الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس فيه الرجحان، ومن شأن البعيد عن الإدراك أن يكون إدراكه كذلك دون التحقق المشعر بالظهور وقرب الإدراك.
التشبيه باعتبار الأداة:
والبلاغيون يقسمون التشبيه باعتبار الأداة إلى مرسل ومؤكد:
1 -
فالتشبيه المرسل: هو ما ذكرت فيه أداة التشبيه، نحو:
خلق كالمدام أو كرضا ال
…
مسك أو كالعبير أو كالملاب
وقول الشاعر:
العمر مثل الضيف أو
…
كالطيف ليس له إقامة
وقول المتنبي في هجاء إبراهيم بن إسحاق الأعور بن كيغلغ:
وإذا أشار محدثا فكأنه
…
قرد يقهقه أو عجوز تلطم
2 -
والتشبيه المؤكد: هو ما حذفت منه أداة التشبيه، وتأكيد التشبيه حاصل من ادعاء أن المشبه عين المشبه به، وذلك نحو قوله تعالى تصويرا لبعض ما يرى يوم القيامة: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ أي أن الجبال ترى يوم ينفخ في الصور تمر كمر السحاب، أي تسير في الهواء كسير السحاب الذي تسوقه الرياح.
ومنه شعرا قول المتنبي مادحا:
أين أزمعت أيهذا الهمام
…
نحن نبت الرّبا وأنت الغمام (1)
كل عيش ما لم تطبه حمام
…
كل شمس ما لم تكنها ظلام (2)
(1) أزمعت: وطدت عزمك، والربا جمع ربوة: الأراضي العالية.
(2)
المعنى: كل عيش لم تطبه وتؤنسه هو كالحمام أي الموت، وكل شمس إذا لم تكن أنت إياها كالظلام.
والتشبيه المؤكد أبلغ من التشبيه المرسل وأوجز، أما كونه أبلغ فلجعل المشبه مشبها به من غير واسطة أداة فيكون هو إياه، فإنك إن قلت: زيد أسد كنت قد جعلته أسدا من غير إظهار أداة التشبيه، وأما كونه أوجز فلحذف أداة التشبيه منه.
ومن التشبيه المؤكد ما أضيف فيه المشبه به إلى المشبه، نحو قول الشاعر:
والريح تعبث بالغصون وقد جرى
…
ذهب الأصيل على لجين الماء
فالصورة هنا أن الريح تعبث بغصون الأشجار المخضرة فتميلها يمينا وشمالا وأعلى وأسفل، والحال أنه قد جرى «ذهب الأصيل» أي الأصيل الذي كالذهب في الصفرة على «لجين الماء» ، أي على ماء كاللجين أي كالفضة في الصفاء والبياض.
وقول الشريف الرضي:
أرسى النسيم بواديكم ولا برحت
…
حوامل المزن في أجداثكم تضع
ولا يزال جنين النبت ترضعه
…
على قبوركم العرّاصة الهمع (1)
فهو يريد «بحوامل المزن» المزن أو السحب التي هي كالحوامل من الحيوان، بجامع ما في كل من المنفعة، كما يريد «بجنين النبت» النبت الذي كالجنين. فالمشبه به في هذين التشبيهين قد أضيف إلى المشبه. وهذا تشبيه مؤكد.
وقد يسمى التشبيه المرسل «مظهرا» كما يسمى التشبيه المؤكد
(1) الأجداث: القبور، والعراصة: السحابة التي صارت كالسقف ذات رعد وبرق، والهمع: اسم لما يهمع أي يسيل، والماطر.
«مضمرا» . وهذا التشبيه المؤكد أو المضمر ينقسم أقساما، منها:
- ما يقع فيه المشبه والمشبه به موقع المبتدأ وخبره المفرد، نحو: أنت أسد، وكرمك بحر، وقولك شعر، وحديثك شهد. ففي هذه الأمثلة وأشباهها لا يصعب تقدير الأداة.
2 -
وما يقع فيه المشبه موقع المبتدأ والمشبه به موقع الخبر المفرد المكون من مضاف ومضاف إليه، نحو: أنت حصن الضعفاء. وهذا القسم بدوره يأتي على نوعين:
أ- إذا كان المضاف إليه معرفة، كما في المثال السابق، جاز لنا عند تقدير أداة التشبيه الإبقاء على المضاف إليه كما هو أو تقديمه على المضاف، فنقول مثلا: أنت كحصن الضعفاء، أو أنت للضعفاء كحصن.
ب- وإذا كان المضاف إليه نكرة تعين تقديمه عند تقدير الأداة، فنقول في مثل: فلان بحر بلاغة، «فلان في البلاغة كبحر» .
ومن ذلك قول البحتري مادحا:
غمام سحاب ما يغبّ له حيا
…
ومسعر حرب ما يضيع له وتر
فإذا شئنا تقدير الأداة هنا قلنا: «سماح كالغمام» ، ولا يقدر إلا هكذا والمبتدأ هنا محذوف وهو الإشارة إلى الممدوح، وكأن التقدير: هو غمام سماح. وعند تقدير الأداة يقدم المضاف إليه فيقال: هو سماح كالغمام، أو هو في السماح كالغمام (1).
ومه قول أبي تمام:
أيّ مرعى عين ووادي نسيب
…
لحبته الأيام في ملحوب
(1) المثل السائر لابن الأثير ص 153.