الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون من الماء. وعلى هذا الوجه يجري أكثر تشبيهات القرآن، وهي الغاية في الجودة، والنهاية في الحسن.
وقد جاء في أشعار المحدثين تشبيه ما يرى بالعيان بما ينال بالفكر، وهو رديء، وإن كان بعض الناس يستحسنه لما فيه من اللطافة والدقة، وهو مثل قول الشاعر:
وندمان سقيت الراح صرفا
…
وأفق الليل مرتفع السّجوف
صفت وصفت زجاجتها عليها
…
كمعنى دقّ في ذهن لطيف
فأخرج ما تقع عليه الحاسة إلى ما لا تقع عليه، وما يعرف بالعيان إلى ما يعرف بالفكر. ومثله كثير في أشعارهم.
أقسام التشبيه عند المبرد:
والمبرد من أوائل العلماء الذين درسوا فن التشبيه، وهو يقسمه إلى أربعة أضرب:
1 -
التشبيه المفرط: وهو التشبيه المبالغ فيه، أو المبالغ في الصفة التي تجمع بين المشبه والمشبه به، كقول الخنساء في أخيها صخر:
وإن صخرا لتأتم الهداة به
…
كأنه علم في رأسه نار
فجعلت المهتدي يأتم به، وجعلته كأنه نار في رأس علم، والعلم الجبل.
ومن هذا النوع في شعر المحدثين قول بشار:
كأن فؤاده كرة تنزّي
…
حذار البين إن نفع الحذار
وقول أبي نواس الحسن بن هانئ في صفة الخمر:
فإذا ما اجتليتها فهباء
…
تمنع الكفّ ما تبيح العيونا (1)
أكل الدهر ما تجسّم منها
…
وتبقّى لبابها المكنونا
فهي بكر كأنها كل شيء
…
يتمنى مخيّر أن يكونا
في كؤوس كأنهن نجوم
…
جاريات بروجها أيدينا
طالعات من السّقاة علينا
…
فإذا ما غربن يغربن فينا
فهذا تشبيه مفرط يصفه المبرد بأنه غاية على سخف كلام المحدثين!.
2 -
التشبيه المصيب: ويفهم من الأمثلة التي أوردها المبرد أنه يعني به ما خلا من المبالغة وأخرج الأغمض إلى الأوضح، كقول امرئ القيس في طول الليل:
كأن الثريا علّقت في مصامها
…
بأمراس كتان إلى صمّ جندل (2)
فهذا التشبيه في ثبات الليل، لأنه يخيل إليه من طوله كأن نجومه مشدودة بحبال من الكتان إلى صخور صلبة، وإنما استطال الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الأحزان فيه. وكقوله في ثبات الليل:
فيا لك من ليل كأن نجومه
…
بكل مغار الفتل شدت بيذبل (3)
(1) الهباء: الذرات المنبثة التي ترى في ضوء الشمس، وتجسم: صار جسما، أي لم يبق من الخمر إلا روحها، لأن الخمر إذا عتقت صفت ورقت وكاد يخفى جسمها.
(2)
الثريا: من الكواكب، وسميت بذلك لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها، في مصامها: في مكانها الذي لا تبرح منه كمصام الفرس، وهو مربطه، والأمراس: جمع مرس وهو الحبل، وصم: جمع أصم، وهو الصلب، والجندل: الصخرة، والجمع جنادل.
(3)
مغار الفتل: شديد الفتل، ويذبل: اسم جبل.
فهو هنا يشبه نجوم الليل في ثباتها وعدم تحركها كما لو كانت قد شدت بشيء مفتول قوي إلى جانب هذا الجبل.
وقد ذكر ابن رشيق أمثلة للتشبيه المصيب منها قول النابغة في وصف المتجردة:
نظرت إليك بحاجة لم تقضها
…
نظر السقيم إلى وجوه العوّد
وقول عدي بن الرقاع العاملي:
وكأنها وسط النساء أعارها
…
عينيه أحور من جآذر جاسم
وسنان أقصده النعاس فرنّقت
…
في عينه سنة وليس بنائم
وقول صريع الغواني:
فغطت بأيديها ثمار نحورها
…
كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع (1)
3 -
التشبيه المقارب: كقول ذي الرمة:
ورمل كأوراك العذارى قطعته
…
وقد جللته المظلمات الحنادس
وهذا من نوع التشبيه المقلوب الذي يجعل فيه المشبه مشبها به فالعادة أن أعجاز النساء أو أوراك العذارى تشبه بكثبان الرمال ولكن الشاعر هنا قلب التشبيه طلبا للمبالغة.
ومن المقارب الحسن قول الشماخ:
كأن المتن والشرخين منه
…
خلاف النصل سيط به مشيج
(1) كتاب العمدة ج 1 ص 270، والجوامع: الأكبال.