الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدق وهو كذوب:
ومن عجيب أمر صاحب الردة أنه فهم من أمر الحجاب معنا زائداً على ما يفهمه كثير من بسطاء المسلمين في هذا الزمان وهم الذين يصفون كل ما يمت إلى المظهر الإسلامي بصلة كالحجاب واللحية
…
إلخ بأنه (قشور وفرعيات) لا ينبغي أن تشغل حيزاً من اهتمام المسلمين.
أما صاحب الردة فقد فطن إلى أن الحجاب (رمز له دلالته) في قوله:
(ولم يكن أحد ليعلق بكلمة واحدة على قطعة من ثياب امرأة اختارتها كما يختار أي إنسان ثيابه التي تلائم ذوقه لكن الموقف يتغير إذا أريد بقطعة معينة من الثياب أن تكون رمزاً له دلالته) اهـ.
وهذا حق.. فإن " الحجاب " عند نساء المسلمين و " اللحية " عند رجالهم وغيرهما من المظاهر الإسلامية المتميزة بجانب أنها طاعة لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنها أيضاً " رمزاً لتحدي الواقع الجاهلي الحريص على طمس معالم الشخصية الإسلامية وهي " تعبير صامت " عن الحنين إلى جذورنا الأصيلة الضاربة في أعماق التاريخ والتي جعلت من سلفنا خير أمة أخرجت للناس وهي أخيراً (راية) على وجوه المسلمين رجالاً ونساءاً تؤكد استعلاءهم على مؤامرات أعداء الإسلام الذين يقف معهم صاحب الردة في خندق واحد حاملاً (قوسه المشدود إلى صدر الإسلام وقد شحن بالتحفز حتى إذا ما ارتخت عنها قبضة الرامي ارتدت إلى نحره وكان فيها حتفه بإذن الله){وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} الشعراء (227)
ولما كان من المستحيل أن يجمع الإنسان بين إيمانه بالإسلام كما فهمه السلف الصالح وعملوا له وبين الإيمان بمبادئ " العلمانية " و " الليبرالية "(409) ولما كان
(409) تعني الليبرالية: (أي: التحررية) رفض الخضوع لسلطان الدين والتسليم بقضاياه والوقوف عند =
الاقتداء بالسلف الصالح ينافي دعوة " المتغربين " إلى الاقتداء بفلاسفة الغرب ورجالاته..
ولما كانت قوة المسلمين منوطة بمدى انتهاجهم النهج السلفي القويم.. رأينا
" شيخ التغريب " لا يفوته أن يربط (عودة الحجاب) بـ (سلفية الشباب والفتيات) على أن هذا الرباط من الأمور التي أزعجته وجعلته يجرد قلمه المسموم ليحذر من هذه
(الموجة الرجعية العاتية) فيقول:
(لقد أصبحت هذه الموجة المتحفظة ظاهرة في حياتنا الاجتماعية ولا أظن أن لها شبيهاً في بلدان أخرى كثيرة والظاهرة التي أعنيها هي أن يكون الجيل الأكبر في معظم الأسر أو قل في كثير منها أقل نزوعاً إلى تلك المحافظة من الجيل الأصغر ففي حالات كثيرة نرى الأم سافرة وابنتها محجبة
…
وفي حالات كثيرة أيضاً ترى الوالد حليق اللحية وأبنه مرسلها على هذا النحو أو ذاك وإنها لمفارقة شديدة في أي مجتمع: أن ترى الجيل
الأصغر سلفياً بدرجة تزيد على الحد المألوف وترى الجيل الأكبر منه أقل سلفية - في ظاهرة على الأقل - من أبنائه وبناته) اهـ.
وقال في بريده الغاضب: (بينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة وبطء حركتها نحو المستقبل الجديد المأمول رأينا ثورة شبابنا تحتج هي الأخرى على أوضاع الحياة الراهنة وتدعو إلى عودة بها إلى نموذج السلف) اهـ
لقد أتي الفيلسوف الهرم من عقدة الخضوع للمفاهيم الغربية الشائعة والانسياق ورائها ظناً منه أنها مطابقة للتصورات المماثلة في المجتمعات الإسلامية فمال هو وأمثاله إلى الغض من الاتجاه السلفي وأصحابه ونفروا الناس منه وقاموا بحملة تشهير ظالمة ضده
= حدوده والتزام أوامره ونواهيه في تنظيم المجتمع ورسم سياسته انظر (الإسلام والحضارة الغربية) للدكتور محمد
محمد حسين رحمه الله ص (116 - 118) .
ولنقف هذه الوقفة مع هذا المصطلح الشريف:
(السلفية)(410) .
(فمن حيث المصطلح أصبحت السلفية علماً على أصحاب منهج الاقتداء بالسلف من الصحابة والتابعين من أهل القرون الثلاثة الأولى وكل من تبعهم من الأئمة كالأئمة الأربعة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن وشمل شيوخ الإسلام المحافظين على طريقة الأوائل مع تباين العصور وتفجر مشكلات وتحديات جديدة أمثال ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وكذلك أصحاب أغلب الاتجاهات السلفية المعاصرة بالجزيرة العربية والقارة الهندية ومصر وشمال أفريقيا وسوريا وكانت ذات أثر واضح في تنقية مفاهيم الإسلام ودفعه إلى الأمام لمواجهة الحضارة والتطور وللكشف عن جوهر الثقافة العربية والإسلامية الأصيلة القادرة على الحياة في كل جيل وكل بيئة) .
(ومن حيث المضمون تعني السلفية في الإسلام التعبير عن منهج المحافظين على مضمونه في ذروته الشامخة وقمته الحضارية كما توجهنا إلى النموذج المتحقق في القرون الأولى المفضلة وفيها تحقق الشكل العلمي والتنفيذ الفعلي ومنه استمدت حضارة المسلمين أصولها ومقوماتها ممثلة في العقيدة خضوعاً للتوحيد وبياناً لدور الإنسان في
هذه الحياة وتنفيذاً لقواعد الشريعة الإلهية بجوانبها المتعددة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة وروابط الأسرة وفضائل الأخلاق.
والسلفية كمصطلح تعني أيضاً في مدلولها الخاص - الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فإن أمتنا تنفرد بمزية لا تشاركها فيها أمة أخرى في الماضي أو الحاضر أو المستقبل تلك هي تحقق القدوة في شخصه صلى الله عليه وسلم إذ حفظت سيرته كاملة محققة بكافة
(410) انظر (قواعد المنهج السلفي) و (السلفية بين العقيدة الإسلامية والفلسفة الغربية) للأستاذ الدكتور مصطفى
حلمي.
تفاصيلها فنحن نعلم عنه كل شيء وفقاً لما نقل إلينا في كتب وعلوم مصطلح الحديث بأدق منهج تاريخي علمي عرفه المؤرخون.
وهكذا فإن السيرة النبوية حية في كياننا ونحن نعيشها كل يوم وهي تمثل القمة للسلفيين وتطبيق الشريعة الإسلامية ممتد على طول الزمن لا يتعلق بعصر دون آخر بل إن كل جيل من المسلمين مطالب بتنفيذ أصولها النصية مع الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص عند مواجهة أحوال الحياة المتغيرة كما هو معروف في أصول الفقه.
وإزاء خطط الغزو الفكري ومظاهر الاشتباك العقلي مع خصوم الإسلام صمد السلفيون للمحافظة على جوهر الإسلام وأصوله إيماناً بأنه لم يظهر زيف هذه العقائد والنحل إلا بطريقة السلف أنفسهم مهما تغيرت الأزمنة والأعصار لأنها طريقة موضوعية ذات أسس عليمة منهجية تعتمد على النصوص الشرعية الموثقة فهناك مسائل ثابتة لا تتغير: كفطرة التوحيد ومخاطبة العقول البشرية للبرهنة على النبوات عامة ونبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة والرد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كل ما انحرفوا به عن الشرع المنزل مع دحض شبهات الملحدين والمشركين.
هذا فضلاً عن ثبات الفضائل الأخلاقية وقواعد التحليل والتحريم في المأكل والمشرب والملبس وتنظيم العلاقات الاجتماعية في الأسرة والمجتمع وإقامة العلاقات الدولية مع سائر الأمم وفقاً لأصول الشرع ولقد أصبحت الحركة السلفية هي الحركة الكبرى التي جددت الدعوة الإسلامية ولولاها لهان على الغرب أن يستعبد الشرق روحياً وفكرياً إلى أمد بعيد.
فإذا كان المسلمون يتلمسون اليوم طريقاً للنهوض فليس لهم من سبيل إلا وحدة جماعتهم ووحدة الجماعة ليس لها من سبيل إلا الإسلام الصحيح والإسلام الصحيح مصدره القرآن والسنة وهذه خلاصة الاتجاه السلفي: عودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.