الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكرها، فوجه إليه يسأله تقديم ابنه عليه بولاية العهد، ويرغبه في ذلك ويرهبه، فأبى وقوّى الفضل بن سهل ذو الرئاستين عزمه على محاربته.
فلما عادت الرسل إلى الأمين بذلك بايع لابنه موسى ولقبه "الناطق بالحق" وهو يومئذ صبي صغير (1).
قلت ليس هذا من الوفاء لعهد والده، وليس من المروءة مع أخيه، وهو من طيش الملك ونشوته.
وبعد مواجهة انتهت بكسر من أرسل الأمين، وذلك لعشر خلون من شعبان سنة خمس وتسعين ومائة، وحينئذ سُلّم على المأمون بإمرة المؤمنين، وبعث كل منهما جهده في الانتصار، ولكن المأمون دالت له أمور، فوجه إلى الأمين من قتله، وأنفذ رأسه إليه في خراسان.
وكان مقتل الأمين ليلة الأحد لخمس ليال بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، وله ثلاث وثلاثون سنة، وكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وعشرة أيام (2).
الملك السابع من ملوك بني العباس: المأمون:
سابع خلفاء الدولة العباسية، وهو عبدالله بن هارون الرشيد، وأمه أم ولد باذغيسية تسمى مراجل، ماتت بعد ولايته بقليل.
ولد ليلة استخلف الرشيد في النصف من ربيع الأول سنة سبعين ومائة، وكان يكنى أبا العباس في أيام الرشيد، وتكنى في خلافته بأبي جعفر تفاؤلا بكنية
(1) التنبيه والإشراف 1/ 299، 300، 301.
(2)
التنبيه والإشراف 1/ 299، 300، 301، 302.
المنصور والرشيد في طول العمر، وكان أبيض، أقنى، أعين، جميلا، طويل اللحية، قد وخطه الشيب، ضيِّق الجبهة، بخده خال أسود يعلوه صفرة.
ولما وضعت الحرب بين محمد وعبدالله ابني هارون الرشيد أوزارها، واستوسق الناس بالمشرق والعراق والحجاز لعبدالله المأمون بالطاعة، أخذ المأمون البيعة العامة بعد قتل أخيه الأمين يوم الأحد لخمس ليال بقين من المحرم، سنة ثمان وتسعين ومائة، وبايع للرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالعهد بعده، وأزال لبس السواد، ولبس بدله الخضرة، وأخذ الناس بذلك، فاضطرب من بمدينة السلام من الهاشميين، وعظم ذلك على أهل بغداد عامة، وعلى الهاشميين خاصة، لزوال الملك عنهم ومصيره إلى ولد أبى طالب (1).
ودخل المأمون مدينة السلام يوم السبت لثمان عشرة ليلة خلت من صفر سنة أربع ومئتين، وأمر بإعادة لبس السواد بعد ثمانية أيام من قدومه.
وكان المأمون شديد الميل إِلى العلويين، والإحسان إِليهم رحمه الله تعالى، ردّ فدك على ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلمها إِلى محمد بن يحيى بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ليفرقها على مستحقيها من ولد فاطمة، وكان المأمون مشاركاً في علوم كثيرة.
(1) التنبيه والإشراف 302، والمنتظم في تأريخ الملوك والأمم (10/ 49.
كانت خلافة المأمون عشرين سنة وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً سوى أيام دعي له بالخلافة، وأخوه الأمين محصور ببغداد (1).
ومن سيئاته أن قامت في عهده فتنة القول بخلق القرآن وأراد حمل الناس على القول بذلك متأثرا بخلصائه وأصفيائه من المعتزلة، ومنهم بشر بن غياث المريسي أشهر القول بخلق القرآن، وشبَّه على المأمون واستقوى به على الناس ودعا الناس إلى موافقته على قوله ومذهبه، ودفع الناس إلى محنة الدخول في هذا الكفر والضلالة، ففزع الناس من مناظرة المريسي، وأحجموا عن الرد عليه، فقد ناصره المأمون على ذلك، فأرهب الناس واستتر المؤمنون في بيوتهم وانقطعوا عن الجُمعات والجماعات، وهرب البعض من بلد إلى بلد خوفا على أنفسهم وعقيدتهم، وكثرت موافقة الجهال والرعاع من الناس لبشر على مذهبه وكفره وضلالته.
وقد جرت المناظرة في هذه المسألة بين بشر المريسي، وعبدالعزيز الكناني رحمه الله، وأورد الكناني الأدلة القاطعة الدامغة لمن ينتحل هذه الفكرة بأسلوب أدبي علمي عجيب، دل على سعة علم الكناني ومعرفته لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وانتزع من الكتاب والسنة الحجج القطعية التي أبطل بها مذهب الجهمية والمعتزلة ومن يقول إن القرآن مخلوق، وقد دونت هذه المناظرة في رسالة سميت "الحيدة والاعتذار".
ولما دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن، وكان الإمام أحمد في السجن ببغداد، وطلبه للمناظرة ولكنه مات قبل أن يصل الإمام أحمد إلى الشام قادما من بغداد.
(1) تأريخ الطبري 8/ 527، وأخبار الدولة العباسية 1/ 412، والمختصر في أخبار البشر 2/ 32.