الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ الْمِسْكِينِ
عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، قَالُوا فَمَنْ الْمِسْكِينُ؟ قَالَ الَّذِي
ــ
[طرح التثريب]
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ وَفَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الصَّدَقَةِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إرْصَادَهُ لِصَاحِبِ دَيْنٍ غَائِبٍ حَتَّى يَحْضُرَ فَيَأْخُذَ دَيْنَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إرْصَادَهُ لِوَفَاءِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ حَتَّى يَحِلَّ فَيُوَفِّيَهُ.
[فَائِدَة حُكْم الِاسْتِقْرَاض وَالِاسْتِدَانَة]
1
(التَّاسِعَةُ) وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِدَانَةِ وَقَيَّدَ ابْنُ بَطَّالٍ ذَلِكَ بِالْيَسِيرِ لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي إرْصَادِهِ دِينَارًا لِدَيْنِهِ قَالَ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَرْصُدْ لِأَدَائِهَا دِينَارًا؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ قَضَاءً، قَالَ فَبَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَسْتَغْرِقَ فِي كَثْرَةِ الدَّيْنِ خَشْيَةَ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَالْعَجْزِ عَنْ أَدَائِهِ، وَقَدْ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ضَلَعِ الدَّيْنِ وَاسْتَعَاذَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَقَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ، انْتَهَى.
وَمَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَرَادَ إرْصَادَ دِينَارٍ وَاحِدٍ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ أُطْلِقَ الدِّينَارُ هُنَا فَلَا يُرَادُ بِهِ التَّوْحِيدُ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْصُدُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَفِي بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا.
[فَائِدَة التَّمَنِّي فِي الْخَيْر]
1
(الْعَاشِرَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ وَوَفَاءِ الدُّيُونِ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ اسْتِعْمَالُ التَّمَنِّي فِي الْخَيْرِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَقُولُوا لَوْ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» إنَّمَا هُوَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا فَأَمَّا تَمَنِّي الْخَيْرَ فَمَحْبُوبٌ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ بَيَانِ الْمِسْكِينِ]
[حَدِيث لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ]
(بَابُ بَيَانِ الْمِسْكِينِ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، قَالُوا
لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ قَالُوا فَمَنْ الْمِسْكِينُ قَالَ: «إنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَيَسْتَحْيِي أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «إنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفُ، اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] » .
ــ
[طرح التثريب]
فَمَنْ الْمِسْكِينُ؟ قَالَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ قَالُوا فَمَنْ الْمِسْكِينُ وَقَالَ «إنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَيَسْتَحْيِي أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ. .
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَا اللُّقْمَةُ وَلَا اللُّقْمَتَانِ، إنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] » لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ مُسْلِمٌ «إنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفُ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] » وَانْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأَكْلَةُ وَالْأَكْلَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إلْحَافًا» .
(الثَّانِيَةُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمِسْكِينَ الْكَامِلَ الْمَسْكَنَةِ هُوَ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لَا يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَسْأَلُهُمْ وَلَا يُفْطَنُ لِحَالِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَنْ الطَّوَّافِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ نَفْيُ كَمَالِهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟» الْحَدِيثَ وَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَتَدْرُونَ مَنْ الرَّقُوبُ» وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} [البقرة: 177] الْآيَةَ اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى إطْلَاقِ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ عَلَى الطَّوَّافِ بِحَدِيثِ أُمِّ بُجَيْدٍ مَرْفُوعًا «رُدُّوا الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ» وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها (إنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْمِسْكِينَ لَيَقِفُ عَلَى بَابِي) الْحَدِيثَ. قَالَ: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ السَّائِلَ الطَّوَّافَ الْمُحْتَاجَ مِسْكِينٌ.
(الثَّالِثَةُ) الْإِشَارَةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ بِهَذَا الطَّوَّافِ، تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِحُضُورِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِحَقَارَتِهِ.
(الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فَمَنْ الْمِسْكِينُ» كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْوَجْهُ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ «فَمَا الْمِسْكِينُ» ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ وَلَهُ ثَلَاثُ تَوْجِيهَاتٍ.
(أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ أَرَادَ فَمَا الْحَالُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا السَّائِلُ مِسْكِينًا.
وَ (الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ مَا هُنَا بِمَعْنَى مَنْ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّ مَا تَأَتَّى كَثِيرًا لِصِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] أَيْ الطَّيِّبِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
(الْخَامِسَةُ) الْغِنَى بِكَسْرِ الْغَيْنِ مَقْصُورٌ الْيَسَارُ، وَقَوْلُهُ «يُغْنِيهِ» صِفَةٌ لَهُ وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْيَسَارِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْيَسَارِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَغْنَى بِهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْيَسَارِ وَلَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْيَسَارِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ يُغْنِيهِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِ الْيَسَارِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ
عَلَى لَا حُبَّ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ
وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَفِيهِ أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ لَا يَكْفِيهِ وَهُوَ حِينَئِذٍ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ يَمْلِكُ مَالًا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْكُوفَةِ وَقَالَ بِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً لِكَوْنِهَا لَا تَقُومُ بِجَمِيعِ حَاجَتِهِمْ وَعَكَسَ آخَرُونَ ذَلِكَ فَقَالُوا: الْفَقِيرُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ وَقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَقَالَ آخَرُونَ هُمَا سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى