الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ــ
[طرح التثريب]
[حَدِيث كُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فَيَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَإِذَا دَخَلَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم فَرَرْنَ مِنْهُ]
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْهَا قَالَتْ «كُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فَيَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَإِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَرْنَ مِنْهُ فَيَأْخُذُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَرُدُّهُنَّ إلَيَّ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ وَهُوَ اللَّعِبُ.
(الثَّانِيَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ قَالَ: وَهُنَّ مَخْصُوصَاتٌ مِنْ الصُّوَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَدْرِيبِ النِّسَاءِ فِي صِغَرِهِنَّ لِأَمْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ قَالَ: وَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ بَيْعَهُنَّ وَشِرَاءَهُنَّ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ شِرَائِهِنَّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاكْتِسَابِ بِهَا وَتَنْزِيهِ ذَوِي الْمُرُوآتِ عَنْ تَوَلِّي بَيْعِ ذَلِكَ لَا كَرَاهَةِ اللَّعِبِ، قَالَ: وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصُّوَرِ. انْتَهَى.
وَمُقْتَضَاهُ اسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ مِنْ امْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ عليهم السلام مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ صُورَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ مِثْلُ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ الْخَطَّابِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِي الْكَلْبِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ هَلْ تَمْتَنِعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا، وَهُوَ أَرْجَحُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَعَمْ وَفِي اطِّرَادِ مِثْلِ ذَلِكَ هُنَا نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دُخُولَ مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانَ اللَّعِبُ بِهَا مُبَاحًا لِحِرْصِهِ عَلَى دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ إلَيْهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْبَنَاتُ جَمْعُ بِنْتٍ وَهُنَّ الْجَوَارِي وَأُضِيفَتْ إلَى اللَّعِبِ وَهِيَ جَمْعُ لُعْبَةٍ وَهُوَ مَا تَلْعَبُ بِهِ الْبَنَاتُ؛ لِأَنَّهُنَّ اللَّوَاتِي يَصْنَعْنَهَا وَيَلْعَبْنَ بِهَا قُلْت الْمُرَادُ بِالْبَنَاتِ هُنَا نَفْسُ اللَّعِبِ وَتَسْمِيَتُهُنَّ بِذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ التَّشْبِيهِ الصُّورِيِّ كَتَسْمِيَتِهِ الْمَنْقُوشَ فِي الْحَائِطِ أَسَدًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة حُسْنُ خُلُقِهِ عليه الصلاة والسلام وَلَطِيفُ مُعَاشَرَتِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَمَنْ يَزُورُهَا]
1
(الرَّابِعَةُ) فِيهِ حُسْنُ خُلُقِهِ عليه الصلاة والسلام وَلَطِيفُ مُعَاشَرَتِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَمَنْ يَزُورُهَا مِنْ صَوَاحِبِهَا بِتَمْكِينِهَا مِنْ ذَلِكَ وَجَمْعِ مَنْ يُسَاعِدُهَا عَلَى ذَلِكَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ هَذَا إلَّا فِي زَمَانِ الصِّغَرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ.
[حَدِيث كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ]
1
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا»
ــ
[طرح التثريب]
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ جَابِرٍ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ «لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ» وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُطَابِقَةً لِرِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِزِيَادَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَجَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ لَيْسَ فِيهِ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ لِي جَارِيَةً أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ فَقَالَ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت فَسَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا، قَالَ: فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَعْزِلُ فَزَعَمَتْ الْيَهُودُ أَنَّهَا الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى فَقَالَ: كَذَبَتْ الْيَهُودُ، إنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ» وَلَهُ عَنْ جَابِرٍ.
(الثَّانِيَةُ) الْعَزْلُ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ جَابِرٌ عَلَى إبَاحَتِهِ بِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُحْدِثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا مَعَ إضَافَتِهِ إلَى عَصْرِ الرَّسُولِ مَرْفُوعٌ حُكْمًا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالُوا: إنَّهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الِاحْتِمَالَ مَدْفُوعٌ هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا» فَثَبَتَ بِذَلِكَ اطِّلَاعُهُ وَتَقْرِيرُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ: إنَّ النِّسَاءَ أَقْسَامٌ:
(أَحَدُهُمَا) الزَّوْجَةُ الْحُرَّةُ وَفِيهَا طَرِيقَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا إنْ رَضِيَتْ جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ الْجَوَازُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهَا إنْ لَمْ تَأْذَنْ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَذِنَتْ فَوَجْهَانِ.
(الثَّانِي) الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْحُرَّةِ إنْ جَوَّزْنَاهُ فِيهَا فَفِي الْأَمَةِ أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ تَحَرُّزًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ.
(الثَّالِثُ) الْأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَحْقُ الْوَلَدِ.
(الرَّابِعُ) الْمُسْتَوْلَدَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: رَتَّبَهَا مُرَتِّبُونَ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ الرَّقِيقَةِ وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ وَآخَرُونَ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْمُسْتَوْلَدَةُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رَاسِخَةً فِي الْفِرَاشِ وَلِهَذَا لَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَظْهَرُ، هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَاصِلُهُ الْفَتْوَى بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَلَوْ تَغَيَّرَ إذْنُهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَعْزِلُ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا عَنْ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا بِخِلَافِ السَّرَارِي، هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَعْزِلُ عَنْ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ الْمَعْرُوفُ إلَّا مَا لَا يَلْحَقُهُ عَزْلٌ وَفِي دَعْوَى نَفْيِ الْخِلَافِ نَظَرٌ لِمَا قَدْ عَرَفْته مِنْ مَذْهَبِنَا، وَقَالَ فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِمَا عَرَفْته فِي مَذْهَبِنَا.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْ مَمْلُوكَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يَجُوزُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يُبَحْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: بَلْ بِإِذْنِهِمَا، وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ الْعَزْلُ بِحَالٍ وَقِيلَ: يُبَاحُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: لَا يَحِلُّ الْعَزْلُ عَنْ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ مُطْلَقًا، وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَّاشَةَ فِي حَدِيثٍ قَالَتْ فِيهِ «وَسَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وَهِيَ {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] » وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْعَزْلِ عَنْ الْجَارِيَةِ فَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَيُّوبُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رِوَايَةً ثَانِيَةً وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ: مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَفْعَلُهُ، وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا يُنْكِرَانِ الْعَزْلَ قَالَ: وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَطَاوُسٍ. انْتَهَى.
وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ هَؤُلَاءِ فَهِمُوا مِنْ (لَا) النَّهْيَ عَمَّا سُئِلُوا عَنْهُ، وَحَذَفَ بَعْدَ قَوْلِهِ (لَا) فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَعْزِلُوا وَعَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا تَأْكِيدًا لِذَلِكَ النَّهْيِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَيْسَ هَذَا نَهْيًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَوْ ضَرَرٌ فِي أَنْ لَا تَفْعَلُوا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا هِيَ كَائِنَةٌ» وَاسْتَدَلَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَزْلِ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «فَضَعْهُ فِي حَلَالِهِ وَجَنِّبْهُ حَرَامَهُ وَأَقْرِرْهُ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْيَاهُ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَمَاتَهُ وَلَك أَجْرٌ» وَأَقْوَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِذَلِكَ حَدِيثُ جُدَامَةَ الْمُتَقَدِّمُ ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وَقَالَ وَالِدِي رحمه الله فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: هُوَ فَرْدٌ مِنْ حَدِيثِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي زِيَادَةِ الْعَزْلِ فِيهِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ مَالِكٌ فِي حَدِيثِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عُورِضَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ قَالُوا: إنَّ الْيَهُودَ تَزْعُمُ أَنَّ الْعَزْلَ هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، قَالَ: كَذَبَتْ الْيَهُودُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ جُدَامَةَ عَلَى طَرِيقِ التَّنْزِيهِ. انْتَهَى.
وَحَمَلَ وَالِدِي رحمه الله أَيْضًا حَدِيثَ جُدَامَةَ عَلَى الْعَزْلِ عَنْ الْحَامِلِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُحَذِّرُهُ مِنْ حُصُولِ الْحَمْلِ وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَغْذُوهُ فَقَدْ يُؤَدِّي إلَى مَوْتِهِ أَوْ ضَعْفِهِ فَيَكُونُ وَأْدًا خَفِيًّا، وَسَأَلَ وَالِدِي أَيْضًا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَوْجُهٍ:
(مِنْهَا) أَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّهَا الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى يَقْتَضِي أَنَّهُ وَأْدٌ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ صَغِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَأْدِ الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ حَيًّا بِخِلَافِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: إنَّهُ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
حُكْمِ الظَّاهِرِ أَصْلًا فَلَا يُرَتِّبُ عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: إنَّ الرِّيَاءَ هُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ وَإِنَّمَا شُبِّهَ بِالْوَأْدِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَرِيقِ الْوِلَادَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا لَا تَكُونُ مَوْءُودَةً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْحَالَاتُ السَّبْعُ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَدَقْت أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ يَشْكُلُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ إبَاحَةِ الْعَزْلِ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ يُونُسَ وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ اسْتِعْمَالُ دَوَاءٍ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْحَبَلِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا سَبَبٌ لِامْتِنَاعِهِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَالْعَزْلُ فِيهِ تَرْكٌ لِلسَّبَبِ فَهُوَ كَتَرْكِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْعَزْلِ مَا إذَا كَانَ يَقْصِدُ التَّحَرُّزَ عَنْ الْوَلَدِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ: حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ، فَذَلِكَ إذَا نَزَعَ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَقَعَ الْمَاءُ خَارِجًا تَحَرُّزًا عَنْ الْوَلَدِ قَالَ: وَأَمَّا إذَا عَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ لَا عَلَى هَذَا الْقَصْدِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ. انْتَهَى.
وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ فِي الْحُرَّةِ بِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةِ التَّحَرُّزِ عَنْ الْوَلَدِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعَةُ) قَدْ أَوْضَحَ قَوْلَهُ " وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ " بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " لَوْ كَانَ شَيْئًا يَنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ " وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُطْلِعُ نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى فِعْلِنَا وَيُنْزِلُ فِي كِتَابِهِ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما " كُنَّا نَنْتَقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ مَعَ نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَيْبَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهَا شَيْءٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ اسْتَدَلَّ جَابِرٌ بِالتَّقْرِيرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ غَرِيبٌ وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِدْلَال بِتَقْرِيرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِعِلْمِهِ بِذَلِكَ.
وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «دَخَلْت الْجَنَّةَ فَرَأَيْت قَصْرًا أَوْ دَارًا فَسَمِعْت فِيهَا صَوْتًا فَقُلْت لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ لِعُمَرَ فَأَرَدْت أَنْ أَدْخُلَهَا فَذَكَرْت غَيْرَتَك يَا أَبَا حَفْصٍ فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ مَرَّةً فَأَخْبَرَ بِهَا عُمَرَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيْك يُغَارُ» قَالَ سُفْيَانُ سَمِعْته مِنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعُمَرَ وَسَمِعَا جَابِرًا يُزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ
ــ
[طرح التثريب]
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «دَخَلْت الْجَنَّةَ فَرَأَيْت قَصْرًا أَوْ دَارًا فَسَمِعْت فِيهَا صَوْتًا فَقُلْت: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ لِعُمَرَ فَأَرَدْت أَنْ أَدْخُلَهَا فَذَكَرْت غَيْرَتَك يَا أَبَا حَفْصٍ فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ مَرَّةً فَأَخْبَرَ بِهَا عُمَرَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيْك يُغَارُ» قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْته مِنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعُمَرَ وَسَمِعَا جَابِرًا يُزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو وَحْدَهُ عَنْ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «رَأَيْتُنِي دَخَلْت الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْت خَشَفَةً فَقُلْت مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلَالٌ وَرَأَيْت قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ فَقُلْت لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ فَأَرَدْت أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إلَيْهِ فَذَكَرْت غَيْرَتَك، فَقَالَ عُمَرُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ قِصَّةِ عُمَرَ وَقَدَّمَ الشَّيْخُ رحمه الله قِصَّةَ عُمَرَ رضي الله عنه هَذِهِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي الشَّرْحِ بِمَا يُغْنِي عَنْ الْكَلَامِ عَلَيْهَا هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْغَيْرَةِ الَّتِي تَجْرِي فِي مُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ كَثِيرًا وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا فِي الشَّرْعِ وَأَنَّهَا تُرَاعَى فِي الْجُمْلَةِ وَلَا تُنْكَرُ.
وَقَدْ بَوَّبَ