الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْغَنِيمَةِ وَالنَّفَلِ
عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِمَنْ قَبْلَنَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا» وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبْنِ وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمَّا يَرْفَعْ سَقْفَهَا، وَلَا آخَرُ قَدْ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ، وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَوْلَادَهَا فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ حِينَ
ــ
[طرح التثريب]
[بَابُ الْغَنِيمَةِ وَالنَّفَلِ]
[حَدِيث لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِمَنْ قَبْلَنَا]
{الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ} عَنْ
هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِمَنْ قَبْلَنَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا» ، وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبْنِ وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمَّا يَرْفَعْ سَقْفَهَا، وَلَا آخَرُ قَدْ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ، وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَوْلَادَهَا فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ أَنْتِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَمَعُوا وَغَنِمُوا فَأَقْبَلَتْ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ قَالَ فِيكُمْ غُلُولٌ فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَبَايَعُوهُ فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُك فَبَايَعَتْهُ قَبِيلَتُهُ قَالَ فَلَصِقَ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ فَأَقْبَلَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ فَلَمْ تَحِلَّ
صَلَّى الْعَصْرَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ أَنْتِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْتَبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلَتْ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ فَقَالَ فِيكُمْ غُلُولٌ فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَبَايَعُوهُ فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُك فَبَايَعَتْهُ قَبِيلَتُهُ. قَالَ فَلَصِقَ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ مِنْكُمْ الْغُلُولُ أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ. فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ، وَهُوَ بِالصَّعِيدِ فَأَقْبَلَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ رَأَى عَجْزَنَا وَضَعْفَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا» .
ــ
[طرح التثريب]
الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ رَأَى عَجْزَنَا وَضَعْفَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ:
{الْأُولَى} الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ قِطْعَةٌ مِنْ الثَّانِي، وَقَدْ أَخْرَجَ الثَّانِيَ بِطُولِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيق ابْنِ الْمُبَارَكِ أَيْضًا كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
{الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ» قِيلَ إنَّهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.
{الثَّالِثَةُ} الْبُضْعُ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كِنَايَةٌ عَنْ الْفَرْجِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالنَّوَوِيُّ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ أُخَرَ (أَحَدُهَا) الْجِمَاعُ (الثَّانِي) مِلْكُ الْوَلِيِّ لِلْمَرْأَةِ.
(الثَّالِثُ) مَهْرُ الْمَرْأَةِ.
(الرَّابِعُ) الطَّلَاقُ.
(الْخَامِسُ) النِّكَاحُ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى صَاحِبُ الْمَشَارِقِ، وَذَكَرَهَا مَعَ الرَّابِعِ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ، وَذَكَرَ الْخَامِسَ صَاحِبَا الصِّحَاحِ، وَالنِّهَايَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْبُضْع يُطْلَقُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْجِمَاعِ مَعًا، وَعَلَى الْفَرْجِ انْتَهَى.
وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْفَرْجُ فَقَدْ يُرَادُ النِّكَاحُ أَوْ الْجِمَاعُ، وَكَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ يَقْتَضِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
إرَادَةَ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ أَنَّ الْبُضْعَ النِّكَاحُ قَالَ يُقَالُ مَلَكَ فُلَانَةَ بُضْعَ فُلَانَةَ قَالَ الْمُهَلَّبُ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِتَنَ الدُّنْيَا تَدْعُو النَّفْسَ إلَى الْهَلَعِ وَالْجُبْنِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَلَمْ يَبْنِ بِهَا أَوْ بَنَى بِهَا فَكَانَ عَلَى طَرَاوَةٍ مِنْهَا فَإِنَّ قَلْبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّجُوعِ إلَيْهَا، وَيَشْغَلُهُ الشَّيْطَانُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَةِ فَيَرْمِي فِي قَلْبِهِ الْجَزَعَ، وَكَذَلِكَ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ مَتَاعِهَا وَفِتَنِهَا انْتَهَى.
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ مِنْ صَحِيحِهِ بَابُ مَنْ أَحَبَّ الْبِنَاءَ قَبْلَ الْغَزْوِ، انْتَهَى.
وَفِي تَعْبِيرِهِ بِلَمَّا فِي قَوْلِهِ، وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا دُونَ لَمْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبِنَاءَ بِهَا مُتَوَقَّعٌ، وَقَدْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] مَا فِي لَمَّا فِي مَعْنَى التَّوَقُّعِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ آمَنُوا فِيمَا بَعْدُ انْتَهَى.
{الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُفَهَا» كَذَا ضَبْطُنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ سُقُفَهَا، وَمُسْنَدُ أَحْمَدَ قَوْلُهُ سَقْفَهَا مُؤَنَّثًا مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ بُنْيَانٌ لَا تَأْنِيثَ فِيهِ، وَلَا جَمْعَ، وَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ تَأْوِيلِهِ بِجَمْعٍ كَأَبْنِيَةٍ أَوْ دُورٍ وَعَوْدُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ جَمْعُ سَقْفٍ كَذَا رَوَيْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَقْفُهَا بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى جَمْعٍ بِالتَّقْدِيرِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «بَنَى بُيُوتًا، وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا» ، وَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا قَرَّرَنَا مِنْ تَقْدِيرِ الْبُنْيَانِ بِجَمْعٍ، وَمِنْ أَنَّ السُّقُفَ بِضَمَّتَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{الْخَامِسَةُ} «الْخَلِفَاتُ» بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ جَمْعُ خَلِفَةٍ، وَهِيَ الْحَامِلُ مِنْ النُّوقِ فَإِطْلَاقُ النَّوَوِيِّ تَبَعًا لِلْإِكْمَالِ أَنَّهَا الْحَوَامِلُ بِغَيْرِ قَيْدٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِتَقْيِيدِهَا بِالنُّوقِ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ فَقَوْلُهُ اشْتَرَى غَنَمًا أَيْ حَوَامِلَ أَيْضًا بِدَلِيلِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ خَلِفَاتٍ فَحَذَفَ الْوَصْفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ غَنَمًا عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِأَنْ تَكُونَ حَوَامِلَ لِأَنَّهَا قَلِيلَةُ الصَّبْرِ فَيُخْشَى ضَيَاعُهَا بِخِلَافِ النُّوقِ تَتَقَيَّدُ بِأَنْ تَكُونَ حَوَامِلَ، وَقَوْلُهُ «يَنْتَظِرُ أَوْلَادَهَا» كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ «وِلَادَهَا» بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ يُقَالُ وَلَدَتْ وِلَادًا وَوِلَادَةً، وَاَلَّذِي فِي رِوَايَتِنَا صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي يَنْتَظِرُ الْوِلَادَ يَنْتَظِرُ الْأَوْلَادَ أَيْضًا.
{السَّادِسَةُ} فِيهِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُهِمَّةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُفَوَّضَ إلَّا إلَى أُولِي الْحُزَمِ وَفَرَاغِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الْبَالِ لَهَا، وَلَا تُفَوَّضُ إلَى مُتَعَلِّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُ عَزَمَهُ، وَيُفَوِّتُ كَمَالَ بَذْلِ وُسْعِهِ فِيهِ.
{السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ» كَذَا فِي رِوَايَتِنَا، وَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ» بِهَمْزَةِ قَطْعٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالنَّوَوِيُّ عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْدِيَةً لِدَنَا أَيْ قَرُبَ فَمَعْنَاهُ أَدْنَى جُيُوشَهُ وَجُمُوعَهُ لِلْقَرْيَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَدْنَى بِمَعْنَى حَانَ أَيْ قَرُبَ فَتْحُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَدْنَتْ النَّاقَةُ إذَا حَانَ نِتَاجُهَا، وَلَمْ يَقُولُوهُ فِي غَيْرِ النَّاقَةِ.
{الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ «لِلشَّمْسِ أَنْتِ مَأْمُورَةٌ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنْ التَّمْيِيزِ وَالْإِدْرَاكِ مَا تَصْلُحُ مَعَهُ لِلْمُخَاطَبَةِ بِذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ اسْتِحْضَارِ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ لِتَقَرُّرِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحُولُهَا عَنْ عَادَتِهَا إلَّا بِخَرْقِ عَادَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ لَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْخِطَابِ لَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ عَقِبَهُ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ حِكَايَةَ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ كَمَا فِي قَوْلُهُ
شَكَا إلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى
…
صَبْرًا جَمِيلًا فَكِلَانَا مُبْتَلَى
وَقَوْلُهُ «شَيْئًا» مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصْدَرِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ. اُخْتُلِفَ فِي حَبْسِ الشَّمْسِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَقِيلَ رُدَّتْ عَلَى أَدْرَاجِهَا، وَقِيلَ وَقَفَتْ وَلَمْ تُرَدَّ، وَقِيلَ بُطِّئَتْ حَرَكَتُهَا قَالَ: وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ: وَالثَّالِثُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم حُبِسَتْ لَهُ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ شُغِلُوا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَرَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ» ذَكَرَ ذَلِكَ الطَّحْطَاوِيُّ وَقَالَ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ (وَالثَّانِيَةُ)«صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ انْتَظَرَ الْعِيرَ الَّتِي أُخْبِرَ بِوُصُولِهَا مَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ» ذَكَرَهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر فِي زِيَادَتِهِ عَلَى سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ (قُلْت) ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الشَّمْسَ فَتَأَخَّرَتْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِالصَّهْبَاءِ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حَاجَةٍ فَرَجَعَ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ فَنَامَ فَلَمْ يُحَرِّكْهُ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ إنَّ عَبْدَك