الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسع وثلاثون سنة، وكانت ولايته سنتين وثمانية أشهر وخمس ليال، وكانوا يتبرّكون به ويسمونه مفتاح الخير، وذاك أنّه ذهب عنهم الحجّاج، فأطلق الأسرى وخلّى أهل السجون وأحسن إلى الناس.
أوصى أن يكون الخليفة من بعده ابن عمه عمر بن عبدالعزيز رحمه الله (1).
الملك السادس من ملوك بني أمية: عمر بن عبدالعزيز:
وهو الخليفة الحادي عشر في عداد الخلفاء، والحقيقة أنه لم يتخلق بأخلاق الملوك، بل بأخلاق الخلفاء الراشدين، فعد الخليفة الخامس رضي الله عنهم، وهو أبو حفص عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم.
وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وكان أميرا على المدينة من قبل عبدالملك بن مروان ولَّاه سنة سبع وثمانين في أولها أو آخر سنة ست وثمانين، فأقام بها إلى سنة ثلاث وتسعين ثم عزل (2).
وُلِّي الخلافة بدابق يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين.
(1) تأريخ الطبري 6/ 497، والبداية والنهاية 9/ 177، 201، 319 والتنبيه والإشراف 1/ 275، والبدء والتأريخ 6/ 41، فتوح مصر والمغرب 1/ 241، تجارب الأمم وتعاقب الهمم 2/ 455.
(2)
المحبر 1/ 27، وتأريخ خليفة بن خياط 1/ 311، 317.
ذكر رجاء بن حيوة سبب توليته فقال: لما كان يوم الجمعة لبس سليمان بن عبدالملك ثيابا خضرا من خز، ونظر في المرآة، فقال: أنا والله الملك الشاب، فخرج إلى الصلاة فصلى بالناس الجمعة، فلم يرجع حتى وعك، فلما ثقل عهد في كتاب كتبه لبعض بنيه وهو غلام ولم يبلغ فقلت: ما تصنع يا أمير المؤمنين! إنه مما يحفظ الخليفة في قبره أن يستخلف على المسلمين الرجل الصالح فقال سليمان: أنا أستخير الله وأنظر فيه ولم أعزم عليه، قال: فمكث يوما أو يومين، ثم دعاني، فقال: ما ترى في داود بن سليمان؟ فقلت: هو غائب عنك بقسطنطينية وأنت لا تدري أحي هو أم ميت! فقال لي: فمن ترى؟ قلت: رأيك يا أمير المؤمنين، وأنا أريد أنظر من يذكر، قال: كيف ترى في عمر بن عبدالعزيز؟ فقلت: أعلمه والله خيرا فاضلا مسلما، فقال: هو والله على ذلك، ثم قال: والله لئن وليته ولم أول أحدا سواه لتكونن فتنة، ولا يتركونه أبدا يلي عليهم إلا أن يجعل أحدهم بعده، ويزيد بن عبدالملك غائب على الموسم، قال: فيزيد بن عبدالملك أجعله بعده، فإن ذلك مما يسكنهم ويرضون به، قلت: رأيك قال: فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من عبدالله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبدالعزيز، أني قد وليتك الخلافة من بعدي، ومن بعده يزيد بن عبدالملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيُطمع فيكم، وختم الكتاب
…
،
أما عمر فهو التقى النقي الصوّام القوّام، كان فاضلا يؤثر الدين على الدنيا، ويعمل عمل من يخاف يومه ويرجو غده، ويقر بتدينه لما يجري أهله عليه، وكان نقش خاتمه "لكل عمل ثواب" وقيل:"عمر يؤمن باللَّه مخلصا".
كان حسن السيرة عادلا في الرعية، يعود المرضى، ويشيّع الجنائز، ويأخذ مال الله من وجهه، ويصرفه في حقه.
وكان شبيها في السيرة بعمر بن الخطاب جده لأمه (1).
كان قبل خلافته يلبس الحلة بألف دينار ويقول: ما أخشنها، وحين ولى الخلافة كان قميصه وعمامته وجميع ما يكون على بدنه من ثوب واحد خشن وتحته جبّة صوف تلاقي جلده على بدنه ويقول: هذا لمن يموت كثير.
وبعد وفاته رئي في المنام وهو على حالة حسنة، وعليه ثياب فاخرة، وهو جالس في روضة نزهة، فقال له الرائي له في المنام: يا أمير المؤمنين قل لي ما أعيده عنك إلى أهلك ورعيتك، فقال له عمر: قل لهم: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (2) ثم تلا بعد ذلك قول الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (3)، وكان بنوا أميّة كلهم يلعنون عليّا رضي الله عنه على المنبر، فمذ وُلّى عمر ابن عبدالعزيز قطع تلك اللعنة، واستبدلها بقول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (4)، وبقيت السنة بعده إلى يومنا هذا، نسأل الله أن يثيبه عليها أعظم ثواب وأجزله.
(1) تأريخ الطبري 6/ 550، 551، التنبيه والإشراف 1/ 276، الإنباء في تأريخ الخلفاء 1/ 50، 51.
(2)
الآية (61) من سورة الصافات.
(3)
الآية (83) من سورة القصص.
(4)
الآية (90) من سورة النحل.