الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما معاوية رضي الله عنه فهو الخليفة الخامس على ترتيب الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الملك الأول من ملوك بني أمية
بعد تحول الحكم من الخلافة الراشدة إلى الملك.
وهو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبدشمس بن عبد مناف بن قصي، الأموي، أبو عبدالرحمن، أسلم هو وأبوه يوم فتح مكة، وشهد حُنينًا وكان من المؤلفة قلوبهم، ثم حسن إسلامه، وكان أحد الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ولد معاوية بن أبي سفيان في سنة أربع وثلاثين من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثلاثة وستون حديثًا (3).
من أقواله:
قال لشاب من قريش دخل عليه فأغلظ، فقال له معاوية رضي الله عنه: يا ابن أخي، أنهاك عن السلطان يغضب غضب الصبي ويأخذ أخذ الأسد، كتب زياد إلى معاوية في رجل، فكتب إليه معاوية "إنه ليس ينبغي لي ولا لك أن نسوس الناس بسياسة واحدة؛ أن نلين جميعًا فتمرح الناس في المعصية، أو نشتد جميعًا فنحمل الناس على المهالك، ولكن تكون للشدة والفظاظة، وأكون للين والرأفة"(4)، وذكروا الزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية وهي امرأة من أهل الكوفة شهدت مع قومها صفين وكان لها لسان وعقل فقال معاوية: "أيكم يحفظ كلامها يوم صفين قال القوم كلهم: نحن نحفظه يا أمير المؤمنين قال ما تشيرون عليَّ في أمرها قال بعضهم:
(1) وهو تأريخ الخلفاء 1/ 148.
(2)
إنارة الدجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وآله وسلم 1/ 760.
(3)
تأريخ الخلفاء 1/ 148.
(4)
تأريخ الخلفاء 1/ 154.
نشير عليك بقتلها، قال: بئس الرأي أشرتم، أيحسن بمثلي أن يتحدث عنه أنه قتل امرأة بعد أن ظفر، فكتب إلى عامله بالكوفة أن أوفد إليّ الزرقاء بنت عدي مع ثقة من محرمها وعِدة من فرسان قومها ومهد لها وطاءً ليناً، واسترها بستر حصيف، وأوسع عليها في النفقة".
فأرسل إليها فاقرأها الكتاب فقالت: "أما أنا فغير زائغة عن طاعة؛ فإن كان أمير المؤمنين جعل الاختيار لي لم أرم من بلدي هذا، وإن كان حتم الأمر فالطاعة له" فحملها في هودج جعل متناه خزا مبطنا بعصب اليمن، ثم أحسن صحبتها، فلما قدمت على معاوية قال لها:"مرحبا وأهلا، خير مقدم أقدموك وأفضل، كيف أنت يا خالة؟ ، وكيف كان مسيرك؟ " قالت: "خير مسير؛ كأني كنت ربيبة بيت، أو طفلا في مهد"، قال "بذاك أمرتهم، فهل تعلمين لم بعثت اليك؟ "، قالت:"لا يعلم الغيب إلا الله"، قال:"ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وأنت بين الصفين توقدين الحرب وتحضين عليها؟ "، قالت: بلى، قال:"فما حملك على ذلك؟ "، قالت:"يا أمير المؤمنين، إنه قد مات الرأس وبتر الذنب، والدهر ذو غِيَر، ومن تذكر أبصر، والأمر يحدث بعد الأمر"، قال لها:"صدقت فهل تحفظين كلأمك؟ "، قالت:"والله ما أحفظه"، قال: "لكني والله أحفظه، لله أبوك لقد سمعتك تقولين: أيها الناس إنكم في فتنة غشيتكم جلابيب الظلم، وحادت بكم عن قصد المحجة، يا لها من فتنة عمياء صماء، لا يُسمع لداعيها ولا يُنقاد لسائقها، أيها الناس إن المصباح لا يضيء في الشمس، وإن الكوكب لا ينير في القمر، وإن البغل لا يسبق الفرس، وإن الدق لا يوازي الحجر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد، ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه، إن الحق كان يطلب ضالة فأصابها، فصبرا يا معاشر المهاجري والأنصار على المضض، فكان قد التأم شعب الشتات، وظهرت كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فلا يعجلن أحد فيقول: كيف وأنَّى، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ولله عاقبة الأمور، إن خضاب النساء الحناء، وإن
خضاب الرجال الدماء، ولهذا ما بعده والصبر خير في العواقب، إِيْهِ إلى الحرب قُدُما غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده".
قال معاوية: "يا زرقاء لقد اشركت عليا في كل دم سفكه"، فقالت:"أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين، وأدام سلامتك، مثلك من بشر بخير سَرَّ"، قال لها:"وقد سرك ذلك؟ "، قالت:"نعم وأنَّى لي بتصديقه"، فقال معاوية:"والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب إليَّ من حبكم له في حياته، أذكري حاجتك"، فقالت:"يا أمير المؤمنين، آليت على نفسي ألا أسال أحدا أعنت عليه أبدا شيئا، ومثلك من أعطى من غير مسالة، وجاد عن غير طلبة"، قال: صدقت، ثم أقطعها ضيعة استغلتها في أول سنة عشرة آلاف درهم (1).
ولم يرض معاوية من أخته أم الحكم تفضيله على علي رضي الله عنهما، بل قال لها معاوية:"يا أختاه لا يَكذبَنَّك ظنك، ولا يبعد عنك ذهنك، والله ما عادلتُ عليا قط، فكيف وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم من ولد إبراهيم الخليل عليه السلام، وكان عبد المطلب بن هاشم جواد العرب، وفارس الكُرب، المطعم بالسَّغَب، وكان أبو طالب السهل الطريقة، الحامي الحقيقة، وكان علي بن أبي طالب قاضي الأمة، وأعظمهم فخرا، وأكرمهم مجدا، حامي الذمار، عزيز الجار، صهر الرسول، وسيد الكهول، وزوج البتول، فأيم الله لأُصْبِحَنَّ جالسا ولأُسْمِعَنَّكِ ممن وفد عليَّ من سائر العرب خلاف ما ظننت، وغير ما وصفت"(2).
وأخذ معاوية يستثير من يدخل عليه ليسمع أخته ثناءهم على عليِّ رضي الله عنه، لتعلم أن المقدم علي رضي الله عنهما.
(1) أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان 1/ 63.
(2)
أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان 1/ 63.
وقال معاوية رضي الله عنه: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت"، قالوا: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ ، قال:"كنت إذا أرخوها شددتها وإذا شدوها جررتها"(1).
توفي معاوية رضي الله عنه بدمشق يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين، وكانت ولايته تسع عشرة سنة وأربعة أشهر إلا ليال، وكانت له يوم مات ثمان وسبعون سنة (2).
وهو أول من اتخذ الخصيان: الخصي: هو من قُطع خصاه، والمجبوب: من قُطع ذكره، واختير أنهما في حرمة النظر إلى النساء كغيرهما من الأجانب، وكان معاوية يرى جواز نظر الخصي ولا يُعتد برأيه، وهو على ما قيل: أول من اتخذ الخصيان، وعن ميسون الكلبية أن معاوية دخل عليها ومعه خصي فتقنعت منه فقال: هو خصي فقالت: يا معاوية أترى أن المثلة به تحلل ما حرم الله تعالى، وليس لأحد أن يستدل بما روي أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خصيا فقبله إذ لا دلالة فيه على جواز إدخاله على النساء (3).
ومعاوية هو أول من اتخذ ديوان الخاتم لختم الكتب؛ وأول من اتخذ البريد في الإسلام (4).
وأول من استحلف الناس على الوفاء بالبيعة، وأول من عهد إلى أحد أبنائه، وهو يزيد، ولم يجعل الأمر شورى (5)، فانتقل من الخلافة إلى الملك.
(1) تهذيب الرياسة وترتيب السياسة 1/ 131، ولعل الصواب: وإذا شدوها أرخيتها، أو أجريتها، فإن الجر ريف الشد.
(2)
صحيح ابن حبان 15/ 39.
(3)
روح المعاني 9/ 339.
(4)
صبح الأعشى 1/ 470.
(5)
صبح الأعشى في صناعة الإنشاء 1/ 471.