الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقام منار الدين، وقمع المتمردين، ونشر السنن وكف الفتن، وحمل الناس على أقوم سنن، وحفظ الثغور، وافتتح الحصون، واجتمعت القلوب على محبته، والألسن على مدحته، ولم يجد أحد من المتعنتة فيه معابا، وكان جده الناصر يقربه ويسميه القاضي؛ لهديه وعقله وإنكار ما يجده من المنكر، وكان المستنصر راغبا في فعل الخير، مجتهدا على أعمال البر، وله في ذلك آثار جميلة، وهو الذي أنشأ المستنصرية التي لم يبن مثلها في مدارس الإسلام، بناها على دجلة من الجانب الشرقي؛ وهي بأربعة مدرسين على المذاهب الأربعة، ولم يوجد في المدارس أكثر كسبا منها، ولا أكثر أوقافا عليها، ورتب فيها الرواتب الحسنة لأهل العلم.
توفي يوم الجمعة عاشر جمادى الأخرى سنة أربعين وستمائة فكانت خلافته ثلاث عشرة سنة وأحد عشر شهرا وعشرة أيام (1).
الملك السابع والثلاثون من ملوك بني العباس: المستعصم:
السابع والثلاثون من خلفاء الدولة العباسية، وهو المستعصم بالله أبو أحمد عبدالله بن المستنصر بالله منصور بن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر لدين الله أحمد، وهو آخر الخلفاء العباسيين بالعراق.
أمه أم ولد حبشية اسمها هاجر.
بويع له بالخلافة عند موت أبيه المستنصر يوم الجمعة عاشر جمادى الأخرى سنة أربعين وستمائة، وكان لينا هينا قليل الرأي بعيد الفهم فوض جميع أموره إلى وزيره مؤيد الدين بل مدمر الدين ابن العلقمي الرافضي جالب التتار إلى بغداد والمستعصم ومن معه في غفلة عنهم، وأخفى ابن العلقمي عنه سائر الأخبار إلى
(1) سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 513، 514، وتلقيح فهوم أهل الأثر 1/ 68، وأخبار الدولة العباسية 1/ 414.
أن وصل هولاكو خان إلى بلاد العراق، واستأصل من بها قتلا وأسرا، وتوجه إلى بغداد وأرسل إلى الخليفة يطلبه، فاستيقظ من نوم الغرور، وندم على غفلته حيث لا ينفع الندم، وجمع من قدر عليه وبرز إلى قتاله، وجمع من أهل بغداد خاصته ومن عبيده وخدامه ما يقارب أربعين ألف مقاتل؛ لكنهم مرفهون بلين المهاد وساكنون على شط بغداد، في ظل ثخين، وماء معين، وفاكة وشراب، واجتماع أحباب، ما كابدوا حربا، ولا ذاقوا طعنا ولا ضربا، وعساكر المغول ينوفون على مائة ألف مقاتل، فوقع التصاف والتحم القتال، وزحف الخميس إلى الخميس يوم الخميس، عاشر محرم سنة ست وخمسين وستمائة، وصبر أهل بغداد فعجزوا عن الاصطبار، وانكسروا أشد انكسار، وولوا الأدبار، وغرق كثير منهم في دجلة، وقتل أكثرهم شر قتلة، ووضعت التتار فيهم السيف والنار، فقتلوا في ثلاثة أيام ما ينوف على ثلاثمائة ألف وسبعين ألفا، وسبوا النساء والأطفال، ونهبوا الخزائن والأموال، وأخذ هولاكو جميع النقود وأمر بحرق الباقي، ورمى كتب مدارس بغداد في دجلة، وكانت لكثرتها جسرا يمرون عليها ركبانا ومشاة، وتغير لون الماء بحبرها إلى السواد، فأشار الوزير على الخليفة بمصانعتهم وقال: أنا في تقرير الصلح، فخرج ووثق لنفسه بينهم ورجع إلى الخليفة وقال: إن الملك هولاكو قد رغب في أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكر، ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته، ولا يؤثر أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع سلاطين الديلم والسلجوقية، وينصرف عنك بجنوده فيجيب مولانا إلى هذا فإن فيه حقنا لدماء من بقي من
المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد فالرأي أن تخرج إليهم، فخرج الخليفة في أعيان دولته، فأنزل في خيمة، ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا العقد، فخرجوا من بغداد فضربت أعناقهم، وكذلك تخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم، حتى قتل جميع من فيها من العلماء والأمراء والحجاب والكتاب، واستبقى هولاكو المستعصم أياما إلى أن
استصفي أمواله وخزائنه وذخائره، ثم رمى رقاب أولاده وذويه وأتباعه، وأمر أن يوضع الخليفة في غرارة ويرفس بالأرجل حتى يموت ففعل به ذلك، قال الحافظ الذهبي عند ذكر قتل الخليفة: وما أظنه دفن، وقتل معه جماعة من أولاده وأعمامه وبني عمه وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها.
فكان ابن العلقمي سبب هلاكه وزوال ملكه، بل دولة الإسلام.
يا عصبة الإسلام نوحي واندبي
…
حزنا على ما تم للمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه
…
لابن الفرات فصار لابن العلقمي
كانت مدة خلافته ست عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام، وعمره خمس وأربعون سنة، وقيل: ست وأربعون وشهران، وهذا آخر خلفاء بني العباس، وعدتهم سبعة وثلاثون خليفة أولهم عبدالله السفاح بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس وآخرهم هذا المستعصم بالله عبدالله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بنور الله حسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي لأمر الله محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بأمر الله عبدالله بن الأمير محمد الذخيرة بن القائم بأمر الله عبدالله بن القادر بالله أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بن جعفر بن المعتضد بن أحمد بن الأمير طلحة الموفق بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس رضي الله عنهما (1).
(1) سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 516 _ 520.
هذا ما راق لي أن أكتب فيه، فقد حكم المسلون بعد فجر الإسلام العهد النبوي، مدة ضحى الإسلام، وظهر الإسلام أربعةُ خلفاء راشدون؛ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنه، وخليفتان: عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، وعمر بن عبدالعزيز عُد خامس الراشدين رحمه الله، واثنا عشر ملكان من بني أمية، وسبعة وثلاثون ملكا من بني العباس، وكان في الملوك الممدوح والمثلوب، والعصمة لمن عصمه الله عز وجل.
وقد بدأت خلافة بني العباس في رجب سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وختمت في المحرم محرم سنة ست وخمسين وستمائة، كانت مدة حكمهم ست وخمسين وخمسمائة سنة تقريبا.
وسنة انتهى ملك بني العباس تسمى سنة المصائب وبقيت الدنيا بلا خليفة ثلاث سنين ونصفا؛ ست وخمسين وستمائة وسبع وخمسين وثمان وخمسين وتسع وخمسين إلى رجب منها.
وبعدها قام حكام مصر، ولم ينشط ذهني في متابعة البحث في أحوالهم، ولا قلمي في الكتابة عنهم، اكتفاء بما تقدم من الكلام عن ملوك بني أمية، وبني العباس المحسن منهم والمسيء، وفي ذلك من الوعظ الاعتبار ما فيه غنية لذوي الألباب.
وللعلم فإن المسترشد والمقتفي هما أخوان شقيقان، وكذلك السفاح والمنصور أخوان شقيقان، والهادي والرشيد أخوان شقيقان، والواثق والمتوكل ابنا المعتصم أخوان شقيقان.
وأما ثلاثة إخوة: فالأمين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد أشقاء، والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل أشقاء، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد أشقاء، والراضي والمتقي والمطيع بنو المقتدر أشقاء.
فأما أربعة أخوة أشقاء: فالوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبدالملك (1).
وبالمناسبة فقد حدث في سنة أربع وخمسين وستمائة ظهور النار "بركان المدينة" في حرة بني قريظة، قال أبو شامة في كتاب الروضتين: جاءنا كتب من المدينة الشريفة فيها لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة ظهر بالمدينة دوي عظيم، ثم زلزلة عظيمة، فكانت ساعة بعد ساعة، إلى خامس الشهر المذكور، فظهرت نار عظيمة في الحرة الشرقية قريبا من قريظة، نراها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وسالت أودية منها وادي شظا سيل الماء، وطلعنا نقصدها فإذا الجبال تسير نارا، وسارت هكذا وهكذا كأنها الجبال، وطار منها شرر كالقصر، وفزع الناس إلى القبر الشريف مستغفرين تائبين، واستمرت هكذا أكثر من شهر.
وقال الذهبي: كانت تدب دبيب النمل، وكانت تحرق كل ما مرت عليه من الحجارة وغيرها، فكانت الحجارة تذوب كما يذوب الرصاص، وكانت لا تحرق أشجار المدينة على مشرفها الصلاة والسلام، وكان نساء المدينة يغزلن على ضوئها، ثم انطفأت بعد مدة قريبة من شهر، ومع ذلك ما كان لها حرارة، وما كانت تؤثر فيمن وصل إليها (2)، ذكر أن أمير المدينة الشريفة أرسل رجلين ليتحققا أمر هذه النار، فلما وصلا إلى قربها وشاهدا عدم حرارتها تقربا إليها حتى إن أحدهما أخرج نشابا فأدخله النار فذاب نصله، ولم يحترق العود، فقلب النشاب وأدخله النار فاحترق الريش، ولم يحترق العود، لأن السهام كانت من أشجار المدينة، وذلك من معجزاته عليه الصلاة السلام.
(1) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 17/ 313، بتصرف.
(2)
المصدر السابق 3/ 518.
قال اليافعي في تاريخه: وهذه النار هي التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تظهر في آخر الزمان نار شرقي المدينة تضيء لها أعناق الإبل ببصرى» .
ذكر الحافظ الذهبي أن لفظ الحديث «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار بأرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى» ثم قال: وأمر هذه النار متواتر وهو مصداق ما أخبر به المصطفى (1).
تم تدوينه بعد إعلان تحالف (34) دولة إسلامية لمحاربة الإرهابيين الغلاة بقيادة المملكة العربية السعودية، وكان التمام ساعة الأذان لظهر يوم الخميس 6/ 3/1437 من الهجرة النبوية على صاحبها تمام الصلاة وكمال السلام في مهاجره المبارك طيبة الطيّبة، فلله الحمد والمنة على التوفيق والعون، وأسأله أن ينفع به من قرأه وطالعه، ويجعله ثقلاً في ميزان الحسنات.
(1) سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 518.