الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجانب الذي تكلّم فيه عن مباحث علم البيان من مجاز واستعارة وتشبيه وكناية. وقد قصدنا من وراء هذا العرض الموجز إلى بيان أمرين: مدى مساهمة ابن الأثير في تطوير هذه المباحث البيانية عن طريق المادة البلاغية التي قدّمها لنا فيها، وكذلك الطريقة التي سلكها في معالجة هذه المادة وعرضها، وهي طريقة تخالف بلا شك طريقة السكاكي التي قصد بها إلى تأصيل قواعد البلاغة وصبها في قوالب منطقية جافة. وربما التقيا في كثرة
التقسيمات والتفريعات، ولكن شتان بين تقسيمات وتفريعات يغلب عليها المنطق وأخرى يجليها الفن ويحببها إلى النفس.
يحيى بن حمزة:
ومن علماء البلاغة أيضا يحيى بن حمزة العلوي اليمني المتوفى سنة 749 للهجرة وصاحب المصنفات المختلفة في النحو والفقه وأصول الدين والبلاغة. ومما صنفه في البلاغة كتاب «الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز» ، ويقع في ثلاثة أجزاء.
وهو متأثر في كتابه هذا بخمسة كتب هي: المفتاح للسكاكي والمثل السائر لابن الأثير، وكتاب التبيان في علم البيان لابن الزملكاني، وكتاب نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز للفخر الرازي، وكتاب المصباح في المعاني والبيان والبديع لبدر الدين بن مالك.
وكتابه لا تبدو فيه طريقة مميزة لصاحبه، وإنّما هو موزع بين طريقة السكاكي، وطريقة الرازي، وطريقة ابن الأثير ومباحثهم وما أصّلوه من قواعد البلاغة. وقد بناه على مقدمات ومقاصد وتكملات وسمي كل جانب من هذه الجوانب فنا.
وفي الفن الثاني من الكتاب يتحدّث عن موضوعات البيان بادئا
بالمجاز ومدخلّا فيه الاستعارة والتمثيل والكناية. وهو في إدخاله الكناية في المجاز يخالف ابن الأثير الذي قرر أنّ الكناية ليست نوعا مستقلا من المجاز، وإنّما هي جزء من الاستعارة.
ثمّ يعرض بالقول للاستعارة فيفصّل القول فيها ذاكرا تعريف الرماني والرازي وابن الأثير لها، وهو يدخل فيها التشبيه البليغ أو التشبيه المضمر الأداة كما يسميه ابن الأثير. ويسوق على الاستعارة شواهد كثيرة من القرآن الكريم وأحاديث الرسول ومن كلام العرب نثرا وشعرا.
وأخيرا يتكلم عن أقسام الاستعارة مستأنسا في ذلك بكلام الرازي وبدر الدين بن مالك.
ومن الاستعارة ينتقل إلى التشبيه فيطيل الكلام فيه مفيدا من كل ما ذكره الرازي وبدر الدين بن مالك وابن الأثير.
وأخيرا يتحدّث عن الكناية ويسوق فيها تعريف عبد القاهر الجرجاني وهو: «والمراد بالكناية أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومئ إليه ويجعله دليلا عليه» ، مثال ذلك قولهم «هو طويل النجاد» يريدون طويل القامة، وفي المرأة «نؤوم
الضحى» والمراد أنّها مترفة مخدومة لها من يكفيها أمرها، فقد أرادوا في هذا كله، كما ترى، معنى ثمّ لم يذكروه بلفظه الخاص به، ولكنهم توصلوا إليه بذكر معنى آخر من شأنه أن يردفه في الوجود، وأن يكون إذا كان. أفلا ترى أنّ القامة إذا طالت طال النجاد، وإذا كانت المرأة مترفة لها من يكفيها أمرها ردف (1) ذلك أن تنام إلى الضحى (2)؟.
(1) ردف بكسر الدال: تبع.
(2)
دلائل الإعجاز ص 44.