الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اُحْثُوَا التُّرَابَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ» وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ إذَا مَدَحُوا بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَيْسَ فِي الْمَمْدُوحِ.
[فَائِدَة تَأْنِيسُ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ مَخَافَةٌ مِنْ أَمْرٍ]
1
(الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) وَفِيهِ تَأْنِيسُ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ مَخَافَةٌ مِنْ أَمْرٍ وَتَبْشِيرُهُ وَذِكْرُ أَسْبَابِ السَّلَامَةِ.
[فَائِدَة كَمَالُ خَدِيجَةَ رِضَى اللَّه عَنْهَا وَجَزَالَةِ رَأْيِهَا]
(الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ خَدِيجَةَ رضي الله عنها وَجَزَالَةِ رَأْيِهَا وَقُوَّةِ نَفْسِهَا وَثَبَاتِ قَلْبِهَا وَعِظَمِ فِقْهِهَا.
(الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهُ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ عَلَمَيْنِ.
(السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهَا «وَكَانَ امْرَءًا تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» أَيْ صَارَ نَصْرَانِيًّا وَتَرَكَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَفَارَقَ طَرِيقَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْجَاهِلِيَّةُ مَا كَانَ قَبْلَ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ فَاحِشِ الْجَهَالَاتِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيمَنْ عَاشَ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم سِتِّينَ سَنَةً فِي الْإِسْلَامِ وَسِتِّينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَغَيْرِهِ أَمْ مُرَادُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا قَبْلَ فُشُوِّ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَاتُوا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ فَسَمَّوْا الزَّائِدَ عَلَى سِتِّ سِنِينَ مِمَّا قَبْلَ الْهِجْرَةِ جَاهِلِيَّةً لِانْتِشَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَفُشُوِّ أَمْرِهَا قَبْلَ فُشُوِّ الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهَا «وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ» فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ «يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ» .
قَالَ النَّوَوِيُّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَحَاصِلُهُمَا أَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ دَيْنِ النَّصَارَى بِحَيْثُ صَارَ يَتَصَرَّفُ فِي الْإِنْجِيلِ فَيَكْتُبُ أَيَّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إنْ شَاءَ وَبِالْعَرَبِيَّةِ إنْ شَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهَا «أَيْ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ حَرْفُ نِدَاءٍ لِلْبَعِيدِ مَسَافَةً أَوْ حُكْمًا فَنَادَتْهُ نِدَاءَ الْبَعِيدِ مَعَ قُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَعِيدِ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْمَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهَا «ابْنَ عَمِّ» مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ وَهَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَيْ عَمِّ» قَالَ النَّوَوِيُّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهَا حَقِيقَةً فَإِنَّهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَسَمَّتْهُ عَمًّا مَجَازًا لِلِاحْتِرَامِ وَهَذِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عَادَةُ الْعَرَبِ فِي آدَابِ خِطَابِهِمْ يُخَاطِبُ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ بِيَا عَمِّ احْتِرَامًا لَهُ وَرَفْعًا لِمَرْتَبَتِهِ وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْغَرَضُ بِقَوْلِهَا يَا ابْنَ عَمِّ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ تَكَلَّمْت بِاللَّفْظَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُ وَرَقَةَ «ابْنَ أَخِي» مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ وَحَرْفُ النِّدَاءِ مَحْذُوفٌ أَيْ يَا ابْنَ أَخِي وَالصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ جَوَازُ حَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ مَعَ اسْمِ الْجِنْسِ عَلَى قِلَّةٍ وِفَاقًا لِلْكُوفِيِّينَ.
وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي شُذُوذٍ أَوْ ضَرُورَةٍ.
(الْخَمْسُونَ) النَّامُوسُ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا جِبْرِيلُ عليه السلام كَمَا نَقَلَ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْغَيْبِ وَالْوَحْيِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ: النَّامُوسُ فِي اللُّغَةِ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَيُقَالُ نَمَسَتْ السِّرَّ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ أَنَمِسُهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ نَمْسًا أَيْ كَتَمْته وَنَمَسْت الرَّجُلَ وَنَامَسْتُهُ سَارَرْته.
(الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى» كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَرَوَيْنَاهُ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ نَزَلَ عَلَى عِيسَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ انْتَهَى.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ إنَّمَا ذَكَرَ مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرْ عِيسَى وَهُوَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ وَرَقَةَ كَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَالنَّصَارَى لَا يَقُولُونَ فِي عِيسَى إنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ إنَّمَا يَقُولُونَ فِيهِ أُقْنُومًا مِنْ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ اللَّاهُوتِيَّةِ حَلَّ بِنَاسُوتِ الْمَسِيحِ وَاتَّحَدَ بِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحُلُولِ؛ وَهُوَ أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَسِيحُ فِي عِلْمِهِمْ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَيُخْبِرُ بِمَا فِي غَدٍ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِ النَّصَارَى الْكَذَبَةِ عَلَى اللَّهِ الْمُدَّعِينَ الْمُحَالَ عَدَلَ عَنْ عِيسَى إلَى مُوسَى لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى مُوسَى لَكِنْ وَرَقَةُ قَدْ ثَبَتَ إيمَانُهُ بِمُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَآهُ فِي الْمَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ» (قُلْت) ، وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «سُئِلَ عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَقَالَ أَبْصَرْتُهُ فِي بُطْنَانِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ سُنْدُسٌ» ، وَرَوَى الْبَزَّارُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَسُبُّوا وَرَقَةَ فَإِنِّي رَأَيْت لَهُ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ» وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَرَقَةَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَسِّكًا بِالْمُبْدَلِ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَإِنَّمَا كَانَ مُتَمَسِّكًا بِالصَّحِيحِ مِنْهَا الَّذِي هُوَ عَلَى الْحَقِّ فَلَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ هَذَا الِاعْتِقَادَ فَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُجَابَ عَنْ ذِكْرِ مُوسَى دُونَ عِيسَى عليهما السلام بِأَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام جَاءَ لِمُوسَى بِشَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ غَيْرِ مَبْنِيَّةٍ عَلَى شَرِيعَةٍ قَبْلَهَا وَكَذَا كَانَ مَجِيئُهُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ عِيسَى فَإِنَّهُ إنَّمَا جَاءَهُ بِشَرِيعَةٍ مُقَرِّرَةٍ لِلشَّرِيعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ شَرِيعَةُ مُوسَى لَا تُخَالِفُهَا إلَّا فِي يَسِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي قَوْلِ الْجِنِّ الْمُسْتَمِعِينَ لِلْقُرْآنِ {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف: 30] فَذَكَرُوا مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرُوا عِيسَى وَهُوَ أَقْرَبُ وَهُوَ نَظِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ سَوَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «يَا لَيْتَنِي فِيهَا» أَيْ فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ وَمُدَّتِهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَيَّامَ الْمُحَارَبَةِ وَالدَّعْوَةِ فَإِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ مَبْدَأَ النُّبُوَّةِ، وَقَوْلُهُ جَذَعًا بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ يَعْنِي شَابًّا قَوِيًّا حَتَّى أُبَالِغَ فِي نُصْرَتِك، وَالْأَصْلُ فِي الْجَذَعِ لِلدَّوَابِّ وَهُوَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ وَالرِّوَايَةُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «جَذَعًا» بِالنَّصْبِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ فِي مُسْلِمٍ «جَذَعٌ» بِالرَّفْعِ.
وَكَذَلِكَ هُوَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةُ التَّوْجِيهِ وَأَمَّا النَّصْبُ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَوْجِيهِهِ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ تَقْدِيرُهُ لَيْتَنِي أَكُونُ فِيهَا جَذَعًا وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ (قُلْت) وَاخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ جَوَازَهُ عَلَى قِلَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ وَلَوْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
مِنْ لَدُ شَوْلًا
…
فَإِلَى ائْتِلَافِهَا
أَيْ مِنْ لَدُنْ كَانَتْ شَوْلًا إلَى أَنْ تَلَاهَا وَلَدُهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَخَبَرُ لَيْتَ قَوْلُهُ: فِيهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ التَّحْقِيقِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنْ شُيُوخِنَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ.
(الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُك قَوْمُك» أَيْ يَضْطَرُّونَك لِلْخُرُوجِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُبَاشِرُوا إخْرَاجَهُ بَلْ حَرَصُوا عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهِ وَلَكِنَّهُمْ اضْطَرُّوهُ إلَى ذَلِكَ بِمَا فَعَلُوهُ مَعَهُ مِنْ الْأَذَى وَمَنْعِهِ إقَامَةَ الدِّينِ وَعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ} [محمد: 13]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
{أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [محمد: 13] .
(الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَهُوَ جَمْعُ مُخْرِجٍ وَأَصْلُهُ مُخْرِجُويَ فَأُدْغِمَتْ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ فَالْيَاءُ الْأُولَى يَاءُ الْجَمْعِ وَالثَّانِيَةُ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَفُتِحَتْ لِلتَّخَفُّفِ لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْكَسْرَةُ وَالْيَاءَانِ بَعْدَ كَسْرَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْيَاءِ عَلَى وَجْهٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَشْدِيدُهَا وَهُوَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22] .
(الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُ وَرَقَةَ «نَعَمْ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَهُ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعُلَمَائِهِمْ فَقَالَهُ بِنَقْلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ بِاسْتِقْرَاءٍ وَتَجْرِبَةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ «لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إلَّا عُودِيَ» خَرَجَ مَخْرَجَ التَّسْلِيَةِ لَهُ وَأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَك أَذَى قَوْمِهِمْ لَهُمْ وَصَبْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ الدَّلِيلِ وَالِاسْتِشْهَادِ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ.
(السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ وَرَقَةَ قَالَ «لَتُكَذِّبَنَّهُ وَلَتُؤْذِيَنَّهُ وَلَتُخْرِجَنَّهُ» ، فَقَالَ أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ، فَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّ الْوَطَنِ وَشِدَّةِ مُفَارَقَتِهِ عَلَى النَّفْسِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ «لَتُكَذِّبَنَّهُ» فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ «وَلَتُؤْذِيَنَّهُ» فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ «وَلَتُخْرِجَنَّهُ» ، فَقَالَ أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حَرَمُ اللَّهِ وَجِوَارُ بَيْتِهِ وَبَلْدَةُ أَبِيهِ إسْمَاعِيلَ؛ فَلِذَلِكَ تَحَرَّكَتْ نَفْسُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْخُرُوجِ مِنْهُ مَا لَمْ تَتَحَرَّكْ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ وَالْمَوْضِعُ الدَّالُ عَلَى تَحَرُّكِ النَّفْسِ وَتَحَرُّقِهَا إدْخَالُ الْوَاوِ بَعْدَ أَلْفِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ اخْتِصَاصِ الْإِخْرَاجِ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاوَ تُرَدُّ إلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَتُشْعِرُ الْمُخَاطَبَ بِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ أَوْ التَّكَلُّفِ لِكَلَامِهِ وَالتَّأَلُّمِ مِنْهُ انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ اسْتَبْعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِيمَا مَضَى وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي إخْرَاجًا بَلْ كَانَتْ مِنْهُ الْأَسْبَابُ الْمُتَكَاثِرَاتُ وَالْمَحَاسِنُ الْمُتَظَاهِرَاتُ الْمُوجِبَاتُ إكْرَامَهُ وَإِنْزَالَهُ بِأَعْلَى الدَّرَجَاتِ انْتَهَى.
(السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُك» كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ «إنْ أُدْرِكْ ذَلِكَ الْيَوْمَ» قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ وَرَقَةَ سَابِقٌ بِالْوُجُودِ وَالسَّابِقُ هُوَ الَّذِي يُدْرِكُهُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ كَمَا جَاءَ «أَشْقَى النَّاسِ مَنْ أَدْرَكَتْهُ