الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ
ــ
[طرح التثريب]
عَلَى قَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ نُقْصَانُهُ وَلَا يَظْهَرُ، وَقِيلَ فِي الثَّانِي: ذَلِكَ إذَا أَذِنَ الزَّوْجُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي مَحْمُولًا عَلَى الْعَادَةِ وَأَنَّهَا إذَا عَلِمَتْ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ الْعَطَاءَ وَالصَّدَقَةَ وَفَعَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْقَلِيلَ وَلَمْ تُجْحِفْ وَعَلَى ذَلِكَ عَادَةُ النَّاسِ فِي غَيْرِ بِلَادِنَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بِطِيبِ نَفْسٍ وَمَعْنَى غَيْرِ مُفْسِدَةٍ فَطِيبُ النَّفْسِ يَقْتَضِي إذْنَهُ صَرِيحًا أَوْ عَادَةً، وَقَوْلُهُ «غَيْرَ مُفْسِدَةٍ» يَقْتَضِي الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يُجْحِفُ بِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْخَادِمِ بِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِ الزَّوْجِ وَلَهَا النَّظَرُ فِي بَيْتِهَا فَجَازَ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِمَا لَا يَكُونُ إسْرَافًا لَكِنْ بِمِقْدَارِ الْعَادَةِ وَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُؤْلِمُ زَوْجَهَا، فَأَمَّا الْخَادِمُ فَلَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي مَتَاعِ مَوْلَاهُ
[بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ]
[حَدِيث الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ]
بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ)
عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ مِنْهَا»
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنِّي أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنِّي أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» .
ــ
[طرح التثريب]
فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» .
(فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ وَالنَّاقِدِ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِلَيْلَةِ الْقَدْر إنَّ نَاسًا مِنْكُمْ قَدْ أُرُوا أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأُوَلِ وَأُرِيَ نَاسٌ مِنْكُمْ أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْغَوَابِرِ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «لِأَنَّ نَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ وَأَنَّ نَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» وَيُوَافِقُ الْأَوَّلَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ مُلْتَمِسَهَا فَلْيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ جَبَلَةَ وَمُحَارِبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «تَحَيَّنُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَوْ قَالَ فِي التِّسْعِ الْأَوَاخِرِ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ عِنْدَ أَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ عَنْ مَالِكٍ بَلَاغًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ نَافِعٍ وَلَا ابْنِ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَتَابَعَهُ قَوْمٌ قَالَ وَهُوَ مَحْفُوظٌ مَعْلُومٌ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيًا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ شُعْبَةُ فَذَكَرَ لِي رَجُلٌ ثِقَةٌ عَنْ سُفْيَانَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّمَا قَالَ مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيًا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْبَوَاقِي فَلَا أَدْرِي ذَا أَمْ ذَا» . شَكَّ شُعْبَةُ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ دُونَ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ «فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي» .
(الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «أَرَى» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى أَعْلَمُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ مَجَازًا، وَقَوْلُهُ رُؤْيَاكُمْ أَيْ فِي الْمَنَامِ وَالْمَشْهُورُ اخْتِصَاصُ الرُّؤْيَا بِالْمَنَامِ فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ مَصْدَرًا لِرَأَى مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ فِي الْيَقِظَةِ وَهِيَ هُنَا لِلْمَنَامِ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ «قَدْ تَوَاطَأَتْ» أَيْ تَوَافَقَتْ وَالْمُوطَأَةُ الْمُوَافَقَةُ كَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَطِئَ مَا وَطِئَهُ الْآخَرُ، وَرُوِيَ تَوَاطَتْ بِتَرْكِ الْهَمْزِ، وَقَوْلُهُ «فَالْتَمِسُوهَا» أَيْ اُطْلُبُوهَا اسْتَعَارَ لَهُ اللَّمْسَ، وَقَوْلُهُ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي أَيْ فِي اللَّيَالِيِ الْعَشْرِ الْبَوَاقِي مِنْ الشَّهْرِ وَهِيَ الْعَشْرُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الشَّهْرِ، وَقَوْلُهُ «فِي الْوِتْرِ» بَدَلٌ مِنْ الْعَشْرِ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ وَهُوَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَالْوِتْرُ الْفَرْدُ وَفِي وَاوِهِ لُغَتَانِ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «رَأَوْا كَذَا» فِي رِوَايَتِنَا بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ أُرُوا بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَضَمِّ الرَّاءِ، وَقَوْلُهُ «فَلْيَتَحَرَّهَا» أَيْ فَلْيَتَعَمَّدْ طَلَبَهَا وَالتَّحَرِّي الْقَصْدُ وَالِاجْتِهَادُ فِي الطَّلَبِ وَالْعَزْمُ عَلَى تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ.
(الثَّالِثَةُ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا سَأُبَيِّنُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا لِمَا لَهَا مِنْ الْفَضَائِلِ أَيْ ذَاتُ الْقَدْرِ الْعَظِيمِ أَوْ لِمَا يَحْصُلُ لِمُحْيِيهَا بِالْعِبَادَةِ مِنْ الْقَدْرِ الْعَظِيمِ، أَوْ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُقَدَّرُ فِيهَا وَتُقْضَى أَقْوَالٌ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَيْنِ قَوْله تَعَالَى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] وَيُؤَيِّدُ الْأَخِيرَ قَوْلُهُ {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4] وَقَوْلُهُ {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] وَإِنَّمَا جَوَّزْتُ فَتْحَ الدَّالِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا فَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ قَدْرُ الشَّيْءِ مَبْلَغُهُ وَقَدْرُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ بِمَعْنًى وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] أَيْ مَا عَظَّمُوا اللَّهَ حَقَّ تَعْظِيمِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّقْدِيرِ فَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ عَقِبَهُ وَالْقَدْرُ، وَالْقَدَرُ أَيْضًا مَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَأَنْشَدَ الْأَخْفَشُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَلَا يَا لَقَوْمٍ لِلنَّوَائِبِ وَالْقَدْرِ
…
وَلِلْأَمْرِ يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي
وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْقَدْرُ وَالْقَدَرُ الْقَضَاءُ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَالْقَدَرِ فَأَمَّا.
(الْأَوَّلُ) فَالْمُرَادُ بِهِ الشَّرَفُ كَقَوْلِهِمْ لِفُلَانٍ قَدْرٌ فِي النَّاسِ يَعْنُونَ بِذَلِكَ مَزِيَّةً وَشَرَفًا (وَالثَّانِي) الْقَدْرُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] قَالَ عُلَمَاؤُنَا يُلْقِي اللَّهُ فِيهَا لِمَلَائِكَتِهِ دِيوَانَ الْعَامِ انْتَهَى.
وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ تَسْكِينِ الدَّالِ إرَادَةُ التَّقْدِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت وَقَدْ جَوَّزَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ إرَادَةَ الشَّرَفِ وَالتَّقْدِيرِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يُقْرَأْ إلَّا بِالْإِسْكَانِ وَجَزَمَ الْهَرَوِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي تَفْسِيرِهَا بِالتَّقْدِيرِ فَقَالَا وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تُقَدَّرُ فِيهَا الْأَرْزَاقُ وَتُقْضَى وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَيْ لَيْلَةَ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ.
(الرَّابِعَةُ) فِيهِ فَضْلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَذَلِكَ مِنْ اسْمِهَا وَمِنْ الْأَمْرِ بِتَحَرِّيهَا وَطَلَبِهَا وَقَدْ أَفْصَحَ بِهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] الْآيَةَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةَ فَلَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ وَنَزَلَتْ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2]{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] » يَمْلِكُهَا بَعْدَك بَنُو أُمَيَّةَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيِّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فَعَدَدْنَا فَإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ لَا تَنْقُصُ يَوْمًا وَلَا تَزِيدُ يَوْمًا، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لَبِسَ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2]{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]