المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من اسمه عبد الجبار - طبقات المفسرين للداوودي - جـ ١

[الداوودي، شمس الدين]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌من اسمه عبد الجبار

نزلت بجار لا يخيب ضيفه

أرجي نجاتي من عذاب جهنم

وإني على خوف من الله واثق

بإنعامه والله أكرم منعم

ومولده في [منتصف ذي (1)] القعدة سنة عشر وأربعمائة، وتوفي ليلة الأحد رابع المحرّم سنة خمس وثمانين وأربعمائة، ودفن بباب الشام ببغداد رحمه الله.

وناقيا بنون، وبعد الألف قاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحتها مفتوحة بعدها ألف.

أورده ابن خلكان، آخر العبادلة ولله الحمد.

‌من اسمه عبد الجبار

248 -

عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الخليل القاضي أبو الحسن الهمذانيّ الأسدآباذيّ (2).

وهو الذي تلقّبه المعتزلة قاضي القضاة، ولا يطلقون هذا اللقب على سواه ولا يعنون به عند الإطلاق غيره.

كان إمام أهل الاعتزال في زمانه، وكان ينتحل مذهب الشافعيّ في الفروع، وله التصانيف السائرة منها «التفسير» والذكر الشائع بين الأصوليين.

عاش دهرا طويلا، حتى ظهرت له الأصحاب وبعد صيته، ورحلت إليه الطلاب، وولي قضاء الرّيّ وأعمالها.

(1) تكملة عن: وفيات الأعيان لابن خلكان.

(2)

له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11/ 113، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 97، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 16 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 16، العبر للذهبي 3/ 119، مرآة الجنان لليافعي 3/ 29، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 533.

ص: 262

سمع الحديث من أبي الحسن بن سلمة القطان، وعبد الرحمن بن حمدان الجلّاب، وعبد الله جعفر بن فارس، والزبير بن عبد الواحد الأسدآباذي، وغيرهم.

روى عنه القاضي أبو يوسف عبد السلام بن محمد بن يوسف القزويني المفسر، وأبو عبد الله الحسن بن علي الصّيمري، وأبو القاسم علي بن المحسّن (1) التنوخيّ. توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة بالرّيّ ودفن في داره.

ومن ظريف ما يحكى: أن الأستاذ أبا إسحاق نزل به ضيفا، فقال:

سبحان من لا يريد المكروه من الفجار. فقال الأستاذ: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يختار.

وهذا جواب حاضر، وشبيه بما ذكر أن بعض الروافض قال لشخص من أهل السنّة، يستفهمه استفهام إنكار: من أفضل من أربعة، رسول الله صلى الله عليه وسلم خامسهم؟ يشير إلى علي وفاطمة والحسن والحسين حين لف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم الكساء.

فقال له السّنّيّ: اثنان الله ثالثهما، يشير إلى رسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، رضي الله عنه وقضية الغار، وقوله صلى الله عليه وسلم:

ما ظنّك باثنين الله ثالثهما.

249 -

عبد الجبار بن عبد الخالق بن محمد بن أبي نصر بن عبد الباقي ابن عكبر (2).

(1) في الأصل: «الحسن» ، وأثبت الصواب من طبقات الشافعية للسبكي، والمشتبه للذهبي 2/ 576.

(2)

له ترجمة في: تبصير المنتبه لابن حجر 3/ 1017، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 300، المشتبه للذهبي 2/ 467.

ص: 263

الزاهد. ابن عبد الخالق بن محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن منصور بن سالم بن تميم بن أبي نصر بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب جلال الدين أبو محمد، البغداديّ، العكبريّ الحنبليّ. الفقيه المفسّر الأصوليّ، الواعظ، أحد الأئمة المشاهير.

قال ابن رجب: هكذا رأيت نسبه، وفيه نظر، والله أعلم.

ولد سنة تسع عشرة وستمائة ببغداد.

وسمع من ابن اللتيّ، والقاضي أبي صالح الجيليّ، وأحمد بن يعقوب المارستانيّ، ومحمّد بن أبي سهل الواسطيّ، وغيرهم.

واشتغل بالفقه والأصول، والتفسير، والوعظ، والطبّ، وبرع في ذلك، وله النظم والنثر، والتصانيف الكثيرة، منها:«مشكاة البيان في تفسير القرآن» في ثمان مجلدات، وكتاب «إيقاظ الوعاظ» و «المقدمة في أصول الفقه» و «مسائل خلاف» و «أربعون حديثا» تكلم عليها.

قال الإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق، في حقه: شيخ الوعاظ ببغداد، ومتقدمهم، كان في صباه خياطا، واشتغل بالطب مدة، ثم رتب فقيها بالمستنصرية واشتغل بالفقه والتفسير، وطالع. وكان يجلس للوعظ بمجلس القاعوس بدرب الجب، ثم اختير في آخر زمن الخليفة للوعظ بباب بدر، تحت منظرة الخليفة، ولم يزل على ذلك إلى

واقعة بغداد، واستؤسر فاشتراه بدر الدين صاحب الموصل فحمله إلى الموصل فوعظ بها، ثم حذّره إلى بغداد، فرتب مدرسا للحنابلة بالمدرسة المستنصرية، ولم يزل يعقد مجلس الوعظ في الجمعات بجامع الخليفة.

روى عنه ابن الفوطي، وقال: كان وحيد الدّهر في علم الوعظ ومعرفة التفسير ونسيبه نصير الدين أحمد بن عبد السلام بن عكبر، وبالإجازة صفي

ص: 264

الدين عبد المؤمن في مشيخته وقال: توفي يوم الاثنين سابع عشري شعبان سنة إحدى وثمانين وستمائة.

250 -

عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل أبو محمد (1) الأنصاري الأندلسي، القرطبيّ الصّوفي الزاهد، من قصر عبد الكريم، شيخ الإسلام، كان متقدما في الكلام مشاركا في فنون، رأسا في العلم والعمل، منقطع القرين، متصوفا زاهدا ورعا عن الدنيا.

له «تفسير القرآن» وكتاب «شعب الإيمان» و «شرح الأسماء الحسنى» وكتاب «المسائل والأجوبة» وكتاب «تنبيه الأنام في مشكل حديث النبي صلى الله عليه وسلم» وغير ذلك.

روى عن أبي الحسن بن حنين، وأبي نصر فتح بن محمد المغربي، وأبي الحسن علي بن خلف بن غالب.

وعنه أبو الحسن الغافقيّ، وغيره. وأجاز لأبي محمد بن حوط الله. مات سنة ثمان وستمائة.

وكان له من الصيت والذكر الجميل ما ليس لغيره. وختم به بالمغرب التصوف على طريقة أهل السنة.

251 -

عبد الحقّ بن غالب بن عبد الرحمن (2).

ابن عبد الرءوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطيّة بن خالد بن

(1) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 16، نيل الابتهاج للبستي 184.

(2)

له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 376، الديباج المذهب لابن فرحون 174، الصلة لابن بشكوال 1/ 367، صلة الصلة لابن الزبير 2، طبقات المفسرين للسيوطي 16، المعجم لابن الأبار 259.

ص: 265

خفاف بن أسلم من مكرم المحاربي من ولد زيد بن محارب بن خصفة من قيس عيلان بن مضر الإمام الكبير قدوة المفسرين أبو محمد الغرناطي القاضي.

كان فقيها عالما بالتفسير والأحكام والحديث والفقه، والنحو واللغة والأدب، مفيدا حسن التقييد.

روى عن أبيه الحافظ الحجة أبي بكر، وعن أبي علي الغساني، والصدفيّ، وأبي عبد الله محمد بن فرج مولى الطلاع، وأبي المطرف الشعبي، وأبي القاسم بن أبي الخصال المقبري، وأبي العباس أحمد بن عثمان بن مكحول، وأبي القاسم بن عمر الهوزني (1)، وأبي بكر عبد الباقي بن محمد الحجازي، وابن برّال، وأبي محمد عبد الواحد بن عيسى الهمذاني، وغيرهم من الجلة.

وكانت له يد في الإنشاء والنظم والنثر، وكان يتوقد ذكاء، وألف كتابه المسمى «بالوجيز في التفسير» فأحسن فيه وأبدع، وطار بحسن نيته كل مطار، وألف «برنامجا» ضمنه مروياته وأسماء شيوخه، وولي قضاء المرية.

روى عنه أبو جعفر بن مضاء، وعبد المنعم بن الفرس، وأبو بكر بن أبي جمرة (2)، وأبو محمد عبيد الله، وأبو القاسم بن حبيش، وآخرون، آخرهم بالإجازة أبو الحسن علي بن أحمد الشقوري المتوفى سنة ست عشرة وستمائة.

(1) كذا في: الديباج المذهب لابن فرحون، والمعجم لابن الأبار. وفي الأصل:«ابن عمرو الهروي» .

(2)

في الأصل: «ابن أبي حمزة» . والمثبت في: تبصير المنتبه 1/ 454، والمشتبه للذهبي 1/ 247.

ص: 266

مولده سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، ومات في خامس عشري رمضان [سنة إحدى (1)] وأربعين وخمسمائة بمدينة لورقة، رحمه الله وإيانا.

وذكره صاحب «قلائد العقيان» ، وأورد له في الفحم:

جعلوا القرى للقرّ فحما حالكا

قدح الزّناد به فأورى نارا (2)

فبدا دبيب السّقط في جنباته

كالبرق في جنح الظّلام أنارا

ثم انبرى لهبا وصار كأنّه

في الحرق ذو حرق يطالب ثارا

فكأنّه ليل تفجّر فجره

نهرا فكان على المقام نهارا.

252 -

عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو العثماني مولاهم الدمشقي أبو سعيد (3).

لقبه دحيم، بمهملتين، مصغر، ابن اليتيم، ثقة، حافظ، متقن، من الطبقة العاشرة.

روى عن معروف الخياط، وسويد بن عبد العزيز، والوليد بن مسلم، وخلق.

وعنه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة.

قال أبو داود: حجّة، لم يكن بدمشق في زمنه مثله. مات بالرّملة سنة خمس وأربعين ومائتين.

تراجع ترجمته من «طبقات الحفاظ» للذهبي.

253 -

عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن المبارك بن معالي أبو محمد بن البغدادي (4).

(1) تكملة عن: طبقات المفسرين للسيوطي.

(2)

له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 480، العبر للذهبي 1/ 445.

(3)

ورد له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 203، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 396، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 431، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 364، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 196.

(4)

ورد له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 203، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 396، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 431، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 364، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 196.

ص: 267

ويقال له أيضا الواسطي، ثم المصري المولد والدار والوفاة، الشافعي الإمام العالم العلامة.

ولد سنة اثنتين وسبعمائة.

وقرأ بالروايات الكثيرة على الأستاذ التقي محمد بن أحمد الصائغ، وبرع في الفن وانتهت إليه مشيخة الإقراء بالديار المصرية مع الصيانة والخير والانقطاع عن الناس.

وأخذ العربية عن أبي حيان، والفقه عن ابن عدلان، وشرح «الشاطبية» شرحين، واختصر «البحر المحيط» في التفسير، لأبي حيان، ونظم «غاية الاحسان» في النحو له، وقرأه عليه، وكتب له خطه عليه.

قرأ عليه ابن الجزري، ونور الدين علي بن سلامة المكيّ، وغيرهما.

وجاور بمكة مرارا، منها سنة ثمان وستين، فقرأ عليه السبع بها الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي.

توفي بمصر يوم الخميس تاسع صفر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.

ذكره ابن الجزري.

254 -

عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان شهاب الدين أبو القاسم (1).

(1) ورد له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 250، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1460، الدارس للنعيمي 1/ 23، الذيل على الروضتين لأبي شامة 37. ذيل مرآة الزمان 2/ 367، روضات الجنات 429، السلوك 1/ 562، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 165، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 54 ب، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 366، طبقات القراء للذهبي 2/ 537، العبر للذهبي 5/ 280، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 527، مرآة الجنان لليافعي 4/ 164، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 7/ 224.

ص: 268

عرف بأبي شامة، من أجل شامة كبيرة فوق حاجبه الأيسر، المقدسي الأصل، الدمشقي الشافعي، المقرئ النحوي ذو الفنون.

ولد في أحد شهري ربيع من سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وقرأ القرآن الكريم قبل أن يكمل له من العمر عشر سنين، وقرأ القراءات كلها سنة ست عشرة وستمائة على العلم السخاوي.

وسمع بثغر الإسكندرية من أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز، وغيره.

وسمع «صحيح البخاري» من داود بن ملاعب، وأحمد بن عبد الله العطار، وسمع «مسند الشافعي» من الشيخ موفق الدين، وأخذ عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام.

واعتنى بالحديث بعد سنة ثلاثين وستمائة، وسمع أولاده، وقرأ بنفسه، وكتب الكثير من العلوم، وأتقن الفقه، وبرع في العربية، ودرس وأفتى.

ومن مصنفاته «شرح القصيدة الشاطبية» و «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر في خمس عشرة مجلدة، واختصره ثانيا في خمس مجلدات و «شرح القصائد النبوية» للسخاوي في مجلد، وكتاب «الروضتين في أخبار الدولتين النّوريّة والصّلاحيّة» وكتاب «الذيل» عليها، وكتاب «المقتفى في شرح حديث مبعث المصطفى» صلى الله عليه وسلم، وكتاب «ضوء الساري إلى معرفة الباري» عز وجل، وكتاب «المحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول» صلى الله عليه وسلم، وكتاب «البسملة» الأكبر في مجلد، ثم اختصره، وكتاب «الباعث على إنكار البدع والحوادث» ، و «كشف حال بني عبيد» ، وكتاب «الأصول في الأصول» ، وكتاب «مفردات القراء» ، وكتاب «الوجيز في تفسير أشياء من الكتاب العزيز» ، ومقدمة في النحو، ونظم كتاب «المفصّل» في النحو للزمخشري، وكتاب «شيوخ البيهقي» وغير ذلك ممّا لم يتمه.

ص: 269

وأخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين حسين الكردي، وشهاب الدين أحمد اللبان، وجماعة.

وقرأ عليه الشاطبية الشيخ شرف الدين الفزاري الخطيب.

وولي مشيخة [الإقراء (1)] بالتربة الأشرفيّة، ومشيخة دار الحديث الأشرفيّة بدمشق، وكان مع فرط ذكائه وكثرة علمه متواضعا، مطرحا للتكلف، حليما، وكان يسكن بآخر الحكر المعروف بطواحين الأشنان خارج دمشق، فدخل عليه رجلان في جمادى الآخرة من سنة خمس وستين وستمائة في هيئة من يستفتيه، وضرباه ضربا مبرّحا

حتى أشفى على الموت، ولم يشعر به أحد ثم تركاه وانصرفا، فلمّا أتاه أصحابه قيل له اجتمع بولاة الأمر، فقال: أنا قد فوضت أمري إلى الله.

وأنشد لنفسه:

قلت لمن قال ألا تشتكي

ما قد جرى فهو عظيم جليل (2)

يقيّض الله تعالى لنا

من يأخذ الحقّ ويشفي الغليل

إذا توكلنا عليه كفى

وحسبنا الله ونعم الوكيل

ومن شعره أيضا:

وقال النبي المصطفى إنّ سبعة

يظلهم الله العظيم بظلّه (3)

محب عفيف ناشئ متصدّق

وباك مصلّ والإمام بعدله

ولما أورده الشيخ شمس الدين بن الجزري في «طبقات القراء» قال:

(1) تكملة عن: طبقات القراء لابن الجزري، وطبقات الشافعية للسبكي.

(2)

فوات الوفيات لابن شاكر، والبداية والنهاية لابن كثير.

(3)

فوات الوفيات، وطبقات الشافعية للسبكي.

ص: 270

أخبرني شيخنا الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير من لفظه، قال:

حدثني برهان الدين إبراهيم بن الشيخ تاج الدّين الفزاري، قال: قال لي والدي: عجبت من أبي شامة كيف قلد الشافعي. توفي في تاسع عشر شهر رمضان سنة خمس وستين وستمائة.

255 -

عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدويّ (1).

مولاهم المدنيّ، روى عن أبيه، وابن المنكدر، وعنه أصبغ، وقتيبة، وهاشم، ضعفوه.

له: «التفسير» و «الناسخ والمنسوخ» .

مات سنة اثنتين وثمانين ومائة.

أخرج له الترمذيّ، وابن ماجة.

256 -

عبد الرحمن بن سليمان بن الأكرم بن سليمان الدمشقيّ الصالحيّ الحنبلي (2).

أبو شعر، الشيخ الإمام العالم العلامة، زاهد الحنابلة وشيخهم وقدوتهم، شديد المحبة للعلم ومطالعته، والعناية به، واقتناء كتبه، حصل من الأصول الحسان ما لم يقربه غيره، اشتغل في غالب فنون العلم النافعة حتى فاق فيها.

وله في التفسير عمل كثير، ويد طولى، ولد في شعبان سنة ثمانين وسبعمائة.

ذكره الحافظ برهان الدين البقاعيّ في «معجمه» .

(1) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 192، العبر للذهبي 1/ 282، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 564.

(2)

له ترجمة في: الضوء اللامع للسحاوي 4/ 82.

ص: 271

257 -

عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ (1).

ابن حبيش بن سعدون (2) بن رضوان بن فتوح الإمام أبو زيد وأبو القاسم السهيليّ الخثعميّ الأندلسيّ المالقيّ المالكيّ الحافظ.

قال ابن الزبير: كان عالما بالعربيّة، واللغة والقراءات، بارعا في ذلك، جامعا بين الرواية والدراية، نحويا متقدما، أديبا، عالما بالتفسير وصناعة الحديث، حافظا للرجال والأنساب، عارفا بعلم الكلام والأصول، حافظا للتاريخ، واسع المعرفة، غزير العلم، نبيها ذكيا، صاحب اختراعات واستنباطات تصدر للإقراء والتدريس، وبعد صيته، أخذ القراءات عن سليمان بن يحيى، وعن أبي منصور بن الخير، وروى عن ابن العربي، وابن طاهر، وابن الطّراوة، وعنه ابن الرندي، وابنا حوط الله، وأبو الحسن الغافقي وخلق، وكفّ بصره وهو ابن سبع عشرة سنة، واستدعي إلى مراكش، وحظي بها، ودخل غرناطة.

وصنف «الروض الأنف» في شرح السيرة «شرح الجمل» لم يتم، «التعريف والإعلام بما في القرآن من الأسماء والأعلام» «مسألة السر في عور الدجال» «مسألة رؤية الله

والنبي في المنام» «نتائج الفكر» «شرح آية الوصية في الفرائض» كتاب بديع. توفي بمراكش في ليلة الخميس خامس عشري شوال.

(1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 162، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 319، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1348، الديباج المذهب لابن فرحون 150، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 371، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 69، العبر 4/ 244، مرآة الجنان لليافعي 3/ 422، نكت الهميان للصفدي 187، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 323. قال ابن خلكان:«والخثعمي، بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وبعدها ميم، هذه النسبة الى خثعم بن أنمار، وهي قبيلة كبيرة» .

(2)

في الأصل: «ابن سعد» ، والمثبت في: تذكرة الحفاظ، والديباج المذهب لابن فرحون، ووفيات الأعيان لابن خلكان.

ص: 272

وفي «طبقات القراء» للذهبي: في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وله بضع وسبعون سنة، وهو من بيت علم وخطابة.

وسهيل: قرية من عمل مالقة، لا يرى سهيل في جميع الأندلس إلا من جبلها.

وذكره ابن الأبار وحكى عنه، قال: أخبرنا أبو بكر بن العربي (1) في مشيخته عن أبي المعالي، أنه سأله في مجلسه رجل من العوام، فقال: أيها الفقيه الإمام، أريد أن تذكر لي دليلا شرعيا على أنه تعالى لا يوصف بالجهة ولا يحدد بها، فقال: نعم، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تفضلوني على يونس بن متى) فقال: الرجل إني لا أعرف وجه الدليل من هذا الدليل، وقال كل من حضر: مثل قول الرجل، فقال أبو المعالي: ضافني الليلة ضيف له علي ألف دينار، وقد شغلت بالي، فلو قضيت عني قلتها، فقام رجلان [من (2)] التجار فقالا: هي في ذمتنا، فقال أبو المعالي: لو كان رجلا واحدا يضمنها كان أحب إلي، فقال أحد الرجلين أو غيرهما:

هي في ذمتي، فقال أبو المعالي: نعم، إن الله سبحانه أسرى بعبده إلى فوق سبع سماوات، حتى سمع صريف الأقلام، والتقم يونس الحوت، فهوى به إلى جهة التحت من الظلمات ما شاء الله، فلم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في علوّ مكانه بأقرب إلى الله من يونس في بعد مكانه، فالله تعالى لا يتقرب إليه بالأجرام والأجسام، وإنما يتقرب إليه بصالح الأعمال.

(1) في الأصل «الغرفي» تحريف، صوابه في: تذكرة الحفاظ للذهبي، والديباج المذهب لابن فرحون.

(2)

تكملة عن: الديباج المذهب لابن فرحون.

ص: 273

قال ابن دحية: أنشدني، وقال: ما سأل الله بها حاجة إلا أعطاه إيّاها، وكذلك من استعمل إنشادها، وهي هذه (1):

يا من يرى ما في الضّمير ويسمع

أنت المعدّ لكلّ ما يتوقّع

يا من يرجّى للشدائد كلّها

يا من إليه المشتكى والمفزع

يا من خزائن رزقه في قول كن

امنن فإنّ الخير عندك أجمع

ما لي سوى فقري إليك وسيلة

فبالافتقار إليك فقري أدفع

ما لي سوى قرعي لبابك حيلة

فلئن رددت فأيّ باب أقرع

ومن الذي أدعو وأهتف باسمه

إن كان فضلك عن فقيرك يمنع

حاشا لمجدك أن تقنّط عاصيا

الفضل أجزل والمواهب أوسع

قرأت بخط شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السّيوطيّ رحمه الله تعالى في «طبقات النحاة» له ما نصّه: رأيت بخطّ القاضي عزّ الدين بن جماعة:

وجد بخط الشيخ محيي الدين النّواويّ ما نصه: ما قرأ أحد هذه الأبيات، ودعا الله عقبها بشيء إلا استجيب له.

ومن شعره أيضا:

إذا قلت يوما سلام عليكم

ففيها شفاء وفيها سقام

شفاء إذا قلتها مقبلا

وإن أنت أدبرت فيها الحمام

258 -

عبد الرحمن بن كيسان أبو بكر الأصم المعتزليّ (2).

صاحب المقالات في الأصول. ذكره عبد الجبار الهمذاني في طبقاتهم وقال: كان من أفصح الناس وأورعهم وأفقههم.

(1) الأبيات في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 319، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 323.

(2)

ورد له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 34، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 3/ 427.

ص: 274

قال الحافظ ابن حجر في «اللسان» : وهو من طبقة أبي الهذيل العلاف وأقدم منه.

له «تفسير» عجيب. ومن تلامذته إبراهيم بن إسماعيل بن عليّة.

وله تصانيف كثيرة ذكرها النديم في «الفهرست» .

259 -

عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري (1).

المدني ثم الكوفي، مفتيها وقاضيها، الفقيه المقرئ.

حدث عن الشعبي، وعطاء، والحكم، ونافع، وعمرو بن مرة، وطائفة.

وكان أبوه من كبار التابعين.

حدث عنه شعبة، والسفيانان، وزائدة، ووكيع، والخريبيّ (2) وأبو نعيم، وخلائق.

قال أحمد بن يونس: كان ابن أبي ليلى أفقه أهل الدنيا. وقال العجلي:

كان فقيها صدوقا صاحب سنة جائز الحديث، قارئا عالما بالقرآن قرأ على حمزة. مات في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين ومائة.

قال أبو حفص الأبار عنه: دخلت على عطاء فجعل يسألني وكأن أصحابه أنكروا ذلك، فقال: وما تنكرون وهو أعلم مني، أخرج له الجماعة.

260 -

عبد الرحمن بن علي بن محمد (3).

(1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 171، العبر للذهبي 1/ 211.

(2)

بضم الخاء وفتح الراء وسكون الياء وباء موحدة، نسبة الى الخريبة، محلة بالبصرة (اللباب لابن الأثير).

(3)

ورد له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 28، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1342، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 399، طبقات المفسرين للسيوطي 17، العبر للذهبي 4/ 297، مرآة الجنان لليافعي 3/ 489، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 254، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 174، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 321.

ص: 275

ابن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمّادى بن إبراهيم بن أحمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، القرشي التّيمي البكري البغدادي الحنبلي.

الإمام العلامة، حافظ العراق، وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف المشهورة في أنواع العلوم، من التفسير، والحديث، والفقه، والوعظ، والزهد، والتاريخ والطب، وغير ذلك.

وعرف جدهم بالجوزي لجوزة كانت في دارهم بواسط، لم يكن بها جوزة سواها.

ولد تقريبا سنة ثمان- أو عشر- وخمسمائة، وأول سماعة في سنة ست عشرة.

سمع أبا القاسم بن الحصين، وعلي بن عبد الواحد الدينوري، وأبا عبد الله الحسين بن محمد البارع، وأبا السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، والفقيه أبا الحسن بن الزاغواني، وأبا غالب ابن البناء، وأبا بكر محمد بن الحسين المزرفيّ، وعليه تلا القرآن الكريم بالعشر، وأبا غالب محمد بن الحسن الماوردي، وخطيب أصبهان أبا القاسم عبد الله بن محمد، وابن السمرقندي، وأبا الوقت السجزي، وابن ناصر، وخلق، عدتهم سبعة وثمانون نفسا. وكتب بخطه ما لا يوصف كثرة.

ووعظ في حدود سنة عشرين وخمسمائة وإلى أن مات.

حدث عنه ابنه الصاحب محيي الدين، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزأغلي، والحافظ عبد الغني، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، والتقي اليلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف، وخلق سواهم.

ص: 276

وبالإجازة الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، والفخر علي بن البخاري، وأحمد بن سلامة الحداد، والقطب أحمد بن عبد السلام العصروني، والخضر ابن حمويه الجويني.

وهو آخر من حدث عن الدينوري، والمتوكلي.

ومن تصانيفه: كتاب «زاد المسير في التفسير» أربع مجلدات، و «المغني» في علوم القرآن، كبير جدا، و «تذكرة الأريب» في اللغة، و «جامع المسانيد» سبع مجلدات، و «الوجوه والنظائر» مجلد، و «فنون الأفنان» مجلد، و «الحدائق» مجلدان، و «نفي النقل» مجلد كبير، و «عيون الحكايات» مجلدان، و «التحقيق في مسائل الخلاف» مجلدان، و «مشكل الصحاح» أربع مجلدات، و «الموضوعات» مجلدان، و «الواهيات» ثلاث مجلدات، و «الضعفاء» مجلد، و «تلقيح فهوم الأثر» مجلد، و «الانتصار في مسائل الخلاف» مجلدان، و «الدلائل في مشهور المسائل» مجلدان، و «التوقيت في الخطب الوعظية» مجلد، و «نسيم السحر» مجلد، و «المنتخب» مجلد، و «المدهش» مجلدان، و «صفوة التصوف» أربع مجلدات و «أخبار الأخيار» مجلد، و «أخبار النساء» مجلد، و «مثير الغرام الساكن» مجلد، و «المقعد المقيم» مجلد، و «ذم الهوى» مجلد، و «تلبيس إبليس» مجلد كبير، و «صيد الخاطر» ثلاث مجلدات، و «الأذكياء» مجلد، و «المغفلين» مجلد، و «منافع الطب» مجلد، و «فنون الألباب» مجلد، و «الظرفاء» مجلد، و «سلوة الأحزان» مجلد، و «منهاج العابدين» مجلدان، و «الوفا بفضائل المصطفى» مجلدان، و «مناقب الصديق» مجلد، و «مناقب عمر» مجلد، و «مناقب علي» مجلد، و «مناقب عمر بن عبد العزيز» مجلد، و «مناقب سعيد بن المسيب» مجلد، ومناقب الحسن» جزآن. و «مناقب الثوري» مجلد، و «مناقب الإمام أحمد» مجلد، و «مناقب الإمام الشافعي» مجلد،

ص: 277

و «مناقب جماعة» في أجزاء، و «موافق المرافق» مجلد، وأشياء كثيرة يطول شرحها، كاختصاره فنون ابن عقيل في بضعة عشر مجلدا.

قال الحافظ شمس الدين الذهبي: وما علمت أحدا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل، مات أبوه وله ثلاث سنين فربته عمته، وأقاربه تجار في النحاس، وربما كتب اسمه في السماع عبد الرحمن بن علي الصفار لذلك.

ولما ترعرع حملته عمته إلى الحافظ ابن ناصر فاعتنى به وسمعه الكثير، وحصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحد قط، وحضر مجلسه ملوك ووزراء بل وخلفاء من وراء الستر. ويقال في بعض المجالس حضره مائة ألف. والظاهر أنه كان يحضره نحو عشرة آلاف. مع أنه قد قال غير مرة:

إن مجلسه حزر (1). بمائة ألف. فلا ريب إن كان هذا وقع فإن أكثرهم لا يسمعون مقالته.

قال سبطه سمعت جدي يقول على المنبر: كتبت بإصبعي ألفي مجلد.

وتاب علي يدي مائة ألف. وأسلم على يدي عشرون ألف.

قال: وكان يختم في كل أسبوع ختمة. ولا يخرج من بيته إلا إلى الجمعة أو المجلس. ثم سرد سبطه [مصنفاته (2)] فذكر منها «درّة الإكليل» في التاريخ أربع مجلدات، و «فضائل العرب» مجلد، «شذور العقود» مجلد، «المنفعة في المذاهب الأربعة» مجلدان، «المختار من الأشعار» عشر مجلدات، «التبصرة» في الوعظ ثلاث مجلدات، «رءوس القوارير» مجلدان.

إلى أن قال: ومجموع تصانيفه مائتان ونيف وخمسون كتابا.

(1) الحزر: عدد الشيء بالحدس (اللسان: حزر).

(2)

تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي.

ص: 278

ومن بدائع كلامه: عقارب المنايا تلسع، وخدران الأمل يمنع. من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه.

وقال في وعظه: يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك، وإن سكت خفت عليك، فأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك. قول الناصح: اتق الله، خير من قول القائل: أنتم أهل بيت مغفور لكم.

وقال: يفتخر فرعون بملك مصر بنهر ما أجراه، ما أجراه.

وإليه المنتهى في النظم والنثر. وقد نالته محنة في أواخر عمره، وشوا إلى الخليفة عنه بأمر اختلف في حقيقته، فجاءه من شتمه وأهانه، وختم على داره، وشتت عياله، ثم أخذ في سفينة إلى واسط فحبس بها في بيت، فبقي يغسل ثوبه ويطبخ، ودام على ذلك خمس سنين ما دخل فيها حماما.

قام عليه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب الجيلي بجاه الوزير ابن القصّاب، وكان الركن سيّئ النحلة، أحرقت كتبه بحضرة ابن الجوزي، وأعطى مدرسة الجيلي، فعمل الركن عليه وقال لابن القصاب الشيعي: أين أنت عن ابن الجوزي فإنه ناصبي، ومن أولاد أبي بكر؛ فمكن الركن من الشيخ فجاء وسبه وأنزل معه في سفينة، وعلى الشيخ غلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفة. وكان ناظر واسط شيعيا، فقال له الركن: مكني من عدوّي هذا.

والله لو كان على مذهبي لبذلت نفسي في خدمته، فرد الركن إلى بغداد، ثم كان السبب في خلاص الشيخ، أن ابنه يوسف نشأ واشتغل وعمل الوعظ وتوصل، فشفعت أم الخليفة في الشيخ فأطلق.

وقد قرأ بواسط وهو ابن ثمانين سنة بالعشر على ابن الباقلاني، وتلا معه ولده يوسف، نقل ذلك ابن نقطة عن القاضي محمد بن أحمد بن الحسن.

ص: 279

قال الموافق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيف الصورة، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، لا يضيع من زمانه شيئا، يكتب في اليوم أربع كراريس، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كاف، وأما السجع الوعظي فله فيه ملكة قوية.

وله في الطب «كتاب» في مجلدين، وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة، وذهنه حدة، جل غذائه الفراريج والمزاوير، ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس الأبيض الناعم المطيّب. وله ذهن وقاد وجواب حاضر، ومجون ومداعبة حلوة، ولا ينفك من جارية حسناء.

قال الذهبي في «التاريخ الكبير» : لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة؛ بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه.

مات يوم الجماعة ثالث عشر شهر رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وكانت جنازته مشهودة شيعه الخلائق إلى مقبرة باب حرب، وبه دفن وقد قارب التسعين.

261 -

عبد الرحمن (1) بن علي بن محمد الحلوانيّ الحنبليّ الفقيه الإمام أبو محمد بن أبي الفتح (2).

ولد سنة تسعين وأربعمائة وتفقه على أبيه، وأبي الخطاب، وبرع في

(1) في الأصل «عبد الكريم» ، والمثبت في: مصادر الترجمة، وفي نهاية هذه الترجمة، تحدث الداودي عن ابن صاحب الترجمة فقال عنه: أبو عبد الله بن عبد الرحمن.

(2)

له ترجمة في: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 221.

ص: 280

الفقه والأصول، [وناظر، وصنّف تصانيف في الفقه والأصول (1)] منها:

كتاب «التبصرة» في الفقه، كتاب «الهداية» في أصول الفقه، وله «تعليقة» في مسائل الخلاف كبيرة، «وتفسير القرآن» في أحد وأربعين جزءا، حدث به.

وروى عن [أبيه (2)] وعلي بن أيوب البزار، والمبارك بن عبد الجبار، والحسين الخلال، وأبي نصر بن ودعان، وغيرهم.

وسمع منه يحيى بن طاهر بن النجار الواعظ، وغيره.

وقال ابن شافع: كان فقيها في المذهب، يفتي وينتفع به جماعة أهل محلته.

وقال ابن النجار: كان موصوفا بالخير والصلاح والفضل.

وقال ابن الجوزي: كان يتجر في الخل وينتفع، ولا يقبل من أحد شيئا.

توفي يوم الاثنين سلخ ربيع الأول سنة ست وأربعين وخمسمائة. وصلى عليه من الغد الشيخ عبد القادر بالمصلى القديم بالجلبة. ودفن بداره بالمأمونية.

وذكر الحفاظ زكي الدين المنذريّ في «التكملة» في ترجمة ولده (3) أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن. المتوفى سنة أربع عشرة وستمائة: أنه سمع بإفادة والده من أبي المعالي بن السّمين، وغيره. قال: ووالده أبو محمد كان من شيوخ الحنابلة، وله معرفة بالفقه والتفسير، وحدث.

(1) تكملة عن: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب.

(2)

تكملة عن: المصدر السابق.

(3)

في الأصل: «والده» تحريف، صوابه في: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب.

ص: 281

قال: والحلواني- بفتح المهملة وسكون اللام- وهذه النسبة إلى بيع الحلواء وعملها. والمعروف أنه بضم الحاء، وما أظنه منسوبا إلا إلى حلوان البلد المعروف بالعراق.

262 -

عبد الرحمن بن عمر بن رسلان بن نصير بن صالح جلال الدين أبو الفضل (1).

البلقينيّ الأصل، الشافعيّ سبط الإمام بهاء الدين بن عقيل.

ولد في خامس عشري رمضان سنة ثلاث وستين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ في كنف والده الإمام سراج الدين، فحفظ القرآن، «وتدريب» والده، وغيره. وقرأ على والده «الحاوي» ولم يأخذ عن غيره، وكان مفرط الذكاء، قوي الحافظة، أعجوبة من عجائب الدنيا في سرعة الفهم وجودة الحفظ، فمهر في مدة يسيرة.

وكتب له والده إجازة قال فيها: إنه رأى منه البراعة في فنون متعددة، من الفقه وأصوله، والفرائض وغيرها، مما يظهر من مباحثه على الطريقة الجدلية، والمسالك المرضية، والأساليب الفقهية، والمعاني الحديثية.

وولي القضاء في رابع جمادى الآخرة سنة أربع وثمانمائة، واستمع قاضيا إلى جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين، مع تخلل عزله وعوده مراتب قليلة، ثم أعيد في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين. إلى أن مات وقت أذان العصر يوم الأربعاء عاشر شوال سنة أربع وعشرين، ويقال: إنه مات مسموما، وصلي عليه ضحى يوم الخميس بجامع الحاكم، ودفن بجانب والده.

(1) ورد له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 438، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 282، الضوء اللامع للسحاوي 4/ 106، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 119 ب.

ص: 282

وكان قد ابتلي بحب القضاء، وكان يبحث في فنون التفسير في كلام أبي حيّان، والزمخشري، ويبدي في كل فن منه ما يدهش الحاضر.

ودرس بالخشابيّة، والشريفيّة. وغيرهما من المدارس.

وكان إماما ذكيا، نحويا، مفتيا، مفسّرا، فصيحا بليغا، جهوريّ الصوت، عارفا بالفقه ودقائقه، مستحضرا لفروع مذهبه، مستقيم الذهن، جيد التصوّر، حتى إن الحافظ ابن حجر قال: إنه كان أحسن تصوّرا من والده وكان مليح الشكالة، أبيض مشربا بحمرة، إلى الطول أقرب، صغير اللحية مستديرها، منوّر الشيبة، جميلا وسيما، ديّنا عفيفا، مهابا معظما عند الملوك، حلو المحاضرة، رقيق القلب، سريع الدمعة، زائد الاعتقاد في الصالحين، كثير الخضوع لهم.

ومن تصانيفه «الإفهام بما وقع في صحيح البخاري من الإبهام» و «تفسير» لم يكمل، و «نكت على المنهاج» لم تكمل، وأخرى على «الحاوي الصغير» و «معرفة الكبائر والصغائر» و «الخصائص النبوية» و «علوم القرآن» و «ترجمة والده» و «كتاب في الوعظ» و «نظم ابن الحاجب الأصلي» وكان التزم لكل من حفظه بخمسمائة، و «أجوبة عن أسئلة يمنية» وعن «أسئلة يمينة» ، وعن «أسئلة مغربية» ، و «حواشي على الروضة» أفردها أخوه العلم الصالح، وأفرد له ترجمة، رحمه الله وإيانا.

263 -

عبد الرحمن بن أبي القاسم بن علي بن عثمان البصريّ (1).

الضرير. الإمام نور الدين أبو طالب، نزيل بغداد.

(1) أنظر ترجمته في: تاريخ علماء بغداد للسلامي 86، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 313، طبقات المفسرين للسيوطي 17.

ص: 283

ولد يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة بناحية عبدليّان، من قرى البصرة.

وحفظ القرآن بالبصرة سنة إحدى وثلاثين على الشيخ حسن بن دويرة.

وقدم بغداد. وسكن بمدرسة أبي حكيم، وحفظ بها كتاب «الهداية» لأبي الخطاب، وجعل فقيها بالمستنصرية، ولازم الاشتغال حتى أذن له في الفتوى سنة ثمان وأربعين.

وسمع ببغداد من أبي بكر الخازن، ومحمد بن علي بن أبي سهل، والصاحب أبي محمد بن الجوزي، وغيرهم.

وسمع من الشيخ مجد الدين بن تيمية أحكامه، وكتاب «المحرر» في الفقه. وكان بارعا في الفقه. وله معرفة بالحديث والتفسير.

ولما توفي شيخه ابن دويرة بالبصرة ولي التدريس بمدرسة شيخه، وخلع عليه ببغداد خلعة، وألبس الطرحة السوداء في خلافة المستعصم سنة اثنتين وخمسين.

وذكر ابن السّاعي: أنه لم يلبس الطرحة أعمى بعد أبي طالب بن الحنبلي. سوى الشيخ نور الدين هذا. ثم بعد واقعة بغداد: طلب إليها ليولي تدريس الحنابلة بالمستنصرية، فلم يتفق. وتقدم الشيخ جلال الدين بن عكبر فرتب الشيخ نور الدين مدرسا بالبشيرية. فلمّا توفي ابن عكبر المذكور نقل إلى تدريس المستنصرية في شوال سنة إحدى وثمانين.

وله تصانيف عديدة، منها «جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحيّ القيوم» كتاب «الحاوي» في الفقه، مجلدين، «الكافي» في شرح الخرقي، «الواضح» في تفسير الخرقي أيضا، «الشافي» في المذاهب، «مشكل كتاب الشهاب» طريقة في الخلاف يحتوي على عشرين مسألة.

ص: 284

تفقه عليه جماعة، منهم: الإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق، وسمع منه. وكان يكتب عنه في الفتاوى، ثم أذن له فكتب عن نفسه، وقال عنه: كان شيخنا من العلماء المجتهدين، والفقهاء المنفردين.

وروى عنه جماعة، وكانت له فطنة عظيمة، وبادرة عجيبة.

وكان ملازما للشيخ نور الدين حتى زوجه الشيخ ابنته، قال: عقد مرة مجلس بالمستنصرية للمظالم. وحضره الأعيان فاتفق جلوس الشيخ بهاء الدين ابن الفخر عيسى، كاتب ديوان الإنشاء، وتكلم الجماعة فبرز الشيخ نور الدين عليهم بالبحث، ورجع إلى قوله، فقال له ابن الفخر عيسى: من أين الشيخ؟ قال: من البصرة. قال: والمذهب؟ قال: حنبلي. قال: عجبا! بصريّ حنبليّ؟ فقال الشيخ: هنا أعجب من هذا: كرديّ رافضي. فخجل ابن الفخر عيسى وسكت. وكان كرديا رافضيا. والرفض في الأكراد معدوم أو نادر.

توفي الشيخ نور الدين ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة أربع وثمانين وستمائة. ودفن في دكة القبور بين يدي قبر الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه.

264 -

عبد الرحمن بن [أبي](1) حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو محمد التّميميّ الحنظليّ (2).

(1) تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي.

(2)

له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 191، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 829، الرسالة المستطرفة للكتاني 72، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2/ 55، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 324، طبقات العبادي 29، طبقات المفسرين للسيوطي 17، العبر 2/ 208، فوات الوفيات 1/ 542، لسان الميزان 3/ 432، مرآة الجنان لليافعي 2/ 289، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 587، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 265.

ص: 285

الإمام الثبت ابن الإمام الثبت، حافظ الرّيّ وابن حافظها.

سمع من أبيه، وابن وارة، وأبي زرعة، والحسن بن عرفة، وأبي سعيد الأشجّ، ويونس بن عبد الأعلى، وخلائق بالحجاز، والشام ومصر، والعراق والجبال، والجزيرة.

روى عنه أبو الشيخ بن حيان، ويوسف الميانجيّ (1) وخلائق.

قال الخليليّ: أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال.

صنّف في الفقه، واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان عابدا زاهدا يعدّ من الأبدال.

ومن تصانيفه: «التفسير المسند» اثنا عشر مجلدا، وكتاب «الجرح والتعديل» يدل على سعة حفظه وإمامته، وكتاب «الرد على الجهميّة» ، وكتاب «الزهد» وكتاب «الكنى» وكتاب «العلل» المبوب على أبواب الفقه، و «مناقب الشافعيّ» و «مناقب أحمد» وغير ذلك.

وكان من كبار الصالحين لم [يعرف](2) له ذنب قط: ولا جهالة طول عمره.

قال يحيى بن منده: صنّف «المسند» في ألف جزء.

قال عمر بن إبراهيم الزاهد الهرويّ: حدثنا الحسين بن أحمد الصفّار، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم، يقول: وقع عندنا الغلاء، فأنفذ بعض أصدقائي حبوبا من أصبهان، فبعته بعشرين ألف درهم، وسألني أن

(1) الميانجي: بفتح الميم والياء وسكون الألف وفتح النون وفي آخرها الجيم نسبة الى ميانج، وهو موضع بالشام (اللباب لابن الأثير 3/ 197).

(2)

تكملة عن: طبقات المفسرين للسيوطي.

ص: 286

أشتري له دارا عندنا، فإذا نزل علينا نزل فيها، فأنفقتها على الفقراء، وكتب إليّ: ما فعلت؟ قلت: اشتريت لك بها قصرا في الجنة، قال: رضيت إن ضمنت ذلك لي: فتكتب على نفسك صكا، قال ففعلت، فأريت في المنام:

قد وفّينا بما ضمنت ولا تعد لمثل هذا.

وقال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخيّ: سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه الرازيّ، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد، سمعت يحيى بن معين، يقول: إنا لنطعن على أقوام، لعلهم قد حطّوا رحالهم في الجنة [من (1)] مائتي سنة.

قال ابن مهرويه: فدخلت على ابن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب «الجرح والتعديل» فحدثته بها، فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب، وجعل يستعيدني الحكاية، ويبكى. مات في المحرّم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وهو في عشر التسعين.

265 -

عبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد بن إبراهيم الكرمانيّ الحنفيّ ركن الدين أبو الفضل (2).

قال السمعاني في «معجم شيوخه» : إمام أصحاب أبي حنيفة بخراسان، قدم مرو، وتفقه على القاضي محمد بن الحسين الأردستانيّ (3)،

(1) تكملة عن تذكرة الحفاظ للذهبي، وطبقات الشافعية للسبكي.

(2)

له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 480 أ، تاج التراجم لابن قطلوبغا 33، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 304، طبقات المفسرين للأدنةوي 44 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 18، الطبقات السنية 275 ب، الفوائد البهية للكنوي 91.

(3)

كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: الجواهر المضيئة 1/ 304، والطبقات السنية للغزي ورقة 275 ب. وفي طبقات المفسرين للسيوطي، والأنساب للسمعاني، والفوائد البهية للكنوي:

«الأرسابندي» .

ص: 287

وكان قد فرغ قبل قدومه من تعليقه المذهب ببلخ، على عمر الخلنجيّ، ولازمه إلى أن صار أصحابه، ولم يزل يرتفع حاله لاشتغاله بالعلم ونشره، وتكاثر الفقهاء لديه، وتزاحم الطلبة عليه، إلى أن سلم له التقدم بمرو، وصار مقبولا عند الخاص والعام، وانتشر أصحابه في الآفاق، وظهرت تصانيفه بخراسان والعراق، ودرس عليه العلماء، وكانوا يقرءون عليه التفسير والحديث في شهر رمضان.

سمع بكرمان والده، وبمرو أستاذه الأردستانيّ.

تفقه عليه بمرو أبو الفتح محمد بن يوسف بن أحمد القنطريّ السمرقنديّ.

ومن تصانيفه «الجامع الكبير» و «التجريد» في الفقه مجلد و «شرحه» في ثلاث مجلدات، وسماه «الإيضاح» .

قال السمعاني: سمعت منه، وكانت ولادته بكرمان في شوال سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وتوفي بمرو عشية الجمعة لعشر بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، بمدرسة القاضي الشهيد.

ذكره القرشي في «طبقات الحنفية» .

266 -

عبد الرحمن بن محمد بن سلم الحافظ الكبير أبو يحيى الرازي (1).

إمام جامع أصبهان. ومصنف «المسند» و «التفسير» ، من الثقات.

حدّث عن سهل بن عثمان، وعبد العزيز بن يحيى، والحسين بن عيسى الزهريّ وطبقتهم.

حدث عنه أبو أحمد العسّال، وأبو الشيخ، والطبرانيّ، وآخرون. مات سنة إحدى وستين ومائتين.

(1) أنظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 690، الرسالة المستطرفة للكتاني 70، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 133.

ص: 288

267 -

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر البعلبكيّ (1). ثم الدمشقيّ الحنبليّ، الفقيه المحدّث، فخر الدين أبو بكر ابن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله بن الإمام فخر الدين أبي محمد (2).

مولده يوم الخميس رابع عشري ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وستمائة.

وسمع من ابن البخاري في الخامسة، ومن الشيخ تقيّ الدين الواسطيّ، وعمر القواس. وعني بالحديث. وارتحل فيه مرات، وكتب العالي والنازل من سنة خمس وسبعمائة، وهلم جرا.

وخرّج لغير واحد من الشيوخ، وأفاد وتفقه، وأفتى في آخر عمره، وولي مشيخة الصّدرية والإعادة بالمسمارية، وجمع عدة تآليف، وفسّر بعض القرآن الكريم، وحدث.

سمع منه الذهبي وجماعة، وكان فقيها محدّثا، كثير الاشتغال بالعلم، عفيفا ديّنا، حج مرات، وأقام بمكة أشهرا، وكان مواظبا على قراءة جزءين من القرآن في الصلاة كل ليلة.

وله مواعيد كثيرة لقراءة الحديث، والرقائق على الناس، وجمع في ذلك مجموعات حسنة، منها كتاب. «الثمر الرائق المجتنى من الحقائق» (3) وانتفع بمجالسته الناس.

توفي يوم الخميس تاسع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.

وصلي عليه بالجامع، وحضر جنازته جمع كثير، وحمل على الرقاب، ودفن بمقبرة الصوفية، ولم يعقب.

(1) في الأصل: «البعلي» ، والمثبت في: الدرر الكامنة لابن حجر، وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي، وذيل العبر.

(2)

له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 451، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 30، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 419، ذيل العبر للذهبي 175.

(3)

ذكر في شذرات الذهب، والذيل على طبقات الحنابلة، باسم «الثمر الرائق المجتنى من الحدائق» .

ص: 289

وأخبر بعض أقاربه- وكان يخدمه في مرضه الذي توفي فيه- قال: آخر ما سمعت منه عند موته، أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من كان آخر كلامه لا إله إلا الله) ثم مات.

268 -

عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز اللّخميّ أبو القاسم الإمام النحويّ الحنفيّ (1).

أخذ عن العلامة أبي محمد عبد الله بن برّي [كتابه](2) الذي وضعه في أغلاط ضعفاء أهل الفقه. ورواه عنه الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم الحرّانيّ ورواه عن الحرّانيّ، أبو إسحاق إبراهيم الصّريفينيّ.

قال الحافظ الدّمياطيّ: ويدعى أيضا عبد الرحيم. سكن القاهرة، ومولده في سنة خمس وخمسين وخمسمائة. (3)

تفقه على أبي محمد عبد الله بن سعد البجليّ مدرس السيوفية، وسمع منه ومن الحافظ أبي محمد القاسم بن علي بن عبد الرحمن.

قال الدّمياطيّ: كان شيخا فاضلا شاعرا، مع ما فيه من التبحّر في مذهب أبي حنيفة فإنّه درّس وناظر، وطال عمره، ودرس بالمدرسة العاشورية بحارة زويلة، إلى أن مات.

وله تصانيف في فنون نظما ونثرا في المذاهب الأربعة، واللغة، والتفسير، والوعظ، والإنشاء، وله خط حسن.

قال الدّمياطيّ وغيره: مات في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وستمائة؛ ودفن بسفح المقطم.

(1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 34، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 305، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 465، الطالع السعيد للادفوي 295.

(2)

تكملة عن: الجواهر المضيئة للقرشي.

(3)

تكملة عن: الجواهر المضيئة للقرشي.

ص: 290

سمع منه الحافظ المنذري، وذكره في «معجم شيوخه» .

ذكره القرشي.

269 -

عبد الرحمن بن محمد بن عتّاب (1).

يكنى: أبا محمد، هو آخر الشيوخ الجلّة الأكابر بالأندلس في علو الإسناد. وسعة الرواية.

روى عن أبيه وأكثر عنه. وأجاز له من الشيوخ خلق كثير.

وكان عالما بالقراءات السبع وكثير من التفسير وغريبه ومعانيه، مع حظ وافر من اللغة. وكان صدرا فيما يستفتى فيه. وكانت الرحلة في وقته إليه.

ومدار أصحاب الحديث عليه.

وله تواليف حسنة مفيدة منها: كتاب حفيل في الزهد والرقائق سماه «بشفاء الصدور» وهو كتاب كبير، وسمع منه الآباء والأبناء. وكثر انتفاع الناس به. توفي سنة عشرين وخمسمائة.

ذكره ابن فرحون في «طبقات المالكية» .

270 -

عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس بن أصبغ بن فطيس (2).

واسم هذا، سليمان، وفطيس لقب له، يكنى أبا المطرّف، قاضي الجماعة بقرطبة.

روى عن أبي الحسن الأنطاكيّ المقرئ، وأبي محمد القلعي، وأبي محمد

(1) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 150، الصلة لابن بشكوال 1/ 332.

(2)

له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1061، الديباج المذهب لابن فرحون 150، الرسالة المستطرفة للكتاني 58، الصلة لابن بشكوال 1/ 298، العبر 3/ 78، مرآة الجنان لليافعي 3/ 4، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 231.

ص: 291

الباجي، وأبي محمد الأصيلي، وخلق يكثر إيرادهم من أهل المشرق. ومن أهل بغداد، أبو الحسن الدارقطنيّ. وأبو بكر الأبهريّ، وغيرهما. ومن أهل القيروان أبو محمد بن أبي زيد الفقيه، وأحمد بن نصر الداوديّ، وغيرهما.

كان رحمه الله من كبار المحدثين، وصدور العلماء المسندين، حافظا للحديث متقنا لعلومه.

وله مشاركة في سائر العلوم، وجمع من الكتب في أنواع العلوم ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس. وكان له ستة وراقين ينسخون له دائما. وكان قد رتّب لهم على ذلك راتبا معلوما. وكان لا يسمع بكتاب حسن إلا اشتراه أو استنسخه. ولمّا توفي اجتمع أهل قرطبة لبيع كتبه، فأقاموا في بيعها مدّة عام كامل في المسجد، وكان ذلك في وقت الغلاء والفتنة، فاجتمع فيها من الثمن أربعون ألف دينار قاسمية، يبلغ صرفها نحو ثلاثمائة ألف درهم، وتقلد رحمه الله قضاء قرطبة مقرونا بولاية صلاة الجمعة والخطبة مضافا إلى ذلك خطّته العليا من الوزارة، وكان ذا صلابة في الحق ونصرة للمظلوم، ودفع للظالم. حدّث عنه من كبار العلماء أبو عمر بن عبد البرّ، وأبو عبد الله بن عائذ، والصاحبان، وابن أبيض، وسراج القاضي، وأبو عمر الطلمنكي، وأبو عمر بن الحذّاء، وحاتم بن محمد الخولاني، وأبو حفص الزهراويّ وغيرهم، وصنفا كتبا حسانا منها كتاب «القصص والأسباب التي نزل من أجلها القرآن» في نحو مائة جزء ونيف، وكتاب «المصابيح في فضائل الصحابة» مائة جزء، و «فضائل التابعين لهم بإحسان» مائة وخمسون جزءا، و «الناسخ والمنسوخ» ثلاثون جزءا، و «كتاب الإخوة من المحدّثين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين» أربعون جزءا، و «أعلام النبوة» ، و «دلالات الرسالة» عشرة أسفار، و «كرامات الصالحين ومعجزاتهم» ثلاثون جزءا، و «مسند حديث محمد بن فطيس» خمسون جزءا، و «مسند قاسم بن أصبغ» ، و «العوالي» ستون جزءا،

ص: 292

و «الكلام على الإجازة والمناولة» عدّة أجزاء، وغير ذلك من تواليفه. توفي يوم الثلاثاء للنصف من ذي القعدة سنة اثنتين وأربعمائة.

ذكره ابن بشكوال في «الصلة» .

271 -

عبد الرحمن بن محمد الحلّالي- بالمهملة- الشيخ زين الدين (1).

من أهل جزيرة ابن عمر، وهو ابن أخت الشيخ نظام الدين عالم بغداد.

أخذ عن أبيه وغيره، وبرع في الفقه، والقراءات، والتفسير. مات ظنا سنة ست وثلاثين وثمانمائة.

272 -

عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن أبو المطرّف القنازعي القرطبيّ الأنصاريّ المالكيّ (2).

كان إماما عالما عاملا، فقيها حافظا، عالما بالتفسير والأحكام. بصيرا بالحديث، حافظا للرأي، ورعا زاهدا، متقشّفا قانعا باليسير، مجاب الدعوة، وله معرفة باللغة والأدب.

تفقه بالأصيلي، وأبي عمر بن المكوي وغيرهما. وسمع الحديث من أبي عيسى، والقلعي، وابن عون الله وغيرهم. ثم رحل وحجّ وسمع بمصر من الحسن بن رشيق وغيره، وأخذ عن ابن أبي زيد جملة من تواليفه، وأقبل على نشر العلم وإقراء القرآن، وامتحن بالبرابرة في الفتنة، أيام ظهورهم على قرطبة، محنة أودت بحاله، وقدحت في خاطره، فعراه طيف خيال يغشاه ولا يؤذيه، وكان أقرأ من بقي.

(1) له ترجمة في: الضوء اللامع للسحاوي 4/ 154.

(2)

له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 358، جذوة المقتبس للحميدي 260، الديباج المذهب لابن فرحون 1/ 380، طبقات المفسرين للسيوطي 18، العبر 3/ 112.

ص: 293

وصنّف: «شرح الموطأ» مفيد مشهور، و «مختصر تفسير القرآن» لابن سلام، و «مختصر وثائق ابن الهندي» وعرض عليه السلطان الشّورى فامتنع.

روى عنه ابن عتاب، وابن عبد البرّ، وابن الطّبنيّ (1)، وغيرهم.

مولده سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة. مات في رجب سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.

والقنازعي: نسبة إلى ضيعة (2) من بلاد المغرب.

373 -

عبد الرحمن بن محمد بن المظفّر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم بن شيرزاد، أبو الحسن الداودي البوشنجي (3).

الذي روى عنه أبو الوقت «صحيح البخاري» .

من أهل بوشنج، بباء موحدة مضمومة، ثم واو ساكنة، ثم شين معجمة مفتوحة، ثم نون ساكنة ثم جيم: بلدة بنواحي هراة.

ولد سنة أربع وسبعين وثلاثمائة.

تفقه على أبي بكر القفّال، وأبي الطيب الصّعلوكي، وأبي طاهر الزياديّ، وأبي حامد الأسفراينيّ، وأبي الحسن الطّبسيّ. وما أظن شافعيّا اجتمع له مثل هؤلاء الشيوخ.

(1) هو إبراهيم بن يحيى بن محمد بن حسين بن أسد التميمي، يعرف: بابن الطبني من أهل قرطبة، من أهل بيت أدب وشعر ورئاسة توفي سنة 461 هـ (الصلة لابن بشكوال 1/ 96).

(2)

كذا في الأصل، وفي الصلة لابن بشكوال «منسوب الى صنعته» .

(3)

له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 220 أ، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 112، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 117، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 25 ب، العبر 3/ 264، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 548، اللباب لابن الأثير 1/ 407، المنتظم لابن الجوزي 8/ 496، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 99.

ص: 294

وسمع عبد الله بن أحمد بن حمّويه السّرخسيّ، وهو آخر الرّواة عنه، وأبا محمد بن أبي شريح، وأبا عبد الله الحاكم، وأبا طاهر الزياديّ، وأبا عمر بن مهديّ، وعليّ بن عمر التمّار، وغيرهم ببوشنج، وهراة ونيسابور، وبغداد.

روى عنه أبو الوقت، ومسافر بن محمد، وعائشة بنت عبد الله البوشنجية، وأبو المحاسن أسعد بن زياد المالينيّ، وغيرهم.

وكان فقيها إماما صالحا زاهدا ورعا، شاعرا أديبا صوفيا.

صحب الأستاذ أبا عبد الرحمن السّلميّ، وأبا علي الدّقّاق، وغيرهم.

وقيل: إنه كان يحمل ما يأكله وقت تفقهه ببغداد وغيرها من البلاد من بلده بوشنج، احتياطا.

وقد سمع مشايخ عدّة، وكان يصنّف ويفتي ويعظ ويكتب الرسائل الحسنة. ويحكى أنّه كان لا تسكن شفتاه من ذكر الله عز وجل، وأنّ مزينا جاء ليقصّ شاربه، فقال له: أيها الإمام يجب أن تسكّن شفتيك، فقال:

قل للزمان حتى يسكن.

ودخل إليه نظام الملك، وتواضع معه غاية التواضع، فلم يزده على أن قال: أيها الرجل، إن الله سلطك على عبيده، فانظر كيف تجيبه إذا سألك عنهم.

وذكره الحافظ أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجانيّ، فقال: شيخ عصره، وأوحد دهره، الإمام المقدّم في الفقه والأدب والتفسير، وكان زاهدا ورعا حسن السّمت، بقية المشايخ بخراسان، وأعلاهم إسنادا.

أخذ عنه فقهاء بوشنج.

ولد في شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. وتوفي ببوشنج في شوال سنة سبع وستين وأربعمائة، ابن ثلاث وتسعين سنة.

ص: 295

وكان سماعه للصحيح في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن ست سنين. هذا كلام الجرجانيّ.

وروي أنّ أبا الحسن عبد الغافر الفارسي كان قد سمع الصحيح من أبي سهل الحفصيّ.

ومن شعره:

إن شئت عيشا طيّبا

صفوا بلا منازع (1)

فاقنع بما أوتيته

فالعيش عيش القانع

274 -

عبد الرحمن بن مسلمة بن عبد الملك بن الوليد القرشي المالقي (2).

سكن إشبيلية. يكنى أبا المطرّف، كان مقدّما في الفهم: بصيرا بعلوم كثيرة من علوم القرآن، والأصول، والحديث، والفقه، وفنون العربية، والحساب، والطب، والعبادات، قد أخذ من كل علم بحظ وافر، مع حفظه للأخبار والأشعار روضة لجليسه، وكان قديم الطلب لذلك كله ببلده وبقرطبة.

فمن شيوخه بقرطبة: الأصيلي، وأبو عمرو الإشبيليّ، وابن الهندي، وعباس بن أصبغ، وأبو نصر، وخلف بن قاسم، وغيرهم. توفي في شوال سنة ست وأربعين وأربعمائة، ومولده سنة ست وستين وثلاثمائة.

ذكره ابن بشكوال.

(1) طبقات الشافعية للسبكي.

(2)

له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 307.

ص: 296

275 -

عبد الرحمن بن موسى الهواري أبو موسى (1).

من إستجّة. قال ابن الفرضيّ: رحل فلقي مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة ونظرائهما من الأئمة، ولقي الأصمعيّ، وأبا زيد الأنصاري، وغيرهما من رواة الغريب، وداخل العرب، فتردد في محالها، ورجع إلى الأندلس؛ وكان حافظا للفقه والقراءات والتفسير، وله «كتاب في تفسير القرآن» ؛ وكان إذا قدم قرطبة لم يفت كبراؤها حتى

يرحل عنها.

وذكره الزبيديّ في الطبقة الأولى من نحاة الأندلس؛ وقال: هو أول من جمع الفقه في الدين وعلم العرب بالأندلس؛ وذكر مثل ما تقدّم عن ابن الفرضيّ. ثم قال. وكانت العبادة أغلب عليه من العلم.

ذكره شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين الأسيوطيّ في «طبقات النحاة» ، وكذا ابن فرحون، ولم يؤرّخا وفاته.

(1) له ترجمة في: تاريخ علماء الأندلس لابن فرضي. 257، الديباج المذهب لابن فرحون 148.

ص: 297