الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مات المنصور لست خلون من ذي الحجة، سنة ثمان وخمسين ومائة، خرج للحج وقال لابنه المهدي: إني ولدت في ذي الحجة، ووليت في ذي الحجة، وقد هجس في نفسي أني أموت في ذي الحجة من هذه السنة، وهو الذي حداني على الحج، فاتق الله فيما أعهد إليك، ووصاه طويلا وودعه وبكيا فمات ببئر ميمونة (1) محرما، وعاش ثلاثا وستين وخلافته اثنتان وعشرون سنة وثلاثة أشهر وكسر (2).
كان على شرطته عبد الجبار بن عبدالرحمن الزهراني، وهو عبد الجبار بن عبدالرحمن بن يزيد بن قيل بن قَيس بن يزيد بن جابر بن رافد بن سُبالة بن عامر بن عمرو بن كعب بن الغطريف الأصغر الحارث بن عبدالله بن الغطريف الأكبر عامر بن بكر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن كعب.
وكان أخوه عبدالعزيز بن عبدالرحمن الزهراني على البصرة.
الملك الثالث من ملوك بني العباس: المهدي:
ثالث خلفاء الدولة العباسية، وهو المهدي محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية، فقدم المهدي من جرجان وقعد في الخلافة عشر سنين، تولى الخلافة في سنة ثمان وخمسين ومائة.
وله أخبار وأسمار لا تدخل في الفتوح.
(1) في بعض المصادر "قبر" ميمونة، وهو خطأ، وتقدم بيانه.
(2)
تاريخ مختصر الدول 1/ 125، وتاريخ ابن الوردي 1/ 190.
بنى في خلافة والده المنصور مدينة الري (1)، وجعل حولها خندقا، وبنى فيها مسجدا جامعا.
وذُكر أن المهدي قال في ذات يوم: إني داخل ذلك النهر نائم فيه فلا يوقظني أحد حتى أستيقظ أنا من ذاتي، إذ سمعوا بكاءه، فبادروا إليه وقالوا: مما بكاءك؟ ، فقال: رأيت الساعة رجلا لو كان في مائة رجل لما خفي، فوقف على باب هذا النهر وجعل يقول هذه الأبيات فحفظتها منه:
كأني بهذا القصر قد باد أهله
…
وأوحش منه أهله ومنازله
وصار عميد القوم من بعد نعمة
…
وملك إلى قبر عليه جنادله
فلم يبق إلا ذكره وحديثه
…
تنادي بليل معولات حلائله
فلم يشك أحد أن أجله قد اقترب.
قال علي بن يقطين: فكنا معه بعد ذلك في قصر الرصافة ببغداد فأرسل إلى وجوه بني هاشم ورؤساء القوم فأحضرهم ثم أخذ عليهم البيعة لابنه موسى وسماه الهادي وجعل هارون من بعده ولي العهد وسماه الرشيد، ثم لم يلبث المهدي بعد ذلك قليلا حتى مات، فكانت مدة خلافته عشر سنين وشهرا واحدا، وتوفي بموضع يقال له ماسبذان (2) ودفن في دير الغنم (3) ليلة الخميس لثمان ليال بقين من المحرم سنة تسع وستين ومائة.
(1) سنة ثمان وخمسين ومائة، وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا، وكتب اسمه على حائطها (معجم البلدان (3/ 118).
(2)
اسم هذه الكورة مضاف إلى اسم القمر وهو ماه، وهي مدينة حسنة في الصحراء بين جبال كثيرة الشجر (معجم البلدان 5/ 41، 49).
(3)
لم أقف على ما يفيد عنه.
وذُكر في سبب موته أنه في المحرم سار المهدي إلى ماسبذان عازما على تقديم ابنه هارون في ولاية العهد، وأن يؤخر موسى الهادي، فنفذ إلى موسى في ذلك فامتنع، فطلبه فلم يأت، فهم المهدي بالمسير إلى جرجان لذلك، فساق يوما خلف صيد فاقتحم الصيد خربة، ودخلت الكلاب خلفه، وتبعهم المهدي، فدق ظهره في باب الخربة مع شدة سوق الفرس، فهلك لساعته.
وقيل: بل أطعموه السم، سقته جارية له سما اتخذته لضرتها، فمد يده، وفزعت أن تقول: هو مسموم، وكان لِباً فيما قيل، وقيل: كان إنجاصا، فأكل وصاح: جوفي، وتلف من الغد (1).
وسّع المهدي المسجد الحرام من أعلاه، ومن الجانب اليماني، ومن الموضع الذي انتهى إليه أبوه المنصور في الجانب الغربي، وكان توسعته له في نوبتين:
الأولى: في سنة إحدى وستين ومائة، وفيها زيد فيما زاد أبوه في المسجد رواقان، والثانية: في سنة سبع وستين، وكان أمر بها لما حج حجته الثانية في سنة أربع وستين، ولم تكمل هذه الزيادة إلا في خلافة ابنه موسى الهادي، لمعاجلة المنية المهدي، ونقل المهدي أساطين الرخام من الشام وغيرها، حتى أنزلت بجدة، وحملت منها على العجل إلى مكة (2).
(1) وتأريخ الطبري 8/ 110، والفتوح لابن أعثم 8/ 370، وأخبار الدولة العباسية 1/ 412، الفتوح لابن أعثم 8/ 370، 371، تأريخ الإسلام ت تدمري 10/ 32.
(2)
تأريخ دمشق لابن عساكر 12/ 287، وشفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1/ 297.