الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأوّل فن التشبيه
حد التشبيه:
التشبيه لغة: التمثيل، وهو مصدر مشتق من الفعل «شبّه» بتضعيف الباء، يقال: شبّهت هذا بهذا تشبيها، أي مثّلته به.
والتشبيه في اصطلاح البلاغيين له أكثر من تعريف، وهذه التعاريف وإن اختلفت لفظا فإنها متفقة معنى.
فابن رشيق مثلا يعرفه بقوله: «التشبيه: صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة أو جهات كثيرة، لا من جميع جهاته، لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه. ألا ترى أن قولهم «خدّ كالورد» إنما أرادوا حمرة أوراق الورد وطراوتها، لا ما سوى ذلك من صفرة وسطه وخضرة كمائمه» (1).
(1) العمدة ج 1 ص 256.
وأبو هلال العسكري يعرفّه بقوله: «التشبيه: الوصف بأن أحد الموصوفين ينوب مناب الآخر بأداة التشبيه، ناب منابه أو لم ينب، وقد جاء في الشعر وسائر الكلام بغير أداة التشبيه، وذلك قولك: «زيد شديد كالأسد» ، فهذا القول هو الصواب في العرف وداخل في محمود المبالغة، وإن لم يكن زيد في شدته كالأسد على حقيقته» (1).
ويعرّفه الخطيب القزويني بقوله: «التشبيه: هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى» (2).
ويعرّفه التنوخي بقوله: «التشبيه: هو الإخبار بالشبه، وهو اشتراك الشيئين في صفة أو أكثر ولا يستوعب جميع الصفات» (3).
وللتشبيه تعريفات أخرى كثيرة لا تخرج في جوهرها ومضمونها عما أوردناه منها آنفا، ومن مجموع هذه التعريفات نستطيع أن نخرج للتشبيه بالتعريف التالي:
التشبيه: بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر، بأداة هي الكاف أو نحوها ملفوظة أو مقدرة، تقرّب بين المشبه والمشبه به في وجه الشبه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن «التمثيل» نوع من أنواع التشبيه، وهذا رأي عبد القاهر الجرجاني الذي يقول:«والتمثيل ضرب من ضروب التشبيه، والتشبيه عام والتمثيل أخص منه، فكل تمثيل تشبيه، وليس كل تشبيه تمثيلا» (4).
(1) كتاب الصناعتين ص 239.
(2)
انظر متن التلخيص في «مجموع المتون الكبرى» ص 473.
(3)
كتاب الأقصى القريب للتنوخي ص 41.
(4)
كتاب أسرار البلاغة ص 75.
ويوضح عبد القاهر رأيه هذا في موضع آخر من كتابه بقوله:
«واعلم أن الشيئين إذا شبّه أحدهما بالآخر كان ذلك على ضربين أحدهما:
أن يكون من جهة أمر بيّن لا يحتاج فيه إلى تأويل، والآخر: أن يكون الشبه محصّلا بضرب من التأويل» (1).
ثم يروح يشرح قوله هذا في إسهاب مفاده أن التشبيه العام هو ما كان وجه الشبه فيه مفردا، أي صفة أو صفات اشتركت بين شيئين ليس غير، وأن تشبيه التمثيل هو ما كان وجه الشبه فيه صورة مأخوذة أو منتزعة من أشياء عدة.
فقول البحتري في ممدوحه مثلا:
هو بحر السماح والجود فازدد
…
منه قربا تزدد من الفقر بعدا
هذا التشبيه على رأي عبد القاهر تشبيه عام لأن البحتري فيه يشبه ممدوحه بالبحر في الجود والسماح، فوجه الشبه هنا مفرد وهو اشتراك الممدوح والبحر في صفة الجود.
وقول المتنبي في ممدوحه سيف الدولة:
يهز الجيش حولك جانبيه
…
كما نفضت جناحيها العقاب (2)
هو عند عبد القاهر تشبيه تمثيل، لأن المتنبي يشبه صورة جانبي الجيش، أي صورة ميمنة الجيش وميسرته وسيف الدولة بينهما وما فيهما من حركة واضطراب بصورة عقاب تنفض جناحيها وتحركهما. ووجه الشبه هنا
(1) نفس المرجع ص 70 - 71.
(2)
العقاب بضم العين: من الطيور الكاسرة، وهي طائر خفيف الجناح سريع الطيران، وبها يضرب المثل في العزة والمنعة، فيقال:«أمنع من عقاب الجو» .