الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
شَهْوَتَهُ وَيَقْطَعَ شَرَّ مَنِيِّهِ كَمَا يَقْطَعُهُ الْوِجَاءُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَعَ الْخِطَابُ مَعَ الشَّبَابِ الَّذِينَ هُمْ مَظِنَّةُ شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَفُكُّونَ عَنْهَا غَالِبًا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَتَقْدِيرُهُ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهَا فَلْيَصُمْ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وَاَلَّذِي حَمَلَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ» .
وَالْعَاجِزُ عَنْ الْجِمَاعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَلِذَلِكَ حَمَلْنَا الْبَاءَةَ عَلَى الْمُؤَنِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة الْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ لِمَنْ اشْتَاقَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَاسْتَطَاعَهُ]
1
(السَّادِسَةُ) فِيهِ الْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ لِمَنْ اشْتَاقَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَاسْتَطَاعَهُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْإِيجَابِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّزَوُّجُ وَلَا التَّسَرِّي سَوَاءٌ خَافَ الْعَنَتَ أَمْ لَا، كَذَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَهُ إلَّا دَاوُد وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يَلْزَمُهُ إذَا خَافَ الْعَنَتَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى قَالُوا: وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ خَوْفَ الْعَنَتِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّزَوُّجُ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَطْءُ اهـ.
وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِيهِ نَظَرٌ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِهِ تَعَيُّنُ النِّكَاحِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِوُجُوبِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعِبَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ النِّكَاحُ السَّابِقُ سُنَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَفْلِ الْعِبَادَةِ إلَّا أَنْ يَخْشَى الزِّنَا بِتَرْكِهِ فَيَجِبُ وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. انْتَهَى.
وَالْوُجُوبُ عِنْدَ خَوْفِ الْعَنَتِ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا الْوَجْهُ لَا يُحَتِّمُ النِّكَاحَ بَلْ يُخَيِّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسَرِّي وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ. انْتَهَى.
وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ زَادَ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّا نَقُولُ بِمُوجَبِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ الشَّابِّ الْمُسْتَطِيعِ الَّذِي يَخَافُ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ مِنْ الْعُزْبَةِ بِحَيْثُ لَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ فِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهِ. انْتَهَى وَنَقْلُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ مَرْدُودٌ لَكِنْ يُقَلَّدُ فِي نَقْلِ ذِهْنِهِ فِي ذَلِكَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَبِهِ يَحْصُلُ الرَّدُّ عَلَى النَّوَوِيِّ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَلَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ حَزْمٍ ذَلِكَ بِخَوْفِ الْعَنَتِ وَعِبَارَتَهُ فِي الْمُحَلَّى: وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ إنْ وَجَدَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: قَسَّمَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ النِّكَاحَ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ أَعْنِي الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ وَالْإِبَاحَةَ، وَجَعَلَ الْوُجُوبَ فِيمَا إذَا خَافَ الْعَنَتَ وَقَدَرَ عَلَى النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَاجِبًا بَلْ إمَّا هُوَ وَإِمَّا التَّسَرِّي وَإِنْ تَعَذَّرَ التَّسَرِّي تَعَيَّنَ النِّكَاحُ حِينَئِذٍ لِلْوُجُودِ لَا لِأَصْلِ الشَّرِيعَةِ. انْتَهَى.
وَكَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَدْ حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ وَقَالَ: إنَّهُ وَاضِحٌ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ إلَى أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ أَهْلُ قُطْرٍ أُجْبِرُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَصَرَفَ الْجُمْهُورُ الْأَمْرَ هُنَا عَنْ ظَاهِرِهِ لِشَيْئَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَيَّرَ بَيْنَ التَّزْوِيجِ وَالتَّسَرِّي بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ثُمَّ قَالَ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَالتَّسَرِّي لَيْسَ بِوَاجِبٍ إجْمَاعًا فَالنِّكَاحُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ يَرْفَعُ وُجُوبَ الْوَاجِبِ وَبَسْطُ هَذَا فِي الْأُصُولِ، وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا الْمَازِرِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَصِحُّ مَا حَكَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ.
(وَثَانِيهِمَا) قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5]{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] وَلَا يُقَالُ فِي الْوَاجِبِ: إنَّ فَاعِلَهُ غَيْرُ مَلُومٍ قَالَ: ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فِي حَقِّ الشَّابِّ الْمُسْتَطِيعِ الَّذِي يَخَافُ الضَّرَرَ مِنْ الْعُزْبَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ عَنْهُ وَرَدَ نَقْلُهُ الِاتِّفَاقَ، ثُمَّ قَالَ وَ (الثَّانِي) أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا يَجِبُ الْعَقْدُ لَا الْوَطْءُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ الْفَوَائِدِ الَّتِي أَرْشَدَ إلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَحْصِينِ الْفَرْجِ وَغَضِّ الْبَصَرِ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ، وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ دَفْعُ الشَّبَقِ إلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ وَمَا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ لَمْ يَذْهَبُوا إلَيْهِ.
(قُلْت) وَمِنْ الْعَجِيبِ اسْتِدْلَالُ الْخَطَّابِيِّ بِهِ عَلَى النِّكَاحِ غَيْرُ