الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحركة النسائية في ظل النظام الجمهوري
(*)
{ظهرت الحركة النسائية في ظل الحكم الجمهوري بمظهر يغاير نظيره في العهد الملكي فبينما كانت المرأة تطالب أو تحرض على المطالبة بما أسمته " حقوقها " منذ بدأت حركتها في منتصف القرن العشرين سارعت حكومات العهد الجمهوري باستقطابها والاستفادة منها في حقل الإنتاج هذا من ناحية
أما الجانب الآخر فقد بات واضحاً أن أهم المسائل التي تشغل الحكومة قبل المرأة تنحصر في شيئين هامين هما: حق العمل للمرأة وهذا الحق مؤدٍّ بالضرورة لحق آخر وهو التمثيل النيابي والمشاركة في حل القضايا الاجتماعية ومن ثم لم تعد المرأة هذا المخلوق الضعيف الذي يطالب بل صارت المخلوق القوي الذي يمنح ويعطي كل ما يمنحه ويعطيه الرجل تماماً.
وهذا الرأي بالضرورة لا يتناقض مع فشل حركة المرأة عند قيامها بأعنف مظاهرة لها في تاريخها الحديث في 12 مارس 1954 م أي في بداية العهد الجمهوري لأن اللاتي قمن بهذه المظاهرة كن ينتمين للعهد السابق " الملكي " ويرتبطن به ثقافياً وسياسياً واجتماعياً ولا يرتبطن بأوهى رباط بالعهد الجديد وقيمه وإن بدا في الأفق - وقتها - أن الحكومة الجمهورية راضية عن هذا العمل رضاء تاماً حينما أعلن اللواء " محمد نجيب " رئيس الجمهورية الاستعداد للاستجابة لهن وأن حقوقهن في أيدي أمينة وأنه سيشكل لجنة مختصة للنظر في تكوين الجمعية التأسيسية للنظر في مطالبهن وكان ذلك في 21 مارس 1954 م.
وبعد ذلك اختفت الحركة التي تزعمتها " درية شفيق " واختفت معها زعيمتها ولم تعد للظهور أبداً حتى فاجأ الطاغوت " جمال عبد الناصر " خلف محمد
(*) من " المؤامرة على المرأة المسلمة " للدكتور السيد أحمد فرج ص (115 - 122) بتصرف.
نجيب الناس في يوم (16 يناير 1957)
بخطاب أعلن فيه منح المرأة لأول مرة حقوقها السياسية (لأن الحقوق التي اكتسبها الشعب بالثورة باشرتها المرأة أيضاً كما باشرها الرجل فقد وقفت المرأة مع الرجل جنباً إلى جنب طوال كفاحه المرير واستشهدت بعض نسائنا في سبيل الكفاح المشترك من أجل الحرية والحياة وكما كافحت المرأة من أجل الحصول على حق الشعب فمن حقها أن تسترد حقوقها كاملة)(370)
وكان دستور (1956) قد نص على (أن الانتخاب حق للمصريين على الوجه المبين في القانون وأن مساهمتهم في الحياة العامة واجب وطني عليهم)(371)
فجاء خطاب الطاغية بمثابة البيان لهذا النص الذي تأكد عملياً في العام نفسه في أول انتخابات تجرى في العهد الجمهوري عام (1957) إذ انتخبت سيدتان لمجلس الأمة هما: " أمينة شكري " في الإسكندرية و " راوية عطية " في حي الجيزة.
ثم كان أكبر دفعة لتحرير المرأة ما جاء في " الميثاق الوطني " سنة 1962 لينص على أن (المرأة تتساوى بالرجل ولابد أن تسقط بقايا الأغلال التي تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك بعمق وإيجابية في صنع الحياة)(372)
ذلك أن الميثاق وهو دليل العمل في الستينات نظر للمرأة على إنها كم اقتصادي كالرجل سواء بسواء.
وكان الطاغية عبد الناصر الموصوف بأنه صاحب الإرادة الوحيد في تلك الفترة قد مهد لهذا من قبل فقال وهو يخطب في معسكر للفتيات في رشيد في (28 يوليو 1959)
: (كان لابد لنا بعد أن اكتشفنا أنفسنا أن نكتشف نصف شعبنا - المرأة - ونعطيها جميع حقوقها وقد وضعنا هذا موضع التنفيذ)(373) ثم
(370) من خطاب جمال عبد الناصر يوم 16 يناير 1957 بمناسبة تقديم الدستور (1956) .
(371)
دستور 1956 مادة: (16) .
(372)
" الميثاق الوطني الباب السابع: الإنتاج والمجتمع.
(373)
مجموعة خطب عبد الناصر وتصريحاته وبياناته القسم الثاني ص (571) - مصلحة الاستعلامات.
أكد ذلك في خطابه في معسكر الفتيات للتدريب العسكري بالورديان بالإسكندرية في (4 أغسطس 1959) معلناً شعوره بالفخر (لأن المرأة العربية اليوم نصف المجتمع وعليها مسئولية كبرى لتشارك الرجل في بناء هذا الوطن وفي بناء المصانع وفي التعليم الفني وفي التدريب العسكري (374) وفي اليوم نفسه زار معسكر فتيات المكس بالإسكندرية وطالب فيه بضرورة تضافر جهود كل فرد من المواطنين جميعاً من الرجال والنساء (375)
كان عبد الناصر قادراً على أن يبرر للشعب أهمية مساواة المرأة بالرجل في كل المجالات: في الإنتاج وفي التدريب العسكري وغير ذلك لأن الوطن يحتاج إلى تضافر الجنسين معاً نساءً ورجالاً ومن ثم فقد نادى في جلسات المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في شرح الميثاق:
(بوجوب عمل المرأة لأن في عملها يمكنها أن تحافظ على نفسها إذا كانت غير متزوجة)
(376)
!!
وفي المؤتمر نفسه أبدى عزمه على (تعيين المرأة في كل الأعمال ابتداء من الأعمال اليدوية حتى الوزارة)(377)
وبعد ليلتين أي في مساء 28 / 5 / 1962 رأى عبد الناصر تحرير المرأة بدنياً ومعنوياً برفضه لطلب مواطن سأله بصفته رئيساً للجمهورية أن يوجه نظر الناس إلى أهمية الحجاب الشرعي للمرأة " الخاص بالملبس فقط " لأنه على حد تعبيره (لا يريد أن يدخل معركة كبيرة جداً مع 25 مليون من المواطنين " هم كل تعداد مصر في ذلك الوقت " أو مع نصفهم على الأقل)(378)
وهكذا أعطى عبد الناصر المرأة ما طلبت وما لم تطلب وفوق ما كانت تطمع بل أعطاها تصريحاً بالإمعان في السفور
(374) السابق (2 / 603) .
(375)
السابق (2 / 605) .
(376)
السابق (4 / 69) .
(377)
السابق (4 / 70) .
(378)
السابق (4 / 81) .
واختفت القيادات النسائية القديمة لأنهن لا يستطعن التجاوب مع الفكر الجديد أو التفاعل معه وظهرت نجمات أخريات استقطبتهن القيادة السياسية الجديدة التي قادت البلاد تعتنق الفكر الجديد وهو ليس كفكر " درية شفيق " المتعالي " فكر المرأة سيدة الدار " المترفع على الرجل " طاهيها "(379) لأنه لا يتناسب مع روح الاشتراكية الجديدة هذا بالإضافة إلى أن القيادة الجديدة للحركة النسائية لم تكن في يد هذا الصنف من النساء اللاتي ينتمين لطبقة الأعيان التي كان منها الوزراء وأصحاب المراكز الهامة الحاكمة في الدولة وزعيمات الحركة النسائية في العهد الملكي ولكن الريادة في هذه المرة انتقلت إلى نوع آخر من المثقفات الجامعيات اللائى نشأن ودرجن في أحضان الطبقة الشعبية العاملة مثل الدكتورة " حكمت أبو زيد " التي بدأ ظهورها وبروزها في المجتمع في أكتوبر 1962 أي بعد إعلان الميثاق الوطني بثلاثة شهور وعينت وزيرة للشئون الاجتماعية في أول حكومة تتولى حكم البلاد بعد إعلان القوانين الاشتراكية سنة 1961 والميثاق الوطني سنة 1962 ومنذ ذلك التاريخ صارت وزارة الشئون الاجتماعية قصراً على النساء بحيث لم يعد يخطر على قلب رجل أن يفكر في ولوج بابها.
وتحت رعاية الحكومة أو من استأمنتهم الحكومة على حراسة الفكر الجديد تحدد وضع المرأة في النظام الجديد كله على أنها أصبحت " كمًّاً إنتاجياً " في ميدان الاقتصاد دون النظر إلى التأثير السلبي الناتج عن ذلك والذي أثر تأثيراً سيئاً في وضع المرأة نفسها في مجالات أخرى أكثر أهمية لوجودها الاجتماعي نفسه كما ان المؤتمرات النسائية التي عقدت في تلك الفترة بدعوة من الحكومة نفسها أعطت إشارة البدء لإعلان أفكار جذرية تخص حركة المرأة نفسها نابعة من الفكر الاشتراكي الذي بينه الميثاق وبوحي من
الفلسفة المادية العلمانية ومن هنا نظر الناظرون الجدد إلى
(379) راجع ص (124) .
الطريقة القديمة وأسلوب العمل الذي كانت تمارسه الحركة النسائية منذ ظهور " هدى شعراوي " وانتهاء بـ
" درية شفيق " نظرة ازدراء وعدوها طريقة عفنة لمعالجة القضايا لا تليق بالمرحلة
" الثورية " التي تعيشها البلاد ورأوا أن المرأة منذ ظهور " هدى شعراوي " حتى الآن لم تتمكن من تحقيق التحرر الفعلي لها وكل ما حققته لم يتجاوز الحقوق الشكلية لمقاصد المرأة المتعالية المرفهة.
إن الذين يفكرون بالطريقة الجديدة يرفضون النظر إلى المرأة - بزعمهم - (من خلال مفاهيم رومانسية للأمومة والشرف وتربية الأجيال ومن خلال مفاهيم قبلية أو رعوية حول الشرف والعرض وإطاعة الزوج والسهر على راحته)(380) وهم يطالبون بالقضاء على النظام الاجتماعي الأبوي الذي يسيطر فيه الرجل - رب العائلة - والقضاء على سلطة الرجل في أي شكل كان (زوجاً أو أخاً أو رئيساً) على المرأة لأن هذا النظام يعطل تحرير المرأة وللقضاء على هذه السيطرة يجب السيطرة على النظام كله المتمثل في " سيطرة الأب والنظام الطبقي الرأسمالي "(381) ولهذا فإن هؤلاء ينظرون إلى المجتمع الذي يقوم على الأسرة المستقرة على أنه مجتمع تسلطي يجب أن يعاد النظر في بحث أهم قضاياه " وهي قضية سلطة الرجل على المرأة سلطة الذكر على الأنثى "(382) .
ومن هنا فهم يحرضون المرأة (على أن لا يقتصر دورها على إنجاب الأبناء الذين يحملون عادة اسم الأب وأن لا يقتصر أيضاً على العمل المنزلي لأنه غير مقيم اقتصادياً وأيضاً الإشباع الجنسي والعاطفي للرجل وهذا الدور الأخير بالذات يناط بها من خلال عقد الزواج المكرس في قوانين واضحة)(383) وهو ما يجب أن ترفضه.
(380) مجلة الطليعة عدد نوفمبر 1968 ص (78) - د / إجلال خليفة.
(381)
مجلة " المستقبل العربي " ص (120) عدد يناير (1981) د / نوال السعداوي.
(382)
السابق - ص (122) - د / عباس مكي.
(383)
السابق نفسه.
والخلاصة:
أنهم يريدون أن يتحقق للمرأة الاستقلالية الكاملة وهي لا تتحقق إلا إذا تمسكت بالوسائل الآتية:
1 -
أن تحصل المرأة على الأمن الاقتصادي والبدني (وإن فرضت عملية الزوجية - واللفظ لهم - طاعة الزوج تستطيع أن تتحول بشكل غير مباشر إلى باردة عاطفياً)
(384)
2 -
أن تحصل كذلك على الأمن الاجتماعي (المرأة غير آمنة كلية من الناحية الاجتماعية ويصل الأمر إلى أنها لا تستطيع أن ترتاد وحدها بعض الأماكن)(385) وتتصرف بحرية كاملة كالرجل.
3 -
أن تخرج من استغلالية الرجل بتوفير العمل لها (في كل الميادين العملية مع ضمان أن لا يكون الرجل هو المتحكم في الدخل أو الأجر الذي تتقاضاه المرأة وبذلك تخرج من وضعها المقهور أو المكبوت)(386)
4-
قيام حركة نسائية موجهة ضد الرجل ( {المطلق} ويكون هو المقصود بها فعلاً)
(387)
5 -
أن تحرير المرأة يحتاج إلى القضاء على النظام الطبقي كما يحتاج إلى تغيير النظام الأبوي في الأسرة ويحتاج إلى قوانين مدنية عادلة {لا شرعية} تسوي بين المواطنين {فالمرأة يجب أن تسمى مواطناً لا امرأة} وإلى قوانين علمانية لا دينية مدنية تطبق في الأسرة (388) .
والأمر الذي يجدر ملاحظته ان حركة المرأة سارت منذ البداية مع حركة التغيير
(384) السابق نفسه.
(385)
السابق د / هدى بدران ص (126) .
(386)
السابق ص (128) د / إيليا حريق.
(387)
السابق نفسه ص (132) .
(388)
السابق نفسه ص (129) د / نوال السعداوي.