الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{كِتَابُ الصِّيَامِ}
عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
«الصِّيَامُ جُنَّةٌ
فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَجْهَلْ وَلَا يَرْفُثْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، وَقَالَ:«أَحَدُكُمْ يَوْمًا، وَقَالَ أَوْ شَتَمَهُ» .
ــ
[طرح التثريب]
الصَّدَقَةِ وَعَلَى مَنْعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ إلَّا فِي هِبَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَوَازُ رُجُوعِ الْوَالِدِ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى ابْنِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ وَعَكَسَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا فَقَالُوا بِجَوَازِ الرُّجُوعِ فِي هِبَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَنَعُوا الرُّجُوعَ فِي هِبَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَفِي هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَتَانِ فِي رُجُوعِ الْمَرْأَةِ فِيمَا وَهَبَتْهُ لِزَوْجِهَا بِمَسْأَلَتِهِ وَمَنَعَ بَعْضُ السَّلَفِ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ مُطْلَقًا وَلَوْ أَنَّهَا مِنْ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَاتِّبَاعُ الْحَدِيثِ أَوْلَى.
{الثَّامِنَةُ} فِي قَوْلِهِ «فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ» مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم مِنْ سُؤَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ الْحَوَادِثِ.
[كِتَابُ الصِّيَامِ]
[الصِّيَامُ جُنَّةٌ]
كِتَابُ الصِّيَامِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَجْهَلْ وَلَا يَرْفُثْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، وَقَالَ «أَحَدُكُمْ يَوْمًا، وَقَالَ أَوْ شَتَمَهُ» . {فِيهِ} فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَوْلُهُ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِدُونِ قَوْلِهِ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيِّ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ الِاخْتِلَافَ عَلَى مَالِكٍ فِي ذِكْرِ قَوْلِهِ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» وَأَنَّهُ رَوَاهَا عَنْهُ الْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى وَأَبُو الْمُصْعَبِ وَجَمَاعَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ بُكَيْر وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ «وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ وَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ» وَقَالَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ وِقَايَةٌ وَسُتْرَةٌ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ، وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي «الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْقِتَالِ»
وَكَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَيْ يَقِي صَاحِبَهُ مَا يُؤْذِيهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ وَمَعْنَاهُ سِتْرٌ وَمَانِعٌ مِنْ الرَّفَثِ وَالْآثَامِ وَمَانِعٌ أَيْضًا مِنْ النَّارِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةَ فَقَالَ: سِتْرٌ وَمَانِعٌ مِنْ الْآثَامِ أَوْ مِنْ النَّارِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّوْمُ جُنَّةً مِنْ النَّارِ؛ لِأَنَّهُ إمْسَاكٌ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَالنَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِالشَّهَوَاتِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» انْتَهَى وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَلَازُمُ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّهُ إذَا كَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَالْآثَامِ فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ سَاتِرًا لَهُ مِنْ النَّارِ غَدًا.
{الثَّالِثَةُ} فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا «الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا» وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِيهِ بِالْغِيبَةِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الصَّائِمِ يَغْتَابُ، وَكَذَا أُورِدهُ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ الْغِيبَةِ لِلصَّائِمِ وَأَشَارَ فِي الْحَدِيثِ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَتَى بِالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ خَرَقَ ذَلِكَ السَّاتِرَ لَهُ مِنْ النَّارِ بِفِعْلِهِ فَفِيهِ تَحْذِيرُ الصَّائِمِ مِنْ الْغِيبَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
أَنَّهَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ لَكِنْ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَكَاهُ الْمُنْذِرِيُّ.
{الرَّابِعَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَسْبُك بِكَوْنِ الصِّيَامِ جُنَّةً مِنْ النَّارِ فَضْلًا لِلصَّائِمِ انْتَهَى.
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت مُرْنِي بِأَمْرٍ آخُذُهُ عَنْك، قَالَ عَلَيْك بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ» وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ تَفْضِيلُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.
{الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ وَلَا يَرْفُثُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ فِي الْمَشَارِقِ فَقَالَ يُقَالُ رَفَثَ بِفَتْحِ الْفَاءِ يَرْفُثُ وَيَرْفِثُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ رَفْثًا بِالسُّكُونِ فِي الْمَصْدَرِ وَبِالْفَتْحِ فِي الِاسْمِ، وَقَدْ قِيلَ رَفَث بِكَسْرِ الْفَاءِ يَرْفَثُ بِفَتْحِهَا وَأَرْفَثَ أَيْضًا اهـ. وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ فِي الْمَاضِيَ فَتْحُ الْفَاءِ وَكَسْرُهَا وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ وَهُوَ ضَمُّهَا حَكَاهَا فِي الْمُحْكَمِ عَنْ اللِّحْيَانِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْفُحْشُ مِنْ الْقَوْلِ، وَيُطْلَقُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى الْجِمَاعِ وَعَلَى مُقَدِّمَاتِهِ أَيْضًا وَعَلَى ذِكْرِهِ مَعَ النِّسَاءِ أَوْ مُطْلَقًا، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّ الرَّفَثَ هُنَا السُّخْفُ وَالْفُحْشُ مِنْ الْكَلَامِ: إنَّ الْجَهْلَ مِثْلُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَأَنْشَدَ
أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا
…
فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
فَإِنْ قُلْت فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَاهُ فَلِمَ عَطَفَ عَلَيْهِ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ؟ (قُلْت) لَمَّا كَانَ الْجَهْلُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ خِلَافُ الْعِلْمِ، وَالرَّفَثُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَذِكْرِهِ أُرِيدَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا اشْتَرَكَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ فُحْشُ الْكَلَامِ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِي السُّنَنِ لَا يَجْهَلُ أَيْ لَا يَقُلْ قَوْلَ أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْ رَفَثِ الْكَلَامِ وَسَفَهِهِ أَوْ لَا يَجْفُو أَحَدًا وَيَشْتُمَهُ يُقَالُ جَهِلَ عَلَيْهِ إذَا جَفَاهُ.
{السَّادِسَةُ} أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ يَوْمٍ وَيَوْمٍ فَالْأَيَّامُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَمَتَى كَانَ صَائِمًا نَفْلًا أَوْ فَرْضًا فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ فَلْيَجْتَنِبْ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ.
{السَّابِعَةُ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى قَاتَلَهُ دَافَعَهُ وَنَازَعَهُ وَيَكُونُ بِمَعْنَى شَاتَمَهُ وَلَاعَنَهُ، وَقَدْ