الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفي المأمون ببلاد بيزنطة من بلاد الروم في آخر غزواته سنة ثمان عشرة ومائتين، موصيا بالخلافة من بعده للمعتصم (1).
الثامن من ملوك بني العباس: المعتصم:
ثامن خلفاء الدولة العباسية، وهو المعتصم محمد بن هارون الرشيد، ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد من مولدات الكوفة، تسمى ماردة، لم تدرك خلافته، وكانت أحظى النساء عند الرشيد.
ولد بالخلد (2) ببغداد، في سنة ثمانين ومائة، في الشهر الثامن.
وهو ثامن الخلفاء، والثامن من ولد العباس، وفتح ثمانية فتوح، وولد له ثمانية بنين، وثماني بنات، ولذلك كان يسمى الثماني، وكان أبيض أصهب اللحية طويلها، مربوعا مشرب اللون، حسن العينين.
بويع بالخلافة، بعد موت المأمون، ولما بويع له، نادوا باسم العباس بن المأمون ليكون خليفة، فأرسل المعتصم إِلى العباس وأحضره، فبايعه العباس، ثم خرج إِلى الجند فقال لهم: قد بايعت عمي، فسكنوا، وانصرف المعتصم إِلى بغداد، ومعه العباس بن المأمون، فقدمها مستهل شهر رمضان، في سنة ثمان عشرة ومائتين،
(1) التنبيه والإشراف 1/ 305، والمنتظم في تأريخ الملوك والأمم 11/ 25، والمختصر في أخبار البشر 2/ 32، ونقض الإمام أبي سعيد الدارمي على المريسي 1/ 21، والرد على الجهمية والزنادقة 1/ 34.
(2)
قصر المنصور الذي يسمى الخلد على دجلة، ابتناه على دجلة، سمي الخلد تشبيها له بجنة الخلد، وما يحوي من كل منظر رائق، ومطلب فائق، وغرض غريب، ومراد عجيب، وكان موضعه وراء باب خراسان، وقد زال فلا عين له ولا أثر (تأريخ بغداد ت بشار 1/ 385).
قلت: لم يكن اسما على مسمى؛ فلم يخلد القصر فضلا عمن سكنه، فلله الدوام وله الملك الذي لا يزول، نسأله أن يجعل قصورنا في جنة الخلد.
وكان بلغه أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: وامعتصماه! فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، ثم ركب دابته، وسمط خلفه شكالا، وسكة حديد، وحقيبة فيها زاده، فلم يمكنه المسير إلا بعد التعبئة وجمع العساكر، فجلس في دار العامة، وأحضر قاضي بغداد، وهو عبدالرحمن بن إسحاق، وشعبة بن سهل، ومعهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلا من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع، فجعل ثلثا لولده، وثلثا لله تعالى، وثلثا لمواليه.
هدد ملك الروم المعتصم فكتب المعتصم إليه جوابا قال: "الجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، والسلام".
وقيل: إن رجلا وقف على المعتصم حال شربه وقال يا أمير المؤمنين كنت بعمورية وجارية من أحسن النساء أسيرة قد لطمها على وجهها علج فقالت: "وامعتصماه" فقال لها العلج: عساه أن يأتيك على خيل بلق، فلما سمع المعتصم كلامه أمر بالختم على الكأس وقال وقرابتي من رسول الله لا شربته حتى أغزوه ثم سار إليه على الخيل البلق فعسكر بغربي دجلة لليلتين خلتا من جمادى الأولى، وهذا الخبر أقرب للواقع.
فلما ظفر المعتصم ببابك قال: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية.
فسار المعتصم بسُرَّ مَنْ رأى، وقيل: كان مسيره سنة اثنتين وعشرين ومائة، وقيل: سنة أربع وعشرين.
وتجهز جهازا لم يتجهزه خليفة قبله قط من السلاح، والعدد، والآلة، وحياض الأدم، والروايا، والقرب، وغير ذلك، فأنكى في العدو نكاية عظيمة، ونصب على عمورية المجانيق وفتحا، وقتل ثلاثين ألف وسبى مثلها، وكان في سبيه ستون بطريقا، ثم أحرقها وهي من أجل فتح وقع في الإسلام (1).
وقد كان مع المعتصم خالد بن عمران الزهراني؛ وهو خالد بن عمران بن نفيل بن جابر بن جبلة بن عبيد بن لبيد بن مجاسر بن سليمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبدالله بن زهران بن كعب.
وفي ذلك قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:
السَيفُ أَصدَقُ أَنتباءً مِنَ الكُتُبِ
…
في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
…
مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
وَالعلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
…
بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
…
صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ
تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً
…
لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ
عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً
…
عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ
وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ
…
إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ
وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً
…
ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ
(1) أخبار الدولة العباسية 1/ 412، والتنبيه والإشراف 1/ 305، والكامل في التأريخ 6/ 38، سمط النجوم العوالي 3/ 451، والكامل في التأريخ 6/ 38، 39، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء 1/ 82.
يَقضونَ بِالأَمرِ عَنها وَهيَ غافِلَةٌ
…
ما دارَ في فُلُكٍ مِنها وَفي قُطُبِ
لَو بَيَّنَت قَطُّ أَمراً قَبلَ مَوقِعِهِ
…
لَم تُخفِ ما حَلَّ بِالأَوثانِ وَالصُلُبِ
فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ
…
نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ
فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ
…
وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ
يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت
…
مِنكَ المُنى حُفَّلاً مَعسولَةَ الحَلَبِ
أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ
…
وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ
أُمٌّ لَهُم لَو رَجَوا أَن تُفتَدى جَعَلوا
…
فِداءَها كُلَّ أُمٍّ مِنهُمُ وَأَبِ
وَبَرزَةِ الوَجهِ قَد أَعيَت رِياضَتُها
…
كِسرى وَصَدَّت صُدوداً عَن أَبي كَرِبِ
بِكرٌ فَما اِفتَرَعتَها كَفُّ حادِثَةٍ
…
وَلا تَرَقَّت إِلَيها هِمَّةُ النُوَبِ
مِن عَهدِ إِسكَندَرٍ أَو قَبلَ ذَلِكَ قَد
…
شابَت نَواصي اللَيالي وَهيَ لَم تَشِبِ
حَتّى إِذا مَخَّضَ اللَهُ السِنينَ لَها
…
مَخضَ البَخيلَةِ كانَت زُبدَةَ الحِقَبِ
أَتَتهُمُ الكُربَةُ السَوداءُ سادِرَةً
…
مِنها وَكانَ اِسمُها فَرّاجَةَ الكُرَبِ
جَرى لَها الفَألُ بَرحاً يَومَ أَنقَرَةٍ
…
إِذ غودِرَت وَحشَةَ الساحاتِ وَالرُحَبِ
لَمّا رَأَت أُختَها بِالأَمسِ قَد خَرِبَت
…
كانَ الخَرابُ لَها أَعدى مِنَ الجَرَبِ
كَم بَينَ حيطانِها مِن فارِسٍ بَطَلٍ
…
قاني الذَوائِبِ مِن آني دَمٍ سَرَبِ
بِسُنَّةِ السَيفِ وَالخَطِيِّ مِن دَمِهِ
…
لا سُنَّةِ الدينِ وَالإِسلامِ مُختَضِبِ
لَقَد تَرَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ بِها
…
لِلنارِ يَوماً ذَليلَ الصَخرِ وَالخَشَبِ
غادَرتَ فيها بَهيمَ اللَيلِ وَهوَ ضُحىً
…
يَشُلُّهُ وَسطَها صُبحٌ مِنَ اللَهَبِ
حَتّى كَأَنَّ جَلابيبَ الدُجى رَغِبَت
…
عَن لَونِها وَكَأَنَّ الشَمسَ لَم تَغِبِ
ضَوءٌ مِنَ النارِ وَالظَلماءِ عاكِفَةٌ
…
وَظُلمَةٌ مِن دُخانٍ في ضُحىً شَحِبِ
فَالشَمسُ طالِعَةٌ مِن ذا وَقَد أَفَلَت
…
وَالشَمسُ واجِبَةٌ مِن ذا وَلَم تَجِبِ
تَصَرَّحَ الدَهرُ تَصريحَ الغَمامِ لَها
…
عَن يَومِ هَيجاءَ مِنها طاهِرٍ جُنُبِ
لَم تَطلُعِ الشَمسُ فيهِ يَومَ ذاكَ عَلى
…
بانٍ بِأَهلٍ وَلَم تَغرُب عَلى عَزَبِ
ما رَبعُ مَيَّةَ مَعموراً يُطيفُ بِهِ
…
غَيلانُ أَبهى رُبىً مِن رَبعِها الخَرِبِ
وَلا الخُدودُ وَقَد أُدمينَ مِن خَجَلٍ
…
أَشهى إِلى ناظِري مِن خَدِّها التَرِبِ
سَماجَةً غَنِيَت مِنّا العُيونُ بِها
…
عَن كُلِّ حُسنٍ بَدا أَو مَنظَرٍ عَجَبِ
وَحُسنُ مُنقَلَبٍ تَبقى عَواقِبُهُ
…
جاءَت بَشاشَتُهُ مِن سوءِ مُنقَلَبِ
لَو يَعلَمُ الكُفرُ كَم مِن أَعصُرٍ كَمَنَت
…
لَهُ العَواقِبُ بَينَ السُمرِ وَالقُضُبِ
تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ
…
لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ
وَمُطعَمِ النَصرِ لَم تَكهَم أَسِنَّتُهُ
…
يَوماً وَلا حُجِبَت عَن رَوحِ مُحتَجِبِ
لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ
…
إِلاّ تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ
لَو لَم يَقُد جَحفَلاً يَومَ الوَغى لَغَدا
…
مِن نَفسِهِ وَحدَها في جَحفَلٍ لَجِبِ
رَمى بِكَ اللَهُ بُرجَيها فَهَدَّمَها
…
وَلَو رَمى بِكَ غَيرُ اللَهِ لَم يُصِبِ
مِن بَعدِ ما أَشَّبوها واثِقينَ بِها
…
وَاللَهُ مِفتاحُ بابِ المَعقِلِ الأَشِبِ
وَقالَ ذو أَمرِهِم لا مَرتَعٌ صَدَدٌ
…
لِلسارِحينَ وَلَيسَ الوِردُ مِن كَثَبِ
أَمانِياً سَلَبَتهُم نُجحَ هاجِسِها
…
ظُبى السُيوفِ وَأَطرافُ القَنا السُلُبِ
إِنَّ الحِمامَينِ مِن بيضٍ وَمِن سُمُرٍ
…
دَلوا الحَياتَينِ مِن ماءٍ وَمِن عُشُبِ
لَبَّيتَ صَوتاً زِبَطرِيّاً هَرَقتَ لَهُ
…
كَأسَ الكَرى وَرُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ
عَداكَ حَرُّ الثُغورِ المُستَضامَةِ عَن
…
بَردِ الثُغورِ وَعَن سَلسالِها الحَصِبِ
أَجَبتَهُ مُعلِناً بِالسَيفِ مُنصَلِتاً
…
وَلَو أَجَبتَ بِغَيرِ السَيفِ لَم تُجِبِ
حَتّى تَرَكتَ عَمودَ الشِركِ مُنعَفِراً
…
وَلَم تُعَرِّج عَلى الأَوتادِ وَالطُنُبِ
لَمّا رَأى الحَربَ رَأيَ العَينِ توفِلِسٌ
…
وَالحَربُ مُشتَقَّةُ المَعنى مِنَ الحَرَبِ
غَدا يُصَرِّفُ بِالأَموالِ جِريَتَها
…
فَعَزَّهُ البَحرُ ذو التَيّارِ وَالحَدَبِ
هَيهاتَ زُعزِعَتِ الأَرضُ الوَقورُ بِهِ
…
عَن غَزوِ مُحتَسِبٍ لا غَزوِ مُكتَسِبِ
لَم يُنفِقِ الذَهَبَ المُربي بِكَثرَتِهِ
…
عَلى الحَصى وَبِهِ فَقرٌ إِلى الذَهَبِ
إِنَّ الأُسودَ أُسودَ الغيلِ هِمَّتُها
…
يَومَ الكَريهَةِ في المَسلوبِ لا السَلَبِ
وَلّى وَقَد أَلجَمَ الخَطِّيُّ مَنطِقَهُ
…
بِسَكتَةٍ تَحتَها الأَحشاءُ في صَخَبِ
أَحذى قَرابينُهُ صَرفَ الرَدى وَمَضى
…
يَحتَثُّ أَنجى مَطاياهُ مِنَ الهَرَبِ
مُوَكِّلاً بِيَفاعِ الأَرضِ يُشرِفُهُ
…
مِن خِفَّةِ الخَوفِ لا مِن خِفَّةِ الطَرَبِ
إِن يَعدُ مِن حَرِّها عَدوَ الظَليمِ فَقَد
…
أَوسَعتَ جاحِمَها مِن كَثرَةِ الحَطَبِ
تِسعونَ أَلفاً كَآسادِ الشَرى نَضِجَت
…
جُلودُهُم قَبلَ نُضجِ التينِ وَالعِنَبِ
يا رُبَّ حَوباءَ حينَ اِجتُثَّ دابِرُهُم
…
طابَت وَلَو ضُمِّخَت بِالمِسكِ لَم تَطِبِ
وَمُغضَبٍ رَجَعَت بيضُ السُيوفِ بِهِ
…
حَيَّ الرِضا مِن رَداهُم مَيِّتَ الغَضَبِ
وَالحَربُ قائِمَةٌ في مَأزِقٍ لَجِجٍ
…
تَجثو القِيامُ بِهِ صُغراً عَلى الرُكَبِ
كَم نيلَ تَحتَ سَناها مِن سَنا قَمَرٍ
…
وَتَحتَ عارِضِها مِن عارِضٍ شَنِبِ
كَم كانَ في قَطعِ أَسبابِ الرِقابِ بِها
…
إِلى المُخَدَّرَةِ العَذراءِ مِن سَبَبِ
كَم أَحرَزَت قُضُبُ الهِندِيِّ مُصلَتَةً
…
تَهتَزُّ مِن قُضُبٍ تَهتَزُّ في كُثُبِ
بيضٌ إِذا اِنتُضِيَت مِن حُجبِها رَجَعَت
…
أَحَقَّ بِالبيضِ أَتراباً مِنَ الحُجُبِ
خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن
…
جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ
بَصُرتَ بِالراحَةِ الكُبرى فَلَم تَرَها
…
تُنالُ إِلاّ عَلى جِسرٍ مِنَ التَعَبِ
إِن كانَ بَينَ صُروفِ الدَهرِ مِن رَحِمٍ
…
مَوصولَةٍ أَو ذِمامٍ غَيرِ مُنقَضِبِ
فَبَينَ أَيّامِكَ اللاتي نُصِرتَ بِها
…
وَبَينَ أَيّامِ بَدرٍ أَقرَبُ النَسَبِ
أَبقَت بَني الأَصفَرِ المِمراضِ كَاِسمِهِمُ
…
صُفرَ الوُجوهِ وَجَلَّت أَوجُهَ العَرَبِ (1).
قارن بين هذا الموقف العظيم، وبين مواقف المسلمين اليوم ومنهم العرب، ولقد صدق الشاعر عمر أبو ريشة:
أمتي كم غصة دامية
…
خنقت نجوى علاك في فمي
(1) سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 3/ 451 _ 354.
تسمعي نوح الحزانى تطربي
…
تنظري دمع اليتامى تبسمي
رب وامعتصماه انطلقت
…
ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها
…
لم تلامس نخوة المعتصم (1)
ومن سيئات المعتصم أنه أمر بسجن الإمام أحمد قرابة ثلاثين شهرًا، وضرب ظهره بالسياط، لعدم قوله بخلق القرآن رحمه الله، وكان يدني المعتزلة وينتصر لآرائهم.
توفي المعتصم رحمه الله يوم الخميس لتسع عشرة خلت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين فكانت خلافته ثمان سنين وثمانية أشهر ويومين وقيل وثمانية أيام (2).
قرَّب الأتراك، واعتمد عليهم في جلائل الأمور، وأكثرهم مواليه، وأقصى العرب، وكان لهذا التصرف الأثر السيء على سير الخلافة فيما بعد.
وقد عارضت قصيدة أبي تمام هذه، لما نعيشه من الأحداث المحدقة بالمسلمين اليوم ولاسيما بلاد الحرمين حرسها الله، بعنايته ثم بقيادتنا الحازمة، ثم بجنودنا البواسل، نسأل الله أن يحرسهم بقدرته، ويؤيدهم بنصره، فقلت على ضعف في نظمي الشعر:
1.
الضربُ أصدقُ أفعالاً من الأمم
…
في وَقْعِهِ الفَصْلُ بين الصدق والكذب
2.
ضربُ القنابلِ لا ضربُ الْكُفُوْفِ بِهِ
…
يَكُوْنُ رفعُ غشاء الشكِّ والحُجُب
3.
بِيْضُ المواقف لا سودُ المَجالسِ في
…
فِعْلِهِنَّ جِلاءُ الغَدْر والكذب
(1) الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية 1/ 327.
(2)
الرد على الجهمية والزنادقة 1/ 34، ونقض الدارمي على المريسي 1/ 22، وتلقيح فهوم أهل الأثر 1/ 63.
4.
والنصر في أفق الإسلام موقعه
…
بين الفريقين لا في الخمسة القُطُب
5.
أين المواقفُ؟ ! بل أين النُّفُوذ؟ ! وما
…
صاغوه من كيدِهِم للدِّيْنِ والنُّخَب؟ !
6.
تَكَهُّنٌ بل سياساتٌ ملفقةٌ
…
يَصُوْغُها الْحِقْدُ للإسلامِ والْعَرَبِ
7.
الْغَرْبُ يَزْعُمُ والأيامُ كاشفةٌ
…
عن المزاعم والتلفيق والصخَب
8.
وهَدَّدُوا العُرْبَ بالتقسيم في فِتَنٍ
…
تَتْرَى عليهم لبترِ الرأسِ والذنب
9.
وواعدوا كل خوَّان بمَرْتَبَةٍ
…
سووا بها بين شرعي ومُنْقَلِب
10.
العُرْبُ يَقْضِيْ عليها وهي غافلة
…
مَنْ دارَ في فَلَكٍ أو سار في لجب
11.
لو بَيَّنَ الغَرْبُ أمراً قَبْلَ مَوْقِعِهِ
…
لم يُخْفِ ما حَلَّ بالأفغانِ والعَرَبِ
12.
وقادةُ العُرْبِ أَضْحَوا قد يُحِيْطَ بهم
…
شرُّ الخلافِ وسوءُ القصْدِ واللَّعِب
13.
فِسْقٌ تُفَتَّحُ أبوابُ الهلاكِ له
…
ويَبْرُزُ الذُّلُّ في أَشكاله القُشُبِ
14.
والحوث أجهل خلق الله ما ادَّرعوا
…
من السياسة من ريش ولا زغب
15.
سوى الغواية من (إيران) مغنمهم
…
ونهج (عفاشٍ) المخلوع ذي الريب
16.
تلون عنده والعهد ينقضه
…
وليس للعرف يرعى لا ولا الطِّيَب
17.
دَعْواهُمُ (اليمنُ) المسعودُ خدمتَهم
…
وهم الساعون به للفقر والعطب
18.
أنى لهم أن ينيلوه سعادته؟ !
…
وقد مضوا لشقاء جد مُرتَقَب
19.
لم يفقهوا أنهم خانوه إذ عمدوا
…
(إيران) يهدونه للنار واللهب
20.
ماذا بـ (إيران)؟ ! ماذا الشعب حالته
…
فيها؟ ! وهيهات أن ينجوا من النصب
21.
شعب بها (والملالي) صار مغنمهم
…
من كده الخمس مَصَّوه لِمُحتلب
22.
حتى إذا غدا الشعب في فقر ومسغبة
…
يسري لهم ألم في الروح والعصب
23.
هذي سعادة (حوثيين) إذ جهلوا
…
ما سوف تجلبه (إيران) من تعب
24.
غطى على بصر منهم ومسمعهم
…
غَشْيُ الدعايات والتضليل والكذب
25.
وليتهم وقفوا في حد ما وصفوا
…
وعللوا النفس بالتغيير والكَسَب
26.
وشر (إيران) في هذا سيسعدهم
…
في كل مُطَّلَبٍ في كل مُرْتَغَب
27.
بلادهم برخاء سوف تتحفهم
…
وخيرها سوف يأتيهم بمُطَّلَب
28.
إذن لجروا لأوطان لهم خدعا
…
بيوتهم بيَدَي عاثٍ ومخترب
29.
لكنهم جاوزوا حدا ولم يقفوا
…
عند الحدود بإسراف لدى الطلب
30.
بحيث قالوا هراء وادعوا كذبا
…
بأن حقا لهم في كل منتشب
31.
وأن للحرمين العزم ينهزهم
…
لمكةَ وبناءٍ فيه خير نبي
32.
وأن (مملكةَ) آلُ السعود بها
…
يغشونها دون ما شك ولا ريب
33.
وأن حكما لهم فيها وسيطرة
…
ستسقر بلا شك ولا تعب
34.
وذاك حلم لهم أضحى يراودهم
…
بكل وسواسه حتى مع الكذب
35.
ولم يُسرِّب لهم تفكيرهم صورا
…
لِما يكون بهذا الدرب من عَطَب
36.
استيقضوا واخسأوا يا (حوث) مطلبكم
…
هذا به الموت ولتجفوا عن اللعب
37.
وأنت (سلمانُ) قد خضت العباب له
…
كيما يعود نصاب الحق في قُصُب
38.
لك الولاء يا قائد مسيرتنا
…
لو مسنا الجوع لن نجثو على الركب
39.
نقوم وبحبل الله نعتصم
…
ونقتدي في الولاء أقوالَ خير نبي
40.
يا يومَ قادَ الجيوشَ الَعُرْبُ في حُلَلٍ
…
لم تُخْفِ ما حَلَّ بالأوثان والصُلُبِ
41.
أَبْقَيْتَ حَظَّ بَنِيْ الإسلامِ صاعِدَةً
…
والتائهين ودارَ الغي في صَبَبِ
42.
واليوم يبكي بَنُوْا الإسلامِ من كَمَدٍ
…
السيفَ أصدقُ أنباءً من الكُتُبِ
43.
يا يومَ مُعْتَصِمٍ عُدْ لِيْ وفي عَجَلٍ
…
لِبَرْزَةِ الوَجْهِ في يافا وفي حلب
44.
بِكْرٌ تَفَرَّعَها وَغْدٌ لِيَنْحَرَها
…
بالفُحْشِ والموتِ في الأيامِ من رَجَبِ
45.
في عهدِ بشّارَ بَلْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ قَدْ
…
كانت سياستُهُمْ أَقْسَى من الشُّهُبِ
46.
حتَّى إذا كانتِ الغازاتُ مُهْلِكَةً
…
كُلُّ الأُمَم تَدَّعِيْ شَجْبَا ولم تُصِبِ
47.
للهِ أَمْرُ بلادِ الشّامِ قاطِبَةً
…
إِنْ شَاءَ يَجْعَلْ لَها فَرَّاجَةَ الكُرَبِ
48.
يَجْرِيْ لَها الفَأْلُ سَعْداً يومَ قارِعَةٍ
…
تُشِلُّ بشّارَ تُحْيِيْ مَيِّتَ الطَّرَبِ
49.
مِنْ بَعْدِها النَّصْرُ يأْتِيْ لِلْعِراقِ شَذَىً
…
لَمَّا تَرَى أُخْتَها بالأَمْسِ في طَرَبِ
50.
بَعَدَ انْتِصارٍ على الأَعْداءِ يُفْرِحُها
…
تَرَى الشّهِيْدَ لِذاتِ اللهِ خَيْرَ مُنْتَدَبِ
51.
بِسُنَّةِ المُصْطَفَى والدِّيْنِ مُعْتَصِمً
…
مُضَمَّخً بالْهُدَى بالطِّيْبِ مُخْتَضِبِ
52.
دَا سَرِيْعاً لِجَنَّاتٍ بِها نَهَرٌ
…
أَرْدَى عَدُواً غَدَا للنَّار كالْخَشَبِ
53.
يا خادمَ الحرمين اليومَ أَنْتَ ضُحًى
…
أَشْرَقْ بِكَ السَّعْدُ في أَعْوَانِكَ النُّجُبِ
54.
برزت للحزم تبغي الخير منتصرا
…
وناصرا لجوار بالجحفل اللجب
55.
إن الضحى قد تُعَكر صفوَه سحب
…
هي الجَهام فلا تسلم من اليَبَب
56.
فاحذر رعاك الله وَدْق غيمتها
…
ما هل بالخير بل بالشر والكرب
57.
شَمْسٌ تَبَدَّتْ لِبانٍ قَادَ مَرْكَبَها
…
رَسَا وَغَابَ كَرِيْماً والشَّمْسُ لَمْ تَغِبِ
58.
نَرَى الجزيزةَ في ضَوْءِ النهارِ عاكِفَةً
…
وظُلْمَةَ الليلِ وَلَّتْ من سَنا الشُّهُبِ
59.
والشمسَ طالعةً في ليلها سَرَباً
…
لا ينقطع ضَوؤُها مَكْشُوْفَةَ الحُجُبِ
60.
تَكَشَّفَ الدَّهْرُ عن حُبِّ لقائدنا
…
يَحْمِيْ عَقِيْدَتَنا أَلْكُلُّ عن كَثَبِ
61.
شبابُنا من بَنِيْ الإسلامِ متنظرٌ
…
مَزِيْدَ خَيْرٍ ويُدْرِكْ عالِيَ الرُتَبِ
62.
مِنْ كُلِّ عادِيَةٍ يَحْمِيْ البلادَ ومِنْ
…
فِكْرٍ دَخِيْلٍ على الأقلامِ والكُتُبِ
63.
وما الصُّدُودُ عن الإسلامِ في خَجَلٍ
…
من طَبْعِ رَابٍ على فَضْلٍ وفي أَدَبِ
64.
سماحةُ الدِّيْنِ والإسلامِ يَرْضَعُها
…
شبابُ دولتنا في مَرْبَأِ الْعَجَبِ
65.
لَهُم بِذاكَ على الإسلامِ مَنْقَبَةٌ
…
جاءَ تْ بَشائِرُها في حُسْنِ مُنْقَلَبِ
66.
سَعَى بِذاكَ إليهم كُلُّ تَقِيْ
…
للهِ مُرْتَقِبٌ في الدِّيْنِ مُرْتَغِبِ
67.
جَحَافِلُ الخَيّرِ تَتْرَى من بلدي
…
للهِ تُعْطِيْ بِلَا مَنٍّ ولا عَتَبِ
68.
لَمْ تَغْزُ قوماً ولم تَذْهَبْ إلى بَلَدً
…
إلّا لِخَيْرٍ على الساحاتِ والرَّحَبِ
69.
حِمَى الوطن لا نساوِمْ في حِمايَتِهِ
…
نُفْدِيْهِ يومَ الْوَغَى في جَحْفَلٍ لَجِبِ
70.
يُرْمَى به كُلُّ مَنْ يَبْغِيْ مُناجَزَةً
…
ومَنْ رَمَيْناهُ لَمْ يَسْعَدْ ولَمْ يُصِبِ
71.
مَنْ شَبَّ نارَ الوغَى يوماً يُنازِلُنا
…
نَبْعَثْ له كُلَّ شَبَّابٍ لَها شَبِبِ
72.
يَصْدُرْ يَجُرُّ الرَّدَى من موقفٍ صَدِدٍ
…
بالحزم والعزم والنيران والشُّهُبِ
73.
ومَنْ تَمَنَّى حِمَى الإسلامِ نُرْغِمُهُ
…
على الْهَزِيْمَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ والسَّلَبِ
74.
ما غَلَّ قَلْبٌ على أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ
…
إِلَاّ الزَّنادِيْقُ من حِقْدٍ ومن عَشَبِ
75.
لَبَيْكَ لَبَيْكَ يا قائد مسيرتَنا
…
أَصدرت أمرا لِنَشْرِ الْعَدْلِ لَمْ تَخِبِ
76.
فَدَاكَ كُلُّ مَنْ يَشْنَأْ على عَجَلٍ
…
في حُبِّكَ الشَّعْبُ يَغْدُو شامَةَ العَرَبِ
77.
أَجَبْتَهُ مُعْلِنَا عِلْماً وتَنْمِيَةً
…
لَوْ لَمْ تَكُنْ في بِنَاءِ الْفَرْدِ لَمْ تُجِبِ
78.
واليومَ تجعل مَجالَ الخيرَ مُطَّردا
…
يَحْظَى بِهِ مَنْ وَفَد بَلْ كُلُّ مُغْتَرِبِ
79.
ومَنْ رَأَى الْخَيْرَ رَأْيَ الْعَيْنِ في وَطَنٍ
…
أَعْطَى الْمُوَالِيْ ولِلتَّأْلِيْفِ ذَا الْحَرَبِ
80.
وصَرَّفَ المالَ إِصْلاحاً وتَنْمِيَةً
…
وقُوَّةُ الجيش ضِدَّ الصائِلٍ الذَرِبِ
81.
وأَنْفَقَ الذَّهَبَ المُرْبِيْ بِكَثْرَتِهِ
…
على الرِّمالِ لِيُعْطِيْ كُلَّ مُكْتَسِبِ
82.
في الخيرِ يُعْطِيْ وما قَلَّتْ عَطِيّتُهُ
…
في جانِبِ البِرِّ يُغْرِيْ كُلَّ مُحْتَسِبِ
83.
هَيْهاتَ يُعْطِيْ العَدُو يَوْماً مُصَانَعَةً
…
كُلُّ الشَّغامِيْمِ يومَ الرَّوْعِ في طَرَبَ
84.
إِنَّ الأُسُوْدَ لَتَطْرَبُ في الْوَغَى طرباً
…
يومَ الْكَرِيْهَةِ لِلْمَسْلُوْبِ والسَّلَبِ
85.
وتُلْقِمُ الطّاغِيَ الباغِيْ حَجَراً
…
فَيَنْتَكِسْ حَظُّهُ والناسُ في صَخَبِ
86.
يا دَارَةَ الْعِزِّ والأوطانُ تتبعُها
…
لَكِ الْحُماةُ مَدارَ السِّلْمِ والْغَضَبِ
87.
مُوَكِّلُوْنَ بأَطْرافِ الثُّغُوْرِ حَرَساً
…
يَحْمِيْكِ مِنْ نَزْغَةِ الأَعْداءِ والْخُطُبِ
88.
مُرَابِطُوْنَ لِدَفْعِ الشَّرِ عَنْ بَلَدٍ
…
تَهْوِيْ إِلَيْهِ قُلُوْبُ الناسِ مِنْ كُرَبِ