الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1325 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين بن الزملكاني
الإِمَام الْعَلامَة المناظر
سمع من يُوسُف بن المجاور وَأبي الْغَنَائِم بن عَلان وعدة مَشَايِخ
وَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَكتب الطباق بِخَطِّهِ
وَقَرَأَ الْأُصُول على الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ والنحو على الشَّيْخ بدر الدّين ابْن مَالك
وَولد فِي شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة
ودرس بالشامية البرانية والرواحية والظاهرية الجوانية وَغَيرهَا بِدِمَشْق
ثمَّ ولي قَضَاء حلب
وصنف الرَّد على ابْن تَيْمِية فِي مسئلتي الطَّلَاق والزيارة وكتابا فِي تَفْضِيل الْبشر على الْملك جود فِيهِ وَشرح من منهاج النَّوَوِيّ قطعا مُتَفَرِّقَة
ذكره شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي المعجم الْمُخْتَص فَقَالَ شَيخنَا عَالم الْعَصْر وَكَانَ من بقايا الْمُجْتَهدين وَمن أذكياء أهل زَمَانه درس وَأفْتى وصنف وَتخرج بِهِ الْأَصْحَاب
انْتهى
وَذكره الشَّيْخ جمال الدّين بن نباتة فِي كتاب سجع المطوق فَقَالَ أما وغصون أقلامه المثمرة بِالْهدى وسطور فَتَاوِيهِ الْمُوَضّحَة للحق طرائق قددا وخواطره الَّتِي تولدت فَكَانَت الأنجم مهودا ومآثره الَّتِي ضربت رواق الْعِزّ وَكَانَت المجرة طنبا وَكَانَ الْفجْر عمودا ومناظراته الَّتِي أسكتت المناظرين فَكَأَنَّمَا ضربت سيوفهم الْمُجَرَّدَة لألسنتهم قيودا
إِن الْآدَاب لتحركني لمدحه وَالْأَدب يحثني على السّكُون وَإِنِّي لأعق محاسنه إِذا أردْت برهَا بِالْوَصْفِ وَمن الْبر مَا يكون
(جلّ عَن مَذْهَب المديح فقد كَاد
…
يكون المديح فِيهِ هجاء)
ثمَّ قَالَ هُوَ الْبَحْر وعلومه درره الفاخرة وفتاويه المتفرق فِي الْآفَاق سحبه السائرة وَالْعلم إِلَّا أَنه الَّذِي لَا تجنه الغياهب والطود إِلَّا أَنه الَّذِي لَا يحاوله الْبشر
على أَنه نسر الْكَوَاكِب وَالْمُنْفَرد الَّذِي حمى بَيْضَة الْإِسْلَام فِي أعشاش أقلامه والمجتهد الَّذِي لَا غُبَار على رَأْيه فِي الدّين وَإِن غبر فَفِي وُجُوه أَعْلَامه
ثمَّ قَالَ التَّفْسِير لبراعته قد حكم بِكِتَاب الله الْمنزل وَقَالَ الْفِقْه لعلم فَتَاوِيهِ أَنْت الرامح وكل أعزل وَقَالَ الحَدِيث لتنقيحه هَذَا النّظر الَّذِي لَا يعْزل وَقَالَ الْإِنْشَاء لكتابه لِيَهنك أَن قلم كل بليغ لديك بِخَط أَو بِغَيْر خطّ مغزل وَقَالَ النَّحْو لتدقيقه هَذَا مَا جاد زيد وَعَمْرو فِيهِ وَهَذَا الْعَرَبِيّ الَّذِي لَو سمع الْأَعرَابِي نطقه لصاح يَا أَبَت أدْرك فَاه غلبني فوه لَا طَاقَة لي بِفِيهِ وَقَالَ الْوَصْف وَقَالَ واستقى من مواده وَلَو تحقق غَايَة لما استقال
فَتَبَارَكَ من أطلعه فِي هَذِه الْآفَاق شمسا كَأَن الشَّمْس عِنْده نبراس وأمطاه رتبا كَأَن الثريا فِيهَا خد لقدمه على الْقيَاس وَخَصه بفنون الْعلم فَلهُ حليها النفيس وَمَا لغيره من الْحلِيّ سوى الوسواس
انْتهى
وَعَلِيهِ تخرج القَاضِي فَخر الدّين الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ الْحَافِظ صَلَاح الدّين العلائي وَكَانَ كثير التَّعْظِيم لَهُ
توفّي سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة بِمَدِينَة بلبيس من أَعمال مصر كَانَ قد طلبه
السُّلْطَان إِلَى مصر فَمَاتَ بهَا قبل وُصُوله وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة وَدفن بجوار تربة الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه
وَقد أَجَاد فِي وَصفه شَاعِر الْوَقْت جمال الدّين بن نباتة حَيْثُ يَقُول فِيهِ من قصيدة فائقة امتدحه بهَا أَولهَا
(قضى وَمَا قضيت مِنْك لبانات
…
متيم عبثت فِيهِ الصبابات)
(مَا فاض من جفْنه يَوْم الرحيل دم
…
إِلَّا وَفِي قلبه مِنْكُم جراحات)
(أحبابنا كل عُضْو فِي محبتكم
…
كليم وجد فَهَل للوصل مِيقَات)
(غبتم فغابت مسرات الْقُلُوب فَمَا
…
أَنْتُم برغمي وَلَا تِلْكَ المسرات)
(يَا حبذا فِي الصِّبَا عَنْكُم بَقَاء هوى
…
وَفِي بروق الغضا مِنْكُم إنابات)
(وحبذا زمن اللَّهْو الَّذِي انقرضت
…
أوقاته الغر والأعوام سَاعَات)
(أَيَّام مَا شعر الْبَين المشت بِنَا
…
وَلَا خلت من مغاني الْأنس أَبْيَات)
(حَيْثُ الشَّبَاب قضاياه منفذة
…
وَحَيْثُ لي فِي الَّذِي أَهْوى ولايات)
(وَرب حانة خمار طرقت بهَا
…
حانت وَلَا طرقت للقصف حانات)
(سبقت قَاصد مغناها وَكنت فَتى
…
إِلَى المدام لَهُ بِالسَّبقِ عادات)
(أعشو إِلَى ديرها الْأَقْصَى وَقد لمعت
…
تَحت الدجى فَكَأَن الدَّيْر مشكاة)
(وأكشف الْحجب عَنْهَا وَهِي صَافِيَة
…
لم يبْق فِي دنها إِلَّا صبابات)
(رَاح زحفت على جَيش الهموم بهَا
…
حَتَّى كَأَن سنا الأكواب رايات)
(مصونة السَّرْح باتت دون غايتها
…
حاجات قوم وللحاجات أَوْقَات)
(تجول حول أوانيها أشعتها
…
كَأَنَّمَا هِيَ للكاسات كاسات)
(كَأَنَّهَا فِي أكف الطائفين بهَا
…
نَار يطوف بهَا فِي الأَرْض جنَّات)
(مبلبل الصدغ طوع الْوَصْل منعطف
…
كَأَن أصداغه للْعَطْف واوات)
(ترنحت وَهِي فِي كفيه من طرب
…
حَتَّى لقد رقصت تِلْكَ الزجاجات)
(وَقمت أشْرب من فِيهِ وخمرته
…
شربا تَشِنْ بِهِ فِي الْعقل غارات)
(وَينزل اللثم خديه فينشدها
…
هِيَ الْمنَازل لي فِيهَا عَلَامَات)
(سقيا لتِلْك اللييلات الَّتِي سلفت
…
فَإِنَّمَا الْعُمر هاتيك اللييلات)
(عنت لَهَا كل أَوْقَات السرُور كَمَا
…
عنت لفضل كَمَال الدّين سَادَات)
(حبر رَأينَا يَقِين الْجُود من يَده
…
وَأكْثر الْجُود فِي الدُّنْيَا حكايات)
(سما على الْخلق واستسقوا مواهبه
…
لَا غرو أَن تَسْقِي الأَرْض السَّمَوَات)
(واستأنف النَّاس للأيام طيب ثَنَا
…
من بعد مَا كثرت فِيهَا الشكايات)
(لَا يختشي فَوت جدوى كَفه بشر
…
كَأَن جدواه أرزاق وأوقات)
(وَلَا تزحزح من فضل شمائله
…
كَأَنَّهَا لبدور الْفضل هالات)
(يَا شاكي الدَّهْر يممه وَقد غفرت
…
من حول أبوابه للدهر زلات)
(وَيَا أَخا السَّعْي فِي علم وَفِي كرم
…
هذي الْهَدَايَا وهاتيك الهديات)
(لَا تَطْلُبن من الْأَيَّام مشبهه
…
فَفِي طلابك للأيام إعنات)
(وَلَا تصخ لأحاديث الَّذين مضوا
…
ألوى الْعَنَان بِمَا تملي الرِّوَايَات)
(طالع فَتَاوِيهِ واستنزل فتوته
…
تلق الإفادات تتلوها الإفادات)
(وَحبر الْوَصْف فِي فضل لصَاحبه
…
يكَاد ينْطق بِالْوَصْفِ الجمادات)
(حامي الديار بأقلام لَهَا مدد
…
من الْهدى واسْمه فِي الطرس مدات)
(قويمة تمنع الْإِسْلَام من خطر
…
فاعجب لَهَا ألفات وَهِي لامات)
(تعلمت بَأْس آساد وجود حَيا
…
مُنْذُ اغتدت وَهِي للآساد غابات)
(وعودت قتل ذِي زيغ وَذي خطل
…
كَأَنَّهَا من كسير الْحَظ فضلات)
(وجاورت للآلي الْبَحْر فابتسمت
…
هُنَالك الْكَلِمَات الجوهريات)
(أغر يهوي معاد القَوْل فِيهِ إِذا
…
قيل المعادات أَخْبَار معادات)
(فِي كل معنى دروس من فَوَائده
…
وَمن بَوَادِر نعماه إعادات)
(صلى وَرَاء أياديه الحيا فعلى
…
تِلْكَ الأيادي من السحب التَّحِيَّات)
(وَصد عَمَّا يروم اللوم نائله
…
وَلَا يُفِيد وَلَا تجدي الملامات)
(يرام تَأْخِير جدواه وهمته
…
تَقول إيها وللتأخير آفَات)
(من معشر نجب مَاتُوا وتحسبهم
…
للمكرمات وَطيب الذّكر مَا مَاتُوا)
(ممدحين لَهُم فِي كل شارقة
…
بر وَبَين خبايا اللَّيْل إخبات)
(تمت أَئِمَّة أَوْصَاف الْكَمَال كَمَا
…
تمت بقافية المنظوم أَبْيَات)
(مَا رَوْضَة قلدت أجياد سوسنها
…
من السَّحَاب عُقُود لؤلئيات)
(وخطت الرّيح خطا فِي مناهلها
…
كَأَن قطر الغوادي فِيهِ جريات)
(يرقى الْحمام الْمُصَفّى دوحها فلهَا
…
خلف الستور على العيدان رنات)
(يَوْمًا بأهيج من أخلاقه نشرا
…
أَيَّام تنكر أَخْلَاق سريات)
(وَلَا النُّجُوم بأنأى من مراتبه
…
أَيَّام تقتصر الْأَيْدِي العليات)
(قدر علا فَرَأى فِي كل شمس ضحى
…
جماله فَكَأَن الشَّمْس مرْآة)
(وهمة ذكرهَا نَام وأنعمها
…
فَحَيْثُ مَا كنت أَنهَار وجنات)
(تأبى المدائح أَن يمدح سواك بهَا
…
فَتلك فيهم عوار مستردات)
(الله جَارك من عين الزَّمَان لقد
…
تجمعت بالمعالي فِيك أشتات)
(جَاوَرت بابك فاستصلحت لي زمني
…
حَتَّى وفت وانتفت تِلْكَ العداوات)
(ولاطفتني اللَّيَالِي فَهِيَ حِينَئِذٍ
…
من بعد أَهلِي عمات وخالات)
(ونطقتني الأيادي بالعيون ثَنَا
…
فللكواكب كالآذان إنصات)
(إِلَّا ذَوي كلم لَو أَن محتسبا
…
تَكَلَّمت من جَمِيع الْقَوْم هامات)
(يزاحمون بأشعار ملفقة
…
كَأَنَّهُمْ بَين أهل الشّعْر حشوات)
(ويطرحون على الْأَبْوَاب من حمق
…
قصائدا هِيَ فِي التَّحْقِيق بايات)
(من كل أبله لَكِن مَا لفطنته
…
كالبله فِي هَذِه الدُّنْيَا إصابات)
(يحم حِين يعاني نظم قافية
…
عَجزا فتظهر هاتيك الخرافات)
(وَيَغْتَدِي فكره المكدود فِي حرق
…
وَقد أحاطت بِمَا قَالَ البرودات)
(وَقد يَجِيء بِشعر بعد ذَا حسن
…
لَكِن على كَتفيهِ مِنْهُ كارات)
(أعيذ مجدك من ألفاظها فلهَا
…
جنى كَأَن مَعَانِيهَا جنايات)
(إِن لم يفرق بِفضل بَين نظمهم
…
وَبَين نظمي فَمَا للفضل لذات)
(خُذْهَا عروسا لَهَا فِي كل جارحة
…
لواحظ وكؤوس بابليات)
(أوردت سؤددك الْأَعْلَى مواردها
…
وللسها فِي بحار الْأُفق عبات)
(نعم الْفَتى أَنْت يستصفى الْكَلَام لَهُ
…
حَتَّى يبين لَهُ فِي الْعقل سورات)
(ويطرب الْمَدْح فِيهِ حِين أذكرهُ
…
كَأَن منتصب الأقلام نايات)
(مَا بعد غيثك غيث يستجاد وَلَا
…
من بعد إِثْبَات قولي فِيك إِثْبَات)
(حزت المحامد حَتَّى مَا لذِي شرف
…
من صُورَة الْحَمد لَا جسم وَلَا ذَات)
قلت وَلما قَالَ ابْن نابة فِي ابْن الزملكاني هَذِه الْكَلِمَة البديعة حاول أدباء عصره معارضته فَمَا أَحْسنُوا صنعه بل كل قصر وَلم يلْحق وَتَأَخر وَمَا جَاءَ بِحَق
وأنشدني شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف الْمَعْرُوف بالخياط الشَّاعِر قصيدته الَّتِي عَارض بهَا هَذِه القصيدة فَقلت كَيفَ رَضِي ابْن الزملكاني بِهَذِهِ عراضا لتِلْك فَقَالَ أَنا أنْكرت على ابْن نباتة تغزله ونسيبه اللَّذين جَاءَ بهما على هَذَا الْوَجْه وَهُوَ يمتدح عَالما من عُلَمَاء الْمُسلمين وَكَانَ من قَوْله
(مَا شان مدحي لكم ذكر المدام وَلَا
…
أضحت جَوَامِع لَفْظِي وَهِي حانات)
(وَلَا طرقت حمى خمارة سحرًا
…
وَلَا اكتست لي بكاس الراح راحات)
(وَإِنَّمَا أسكر الْجلاس من أدب
…
يَدُور مِنْهُ على الأكياس كاسات)
(عَن منظر الرَّوْض يغنيني القريض وَعَن
…
رقص الزجاجات تلهيني الحرازات)