الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ)
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلْنَ إلَى فَاطِمَةَ ابْنَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَ لَهَا: قَوْلِي لَهُ: إنَّ نِسَاءَك يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَتْ: فَدَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ نِسَاءَك أَرْسَلَنِي إلَيْك وَهُنَّ يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتُحِبِّينَنِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبِّيهَا، فَرَجَعَتْ إلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتْهُنَّ مَا قَالَ لَهَا، فَقُلْنَ: إنَّك لَمْ تَصْنَعِي
ــ
[طرح التثريب]
كَانَ مُقْتَضَى الصُّلْحِ رَدَّهُنَّ فَنَزَلَ نَقْضُ الصُّلْحِ فِي النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] فَقَدْ فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ قِصَّةٍ ذَكَرَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ]
[حَدِيث اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ]
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ
(الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلْنَ فَاطِمَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَ لَهَا قُولِي لَهُ: إنَّ نِسَاءَك يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ قَالَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ لَهُ إنَّ نِسَاءَك أَرْسَلْنَنِي إلَيْك وَهُنَّ يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتُحِبِّينَنِي؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبِّيهَا فَرَجَعَتْ إلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتْهُنَّ مَا قَالَ لَهَا فَقُلْنَ: إنَّك لَمْ تَصْنَعِي شَيْئًا فَارْجِعِي إلَيْهِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَرْجِعُ إلَيْهِ فِيهَا أَبَدًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتْ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقًّا فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ قَالَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: إنَّ أَزْوَاجَك أَرْسَلْنَنِي إلَيْك وَهُنَّ يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ
شَيْئًا فَارْجِعِي إلَيْهِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَرْجِعُ إلَيْهِ فِيهَا أَبَدًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَتْ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقًّا فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ قَالَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: إنَّ أَزْوَاجَك أَرْسَلْنَنِي إلَيْك وَهُنَّ يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ كَذَا، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ تَشْتُمُنِي فَجَعَلْت أَرْقُبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنْظُرُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، قَالَ كَذَا، فَشَتَمَتْنِي حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَاسْتَقْبَلْتهَا فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَفْحَمْتهَا قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا مِنْهَا وَأَكْثَرَ صَدَقَةً وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَبْذَلَ لِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى
ــ
[طرح التثريب]
فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ تَشْتُمُنِي فَجَعَلْت أَرْقُبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنْظُرُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِي أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَشَتَمَتْنِي حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَاسْتَقْبَلْتهَا فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَفْحَمْتهَا قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا مِنْهَا وَأَكْثَرَ صَدَقَةً وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَبْذَلَ لِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ زَيْنَبَ مَا عَدَا سَوْرَةَ مِنْ غَرْبٍ حَدٍّ كَانَ فِيهَا يُوشِكُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ يُرِيدُ جَعْلَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ مَكَانَ عُرْوَةَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ: أَنَا
اللَّهِ عز وجل مِنْ زَيْنَبَ مَا عَدَا سَوْرَةَ غَرْبٍ حَدٍّ كَانَ فِيهَا يُوشِكُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ يُرِيدُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ إنَّهُ الصَّوَابُ.
ــ
[طرح التثريب]
مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ يُرِيدُ مَا رَوَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَشُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَيُونُسَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا الْغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَجُلٍ مِنْ الْمَوَالِي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: «كُنْت عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنْت فَاطِمَةُ» ، هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ زِيَادَةٍ فَطَوَى الْقِصَّةَ لِتَقَدُّمِهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ رحمه الله أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا فِي الْبُخَارِيِّ مُسْنَدَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ فِيهِ مُعَلَّقَةٌ كَمَا عَرَفْته وَمَا صَوَّبَهُ النَّسَائِيّ وَافَقَهُ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَتَبِعَهُمَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَبَسَطَ فِيهِ الِاخْتِلَافَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى هَذِهِ أَرْجَحُهَا.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُنَّ حِزْبَيْنِ فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ وَالْحِزْبُ الْآخَرُ فِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَهَا حَتَّى إذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْعَطِيَّةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
كَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً فَلْيُهْدِ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا: فَكَلِّمِيهِ فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إلَيْهَا فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَك فَدَارَ إلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ لَهَا: لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إلَّا عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَالَتْ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ إنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ دُونَ قَوْلِ عَائِشَةَ وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا مِنْهَا إلَى آخِرِهِ.
(الثَّانِيَةُ) قَوْلُهَا: اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ بِإِثْبَاتِ النُّونِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَرَدَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ النَّاسِ بِلُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، وَلَوْ قَالَتْ: أَكَلَنِي لَكَانَ أَفْصَحَ، وَقَدْ تَبَيَّنَّ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ عِنْدِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَدَا حَفْصَةَ وَصَفِيَّةَ وَسَوْدَةَ.
(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ يَنْشُدْنَك هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِضَمِّ الشِّينِ أَيْ يَسْأَلْنَك كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأُخْرَى يُقَالُ: نَشَدْت فُلَانًا إذَا قُلْت لَهُ: نَشَدْتُك اللَّهَ أَيْ سَأَلْتُك اللَّهَ كَأَنَّك ذَكَّرْته إيَّاهُ أَيْ تَذَكَّرَ، وَنِسْبَةُ عَائِشَةَ رضي الله عنها إلَى أَبِي قُحَافَةَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا سَائِغًا إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعُ غَضٍّ مِنْهَا لِنَقْصِ رُتْبَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِيهَا الصِّدِّيقِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِي قُحَافَةَ رضي الله عنهم.
(الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ يَسْأَلْنَك التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْأَفْعَالِ وَالْمَبِيتِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا مَحَبَّةُ الْقَلْبِ فَكَانَ يُحِبُّ عَائِشَةَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَحَبَّتَهُنَّ لَا تَكْلِيفَ فِيهَا وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالى، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْلِ فِي الْأَفْعَالِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام هَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ عَلَى الدَّوَامِ وَالْمُسَاوَاةُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنْ إيثَارٍ وَحِرْمَانٍ فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ طَلَبُ الْمُسَاوَاةِ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ لَا الْعَدْلِ فِي كَانَ حَاصِلًا قَطْعًا وَلِهَذَا كَانَ يُطَافُ بِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى ضَعُفَ فَاسْتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
يَمْرَضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَأَذِنَّ لَهُ.
(قُلْت) الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ وُجُوبُ الْقَسْمِ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ الْإِصْطَخْرِيُّ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَارٍ عَلَيْهِنَّ فَمَنْعُهُنَّ حَقًّا هُوَ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَكِنْ صَدَرَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ بِمُقْتَضَى الْغَيْرَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُنَّ مِثْلُ مَا كَانَ لِعَائِشَةَ مِنْ إهْدَاءِ النَّاسِ لَهُ إذَا كَانَ فِي بُيُوتِهِنَّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُنَّ طَلَبْنَ مِنْهُ التَّسْوِيَةَ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ؛ وَلِذَلِكَ «قَالَ لِفَاطِمَةَ عليها السلام: أَلَسْت تُحِبِّينَ مَنْ أُحِبُّ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَأَحَبِّي هَذِهِ» وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا يَجِبُ الْعَدْلُ بَيْنَ النِّسَاءِ فِيهِ أَمَّا الْهَدِيَّةُ فَلَا تُطْلَبُ مِنْ الْمُهْدِي فَلَا يَتَعَيَّنُ لَهَا وَقْتٌ وَأَمَّا الْحُبُّ فَغَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قُدْرَةِ الْإِنْسَانِ وَلَا كَسْبِهِ.
(قُلْت) مُقْتَضَى الْقِصَّةِ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ عِنْدِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الَّذِي طَلَبْنَهُ مِنْهُ مُسَاوَاتُهُنَّ لِعَائِشَةَ فِي الْإِهْدَاءِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بُيُوتِهِنَّ وَقَدْ صَرَّحَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِذَلِكَ مِرَارًا قَبْلَ حُضُورِ فَاطِمَةَ وَزَيْنَبَ وَلَمْ يَصْدُرْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ عَنْ اعْتِدَالٍ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِطَلَبِ الْهَدِيَّةِ وَاسْتِدْعَائِهَا وَذَلِكَ يُنَافِي كَمَالَهُ عليه الصلاة والسلام أَيْ أَنْ يَقُولَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ.
أَمَّا قَوْلُهُ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ عَلَى سَبِيلِ الِانْبِسَاطِ إلَيْهِ وَتَكْرِيمِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ بَلْ آحَادٌ ذَوِي الْمَوَدَّاتِ يَمْتَنِعُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام فِي جَوَابِ أُمِّ سَلَمَةَ «لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إلَّا عَائِشَةَ» إشَارَةً إلَى أَنَّ تَقْلِيبَ قُلُوبِ النَّاسِ لِلْإِهْدَاءِ فِي نَوْبَةِ عَائِشَةَ أَمْرٌ سَمَاوِيٌّ لَا حِيلَةَ لِي فِيهِ وَلَا صُنْعَ بِدَلِيلِ اخْتِصَاصِهَا بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيَّ وَأَنَا فِي ثَوْبِهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُمْكِنُنِي قَطْعُ ذَلِكَ وَلَا أَمْرُ النَّاسِ بِخِلَافِهِ.
(الْخَامِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ دُخُولُ فَاطِمَةَ وَزَيْنَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مِثْلِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَشْفُ عَوْرَةٍ وَلَا مَا يُسْتَقْبَحُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ خَاصَّتِهِ وَأَهْلِهِ.
(قُلْت) قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَدْخُلْ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانٍ فَلَوْ كُرِهَ عليه الصلاة والسلام دُخُولُهُمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَحَجَبَهُمَا أَوْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالَتِهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا.
(فَإِنْ قُلْت) فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ النَّهْيِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا عَلِمْت حَتَّى دَخَلْت عَلَى زَيْنَبَ بِغَيْرِ إذْنٍ وَهِيَ غَضْبَى فَذَكَرْت شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ.
(قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةٌ أُخْرَى وَسَنَزِيدُ ذَلِكَ إيضَاحًا.
(السَّادِسَةُ) الْمِرْطُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كِسَاءٌ مُعَلَّمٌ يَكُونُ تَارَةً مِنْ خَزٍّ وَتَارَةً مِنْ صُوفٍ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي وَصْفِهِ أَنْ يَكُونَ مُرَبَّعًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ سَدَاه مِنْ شَعْرٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا أَيْ لَهُ عَلَمٌ.
(السَّابِعَةُ) قَوْلُهَا تُسَامِينِي أَيْ تُعَادِينِي مِنْ قَوْلِهِمْ سَامَهُ خُطَّةَ خَسْفٍ أَيْ كَلَّفَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيُذِلُّهُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَفِيهِ بُعْدٌ مِنْ جِهَةِ اللِّسَانِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّامِنَةُ) قَوْلُهَا يَشْتِمُنِي بِكَسْرِ التَّاءِ وَالطَّرْفُ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْبَصَرُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِعَائِشَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا أَشَارَ بِعَيْنِهِ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَحْرُمُ عَلَيْهِ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا انْتَصَرَتْ لِنَفْسِهَا فَلَمْ يَنْهَهَا، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ زَيْنَبَ لَمَّا بَدَأَتْهَا بِالْعَتْبِ وَاللَّوْمِ كَانَتْ كَأَنَّهَا ظَالِمَةٌ فَجَازَ لِعَائِشَةَ أَنْ تَنْتَصِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] .
(قُلْت) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ النَّهْيِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ «عَائِشَةَ فَأَعْرَضْت عَنْهَا حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دُونَك فَانْتَصِرِي فَأَقْبَلْت عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتهَا قَدْ يَبِسَتْ رِيقُهَا فِي فِيهَا مَا تَرُدُّ عَلَى شَيْءٍ» وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَاقِعَةٌ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ.
(التَّاسِعَةُ) قَوْلُهَا حَتَّى أَفْحَمْتهَا بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَسْكَتُّهَا، يُقَالُ: أَفْحَمَهُ إذَا أَسْكَتَهُ فِي خُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
(الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إلَى كَمَالِ فَهْمِهَا وَحُسْنِ نَظَرِهَا، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَصْلِهَا الْكَرِيمِ الَّذِي نَشَأَتْ عَنْهُ وَاكْتَسَبَتْ الْجَزَالَةَ وَالْبَلَاغَةَ وَالْفَضِيلَةَ مِنْهُ وَطِيبُ الْفُرُوعِ بِطِيبِ عُذُوقِهَا، وَغِذَاؤُهَا مِنْ عُرُوقِهَا كَمَا قَالَ:
طِيبُ الْفُرُوعِ مِنْ الْأُصُولِ وَلَمْ يُرَ، فَرْعٌ يَطِيبُ وَأَصْلُهُ الزَّقُّومُ.
فَفِيهِ مَدْحُ عَائِشَةَ وَأَبِيهَا رضي الله عنهما.
(قُلْت) وَلَعَلَّهُ اسْتَحْسَنَ مِنْهَا كَوْنَهَا لَمْ تَبْدَأْ زَيْنَبُ بِالْكَلَامِ حَتَّى تَكَلَّمَتْ زَيْنَبُ وَزَادَتْ فَصَارَتْ عَائِشَةُ مُنْتَصِرَةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَلَغَتْ مَا أَرَادَتْ فَكَانَ لَهَا الْعَاقِبَةُ وَالظَّفَرُ بِالْمَقْصُودِ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُمَّتَيْ الْمُؤْمِنِينَ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَمَّا زَيْنَبُ فَلِمَا اتَّصَفَتْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ.
وَأَمَّا عَائِشَةُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهَا مَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَصْفِهَا بِمَا تَعْرِفُهُ مِنْهَا وَقَوْلُهَا.
(وَأَبْذُلُ لِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْبَذْلِ وَهُوَ الْعَطَاءُ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الْبِذْلَةِ وَهُوَ الِامْتِهَانُ بِالْعَمَلِ وَالْخِدْمَةِ فَكَانَتْ زَيْنَبُ رضي الله عنها تَعْمَلُ بِيَدِهَا عَمَلَ النِّسَاءِ مِنْ الْغَزْلِ وَالنَّسْجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِعَمَلِهِ وَالتَّكَسُّبِ بِهِ، وَكَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ وَتَصِلُ بِهِ ذَوِي رَحِمِهَا وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا بِالْعَمَلِ وَالصَّدَقَةِ وَأَشَارَ إلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ «أَسْرَعُكُنَّ لِحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» ، وَقَوْلُهَا مِنْ زَيْنَبَ وَضَعَتْ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ تَقُولَ مِنْهَا كَمَا قَالَتْ أَوَّلًا وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا مِنْهَا.
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهَا.
(مَا عَدَا) مِنْ صِيَغِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ مَعَ مَا، فِعْلٌ يُنْصَبُ مَا بَعْدَهُ وَبِدُونِهَا حَرْفٌ يُخْفَضُ مَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَ (السَّوْرَةِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ ثُمَّ هَاءٌ الثَّوَرَانُ وَعَجَلَةُ الْغَضَبِ وَمِنْهُ سَوْرَةُ الشَّرَابِ وَهِيَ قُوَّتُهُ وَحِدَّتُهُ وَ (الْغَرْبُ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ الْحِدَّةُ وَهِيَ شِدَّةُ الْخُلُقِ وَثَوَرَانُهُ وَمِنْهُ غَرْبُ السَّيْفِ وَهُوَ حَدُّهُ وَغَرْبُ كُلِّ شَيْءٍ حَدُّهُ، يُقَالُ: فِي لِسَانِهِ غَرْبٌ أَيْ حِدَّةٌ وَالْحَدُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ مِنْ حَدِّ الشَّرَابِ وَهُوَ صَلَابَتُهُ وَحَدُّ الرَّجُلِ وَهُوَ بَأْسُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ غَضَبٌ بَالِغٌ أَقْصَى الْغَايَةِ مِنْ حَدِّ الشَّيْءِ وَهُوَ مُنْتَهَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ: " غَرْبٍ " فَإِنَّ الْحِدَّةَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَآخِرُهُ هَاءٌ وَالْحَدُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ بِلَا هَاءٍ آخِرُهُ مَا يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ النَّزَقِ وَالْغَضَبِ وَكَذَا فِي رِوَايَتِنَا مِنْ غَرْبٍ حَدٍّ بِتَنْوِينِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ سُورَةً مِنْ حَدٍّ لَيْسَ فِيهِمَا لَفْظُ غَرْبٍ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ مِنْ حِدَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِالْهَاءِ وَقَوْلُهَا يُوشِكُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُسْرِعُ وَقَوْلُهُ الْفَيْئَةَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْهَمْزِ أَيْ الرُّجُوعُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ يُوشِكُ وَمَعْنَى الْكَلَامِ وَصْفُهَا بِأَنَّهَا كَامِلَةُ الْأَوْصَافِ إلَّا أَنَّ فِيهَا شِدَّةَ خُلُقٍ وَسُرْعَةَ غَضَبٍ تَرْجِعُ عَنْهَا سَرِيعًا وَلَا تُصِرُّ عَلَيْهَا فَهِيَ سَرِيعَةُ الْغَضَبِ سَرِيعَةُ الرِّضَا فَتِلْكَ