَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُدْخِلُونَ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ تِبَاعَتِهِ نَقْصًا.

وَلِابْنِ رُشْدٍ: عِتْقُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَابُ الدُّيُونِ مَعْلُومِينَ أَوْ مَجْهُولِينَ، فَإِنْ كَانُوا مَعْلُومِينَ فَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمُوا بِالْعِتْقِ بِالْفَوْرِ أَوْ بَعْدَ طُولٍ.

(وَسَفَرِهِ إنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَك مَنْعُ غَرِيمِك مِنْ بَعِيدِ السَّفَرِ الَّذِي يَحِلُّ دَيْنُك قَبْلَ قُدُومِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ قَرِيبِهِ الَّذِي يَئُوبُ فِيهِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ (وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ) اُنْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى هَذَا.

(أَوْ كُلَّ مَا بِيَدِهِ) نَقَلَ بَهْرَامَ عَنْ السُّيُورِيِّ أَنَّهُ إذَا قَضَى جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي رَدِّهِ. وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: رَهْنُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ جَائِزٌ مَا لَمْ يُفْلِسْ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِالرَّهْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ، سَوَاءٌ قَامَ بَقِيَّةُ غُرَمَائِهِ بِأَثَرِ ذَلِكَ أَوْ تَأَخَّرَ قِيَامُهُمْ إذَا كَانَ يَبِيعُ وَيَتَأَخَّرُ النَّاسُ بِبَيْعِهِ، وَقَضَاؤُهُ وَرَهْنُهُ جَائِزٌ.

ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ لَوْ فَطِنَ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ بِاسْتِغْرَاقِهِ وَبَادَرَ الْغُرَمَاءَ فَهُوَ أَحَقُّ مَا لَمْ يَكُنْ الْغُرَمَاءُ قَدْ تَشَاوَرُوا كُلُّهُمْ عَلَى تَفْلِيسِهِ.

وَقَالَ أَصْبَغُ: هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ تَشَاوَرُوا وَبِهِ أَقُولُ (كَإِقْرَارِهِ لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيِّ: إقْرَارُهُ قَبْلَ الْحَجِّ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ جَائِزٌ، وَلِغَيْرِهِ كَالْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْأَخِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَنْ لَا يَجُوزَ أَحْسَنُ (وَالْأَصَحُّ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ:

ص: 594

إقْرَارُهُ مَا دَامَ قَائِمَ الْوَجْهِ مُنْبَسِطَ الْيَدِ فِي مَالِهِ جَائِزٌ إلَّا إذَا قَرُبَ تَفْلِيسُهُ وَخَافَ قِيَامَ الْغُرَمَاءِ فَأَقَرَّ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَإِنِّي أُبْطِلُ إقْرَارَهُ وَأَرَاهُ تَوْلِيجًا، وَأَمَّا إقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّينَ فَجَائِزٌ. (لَا بَعْضِهِ وَرَهْنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا هِبَةٌ، وَأَمَّا رَهْنُهُ وَقَضَاؤُهُ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ فَجَائِزٌ مَا لَمْ يُفْلِسْ اهـ. اُنْظُرْ مَا عَنَى بِقَوْلِهِ " بَعْضٍ ".

(وَفِي كِتَابَتِهِ قَوْلَانِ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي

ص: 596

الْكِتَابَةِ فَقِيلَ هِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِتْقِ فَتُرَدُّ، وَقِيلَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْعِ فَتُمْضَى ثُمَّ ذَكَرَ مُخْتَارًا لِنَفْسِهِ (وَلَهُ التَّزَوُّجُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا دَامَ قَائِمَ الْوَجْهِ فَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ (وَفِي تَزَوُّجِهِ أَرْبَعًا وَتَطَوُّعِهِ فِي الْحَجِّ تَرَدُّدٌ) مُقْتَضَى مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ، وَأَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إتْلَافُهُ الْمَالَ قَبْلَ التَّفْلِيسِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَالْكِسْرَةِ يُعْطِيهَا السَّائِلَ، وَالضَّحِيَّةِ وَالنَّفَقَةِ فِي الْعِيدَيْنِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ مِنْ الْكِرَاءِ فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ. وَانْظُرْ هَلْ لَهُ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ أَمْ لَا؟ ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ، وَتَدَبَّرْ ذَلِكَ؟ اهـ مِنْ ابْنِ رُشْدٍ.

(وَفُلِّسَ حَضَرَ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ إذَا طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْحَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْجُرُ عَلَيْهِ.

قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَامَ رَجُلٌ وَاحِدٌ بِالْمِدْيَانِ فَلَهُ تَفْلِيسُهُ كَقِيَامِ الْجَمَاعَةِ وَيَبِيعُ الْإِمَامُ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مَالِهِ فَيُوَزِّعُهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ وَيَحْبِسُهُ فِيمَا بَقِيَ إنْ تَبَيَّنَ

ص: 597

لَدَدَهُ وَاتُّهِمَ. وَلِابْنِ مُحْرِزٍ: إنْ قَامَ بِهِ مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ وَمَنْ لَمْ يَحِلَّ لَمْ يُفْلِسْ إلَّا أَنْ يَغْتَرِقَ مَا حَلَّ بِيَدِهِ وَلَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ إلَّا يَسِيرٌ لَا يُرْجَى فِي حَرَكَتِهِ لَهُ أَدَاءُ حُقُوقِ الْآخَرِينَ.

(أَوْ غَابَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلَاؤُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ قَامَ بِدَيْنٍ عَلَى غَائِبٍ وَلَعَلَّهُ كَثِيرُ الْمُدَايَنَةِ لِغَيْرِ مَنْ حَضَرَ فَأَرَى أَنْ تُبَاعَ عَرُوضُهُ لِمَنْ حَضَرَ وَيَقْضِي.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْغَائِبِ يَقُومُ بِهِ بَعْضُ غُرَمَائِهِ وَلَيْسَ فِيمَا حَضَرَ مِنْ مَالِهِ وَفَاءٌ. فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا كَالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ فَلْيَكْتُبْ فِيهِ لِيُكْشَفَ مَلَاؤُهُ مِنْ عَدَمِهِ، وَأَمَّا فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ لَا يُعْرَفُ فِيهَا مَلَاؤُهُ مِنْ عَدَمِهِ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ فَهُوَ كَالْمُفْلِسِ وَيَحِلُّ الْمُؤَجَّلُ مِنْ دَيْنِهِ. وَمَنْ بَاعَ مِنْهُ سِلْعَةً فَوَجَدَهَا فَلَهُ أَخْذُهَا، وَأَمَّا إنْ عُرِفَ فِيهَا مَلَاؤُهُ فَلَا يُفْلِسُ وَيَقْضِي مَنْ حَلَّ دَيْنُهُ وَيَبْقَى الْمُؤَجَّلُ وَلَا يَأْخُذُ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ.

(بِطَلَبِهِ وَإِنْ أَبَى غَيْرُهُ) مِنْ

ص: 598

الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ تَفْلِيسَ الْغَرِيمِ وَحَبْسَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَدَعُهُ يَسْعَى حُبِسَ لِمَنْ أَرَادَ حَبْسَهُ إنْ تَبَيَّنَ لَدَدُهُ (وَدَيْنًا حَلَّ زَادَ عَلَى مَالِهِ) اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ مَنْ قَامَ بِهِ وَدَيْنُهُ حَالٌّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفَلِّسَهُ إنْ ادَّعَى الْغَرِيمُ فَقْرَهُ (أَوْ بَقِيَ مَا لَا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ مُحْرِزٍ: لَا يُفَلَّسُ إلَّا أَنْ يَغْتَرِقَ مَا حَلَّ بِيَدِهِ وَلَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ إلَّا يَسِيرٌ لَا يُرْجَى فِي حَرَكَتِهِ أَدَاءُ حُقُوقِ الْآخَرِينَ فَانْظُرْهُ مَعَ هَذَا (فَيُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا أَخْذٌ وَلَا إعْطَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ لِقَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ (لَا فِي ذِمَّتِهِ)

ص: 599

ابْنُ الْحَاجِبِ: تَصَرُّفُهُ شَارِطًا أَنْ يَقْضِيَ مِنْ غَيْرِ مَا حَجَرَ عَلَيْهِ فِيهِ صَحِيحٌ (كَخُلْعِهِ وَطَلَاقِهِ وَقِصَاصِهِ وَعَفْوِهِ) ابْنُ شَاسٍ: تَصَرُّفُ الْمُفْلِسِ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَطَلَاقِهِ وَخُلْعِهِ وَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَعَفْوِهِ وَاسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ بِلِعَانٍ وَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ.

(وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ وَتَبِعَهَا مَالُهَا إنْ قَلَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُجْبِرُوا الْمُفْلِسَ عَلَى انْتِزَاعِ مَالِ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ.

وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي عِتْقِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أُمَّ وَلَدِهِ فَأَمْضَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ مَسْأَلَةَ إعْتَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ مَنْصُوصَةً فِي الْمُفْلِسِ نَفْسِهِ اهـ. وَانْظُرْ إذَا أَعْتَقَ الْمَحْجُورُ أُمَّ وَلَدِهِ وَقُلْنَا بِإِمْضَاءِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَتْبَعُهَا مَالُهَا، وَرَوَى مُحَمَّدٌ يَتْبَعُهَا.

(وَحَلَّ بِهِ وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ حُلُولُ دَيْنِ الْمُؤَجِّلِ الْمُفْلِسِ بِتَفْلِيسِهِ كَالْمَوْتِ مُطْلَقًا. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ: مَا كَانَ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَيِّتٍ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ إلَى أَجَلِهِ وَلِغُرَمَائِهِ تَأْخِيرُهُ إلَى أَجَلِهِ

ص: 600

أَوْ بَيْعُهُ الْآنَ (وَلَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا: وَأَخَذَ الْمُكْرِي دَابَّتَهُ وَأَرْضَهُ وَأَخَّرَ النَّقْلَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْكِرَاءَ يَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَيَحِلُّ كِرَاءُ مَا مَضَى إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَيُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ.

(أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ مَلِيًّا) ابْنُ يُونُسَ: فِي تَفْلِيسِ الْغَائِبِ كَلَامٌ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَمِنْهُ مَا نَصُّهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَدِمَ بِمَالٍ فَأَرَادَ الَّذِينَ لَمْ يَخْلُ دَيْنُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بَقِيَّةَ دُيُونِهِمْ حَالَّةً وَآجَالُهَا لَمْ تَحِلَّ وَحِصَاصُهُمْ إنَّمَا كَانَتْ لِلضَّرُورَةِ فَالْأَشْبَهُ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَشْهَبَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ حَالًّا وَكَأَنَّهُ حُكْمٌ قَدْ مَضَى بِحُلُولِ الدَّيْنِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ فَلَّسَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَتَحَاصَّ الْغُرَمَاءُ فِي مَالِهِ فَوَقَعَ لِكُلِّ رَجُلٍ نِصْفُ حَقِّهِ، ثُمَّ وَرِثَ مَالًا أَنَّ الَّذِينَ لَمْ تَحِلَّ دُيُونُهُمْ يَأْخُذُونَهَا حَالَّةً، وَإِنْ كَانَتْ آجَالُهُمْ لَمْ تَنْقَضْ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى بِحُلُولِ الدَّيْنِ، وَالْأَشْبَهُ فِي هَذَا أَنْ تَبْقَى بَقِيَّةٌ مَا لَمْ يَحِلَّ مِنْ دُيُونِهِمْ إلَى أَجَلِهِ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ حَلَّتْ دُيُونُهُمْ إنَّمَا هُوَ خَلَاءُ ذِمَّتِهِ.

(وَإِنْ نَكَلَ الْمُفَلِّسُ حَلَفَ كُلٌّ كَهُوَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ وَلَوْ نَكَلَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) .

ص: 601

اللَّخْمِيِّ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَوْ نَكَلَ الْمُفَلِّسُ مِنْ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدٍ لَهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الضَّرْبِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِغُرَمَائِهِ الْحَلِفُ مَعَهُ، فَإِنْ ضَرَبَ عَلَى يَدَيْهِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَ شَاهِدَيْهِ وَيَسْتَحِقُّونَ، وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّ الَّذِي شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ حَقٌّ وَيَحْلِفُ عَلَى جَمِيعِ الْحَقِّ وَلَيْسَ عَلَى مَا يَنُوبُهُ، وَمَنْ نَكَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَاصَّ مَنْ حَلَفَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ حَلَفَ كَانَ لَهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَهُ جَمِيعُ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ

وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: إذَا نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ لِمَنْ حَلَفَ بِقَدْرِ حَقِّهِ (وَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِالْمَجْلِسِ وَقُرْبُهُ) الْمُتَيْطِيُّ: إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إنَّمَا يُثْبِتُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَجْلِسِهِ أَوْ قُرْبِهِ. رَوَاهُ مُحَمَّدٌ. وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَغْوٌ فِي ذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُ بِتَمَامِ إقْرَارِهِ حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ. اللَّخْمِيِّ: الصَّوَابُ إنْ بَادَرَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ دُيُونِهِمْ فَيَثْبُتُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا قَوْلُ مَنْ رَفَعَهُ لِلْحَاكِمِ بَطَلَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ لِأَنَّ أَكْثَرَ بَيْعِهِمْ دُونَ بَيِّنَةٍ. وَإِنْ قَالَ بَعْدَ أَنْ كَشَفَ عَنْ دُيُونِهِ أُنْسِيت كَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ بِالْقُرْبِ وَقَدْ قَبِلُوا قَوْلَ عَامِلِ الْقِرَاضِ قُرْبَ تَسْلِيمِ مَالِهِ: أُنْسِيتُ النَّفَقَةَ. ابْنُ عَرَفَةَ: مَا اسْتَصْوَبَهُ اللَّخْمِيِّ هُوَ نَقْلُ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ (إنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِإِقْرَارِهِ لَا بِبَيِّنَةٍ وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ عَنْ قُرْبٍ ثُمَّ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ خَلِيلٍ فَانْظُرْهُ. وَعِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ قَبْلَ التَّفْلِيسِ يُرِيدُ أَوْ وَقْتَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ مَنْ دَايَنَهُ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ

ص: 602

أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ فَلَا يَدْخُلُ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالٍ وَيَتَحَاصُّ فِي هَذَا الْمَالِ أَهْلُ دَيْنِهِ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنْ أَفَادَ مَالًا بَعْدَ ذَلِكَ دَخَلَ فِيهِ هَذَا الْمُقَرُّ لَهُ حِينَ التَّفْلِيسِ، وَمَنْ بَقِيَ أَيْ مِنْ الْأَوَّلِينَ شَيْءٌ لِأَنَّ التُّهْمَةَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ (وَقُبِلَ تَعْيِينُهُ لِلْقِرَاضِ وَلِلْوَدِيعَةِ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ قَالَ هَذَا قِرَاضُ فُلَانٍ أَوْ وَدِيعَتُهُ لَقَبِلْت قَوْلَهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا تَقَدَّمَ إقْرَارُهُ قَبْلَ التَّفْلِيسِ أَنَّ بِيَدِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ قِرَاضًا أَوْ وَدِيعَةً.

(وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ قَوْلِ الصَّانِعِ بِلَا بَيِّنَةٍ) اللَّخْمِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي الصَّانِعِ يُفْلِسُ فَيُقِرُّ فِيمَا بِيَدَيْهِ أَنَّ هَذَا لِفُلَانٍ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْسَنُ لِأَنَّ الصُّنَّاعَ مُنْتَصِبُونَ لِمِثْلِ هَذَا وَلَيْسَتْ الْعَادَةُ الْإِشْهَادَ عِنْدَ الدَّفْعِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ. ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا قَبِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَ الصَّانِعِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ أَمْتِعَةُ النَّاسِ فَلَا يُتَّهَمُ أَنْ يَصْرِفَهُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى وَاحِدٍ. اُنْظُرْ رَسْمَ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ.

(وَحَجَرَ أَيْضًا إنْ تَجَدَّدَ مَالٌ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ " الْمَالُ الْمُتَجَدِّدُ يَحْتَاجُ إلَى حَجْرَتَيْنِ " وَاضِحٌ فِيمَا عُلِمَ تَجَدُّدُهُ.

وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: إنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ عَدَمِ آخَرَ إلَّا أَنْ يَطْرَأَ لَهُ مَالٌ فَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَقَلِّ مُدَّةٍ (وَانْفَكَّ وَلَوْ بِلَا حُكْمٍ) ابْنُ شَاسٍ: إنْ لَمْ يَبْقَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ الْغُرَمَاءُ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَلَا يَحْتَاجُ لِفَكِّ الْقَاضِي. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ.

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ دَايَنَ النَّاسَ بَعْدَ التَّفْلِيسِ ثُمَّ فَلَّسَ ثَانِيَةً فَمَنْ دَايَنَهُ أَخِيرًا أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِينَ، فَظَاهِرُ قَوْلِهِ " دَايَنَ النَّاسَ " ارْتِفَاعُ الْحَجْرِ عَنْهُ دُونَ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَكَذَا قَوْلُهَا: لَيْسَ لِلْمُفْلِسِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي الْمَالِ الَّذِي فَلَّسَ فِيهِ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِيمَا أَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَوْ مَكَّنَهُمْ الْغَرِيمُ فَبَاعُوا وَاقْتَسَمُوا ثُمَّ دَايَنَ غَيْرَهُمْ فَلَا دُخُولَ لِلْأَوَّلِينَ كَتَفْلِيسِ حَاكِمٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " لَوْ مَكَّنَهُمْ

ص: 604