الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودفن ليلا في البقيع، بأرض اشتراها فزادها توسعة في البقيع، وكانت ولايته اثنتي عشرة سنة، إلا اثنتي عشرة ليلة (1).
ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة رضي الله عنهم، كان القتلة أوباش وسفهاء وزنادقة قدموا من مصر والشام والعراق.
وقد استوفيت الكلام عنه في كتابي "الهادي والمهتدي".
الرابع: علي بن أبي طالب رضي الله عنه
-: آخر الخلفاء الراشدين، المبشرين بالجنة رضي الله عنهم، وهو عليّ بن أبى طالب: عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى: أبا الحسن رضي الله عنهما.
أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أسلمت وهي أوّل هاشمية ولدت لهاشميّ (2).
وفي سنة ثلاثين من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد علي بن أبي طالب، ونشأ في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ربيبه ومعلمه الخير والهدى (3).
وثبتت إمامة علي رضي الله عنه بعد عثمان رضي الله عنه بعقد مَن عقدها له من الصحابة رضي الله عنهم، من أهل الحل والعقد، قال عمر رضي الله عنه "لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من حمر النعم" قيل: وما هن يا أمير المؤمنين؟ ، قال:"تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر".
(1) انظر: المعارف 191 ـ 198 بتصرف.
(2)
انظر: المعارف 1/ 203.
(3)
إنارة الدجى في مغازي خير الورى 1/ 760.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أبو بكر، ثم عمر، "ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم: تزوج فاطمة، وولدت له، وغلَّق الأبواب غير بابه"(1)، ودفع الراية إليه يوم خيبر (2)،
وهذه مما خص به علي رضي الله عنه، أما ولايته بعد عثمان رضي الله عنهما فلم يدَّعِها أحد من أهل الشورى غيره في وقته، وقد أجمعوا على فضله وعدله، وأحقيته بالخلافة، وقد حان وقتها له رضي الله عنه، وأن امتناعه عن دعوى الأمر لنفسه في وقت الخلفاء قبله كان حقا، لعلمه أن ذلك ليس وقت قيامه، لم يحتجّ علي رضي الله عنه على أحقيته بنصٍ من الكتاب ولا من السنة، لا بحديث الغدير ولا بغيره، وإنما ظن أنه الأحق لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبا وصهرا، ولو علم إشارة واحدة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تحتمل التأويل على أحقيته بالخلافة لبادر إلى ذكرها والاستشهاد بها، ولكان أبو بكر وعمر وبقية الصحابة من أطوع الناس لعلي رضي الله عنهم تنفيذا لما أورد، وقد كان عليٌّ الخليفة الراشد رضي الله عنه ذكيا حافظا، فقد استدل على خطأ الزبير، قال علي للزبير رضي الله عنهما: تذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني غَنْم فنظر إليَّ فضحك وضحكت إليه، فقلتَ له: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ليس به زهو، لتقاتلنه وأنت ظالم له» قال الزبير: اللهم نعم، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، والله لا أقاتلك أبداً، فانصرف عليٌّ رضي الله عنه إلى أصحابه فقال: أما الزبير فقد أعطى الله عهداً أن لا يقاتلكم، ورجع الزبير رضي الله عنه إلى عائشة رضي الله عنها فقال لها:"ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا"،
(1) المراد الأبواب التي تفتح على السجد، ومنها بيت علي رضي الله عنه، وكذلك بين أبي بكر رضي الله عنه لم يغلق.
(2)
البداية والنهاية 7/ 341، والسنة لابن أبي عاصم حديث (5601) ..
قالت: "فما تريد أن تصنع؟ " قال: "أريد أن أدعهم وأذهب"(1)،
فكيف يستدل على خطأ الزبير رضي الله عنه، ولا يستدل على الإمامة الكبرى، لم يكن ذلك من الخليفة الراشد علي رضي الله عنه إلا لعدم مجرد الإشارة فضلا عن النص على إمامته، وأنه قلما كان لنفسه في وقت الخلفاء قبله، ثم لما صار الأمر أظهر وأعلن، ولم يقصر حتى مضى على السداد والرشاد رضي الله عنه، كما مضى من قبله من الخلفاء، أئمة العدل على السداد والرشاد، متبعين لكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم الأئمة الأربعة المجمع على عدلهم وفضلهم رضي الله عنهم أجمعين، هم أصحاب الخلافة الراشدة، المأمور باتباع ما سنوا، قال رسول لله صلى الله عليه وسلم:«فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور» (2)، وهذا علي رابع أربعة هم الخلفاء الراشدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم.
وقد استوفيت الكلام عنهم في كتابي "الهادي والمهتدي".
هذا ضحى الإسلام صفوة الزمن بعد زمن رسول الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، انصرم ويتلوه ظهر الإسلام وهو بداية الحكم بعد الخلافة الراشدة، وهو ملك وليس خلافة، وإنما جرى إطلاق الخليفة على ما عهد الناس في الخلافة الراشدة، يبين هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك أعفر، ثم ملك وجبروت، يُستحل فيها الخمر، والحرير» (3)، وهذا ما حدث فعلا، ومن هنا يبدأ
(1) الكامل 2/ 44 ..
(2)
أبو داود حديث (4607).
(3)
فيه انقطاع بين مكحول الشامي، وأبي ثعلبة، واختلاف على ذكر أبي وهب، وأخرجه أبو داود الطيالسي (المسند رقم 228) وأبو يعلى (المسند 1/ 177، رقم 873، 874) والبزار (كشف الأستار 2/ 232، رقم 1589) والطبراني (المعجم الكبير 20/ 53، رقم 91، 92) ومعناه صحيح.
ظهور ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن سير الحكم لا على الإطلاق بل المراد برهة من الوقت فقال صلى الله عليه وسلم: «الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة والأمانة في الأزد» (1)، ولا يكون على الإطلاق ما لم يتمسك الملك بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا وروحا، قال صلى الله عليه وسلم:«وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله» (2).
أما قوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (3)، في بعض طرق الحديث الصحيحة «كلهم يجتمع عليه الناس» فالمراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر رضي الله عنه، ثم عمر رضي الله عنه، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم علي رضي الله عنه، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فلقب معاوية يومئذ بالخليفة، ثم اجتمع الناس على معاوية رضي الله عنه عند صلح الحسن رضي الله عنه، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين رضي الله عنه أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبدالملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبدالعزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبدالملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك، لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان، ثم
(1) أحمد حديث (8761) رجاله ثقات.
(2)
مسلم حديث (1218).
(3)
مسلم حديث (1821).