الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
يقسّم البلاغيون الاستعارة تقسيما آخر باعتبار لفظها إلى أصلية وتبعية.
2 -
الاستعارة الأصلية: هي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه اسما جامدا غير مشتق.
3 -
الاستعارة التبعية: هي ما كان اللفظ المستعار أو اللفظ الذي جرت فيه اسما مشتقا أو فعلا. وتسمى تبعية لأن جريانها في المشتق يكون تابعا لجريانها في المصدر.
4 -
كل استعارة تبعية قرينتها استعارة مكنية، وإذا أجريت الاستعارة في واحدة منهما امتنع إجراؤها في الأخرى.
3 - الاستعارة باعتبار الملائم
ذكرنا فيما سبق أن الاستعارة تنقسم باعتبار طرفيها إلى تصريحية ومكنية، وباعتبار اللفظ المستعار إلى أصلية وتبعية، وهنا نذكر أنها تقسم باعتبار الملائم تقسيما ثالثا إلى مرشحة، ومجردة، ومطلقة.
1 -
فالاستعارة المرشحة: هي ما ذكر معها ملائم المشبه به، أي المستعار منه.
ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ.
ففي هذه الآية الكريمة استعارة تصريحية في لفظة «اشتروا» فقد استعير «الاشتراء» «للاختيار» بجامع أحسن الفائدة في كل، والقرينة التي تمنع من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «الضلالة» .
وإذا تأملنا هذه الاستعارة رأينا أنه قد ذكر معها شيء يلائم المشبه
به «الاشتراء» ، وهذا الشيء هو «فما ربحت تجارتهم» . ومن أجل ذلك تسمى «استعارة مرشحة» ..
ومن أمثلة الاستعارة المرشحة أيضا قول الشاعر:
إذا ما الدهر جرّ على أناس
…
كلاكله أناخ بآخرينا (1)
ففي هذا البيت استعارة مكنية في «الدهر» فقد شبه الدهر بجمل ثم حذف المشبه به «الجمل» ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو «الكلاكل» ، وقد تمت لهذه الاستعارة قرينتها وهي «إثبات الكلاكل للدهر» .
وإذا تأملنا هذه الاستعارة المكنية التي استوفت قرينتها رأينا أنها قد ذكر معها شيء يلائم المشبه به «الجمل» ، وهذا الشيء هو «أناخ بآخرينا» . ولهذا تسمى استعارة «مرشحة» .
من ذلك يتضح أن الاستعارة سواء أكانت تصريحية أم مكنية إذا استوفت قرينتها وذكر معها ما يلائم المشبه به فإنها تسمى استعارة «مرشحة» .
…
2 -
والاستعارة المجردة: هي ما ذكر معها ملائم المشبه، أي المستعار له.
أ- ومن أمثلة ذلك قول القائل: «لا تتفكهوا بأعراض الناس، فشرّ الخلق الغيبة» .
ففي قوله: «لا تتفكهوا» استعارة تصريحية تبعية، فقد شبّه فيها
(1) الكلاكل: جمع كلكل وهو الصدر، والمعنى: أن عادة الدهر تكدير العيش، فهو يصيب قوما بأذاه، ثم ينتقل إلى إصابة غيرهم.
«التكلم في الأعراض» «بالتفكه» بجامع أن بعض النفوس قد تميل إلى كل، ثم اشتق من «التفكه» تفكه بمعنى تكلم في العرض، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «بأعراض الناس» .
وإذا تأملنا الاستعارة رأينا أنه قد ذكر معها شيء يلائم المشبه «التكلم في الأعراض» ، وهذا الشيء هو «فشرّ الخلق الغيبة» ولهذا السبب يقال إن الاستعارة «مجردة» .
ب- ومن أمثلة الاستعارة المجردة أيضا قول سعيد بن حميد:
وعد «البدر» بالزيارة ليلا
…
فإذا ما وفى قضيت نذوري
ففي البيت استعارة تصريحية أصلية في كلمة «البدر» حيث شبهت المحبوبة «بالبدر» بجامع الحسن في كل، ثم استعير المشبه به «البدر» للمشبه «المحبوبة» على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية. والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي هنا لفظية، وهي «وعد» .
فالاستعارة قد استوفت قرينتها، ولكن إذا تأملناها رأينا أنه قد ذكر معها شيء يلائم المشبه «المحبوبة» ، وهذا الشيء هو «الزيارة والوفاء بها» .
ولذكر ملائم المشبه مع الاستعارة تسمى استعارة «مجردة» .
ج- ومن أمثلها كذلك قول القائل: «رحم الله امرأ ألجم نفسه بإبعادها عن شهواتها» .
ففي لفظة «نفسه» استعارة مكنية، فقد شبّهت «النفس» «بجواد» بجامع أن كلّا منهما يكبح، ثم حذف المشبه به «الجواد» ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو «ألجم» . والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي هي «إثبات الإلجام للنفس» .
وإذا تأملنا هذه الاستعارة التي استوفت قرينتها رأينا أنها تشتمل بالإضافة إلى ذلك على شيء يلائم المشبه «النفس» وذلك الشيء هو «إبعادها عن شهواتها» . فذكر الإبعاد عن الشهوات وهو ملائم المشبه تجريد. ومن أجل ذلك تسمى الاستعارة «مجردة» .
وهكذا يتضح من تحليل الاستعارات الثلاث السابقة، أن الاستعارة مطلقا إذا استوفت قرينتها وذكر معها ما يلائم المشبه فإن الاستعارة بسبب ذلك تسمى استعارة «مجردة» .
…
3 -
والاستعارة المطلقة: هي ما خلت من ملائمات المشبه به والمشبه، وهي كذلك ما ذكر معها ما يلائم المشبه به والمشبه معا.
أ- فمن أمثلة الاستعارة المطلقة قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. ففي لفظة «طغى» استعارة تصريحية تبعية، فقد شبّه فيها «الزيادة» «بالطغيان» بجامع تجاوز الحد في كل، ثمّ اشتقّ من «الطغيان» الفعل طغى بمعنى زاد على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «الماء» .
وإذا تأملنا هذه الاستعارة بعد استيفاء قرينتها رأيناها خالية مما يلائم المشبه به والمشبه. ولهذا تسمى استعارة «مطلقة» .
ب- ومن أمثلتها أيضا قول المتنبي يخاطب ممدوحه:
يا بدر يا بحر يا غمامة يا
…
ليث الشرى يا حمام يا رجل (1)
ففي هذا البيت استعارة تصريحية في كل من: «بدر» و «بحر»
(1) الشرى: مكان في جزيرة العرب يوصف بكثرة الأسود، والحمام بكسر الحاء: الموت.
و «غمامة» و «ليث الشرى» و «حمام» . فالمشبه هنا الممدوح، والمشبه به هو «البدر» مرة، و «البحر» مرة ثانية، و «الغمامة» مرة ثالثة، و «ليث الشرى» مرة رابعة، و «الحمام» مرة خامسة. والقرينة في كل استعارة هي النداء.
إذا تأملنا كل استعارة من هذه الاستعارات بعد استيفاء قرينتها رأيناها كذلك خالية مما يلائم المشبه به والمشبه. ولهذا السبب تسمى استعارة «مطلقة» .
ج- ومن أمثلة الاستعارة المطلقة كذلك قول قريظ بن أنيف:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
…
طاروا إليه زرافات ووحدانا (1)
ففي لفظة «الشر» استعارة مكنية، وفي إجرائها يقال: شبه الشر «بحيوان مفترس» ، ثمّ حذف المشبه به «الحيوان المفترس» ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو «أبدى ناجذيه» . والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي هي «إثبات إبداء الناجذين للشر» .
وهذه الاستعارة التي استوفت قرينتها قد خلت من كل ما يلائم المشبه والمشبه به، ومن أجل ذلك تسمى استعارة «مطلقة» .
د- ومن أمثلتها كذلك قول كثير عزة:
رمتني «بسهم» ريشه الكحل لم يضر
…
ظواهر جلدي وهو للقلب جارح
ففي لفظة «سهم» استعارة تصريحية أصلية، ويقال في إجرائها: شبه «الطرف» بسكون الطاء «بالسهم» بجامع الإصابة بالضرر والأذى، ثمّ
(1) الناجذان: النابان، وإبداء الشر ناجذيه كناية عن شدته وحدته
استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو «السهم» للمشبه وهو «الطرف» على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية.
والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي لفظية وهي «الكحل» .
وإذا تدبرنا هذه الاستعارة التي استوفت قرينتها رأينا أنّه قد اقترن بها ملائم للمشبه به «السهم» وهو «الريش» ، وكذلك ملائم للمشبه «الطرف» وهو «الكحل» . ولهذا السبب الذي يتمثل في اقتران الاستعارة بما يلائم المشبه به والمشبه معا تسمى الاستعارة أيضا «مطلقة» .
وهكذا يتضح من تحليل الاستعارة في الأمثلة السابقة أيضا أنّ الاستعارة مطلقا إذا استوفت قرينتها يقال لها استعارة «مطلقة» في حالين:
الأولى إذا خلت من ملائمات المشبه به والمشبه، والثانية إذا ذكر معها ما يلائمها معا.
هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الترشيح أبلغ من التجريد والإطلاق، لاشتماله على تحقيق المبالغة في الاستعارة، ولهذا كان مبنى الترشيح على أساس تناسي التشبيه والتصميم على إنكاره إلى درجة استعارة الصفة المحسوسة للمعنوي وجعلها كأنّها ثابتة لذلك المعنوي حقيقة، وكأنّ الاستعارة لم توجد أصلا، وذلك كقول أبي تمام:
ويصعد حتى يظن الجهول
…
بأنّ له حاجة في السماء
فقد استعار لفظ العلو المحسوس لعلو المنزلة، ووضع الكلام وضع من يذكر علوا مكانيا، ولولا أنّ قصده أن يتناسى التشبيه ويصمم على إنكاره فيجعله صاعدا في السماء من حيث المسافة المكانية لما كان لهذا الكلام وجه (1).
(1) انظر كتاب الإيضاح للقزويني ص 217 - 219.