الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنِّي لَسْت فِي ذَلِكُمْ مِثْلَكُمْ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَنْهَى عَنْهَا وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ» .
(السَّادِسَةُ) فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ «امْرَأَةِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَتْ كُنْت أَصُومُ فَأُوَاصِلُ فَنَهَانِي بَشِيرٌ، وَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانِي عَنْ هَذَا قَالَ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى وَلَكِنْ صُومِي كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل ثُمَّ أَتَمِّي الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَأَفْطِرِي» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ مُخَالَفَةُ النَّصَارَى فِي فِعْلِهِمْ لَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ حُجَّةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ أُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنْ الصِّيَامِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ أَوْ يَمَلَّهَا وَيَسْأَمَ لِضَعْفِهِ بِالْوِصَالِ إذْ يَتَضَرَّرُ بَدَنُهُ أَوْ بَعْضُ حَوَاسِّهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ انْتَهَى. وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ «فَاكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ» ، وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهُ كَمَا وَرَدَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى.
[فَائِدَة قَوْلُ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى قَوْله صلى الله عليه وسلم إنِّي أطعم وأسقى]
1
(السَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» وَقَوْلِهِ «إنِّي أَبَيْت يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» عَلَى أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّ مَعْنَاهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إذْ لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَبْقَ وِصَالٌ وَلَقَالَ مَا أَنَا بِمُوَاصِلٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ هُنَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّمَنِّي وَعَزْوُ وَالِدِي رحمه الله فِي أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِلْبُخَارِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرْته، هَذَا هُوَ الَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ أَظَلُّ إلَّا فِي النَّهَارِ وَلَوْ أَكَلَ فِي النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا وَهَذَا أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ، وَقَالَهُ النَّوَوِيُّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ فَعَبَّرَ بِالطَّعَامِ وَالسُّقْيَا عَنْ فَائِدَتِهِمَا وَهِيَ الْقُوَّةُ عَلَى الصَّبْرِ عَنْهُمَا.
(الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ مِنْ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ مَا يُغْنِيهِ عَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُعْطَى قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ مِنْ غَيْرِ شِبَعٍ وَلَا رِيٍّ بَلْ مَعَ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ وَهَذَا أَكْمَلُ لِحَالِهِ، وَعَلَى الثَّانِي يُخْلَقُ فِيهِ الشِّبَعُ بِلَا أَكْلٍ وَالرِّيُّ بِلَا شُرْبٍ وَهَذِهِ كَرَامَةٌ عَظِيمَةٌ لَكِنَّهَا تُنَافِي حَالَةَ الصَّائِمِ وَتُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ مِنْ الصِّيَامِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُبْعِدُهُ النَّظَرُ إلَى حَالِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ يَجُوعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُ وَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحِجَارَةَ مِنْ الْجُوعِ وَيُبْعِدُهُ أَيْضًا النَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ فِيهِ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ لَمَا وَجَدَ لِعِبَادَةِ الصَّوْمِ رُوحَهَا الَّذِي هُوَ الْجُوعُ وَالْمَشَقَّةُ وَحِينَئِذٍ كَانَ يَكُونُ تَرْكُ الْوِصَالِ أَوْلَى انْتَهَى وَأَمَّا ابْنُ حِبَّانَ فَإِنَّهُ ضَعَّفَ حَدِيثَ وَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى بَطْنِهِ مِنْ الْجُوعِ بِهَذَا الْحَدِيثِ إمَّا حَمْلًا لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَوَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَإِمَّا تَمَسُّكًا بِهَذَا الْجَوَابِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَقَالَ هَذَا الْخَبَرُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ وَضْعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ كُلُّهَا أَبَاطِيلُ، قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْحُجْزُ لَا الْحَجَرُ وَالْحُجْزُ طَرَفُ الْإِزَارِ إذْ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا كَانَ يُطْعِمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَسْقِيهِ إذَا وَاصَلَ فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ جَائِعًا مَعَ عَدَمِ الْوِصَالِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى شَدِّ حَجَرٍ عَلَى بَطْنِهِ؟ وَمَا يُغْنِي الْحَجَرُ عَنْ الْجُوعِ؟ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ذَلِكَ مَرْدُودٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الرِّوَايَةِ وَبَعْضُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ صَرِيحَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُؤْتَى الطَّعَامَ مِنْ الْجَنَّةِ وَشَرِبَ مِنْهَا فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ كَرَامَةً لَهُ وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا وَبِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» وَلَفْظَةُ أَظَلُّ لَا تَكُونُ إلَّا فِي النَّهَارِ وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ الْحَقِيقِيُّ فِي النَّهَارِ بِلَا شَكٍّ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْجَوَابُ لَعَلَّهُ يَخُصُّ مَنْعَ الْأَكْلِ نَهَارًا بِطَعَامِ الدُّنْيَا دُونَ طَعَامِ الْجَنَّةِ أَوْ يُؤَوِّلُ لَفْظَةَ أَظَلُّ عَلَى مُطْلَقِ السُّكُونِ وَيَخْرُجهَا عَنْ حَقِيقَتِهَا وَكُلًّا مِنْهَا بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَشْغَلُنِي عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْحُبُّ الْبَالِغُ يَشْغَلُ عَنْهُمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ وَيَسْقِينِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ لُغَتَانِ أَشْهَرُهُمَا الْفَتْحُ، وَقَوْلُهُ «فَاكْلَفُوا» بِفَتْحِ اللَّامِ مَعْنَاهُ خُذُوا وَتَحَمَّلُوا