الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملك الرابع عشر من ملوك بني العباس:
المهتدي: رابع عشر خلفاء الدولة العباسية، وهو محمد بن هارون الواثق بن المعتصم ويكنى أبا إسحاق، ويقال: أبو عبدالله، وأمه أم ولد رومية: تسمى قُرْب.
ولد بالقاطول (1)
في ربيع الأول سنة تسع عشرة ومائتين، وكان منزله بسُرَّ مَنْ رأى.
ولم يقبل بيعة أحد حتّى أتى بالمعتزّ فخلع نفسه وبايع محمد بن الواثق.
وكانت نسخة الرقعة بخلع المعتزّ نفسه:
بسم الله الرحمن الرحيم
"هذا ما شهد عليه الشهود المسمّون في هذا الكتاب، شهدوا جميعا: أنّ أبا عبدالله ابن أمير المؤمنين المتوكّل على الله أقرّ عندهم، وأشهدهم على نفسه في صحّة من عقله وبدنه، وجواز من أمره طائعا غير مكره، وأنّه نظر فيما كان تقلّده من الخلافة والقيام بأمور المسلمين، فرأى أنّه لا يصلح لذلك ولا يكمل له، وأنّه عاجز عن القيام بما يجب عليه فيها، ضعيف عنه، فأخرج نفسه من الخلافة، وبرئ منها وخلع نفسه، وبرّأ كلّ من كانت له في عنقه بيعة من جميع أوليائه وسائر الناس ممّا كان له في رقابهم من البيعة والعقود والمواثيق والأيمان بالطلاق والعتاق والصدقة وسائر الأيمان، وحلّلهم من جميع ذلك، وجعلهم في سعة منه في الدنيا والآخرة بعد أن تبيّن له أنّ الصلاح له وللمسلمين في خروجه عن الخلافة والتبرّؤ منها، وأشهد على نفسه بجميع ما في هذا الكتاب جميع الشهود من حضر بعد أن
(1) نهر حفره الرشيد عند سامرا سمّاه القاطول، وبنه قصر للرشيد وفيه يقول جحظة:
إلى شاطئ القاطول بالجانب الذي
…
به القصر بين القادسية والنخل.
معجم البلدان 3/ 134، 4/ 293.
قرئ عليه حرفا حرفا، فأقرّ بفهمه ومعرفة ما فيه طائعا غير مكره، وذلك يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين.
فوقّع المعتزّ في ذلك: أقرّ أبو عبدالله بجميع ما في هذا الكتاب وكتب بخطّه، يوم الأربعاء لثلاث ليال بقين من رجب سنة خمس وخمسين مائتين.
قلت: هذا الكتاب ينقضه ما جرى للمعتز، على يدي الأتراك، والغمز فيه ظاهر، يؤيد هذا ما ورد ضمنه عبارة " بعد أن قرئ عليه حرفا حرفا " ولا أشك في أنه من تدبير الغالب على الأمر والقيم بالتدبير صالح بن وصيف، وموسى بن بغا الكبير، وهما المتآمران على المعتز، غير أن بغا أنكر ما جرى على المعتز لما قدم على المهتدي من الري وكان عاملا عليها، ورده المهتدي من حيث أتى، وجرت بينهما وبين المهتدي مواقف انتهت بقتل صالح، والتصالح مع بغا، أخذ كل واحد منها على صاحبه الأيمان والمواثيق بالوفاء والمناصحة.
وكانت خلافة المهتدي كلها إلى أن انقضى أمره أحد عشر شهرا وخمسة وعشرين يوما، وعمره ثمان وثلاثون سنة وكان رحب الجبهة، أجلح، جهم الوجه، أشهل، عظيم البطن، عريض المنكبين، قصيرا، طويل اللحية.
وقيل: كان أسمر رقيقا أجلى، رحب الوجه، حسن اللحية، أشهل العينين، عظيم البطن، عريض المنكبين، قصيرا، طويل اللحية، أشيب.
وكان المهتدي من أحسن الخلفاء مذهبا، وأجملهم طريقة، وأظهرهم ورعا، وأكثرهم عبادة، ورعاً تقياً متعبداً عادلاً شجاعاً قوياً في أمر الله تعالى خليقاً للإمارة، لكنه لم يجد ناصراً ولا معيناً على الخير.
وقيل: إنه سرد الصوم مدة إمرته، وكان يقنع بعض الليالي بخبز وخل، وزيت، وكان يشبه بعمر بن عبدالعزيز، وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد فيهما
لله، وكان قد سد باب الملاهي والغناء، وحسم الأمراء عن الظلم، وكان يجلس بنفسه لعمل حساب الدواوين، وأسند عنه أحمد بن علي بن ثابت الخطيب حديثا قال: أخبرنا ابن رزق حدثنا محمد بن عمرو بن القاضي الحافظ، أخبرنا محمد بن الحسن بن سعدان المروزي، حدثنا محمد بن عبد الكريم بن عبيد الله السرخسي قال: حدثني المهتدي بالله قال: حدثني علي بن هاشم بن طبراخ عن محمد بن الحسن الفقيه، عن ابن أبي ليلى، عن داود، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال العباس: يا رسول الله، ما لنا في هذا الأمر شيء؟ قال:«لي النبوة ولكم الخلافة، بكم يفتح هذا الأمر، وبكم يختم» (1).
قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: «من أحبك نالته شفاعتي ومن أبغضك فلا نالته شفاعتي» (2).
ذكر أحمد بن سعيد الأموي قصة فيها إرهاص بموت المهتدي قال: كانت لي حلقة وأنا بمكة أجلس فيها في المسجد الحرام، ويجتمع إلي فيها أهل الأدب، وإنا يوما لنتناظر في شيء من النحو والعروض، وقد علت أصواتنا وذلك في خلافة المهتدي، إذ وقف علينا مجنون، فنظر إلينا ثم قال:
أما تستحون الله يا معدن الجهل
…
شغلتم بذا والناس في أعظم الشغل
إمامكم أضحى قتيلا مجدلا
…
وقد أصبح الإسلام مُفترِق الشمل.
وأنتم على الأشعار والنحو عكف
…
تصيحون بالأصوات لستم ذوي عقل
(1) تاريخ بغداد 4/ 553، وابن عساكر 7/ 247، ولعل المراد ختمه بالمهدي؛ وهو من بني هاشم.
(2)
المصدر السابق.