المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - ويكون وجه الشبه مفصلا ومجملا: - علم البيان

[عبد العزيز عتيق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌نشأة علم البيان وتطوّره

- ‌كتاب الموازنة:

- ‌كتاب الوساطة:

- ‌كتاب العمدة:

- ‌كتاب الصناعتين:

- ‌عبد القاهر الجرجاني:

- ‌الزمخشري:

- ‌ السكاكي

- ‌ابن مالك:

- ‌التنوخي:

- ‌ابن الأثير:

- ‌يحيى بن حمزة:

- ‌الخطيب القزويني

- ‌المبحث الأوّل فن التشبيه

- ‌حد التشبيه:

- ‌أركان التشبيه

- ‌طرفا التشبيه

- ‌وطرفا التشبيه: إما:

- ‌أجود التشبيه عند أبي هلال:

- ‌والوجه الثالث:

- ‌والوجه الرابع:

- ‌أقسام التشبيه عند المبرد:

- ‌أداة التشبيه

- ‌التشبيه باعتبار الأداة:

- ‌وجه الشبه

- ‌وجه الشبه من حيث الإفراد والتعدد:

- ‌التشبيه باعتبار وجهه:

- ‌1 - تشبيه التمثيل:

- ‌2 - ويكون وجه الشبه مفصلا ومجملا:

- ‌التشبيه المقلوب

- ‌التشبيه الضمني

- ‌أغراض التشبيه

- ‌غرائب التشبيه وبديعه

- ‌محاسن التشبيه

- ‌عيوب التشبيه

- ‌المبحث الثاني الحقيقة والمجاز

- ‌أقسام المجاز:

- ‌ المجاز العقلي:

- ‌المجاز المرسل

- ‌المبحث الثالث الاستعارة

- ‌تعريف الاستعارة

- ‌أقسام الاستعارة

- ‌1 - الاستعارة التصريحية والمكنية

- ‌إجراء الاستعارة

- ‌2 - الاستعارة الأصلية والتبعية

- ‌3 - الاستعارة باعتبار الملائم

- ‌4 - الاستعارة التمثيلية

- ‌مكان الاستعارة من البلاغة

- ‌المبحث الرّابع الكناية

- ‌أقسام الكناية

- ‌بين الكناية والتعريض

- ‌بلاغة الكناية

الفصل: ‌2 - ويكون وجه الشبه مفصلا ومجملا:

فالمشبه في هذا البيت هو الليل في ظلامه وهوله، والمشبه به هو موج البحر، وأن هذا الليل أرخى عليه حجبه وسدوله مصحوبة بكل أنواع الهموم والأحزان ليختبر صبره وقوة احتماله، ووجه الشبه الذي يشترك فيه الليل وموج البحر صفتان هما: الظلمة والروعة.

وقول أبي بكر الخالدي:

يا شبيه البدر حسنا

وضياء ومنالا

وشبيه الغصن لينا

وقواما واعتدالا

أنت مثل الورد لونا

ونسيما وملالا

زارنا حتى إذا ما

سرّنا بالقرب زالا

فالمشبه في هذا المثال هو الحبيب، والمشبه به هو البدر مرة، والغصن مرة ثانية، والورد مرة ثالثة، ووجه الشبه الذي يشترك فيه الطرفان صفات متعددة لا يرتبط بعضها ببعض، وكل صفة منها يمكن الاكتفاء بها كوجه شبه، بمعنى أنه لو حذف بعضها دون بعض أو قدّم بعضها على بعض ما اختل التشبيه.

ولعلنا الآن أدركنا من هذه الأمثلة أن تشبيه غير التمثيل هو ما كان وجه الشبه فيه غير صورة أي غير مركب. وبعبارة أخرى هو ما كان مفردا مهما تعددت الصفات التي يشترك فيها الطرفان، وأن هذه الصفات المشتركة إن وجدت لا يشترط فيها نظام أو ترتيب معين، بمعنى أنه يجوز فيها التقديم والتأخير، كما يجوز الإبقاء عليها أو على بعضها كوجه شبه من غير إخلال بالتشبيه.

‌2 - ويكون وجه الشبه مفصلا ومجملا:

أ- فالتشبيه المفصل: هو ما ذكر فيه وجه الشبه، وذلك نحو قول الشاعر:

ص: 89

كم وجوه مثل النهار ضياء

لنفوس كالليل في الإظلام

فالبيت هنا فيه تشبيهان وجه الشبه في الأول «ضياء» وفي الثاني «الإظلام» وكلاهما مذكور في التشبيه.

قول ابن الرومي:

يا شبيه البدر في الحس

ن وفي بعد المنال

جد فقد تنفجر الصخ

رة في الماء الزلال

فالمشبه هو الحبيب والمشبه به البدر ووجه الشبه هو اشتراك الطرفين في صفتي الحسن وبعد المنال، وكلتاهما مذكورة في التشبيه.

وقول آخر:

أنت كالبحر في السماحة، والش

مس علوا، والبدر في الإشراق

فهذا البيت يشتمل على ثلاثة تشبيهات ذكر في كل منها وجه الشبه، وهو في التشبيه الأول «السماحة» وفي الثاني «العلو» وفي الثالث «الإشراق» .

فكل تشبيه من التشبيهات التي تضمنتها هذه الأمثلة تشبيه مفصّل، لأن وجه الشبه قد ذكر فيه.

ب- والتشبيه المجمل: هو ما حذف منه وجه الشبه، وذلك نحو قول الشاعر:

وكأن إيماض السيوف بوارق

وعجاج خيلهم سحاب مظلم (1)

ففي البيت تشبيهان: تشبيه إيماض السيوف بالبرق في الظهور وسرعة الخفاء، وتشبيه عجاج الخيل بالسحاب المظلم في سواده وانعقاده

(1) الإيماض: اللمعان، والبوارق: جمع بارق وهو البرق، والعجاج: الغبار.

ص: 90

في الجو. ووجه الشبه في كليهما محذوف، ولهذا فهو تشبيه مجمل.

ومن التشبيه المجمل ما وجه شبهه ظاهر يفهمه كل أحد حتى العامة كالمثال السابق، وكقولنا: زيد أسد، إذ لا يخفى على أحد أن المراد به التشبيه في الشجاعة دون غيرها.

ومن التشبيه المجمل ما وجهه خفيّ لا يدركه إلّا من له ذهن يرتفع عن طبقة العامة، كقول فاطمة بنت الخرشب عند ما سئلت عن بنيها أيهم أفضل فقالت:«عمارة، لا بل فلان، لا بل فلان. ثم قالت: ثكلتهم إن كنت أعلم أيّهم أفضل. هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها» .

فمعنى ذلك أن أبناءها لتناسب أصولهم وفروعهم وتساويهم في الشرف يمتنع تعيين بعضهم فاضلا وبعضهم أفضل منه، كما أن الحلقة المفرغة لتناسب أجزائها وتساويها يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا.

فتشبيه أبناء بنت الخرشب بالحلقة المفرغة تشبيه مجمل، ووجه شبهه المحذوف هو تعذر بل استحالة تعيين أوليّة أو أفضلية أشياء متناسبة متساوية، أو هو التناسب المانع من تمييز يصح معه التفاوت. فهذا الوجه المحذوف

والذي يشترك فيه طرفا التشبيه أمر خفيّ لا يستطيع إدراكه إلا من له ذهن يرتفع عن طبقة العامة، كما ذكرت آنفا.

ومن التشبيه المجمل ما لم يذكر فيه وصف المشبه ولا وصف المشبه به، أي الوصف المشعر بوجه الشبه، ومن هذا النوع: تشبيه إيماض السيوف بالبوارق، وتشبيه زيد بالأسد السابقين.

ومنه ما يذكر فيه وصف المشبه به وحده، كتشبيه عجاج الخيل بالسحاب المظلم، وتشبيه أبناء بنت الخرشب بالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها.

ص: 91

ومن هذا النوع أيضا، أي التشبيه المجمل الذي ذكر فيه وصف المشبه به وحده قول زياد الأعجم:

وأنا وما تلقي لنا إن هجوتنا

لكالبحر مهما تلق في البحر يغرق

وقول النابغة الذبياني:

فإنك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

ومن التشبيه المجمل ما ذكر فيه وصف كل من المشبه والمشبه به، كقول أبي تمام في مدح الحسن بن سهل:

صدفت عنه ولم تصدف مواهبه

عنيّ، وعاوده ظني فلم يخب

كالغيث إن جئته وافاك ريّقه

وإن ترحلت عنه لجّ في الطلب (1)

فالتشبيه هنا هو: «الممدوح كالغيث» والبيت الأول مشتمل على وصف المشبه وهو الممدوح، والبيت الثاني مشتمل على وصف المشبه به وهو الغيث، وكلا الوصفين مشعر بوجه الشبه المحذوف، وهو عدم التخلص من كليهما على أي حال.

3 -

ويكون قريبا وبعيدا:

كذلك يكون التشبيه باعتبار الوجه قريبا وبعيدا. والمراد بالقريب القريب المتبذل، وبالبعيد البعيد الغريب.

فالقريب المتبذل: هو ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير

(1) صدفت عنه: أعرضت عنه، لم تصدف مواهبه: لم تنقطع عني عطاياه، الغيث: المطر الواسع المقبل الذي يغيث أهل الأرض، وافاك ريقه: جاءك ولاقاك وأقبل عليك أوله وأحسنه، وإن ترحلت عنه: أي فررت من الغيث، لج في الطلب: ألح وبالغ في إدراكك مع فرارك منه.

ص: 92

تدقيق نظر، وذلك لظهور وجهه في بادئ الرأي.

وسبب ظهوره أمران: الأول كون الشيء جمليا، فإن الجملة أسبق دائما إلى النفس من التفصيل. ألا ترى أن الرؤية

لا تصل في أول أمرها إلى الوصف على التفصيل لكن على الجملة، ثم على التفصيل؟ ولذلك قيل النظرة الأولى حمقاء، وفلان لم يمعن النظر. وكذلك الشأن بالنسبة لسائر الحواس، فإنه يدرك من تفاصيل الصوت والذوق والشم واللمس في المرة الثانية ما لم يدرك في المرة الأولى.

فمن يروم التفصيل كمن يبتغي الشيء من بين جملة أشياء يريد تمييزه مما اختلط به، ومن يريد الإجمال كمن يريد أخذ الشيء جزافا من غير تدقيق نظر. وكذلك حكم ما يدرك بالعقل، ترى الشيء يسبق دائما إلى الذهن إجمالا، أما التفاصيل فمغمورة في الإجمال لا تحضر وتنكشف إلا بعد إعمال الرؤية.

والأمر الثاني في ظهور وجه الشبه في بادئ الرأي كونه قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به في الذهن، إما عند حضور المشبه لقرب المناسبة بينهما، كتشبيه العنبة الكبيرة السوداء بالإجاصة في الشكل وفي المقدار، وإما مطلقا لتكرره على الحس، كتشبيه الشمس بالمرآة المجلوّة في الاستدارة والاستنارة؛ فإن قرب المناسبة والتكرر كل واحد منهما يعارض التفصيل لاقتضائه سرعة الانتقال.

والبعيد الغريب: هو ما لا ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به إلا بعد فكر، وذلك لخفاء وجهه في بادئ الرأي.

وسبب خفائه أمران: أحدهما كونه كثير التفصيل، كقول الراجز:

«والشمس كالمرآة في كف الأشل» . فوجه الشبه في هذا التشبيه هو الهيئة

ص: 93

الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة مع تموّج الإشراق واضطرابه بسبب تلك الحركة حتى يرى الشعاع كأنه يهمّ بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة ثم يبدو له فيرجع من الانبساط إلى الانقباض. فالشمس إذا أحدّ الإنسان النظر إليها ليتبين جرمها وجدها مؤدية إلى هذه الهيئة، وكذلك المرآة إذا كانت في كف الأشل. فالهيئة التي يتركب منها وجه الشبه هنا لا تقوم في نفس الرائي للمرآة الدائمة الاضطراب إلا بعد تأمل وطول نظر وتمهل.

والأمر الثاني لخفاء وجه الشبه في بادئ الرأي هو ندرة حضور المشبه به في الذهن، أما عند حضور المشبه لبعد المناسبة بينهما كتشبيه البنفسج بنار الكبريت في قول الشاعر:

ولا زورديّة تزهو بزرقتها

بين الرياض على حمر اليواقيت

كأنها فوق قامات ضعفن بها

أوائل النار في أطراف كبريت

فإن لازورديّة وهي البنفسجة شبهت بالنار في أطراف كبريت، ومعلوم أن الشيء الطبيعي الذي يتبادر إلى الذهن بسرعة عند حضور «اللازوردية» فيه هو الأزهار والرياحين التي هي من جنسها لا أوائل النار في أطراف

الكبريت. ولما كان الانتقال من البنفسج إلى النار المذكورة بعد التأمل وطول النظر كان التشبيه غريبا.

وإما أن تحصل ندرة المشبه به حصولا مطلقا من غير تقيد بوقت حضور المشبه لكونه وهميا، كما مضى من تشبيه نصال السهام بأنياب الأغوال، أو لكونه مركبا خياليا كتشبيه أزهار الشقيق بأعلام ياقوت منشورة على رماح من الزبرجد، أو لكونه مركبا عقليا كتشبيه مثل أحبار اليهود بمثل الحمار يحمل أسفارا.

ص: 94