الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَحْوُهُ وَفِيهِ «لَا تَبْتَعْهُ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» .
ــ
[طرح التثريب]
الْمَمْلُوكَةِ مِلْكٌ لِمَالِكِهَا فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ حَكَى الْمُهَلَّبُ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ يَمْلِكُهَا لَيْسَتْ بِأَرْضٍ خَرِبَةٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ مَا يَنْبُتُ فِيهَا مِنْ الْمَرْعَى بَعْد طِيبِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رِزْقٌ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ أَحَدًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» وَلَوْ كَانَ النَّبَاتُ فِي حَائِطِ إنْسَانٍ لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ أَحَدًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ كَقَوْلِ أَشْهَبَ انْتَهَى.
1 -
{الثَّامِنَةُ} أَشَارَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إلَى الْعِلَّةِ فِي تَفْضِيلِ الِاكْتِسَابِ عَلَى السُّؤَالِ وَهِيَ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْمُكْتَسِبُ يَدُهُ عُلْيَا إنْ تَصَدَّقَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ وَفَسَّرْنَا الْعُلْيَا هِيَ الْمُتَعَفِّفَةُ عَنْ السُّؤَالِ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا عَلَى تَرْجِيحِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا الْيَدُ الْعُلْيَا بِالْمُتَعَفِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِسَابِ الصَّدَقَةُ لَكِنْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ تَفْصِيلَ الِاكْتِسَابِ هُوَ لِلصَّدَقَةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ النَّاسِ وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِسَابِ الصَّدَقَةُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِسَابِ التَّعَفُّفُ عَنْ السُّؤَالِ فَرُبَّ مُكْتَسِبٍ مُكْتَفٍ يَسْأَلُ تَكَثُّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[حَدِيث لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك]
{الْحَدِيثُ الثَّامِنُ} عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الْحَدِيثُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَجَعَلَاهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ حَمَلْت عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْت أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا تَشْتَرِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي لَفْظٍ لِلشَّيْخَيْنِ «كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ جُمْهُورِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا رَوَيْنَاهُ إلَّا مَعْنَ بْنَ عِيسَى فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْقَطَّانُ وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ قَالَ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ فِيهِ «لَا تَشْتَرِهِ وَلَا شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ» وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ انْتَهَى.
وَيُوَافِقُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهُ غَمْرٌ أَوْ عَمْرَةٌ فَرَأَى مُهْرًا أَوْ مُهْرَةً مِنْ أَفْلَائِهَا يُبَاعُ يُنْسَبُ إلَى فَرَسِهِ فَنَهَى عَنْهَا.
{الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَعْنَى الْحَمْلِ هُنَا تَأْوِيلَانِ:
(أَحَدُهُمَا) هِبَتُهُ وَتَمْلِيكُهُ لَهُ لِلْجِهَادِ (وَالثَّانِي) تَحْبِيسُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْحَمْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ (أَوَّلُهُمَا) أَنْ يَحْبِسَ عَلَيْهِ فَرَسًا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَكِنْ يَغْزُو عَلَيْهِ خَاصَّةً وَيُرْكَبُ فِي الْجِهَادِ لَا غَيْرُ (وَالثَّانِي) أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.
(الثَّالِثُ) أَنْ يَهَبَهُ لَهُ (قُلْت) فَزَادَ احْتِمَالًا ثَالِثًا وَهُوَ الصَّدَقَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْهِبَةِ أَنَّهَا التَّمْلِيكُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَالْهِبَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْهِبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، فَأَمَّا إنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ فَذَاكَ لَا يُشْتَرَى أَبَدًا وَإِنْ كَانَ صَدَقَةً فَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُشْتَرَى أَبَدًا، وَقَالَ بَعْدَهُ تَرْكُهُ أَفْضَلُ وَهُوَ صَرِيحُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَفْسَخُوا الْبَيْعَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا حَمَلَ عَلَى الْفَرَسِ لَا لِلسَّبِيلِ وَلَا لِلْمَسْكَنَةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ (قُلْت) فَأَشَارَ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ إلَى الْهِبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ صَدَقَةً وَحَاصِلُ كَلَامِهِ الْجَزْمُ بِمَنْعِ الْبَيْعِ بِتَقْدِيرِ الْوَقْفِ وَبِجَوَازِهِ بِتَقْدِيرِ الْهِبَةِ وَالْخِلَافِ بِتَقْدِيرِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ هُوَ لَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ مَالِكٌ لَهُ بَيْعُهُ وَلَوْ أَسْقَطْت كَلِمَةً لَك لَرَكِبَهُ وَرَدَّهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مِلْكٌ لَهُ وَإِذَا قَالَ إذَا بَلَغْت بِهِ رَأْسَ مَغْزَاك فَهُوَ لَك فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا اللَّيْثُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُخَاطَرَةً فَلَيْسَ فِي بَيْعٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إذَا بَلَغْت وَادِيَ الْقُرَى فَشَأْنُك بِهِ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ خِلَافُ وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْفِيَّةَ فِعْلِ عُمَرَ فَلَا يَعْلَمُ إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَرْجِعُ جَوَابُهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ قَالَ إذَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا يُبَاعُ أَبَدًا، قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَنَعَ عُمَرَ مِنْهُ خَاصَّةً وَعَلَّلَ بِعِلَّةٍ تَخْتَصُّ بِهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ وَهُوَ أَنَّهُ عَوْدٌ فِي الصَّدَقَةِ انْتَهَى.
وَفِي هَذَا الْإِطْلَاقِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ مَنْعُ الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ هِبَةً لَكِنَّهُ خَطَّأَهُ كَمَا عَرَفْت ثُمَّ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَانْتَفَى احْتِمَالُ الْهِبَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الصَّدَقَةِ وَالرَّاجِحُ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَهُوَ هِبَةٌ وَهُوَ صَدَقَةٌ وَبِذَلِكَ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَقَالَ مَعْنَاهُ تَصَدَّقْت بِهِ وَوَهَبْته لِمَنْ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَجْعَلْهُ حَبْسًا مُطْلَقًا أَيْ عَلَى جَمِيعِ الْغُزَاةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وَاحِدٍ وَلَا حَبَسَهُ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَامْتَنَعَ بَيْعُهُ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ شِرَائِهِ فَقَطْ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ بَيْعِهِ لِغَيْرِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَمَنْ جَعَلَهُ وَقْفًا قَالَ إنَّمَا صَحَّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَاعَ بِحَيْثُ لَا يَصْلُحُ لِسَبِيلِ اللَّهِ وَتَجْوِيزِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْجُمْهُورُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
لَا يُبَاعُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ صَلَحَ لِلْحَمْلِ وَكُلٌّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي نَقَلْته عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ تَبِعْت فِيهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَعَكَسَ ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَنَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْعَ بَيْعِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَعَنْ مَالِكٍ تَجْوِيزُهُ، وَبَقِيَ مِنْ احْتِمَالَاتِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنْ يَكُونَ إعْطَاؤُهُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِكَوْنِهِ بَاعَهُ فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مَرْدُودَةٌ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ كَمَا أَنَّ احْتِمَالَ الْوَقْفِ مَدْفُوعٌ بِذَلِكَ وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِ هِيَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ لَك.
{الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ (لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك) نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَيُكْرَهُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ أَوْ أَخْرَجَهُ فِي زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرُبَاتِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ هُوَ إلَيْهِ أَوْ يَتَّهِبَهُ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْهُ، فَأَمَّا إذَا وَرِثَهُ مِنْهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ انْتَقَلَ إلَى ثَالِثٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الْمُتَصَدِّقُ فَلَا كَرَاهَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ النَّهْيُ عَنْ شِرَاءِ صَدَقَتِهِ لِلتَّحْرِيمِ انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكُلُّ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ طَابَتْ لَهُ إلَّا ابْنَ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَحْبِسُهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ وَتَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَحْتَمِلُ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ وَرَعًا لَا أَنَّهُ رَآهُ وَاجِبًا وَحَكَى وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ شِرَائِهِ مِنْ ثَالِثٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ بِهِ عَلَيْهِ لِرُجُوعِهِ فِيمَا تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا حَرُمَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ سُكْنَى مَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَتِهِمْ مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْت) مَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُد بِذِكْرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِيهِ (قُلْت) فِيهِ وَجْهَانِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهَا غَيْرُ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا مِنْ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا عَلَيْهِ رُبَّمَا حَابَاهُ فِي ثَمَنِهَا لِمِنَّتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ