الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شبّهت «الخلافة» هنا بغادة ترتدي ثوبا طويل الذيل بجامع بهاء المنظر والحسن في كل، ثم حذف المشبه به «الغادة» ورمز إليها بشيء من لوازمها وهو «أتته منقادة» ، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لفظية، وهي «تجرر أذيالها» أو إثبات تجرير الأذيال للخلافة. ونوع الاستعارة «مكنية» وذلك لحذف المشبه به والرمز إليه بشيء من لوازمه.
5 -
وقال السري الرفاء:
مواطن لم يسحب بها الغيّ ذيله
…
وكم للعوالي بينها من مساحب (1)
ففي هذا البيت شبّه «الغيّ» بإنسان بجامع أن كليهما يقود إلى الزلل، ثم حذف المشبه به «الإنسان» ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو «يسحب ذيّله» ، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لفظية، وهي «إثبات سحب الذيل للغي» .
ولما كان المشبه به قد حذف ورمز إليه بشيء من لوازمه فالاستعارة «مكنية» .
2 - الاستعارة الأصلية والتبعية
ويقسم البلاغيون الاستعارة تقسيما آخر باعتبار لفظها إلى أصلية وتبعية.
أ- فالاستعارة الأصلية: هي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه اسما جامدا غير مشتق.
(1) العوالي: جمع عالية وهي الرماح، والمعنى: إن هذه الأماكن طاهرة من شرور الغواية، وإنها منازل شجعان طالما جرت فيها الرماح.
1 -
مثال ذلك لفظة «كوكبا» في قول التهامي الشاعر راثيا ابنا صغيرا له:
يا «كوكبا» ما كان أقصر عمره
…
وكذاك عمر كواكب الأسحار
ففي إجراء هذه الاستعارة يقال: شبّه الابن «بالكوكب» بجامع صغر الجسم وعلو الشأن في كل، ثم استعير اللفظ الدّال على المشبه به «الكوكب» للمشبه «الابن» على سبيل الاستعارة التصريحية، وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به. والقرينة نداؤه.
وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو «الكوكب» رأيناه اسما جامدا غير مشتق، ومن أجل ذلك يسمى هذا النوع من الاستعارة «استعارة أصلية» .
2 -
ومثاله أيضا لفظة «القيان» في قول الشاعر:
حول أعشاشها على الأشجار
…
قد سمعن «القيان» وهي تغني
وفي إجراء هذه الاستعارة أيضا يقال: شبّهت الطيور المغردة على الأشجار «بالقيان» أي المغنيات بجامع حسن الصوت في كل، ثم استعير اللفظ الدّال على المشبه به «القيان» للمشبه «الطيور» على سبيل الاستعارة التصريحية، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي قوله:«حول أعشاشها على الأشجار» .
وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو «القيان» جمع قينة رأيناه اسما جامدا غير مشتق. ولهذا يسمى هذا النوع من الاستعارة التي يكون فيها اللفظ المستعار اسما جامدا «استعارة أصلية» .
3 -
ومن الاستعارة الأصلية كذلك لفظة «حديقة» في قول المتنبي:
حملت إليه من لساني «حديقة»
…
سقاها الحجا سقي الرياض السحائب
فالاستعارة هنا في لفظة «حديقة» ، وفي إجراء الاستعارة يقال: شبّه الشعر «بالحديقة» بجامع الجمال في كل، ثم استعير اللفظ الدّال على المشبه به «الحديقة» للمشبه «الشعر» على سبيل الاستعارة التصريحية، وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به. والقرينة «من لساني وسقاها الحجا» .
وإذا تأملنا اللفظ المستعار وهو «الحديقة» رأيناه كذلك اسما جامدا غير مشتق، ومن أجل ذلك تسمى «استعارة أصلية» .
ومن إجراء هذه الاستعارات وتحليلها يتجلى لنا أمران: الأول أنه قد صرّح في كل استعارة بلفظ المشبه به، ولهذا
تسمى الاستعارة «تصريحية» ، والثاني أن اللفظ المستعار اسم جامد غير مشتق، وبسبب ذلك تسمى الاستعارة «أصلية» .
ومن أجل ذلك تسمى هذه الاستعارات وأمثالها مما يتوافر له هذا الأمر أن «استعارة تصريحية أصلية» .
…
ب- الاستعارة التبعية: وهي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه الاستعارة اسما مشتقا أو فعلا.
1 -
مثال ذلك لفظة «سكت» من قوله تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ.
ففي هذه الآية الكريمة استعارة تصريحية، وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به، وفي إجرائها نقول: شبه انتهاء الغضب عن موسى «بالسكوت» بجامع الهدوء في كل، ثم استعير اللفظ الدّال على المشبه به وهو «السكوت» للمشبه وهو «انتهاء الغضب» ، ثم اشتق من «السكوت» بمعنى انتهاء الغضب «سكت» الفعل بمعنى انتهى.
2 -
ومثالها أيضا لفظة «عانقت» في قول البحتري يصف قصرا:
ملأت جوانبه الفضاء وعانقت
…
شرفاته قطع السحاب الممطر
ففي هذا البيت استعارة تصريحية، وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبّه به، واللفظ المستعار هو فعل «عانقت» ، وفي إجراء الاستعارة نقول:
شبهت الملامسة «بالمعانقة» بجامع الاتصال في كل، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو «المعانقة» للمشبه وهو «الملامسة» ، ثم اشتق من «المعانقة» بمعنى الملامسة الفعل «عانقت» بمعنى لامست. والقرينة التي تمنع من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «شرفاته» .
3 -
ومن أمثلتها كذلك لفظ «لبس» من قول ابن الرومي:
بلد صحبت به الشبيبة والصّبا
…
ولبست ثوب اللهو وهو جديد
ففي لفظة «لبس» أولا استعارة تصريحية، وذلك للتصريح فيها بلفظ المشبه به، واللفظ المستعار هنا هو فعل «لبس» ، وفي إجراء الاستعارة نقول: شبّه فيها التمتع باللهو «باللبس» للثوب الجديد بجامع السرور في كل، ثم استعير اللفظ الدّال على المشبه به وهو «اللبس» للمشبه وهو التمتع باللهو، ثم اشتق من «اللبس» الفعل «لبس» بمعنى تمتع. والقرينة التي تمنع من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «ثوب اللهو» .
…
وإذا وازنّا بين إجراء الاستعارات الثلاث الأخيرة وإجراء الاستعارات الثلاث الأولى، رأينا أن الإجراء هنا لا ينتهي عند استعارة المشبه به للمشبه كما انتهى في الاستعارات الثلاث الأولى، بل يزيد عملا
آخر، وهو اشتقاق كلمة من المشبه به، وأن ألفاظ الاستعارة هنا مشتقة لا جامدة. وهذا النوع من الاستعارة يسمى «بالاستعارة التبعية» ، لأن جريانها في المشتق كان تابعا لجريانها في المصدر.
…
وإذا رجعنا إلى المثال الأول من الأمثلة الثلاثة الأخيرة وهو «ولما سكت عن موسى الغضب» فإننا نرى أنه يجوز أن يشبّه «الغضب» بإنسان، ثم يحذف المشبه به «الإنسان» ويرمز إليه بشيء من لوازمه وهو «سكت» ، فتكون في «الغضب» استعارة «مكنية» .
وإذا رجعنا إلى المثال الثاني منها وهو «وعانقت شرفاته قطع السحاب الممطر» فإننا نرى أنه يجوز أيضا أن تشبه «شرفات القصر» بإنسان ثم يحذف المشبه به «الإنسان» ويرمز إليه بشيء من لوازمه وهو «عانقت» ، فتكون في «شرفاته» استعارة «مكنية» .
وإذا رجعنا إلى المثال الثالث والأخير منها وهو «ولبست ثوب اللهو» فإننا نرى كذلك أنه يجوز أن يشبه «اللهو» بإنسان له ثوب أعاره الشاعر ثم يحذف المشبه به وهو «الإنسان» ويرمز إليه بشيء من لوازمه وهو «الثوب» .
ومن ذلك نرى أن كل استعارة «تبعية» يصحّ أن يكون في قرينتها استعارة «مكنية» ، غير أنه لا يجوز لنا إجراء الاستعارة إلا في واحدة منهما لا في كلتيهما معا.
وبعد
…
فلعلّ من المفيد هنا أن نعود فنلخص القواعد الخاصة بهذا القسم من الاستعارة زيادة في الإيضاح وتمكينا من الإلمام بها.