الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
مَرْفُوعًا «أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا قَالَ وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» حَسَّنَهُ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ، وَقَدْ وَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي أَنَّ طِيبَ رَائِحَةِ الْخُلُوفِ هَلْ هُوَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ؟ فَذَهَبَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى الْأَوَّلِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى الثَّانِي وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا تَقَدَّمَ قَالَ: وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى مَا ذَكَرْته فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَاهُ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ وَأَرْفَعُ عِنْدَهُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ الثَّنَاءُ عَلَى الصَّائِمِ وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَعْنَاهُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ وَمِثْلُهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ قُدَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ وَأَبُو حَفْصٍ الصَّفَّارُ الشَّافِعِيُّونَ فِي أَمَالِيهِمْ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا لَمْ يَذْكُرُوا سِوَى مَا ذَكَرْته وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجْهًا تَخْصِيصًا بِالْآخِرَةِ بَلْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الرِّضَا وَالْقَبُولِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَمَّا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّهُ يَوْمُ الْجَزَاءِ، وَفِيهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ الْخُلُوفِ فِي الْمِيزَانِ عَلَى الْمِسْكِ الْمُسْتَعْمَلِ لِدَفْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِهَا وَاجْتِلَابِ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ فَخَصَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالذِّكْرِ فِي رِوَايَةٍ لِذَلِكَ كَمَا خَصَّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات: 11] وَأَطْلَقَ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَفْضَلِيَّتُهُ ثَابِتٌ فِي الدَّارَيْنِ انْتَهَى.
[فَائِدَة حُكْم السِّوَاك للصائم]
1
{السَّادِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْخُلُوفِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِأَنَّهُ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْدَأُ الْخُلُوفِ النَّاشِئِ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَعِبَارَتُهُ فِي ذَلِكَ (أُحِبُّ السِّوَاكَ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُهُ لِلصَّائِمِ آخَرَ النَّهَارِ مِنْ أَجْلِ الْحَدِيثِ فِي خُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ) انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِالزَّوَالِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَحِدَّ الشَّافِعِيُّ الْكَرَاهَةَ بِالزَّوَالِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَشِيَّ فَحَدَّدَ الْأَصْحَابُ بِالزَّوَالِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ الْمَقْدِسِيَّ وَلَوْ حَدُّوهُ بِالْعَصْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي عُمَرَ كَيْسَانَ الْقَصَّابِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ مَوْلَاهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ (إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ) وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَك السِّوَاكُ إلَى الْعَصْرِ فَإِذَا صَلَّيْت الْعَصْرَ فَأَلْقِهِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» (قُلْت) لَا نُسَلِّمُ لِأَبِي شَامَةَ أَنَّ تَحْدِيدَهُ بِالْعَصْرِ أَوْلَى بَلْ إمَّا أَنْ يَحِدَّ بِالظُّهْرِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ اسْمُ آخِرِ النَّهَارِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِدُخُولِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ النَّهَارِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُؤَقَّتُ بِحَدٍّ مُعَيَّنٍ بَلْ يُقَالُ يَتْرُكُ السِّوَاكَ مَتَى عَرَفَ أَنَّ تَغَيُّرَ فَمِهِ نَاشِئٌ عَنْ الصِّيَامِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَبِاخْتِلَافِ بُعْدِ عَهْدِهِ بِالطَّعَامِ وَقُرْبِ عَهْدِهِ بِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَسَحَّرْ أَوْ تَسَحَّرَ فَالتَّحْدِيدُ بِالْعَصْرِ لَا يَشْهَدُ لَهُ مَعْنَى وَلَا فِي عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله مَا يُسَاعِدُهُ وَالْأَثَرُ الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَقْتَضِي التَّحْدِيدَ بِالزَّوَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الْعَشِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَيْسَانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ انْتَهَى.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَهُوَ مَذْهَبٌ ثَانٍ غَيْرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله سَنَحْكِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّةَ عَلَى التَّحْدِيدِ بِالزَّوَالِ فِي ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَا يُسَنُّ السِّوَاكُ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهَلْ يُكْرَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ اهـ وَإِحْدَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهَا تَوَسُّطٌ نَفَتْ الِاسْتِحْبَابَ وَلَمْ تُثْبِتْ الْكَرَاهَةَ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كُرِهَ ذَلِكَ آخِرَ النَّهَارِ، الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ انْتَهَى وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَفَرَّقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَكَرِهَهُ فِي الْفَرْضِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكْرَهْهُ فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَحَكَاهُ الْمَسْعُودِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ مَذَاهِبُ.
(الْأَوَّلُ) الْكَرَاهَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ مُطْلَقًا.
(الثَّانِي) الْكَرَاهَةُ آخَرَ النَّهَارِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالزَّوَالِ.
(الثَّالِثُ) تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ.
(الرَّابِعُ) نَفْيُ اسْتِحْبَابِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْخَامِسُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ثُمَّ إنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يُفْطِرَ فَهَذَا مَذْهَبٌ (سَادِسٌ) .
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى اسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ صَائِمٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَفِي آخِرِهِ كَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ»
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَرَ الشَّافِعِيُّ بِالسِّوَاكِ بَأْسًا أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ انْتَهَى.
وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْرَفُ نَقْلُهُ إلَّا فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَبُو شَامَةَ الْمَقْدِسِيَّ وَالنَّوَوِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِيهِ لِلصَّائِمِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ النَّخَعِيّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَرَوَيْنَا الرُّخْصَةَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَجَازَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَسَوَّكَ بِسِوَاكٍ لَا طَعْمَ لَهُ فِي أَيِّ أَوْقَاتِ النَّهَارِ شَاءَ انْتَهَى. فَكَمُلَتْ الْمَذَاهِبُ فِي ذَلِكَ سَبْعَةٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ الرَّطْبِ لِلصَّائِمِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَمِمَّنْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَرَوَيْنَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَعُمَرَ وَابْنِ شُرَحْبِيلَ وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ السِّوَاكُ سُنَّةٌ لِلصَّائِمِ وَالْمُفْطِرِ وَالرَّطْبُ وَالْيَابِسُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ
وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَخْضَرُ أَحْسَنُ مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا انْتَهَى وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الْأَخْضَرِ لِلصَّائِمِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيَابِسَ أَحْسَنُ مِنْهُ لِلصَّائِمِ، وَإِذَا جُمِعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الْأُولَى تَكَثَّرَتْ الْمَذَاهِبُ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَحْمَدَ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ لَا يَسْتَاكُ بِالرَّطْبِ يَخْتَلِفَانِ فِي كَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ.
فَمَالِكٌ لَا يَكْرَهُهُ وَأَحْمَدُ يَكْرَهُهُ أَوْ يَسْتَحِبُّ تَرْكَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَكْرَهُوهُ بَعْدَ الزَّوَالِ تَمَسَّكُوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ» .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يَدْخُلُ فِي هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا لَمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
يَصِحَّ فِي سِوَاك الصَّائِمِ حَدِيثٌ نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا إلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَضَّ عَلَيْهِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَكُلِّ صَلَاةٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنِ صَائِمٍ وَغَيْرِهِ وَنَدَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى السِّوَاكِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَائِمٍ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فَوَائِدَهُ الْعَشَرَةَ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّوْمُ أَحَقُّ بِهَا قَالَ.
وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»
فَصَارَ مُمَدَّحًا شَرْعًا فَلَمْ تَجُزْ إزَالَتُهُ بِالسِّوَاكِ أَصْلُهُ دَمُ الشَّهِيدِ قَالَ فِيهِ «اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» فَلَا جَرَمَ لَا يَجُوزُ غَسْلُهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا السِّوَاكُ لَا يُزِيلُ الْخُلُوفَ ثُمَّ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَبِي الْحَرَمِ مَكِّيِّ بْنِ مَرْزُوقٍ قَالَ أَفَادَنَا الْقَاضِي سَيْفُ الدِّينِ بِهَا فَقَالَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ فَلَا يُكْرَهُ كَالْمَضْمَضَةِ لِلصَّائِمِ لَا سِيَّمَا وَهِيَ رَائِحَةٌ تَتَأَذَّى بِهَا الْمَلَائِكَةُ فَلَا تُتْرَكُ هُنَالِكَ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ فَفَائِدَتُهُ عَظِيمَةٌ بَدِيعَةٌ وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام إنَّمَا مَدَحَ الْخُلُوفَ نَهْيًا لِلنَّاسِ عَنْ تَقَذُّرِ مُكَالَمَةِ الصَّائِمِينَ بِسَبَبِ الْخُلُوفِ لَا نَهْيًا لِلصُّوَّامِ عَنْ السِّوَاكِ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ وُصُولِ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ إلَيْهِ فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنَّهْيِ اسْتِبْقَاءَ الرَّائِحَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَهْيَ النَّاسِ عَنْ كَرَاهَتِهَا قَالَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ إكْرَامًا لِلصِّيَامِ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلسِّوَاكِ فَيَذْكُرُ أَوْ يَتَأَوَّلُ قَالَ وَأَمَّا دَمُ الشَّهِيدِ فَإِنَّمَا أَبْقَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا وَيَأْتِي خَصْمًا وَمِنْ شَأْنِ حُجَّةِ الْخَصْمِ أَنْ تَكُونَ بَادِيَةً وَشَهَادَتُهُ ظَاهِرَةٌ لَا سِيَّمَا وَفِي إزَالَةِ الْخُلُوفِ إخْفَاءُ الصِّيَامِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ يَمْنَعُ كَوْنَ السِّوَاكِ يُزِيلُ الْخُلُوفَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَالْحَلْقِ لَا مِنْ مَحَلِّ السِّوَاكِ، وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ إذَا تَغَيَّرَ فَمُهُ وَاسْتَاكَ زَالَتْ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ، وَأَمَّا كَوْنُ أَصْلِ التَّغَيُّرِ مِنْ الْمَعِدَةِ فَأَمْرٌ آخَرُ، ثُمَّ حُكِيَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ اللِّحْيَانِيِّ خُلْفُ الطَّعَامِ وَالْفَمِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَخْلُفُ خُلُوفًا إذَا تَغَيَّرَ وَأَكَلَ طَعَامًا فَبَقِيَتْ فِي فِيهِ خُلْفَةٌ فَتَغَيَّرَ فُوهُ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى بَيْنَ الْأَسْنَانِ اهـ.
قَالَ وَالِدِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خُلُوفَ الْفَمِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ الَّذِي بَيْنَ الْأَسْنَانِ لَا مِنْ الْمَعِدَةِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ (قُلْت) وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ إنَّ الْبَخَرَ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ مَا كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ قَلَحِ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُزِيلُهُ السِّوَاكُ بِخِلَافِ الَّذِي مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْمَعِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ لَك أَنْ تَقُولَ مَا الْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ مَعَ أَنَّ رَائِحَتَهُ مُسَاوِيَةٌ لِرَائِحَةِ الْمِسْكِ وَعَدَمُ تَحْرِيمِ إزَالَةِ الْخُلُوفِ مَعَ كَوْنِهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ (قُلْت) وَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ حُجَّةٌ لَهُ عَلَى خَصْمِهِ وَلَيْسَ لِلصَّائِمِ خَصْمٌ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالْخُلُوفِ إنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ لَهُ بِالصِّيَامِ وَذَلِكَ مَحْفُوظٌ عِنْدَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ.
(ثَانِيهَا) أَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ حَقٌّ لَهُ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ غُسْلُهُ فِي حَيَاتِهِ وَالْخُلُوفُ حَقٌّ لِلصَّائِمِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ حَقِّهِ وَإِزَالَةِ مَا يَشْهَدُ لَهُ بِالْفَضْلِ.
(ثَالِثُهَا) أَنَّ كَوْنَ رَائِحَةِ دَمِ الشَّهِيدِ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ وَكَوْنَ رَائِحَةِ الْخُلُوفِ أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ لَهُ تَأْوِيلٌ يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فِي أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهَا.
(رَابِعُهَا) أَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ مَعَ وُجُوبِ إزَالَةِ الدَّمِ وَمَعَ وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَمَا اُغْتُفِرَ تَرْكُ هَذَيْنِ الْوَاجِبِينَ إلَّا لِتَحْرِيمِ إزَالَتِهِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِتَحْرِيمِهِ وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فِي السِّوَاكِ، وَإِنَّمَا قِيلَ بِالِاسْتِنْبَاطِ.
(خَامِسُهَا) أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ فِي خُلُوفِ الصَّائِمِ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَهِيَ مَحَلُّ التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَاتِ وَمُلَاقَاةِ الْبَشَرِ فَأَمْكَنَ أَنْ يُزَالَ الْخُلُوفُ لِمَا يُعَارِضُهُ بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
{السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى حَكَاهُ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بِنِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ وَعَدَمِ الْإِشْكَالِ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَغَيْرِهِ بِحِكَايَتِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى.
{الثَّامِنَةُ} ذِكْرُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بَعْدَ ذِكْرِ الشَّهْوَةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِدُخُولِهِمَا فِيهَا وَذَلِكَ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِمَا فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ بِهِمَا أَعَمُّ وَأَكْثَرُ تَكَرُّرًا مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الشَّهَوَاتِ.
{التَّاسِعَةُ} قَدْ يُشِيرُ الْإِتْيَانُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ «إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ» إلَى أَنَّهُ إذَا أَشْرَكَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهُ مِنْ مُرَاعَاةِ تَرْكِ الْأَكْلِ لِتُخَمَةٍ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ الصَّوْمُ صَحِيحًا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا أُشِيرَ بِذَلِكَ إلَى الصَّوْمِ الْكَامِلِ وَالْمَدَارُ عَلَى الدَّاعِي الْقَوِيِّ الَّذِي يَدُورُ مَعَهُ الْفِعْلُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَقَدْ بَسَطَ الشَّيْخُ رحمه الله مَسَائِلَ تَشْرِيكِ النِّيَّةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
{الْعَاشِرَةُ} ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى «قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ اللَّهِ تَعَالَى الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» مَعَ كَوْنِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا أَقْوَالًا:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَحَدُهَا) أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرِّيَاءُ كَمَا يُمْكِنُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَفٌّ وَإِمْسَاكٌ وَحَالُ الْمُمْسِكِ شِبَعًا أَوْ فَاقَةً كَحَالِ الْمُمْسِكِ تَقَرُّبًا وَإِنَّمَا الْقَصْدُ وَمَا يُبْطِنُهُ الْقَلْبُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ أَعْمَالٌ بَدَنِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ فَلِذَلِكَ خَصَّ الصَّوْمَ بِمَا ذَكَرَهُ دُونَهَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ.
(ثَانِيهَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ حِكَايَتِهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَا أَتَوَلَّى جَزَاءَهُ إذْ لَا يَظْهَرُ فَتَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ إذْ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نِيَّةٌ وَإِمْسَاكٌ فَأَنَا أُجَازِي بِهِ مِنْ التَّضْعِيفِ فِي جَزَائِهِ عَلَى مَا أُحِبُّ انْتَهَى وَأَوَّلُ كَلَامِهِ يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَآخِرُهُ يُشِير إلَى جَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ التَّضْعِيفَ فِي جَزَائِهِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَقَدْ حَكَاهُ الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ وَقِيلَ لِي أَيُّ الْمُنْفَرِدِ يَعْلَمُ مِقْدَارَ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفَ حَسَنَاتِهِ كَمَا قَالَ «وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» قَالَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ اطَّلَعْت عَلَى مَقَادِيرِ أُجُورِهَا كَمَا قَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. الْحَدِيثَ، وَالصَّوْمُ مَوْكُولٌ إلَى سَعَةِ جُودِهِ وَغَيْبِ عِلْمِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] (قُلْت) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا صَرِيحَةٌ فِي مُسَاعَدَةِ هَذَا الْجَوَابِ فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى فِيهَا الصِّيَامَ مِنْ التَّضْعِيفِ فَقَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَاعْتَرَضَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ بِعَشْرَةٍ وَأَنَّ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ قَالَ وَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي إظْهَارِ التَّضْعِيفِ فَضَعُفَ هَذَا الْوَجْهُ بَلْ بَطَلَ.
(ثَالِثُهَا) قَالَ الْقَاضِي أَيْضًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ «لِي» أَيْ لَيْسَ لِلصَّائِمِ فِيهِ حَظٌّ (قُلْت) وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فَاسْتَثْنَى الصِّيَامَ مِنْ كَوْنِ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ.
(رَابِعُهَا) قَالَ لِلْقَاضِي أَيْضًا وَقِيلَ إنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الطَّعَامِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِشِبْهِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَإِنْ كَانَ تَعَالَى لَا شَبَهَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ.
(خَامِسُهَا) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى إضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الصَّائِمَ عَلَى صِفَةِ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهَوَاتِ.
(سَادِسُهَا) أَنَّ فِي إضَافَةِ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى تَخْصِيصَهُ وَتَشْرِيفَهُ كَمَا يُقَالُ بَيْتُ اللَّهِ وَنَاقَةُ اللَّهِ وَمَسْجِدُ اللَّهِ وَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى حَكَاهُ الْقَاضِي أَيْضًا.
(سَابِعُهَا)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
قِيلَ سَبَبُ إضَافَتِهِ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ أَحَدٌ سِوَاهُ فَلَمْ تُعَظِّمْ الْكُفَّارُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ مَعْبُودًا لَهُمْ بِالصِّيَامِ وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ وَالصَّدَقَةِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَنَقَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَرْبَابِ الِاسْتِخْدَامَاتِ فَإِنَّهُمْ يَصُومُونَ لِلْكَوَاكِبِ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا بِنَقْضٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَرْبَابَ الِاسْتِخْدَامَاتِ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ آلِهَةٌ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ إنَّهَا فَعَّالَةٌ بِأَنْفُسِهَا وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَخْلُوقَةً.
(ثَامِنُهَا) أَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْإِضَافَةِ أَنَّ سَائِرَ الْعَادَاتِ يُوَفَّى مِنْهَا مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْحُقُوقِ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ يَبْقَى مُوَفَّرًا لِصَاحِبِهِ لَا يُوَفَّى مِنْهُ حَقٌّ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَدْ كُنْت أَسْتَحْسِنُهُ إلَى أَنْ فَكَّرْت فِي حَدِيثِ الْمُقَاصَّةِ فَوَجَدْت فِيهِ ذِكْرَ الصَّوْمِ فِي جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَخْذِ مِنْهَا فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «الْمُفْلِسُ الَّذِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَصِيَامٍ وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا» الْحَدِيثَ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ يُؤْخَذُ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ انْتَهَى.
(قُلْت) إذَا صَحَّ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ أَقَلَّ التَّضْعِيفِ عَشْرَةُ أَمْثَالٍ وَغَايَتُهُ سَبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] فَقِيلَ الْمُرَادُ يُضَاعِفُ هَذَا التَّضْعِيفَ وَهُوَ السَّبْعُمِائَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ يُضَاعِفُ فَوْقَ السَّبْعِمِائَةِ لِمَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ وَرَدَ التَّضْعِيفُ بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِمِائَةِ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ مَنْ قَالَ فِي سُوقٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كُتِبَتْ لَهُ أَلْفُ أَلْفُ حَسَنَةٍ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ لِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعُمِائَةِ حَسَنَةٍ كُلُّ حَسَنَةٍ مِثْلُ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ