الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيوخ في المعركة
{إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا
نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية}
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
طال الأمد على المسلمين وتم تحريف تصوراتهم بتأثير هذه الهجمات واعتادت قلوبهم وعيونهم رؤية المنكر فلا يحركون ساكناً ولا يتمعر لأكثرهم وجه غضباً الله تعالى وتضاعفت المحنة حينما وقع بعض الشيوخ أسرى للغزو الفكري المسموم فراحوا يرددون دعاوى انهزامية لا تليق أن تصدر من أفواه ورثة النبي صلى الله عليه وسلم وأدلوا بدلوهم في فتنة (تحرير المرأة) عن طريق السخرية والتهكم أحياناً وعن طريق دعاوى علمية زائفة أحياناً أخرى فمن الأول قول الكاتب محمد الغزالي: (إن المحجبة تظهر في سمت عفريت) وأن الدعاة إلى حجاب المرأة وقرارها في البيت
(قوم غلبهم الهوى الجنسي وأنهم أصحاب عقد نفسية وأنهم يصدرون في غيرتهم عن
ضعف جنسي أو شبق جنسي)
ويتساءل: (لماذا تحترم الراهبات ولا تحترم المحجبات وزيهما واحد)(435) ومن الثاني قول بعضهم: (إن النقاب
(435) انظر " أضواء على تفكيرنا الديني " للشيخ محمد الغزالي ص (22 - 29) ومما يجدر ذكره أن لهذا الكاتب دوراً مؤسفاً في تغذية الاتجاه العقلاني المنحرف لا في قضية المرأة وحدها بل في كثير من القضايا العلمية وقد كانت آراءه المبتدعة متناثرة في ثنايا كتبه وكان العلماء يغضون الطرف عنها لضالتها وتفرقها إلى أن خرج على الأمة بكتابه الأبتر الذي لم يفتح بالحمد ولا بالبسملة والذي ضم محصلة طعونه في السنة المشرفة: (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) وهنا توالت ردود حماة السنة وفرسان الحديث وجهابذة الفقه وجماهير الدعاة الغيورين وطلاب العلم المخلصين متعاقبة متناصرة ترد كيد المعتدي في نحره:
جاءت تهادي مشرفاً ذراها تحن أولاها على أخراها
فتتبعوا كلامه الساقط وشبهاته المتهافتة وبينوا أنه حاف في حكمه وجار في قضائه وانتصر لرأي نفسه وسفه علماء الأمة وبث الخلاف وشق الصف وحشر نفسه في خندق واحد مع خصوم سنة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام. =
بدعة لا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا مذهب إمام من
= وعلى الجانب الآخر احتفى بالكتاب المسموم كافة وسائل الإعلام المشبوهة واحتفل به العلمانيون واليساريون والأعداء التقليديون للصحوة الإسلامية من الساسة والصحافيين وضربوا الدفوف ابتهاجاً به وصرح أحدهم بأن هذا الكتاب هو " بيروسترويكا " في الإسلام!
أما أهم ملامح منهج الكاتب فتتلخص في:
1 -
العقلانية الاعتزالية المفرطة التي تهدر ميزان أهل السنة والجماعة في ضبط العلاقة بين العقل والنقل.
2 -
تشوش مفهوم الاعتزاز بذاتية الإسلام والاستعلاء بأحكامه وشريعته على ما خالفها وكذا اضطرابه في قضية الولاء والبراء الذي يتجلى في موقفه الفظ الغليظ من شباب الصحوة الأمر الذي عمق الحواجز النفسية بينه وبين طلاب العلم سيما وأنهم رأوا الكاتب في غاية التلطف والرفق مع " القوانين العالمية " وبعض أهل الكتاب وأهل البدع كالرافضة وغيرهم.
3 -
الانهزام النفسي بسبب " عقدة ضغط الواقع الغربي " والذي يتجلى في افتتانه البالغ ببعض ما تواضع عليه الغرب من قيم ومفاهيم واعتباره إياها نبراساً ييهتدى به ويخضع له بل أنه يجعل مراعاة خاطر الغرب مرجحاً في الخلافيات له حضور الحاكمية وله سلطة التأثير على مسار الفتيا سلباً وإيجاباً
4 -
عدوانه على عشرات الأحاديث الصحيحة عن طريق إهدار اعتبار قواعد علم الحديث والقفز فوق الضوابط الفنية التي أحكمها العلماء خصوصاً في مجال التعارض والترجيح وفتح باب الطعن على السنة وأهلها من خلال بدعة " فتح باب نقد متن الحديث وإن صح سنده " لكل من هب ودب متأثراً في ذلك بالقرآنيين وربما بالمستشرقين.
5 -
استخفافه بقضايا الهدي الظاهر وتناوله إياها بأسلوب ساخر مما يجرئ السفهاء على تنقص بعض الأحكام الشرعية والاستهانة بها تقليداً له.
6 -
الاستبداد الفكري ومصادرة آراء الآخرين والفرار من الحوار العلمي المنضبط وتحت ستار من العاطفة والغيرة على الإسلام رفع الكاتب الأسنة على بعض أئمة أهل السنة بكل ما أمكنه من الهجاء اللاذع وأطلق في حقهم عبارات لا تليق مع الصبية الأحداث فضلاً عن قمم الإسلام ورموز نهضته من
العلماء الربانيين والمجددين المجاهدين بل لم يسلم من تجاوزاته بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
إن خطورة منهج البيروسترويكا الغزالية الحقيقية سوف تظهر جلية صريحة عندما يمسك بتلابيب هذا المنهج المتربصون بالإسلام والصحوة الإسلامية الذين سيجدون في أيديهم آلة فعالة تتيح لهم هدم قواعد الدين وأركانه وخصوصياته التشريعية وذلك لأن كتابات الغزالي تتسق - رغماً عنه - مع خطط خبيثة ترمي لضرب شريعة الله في مقتل وإنهم يستغلون الغزالي - وإن لم يقصد - كمصدة ريح أو كاسحة ألغام تمهد الطريق أمام طروحات أكثر خطورة وتحدث الثغرة الأولى في التحصينات الفكرية الإسلامية لينفذ منها بعده من يبدأ من حيث انتهى الغزالي فيشتط في التطاول على أحكام الشريعة الغراء فبينما سمعنا الغزالي يقول:
(المرأة الروسية غزت الفضاء ويراد أن تعجز المرأة المسلمة عن معرفة الطريق إلى المسجد)
سمعنا من سماه أبوه " أحمد بهاء الدين " يوبخ المسلمين الذين (يبحثون حتى الآن في مسألة هل الربا حرام أم حلال وفوائد البنوك؟ بينما الأمريكيون يتابعون رحلات الفضاء الهائلة التي جاوزت كوكب نبتون) =
الأئمة) (436) ومنهم من يحمل المنقبة على خلع النقاب وينفرها منه.
وهؤلاء جميعاً يهرفون بما لا يعرفون يثبطون ولا يثبتون وكان الأحرى بهم -إذ قصرت هممهم عن همم هؤلاء الفتيات المؤمنات الصابرات على دينهن القابضات على الجمر - أن يتمثلوا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة رضي الله عنه: " زادك الله حرصاً "(437) أي على الخير وقد مضت السنة أن من رأى شخصاً على عمل صالح فليثبته عليه فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال: (اعملوا فإنكم على عمل صالح)(438) وعنه رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ (439) فشرب وسقى فضله أسامة وقال:
(أحسنتم كذا فاصنعوا)(440) .
نعم كان الأولى بهم أن يحفظوا قوله صلى الله عليه وسلم لجابر بن سليم الهجيمي رضي الله عنه: (اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئاً)(441) وليتهم قلدوا العلماء الذين يبيحون كشف الوجه ورغبوا في النقاب باعتباره فضلاً لا فرضاً ولكن هؤلاء
= وإنا لنسأل الله عز وجل أن يلهم الغزالي التوبة من هذا المنهج الخطير ليصون جهاده الطويل ومواقفه المجيدة في الانتصار للإسلام فيما مضى بأن يحسن عاقبته فيما بقى:
فكم يوماً رأينا فيه صحواً فأسمعنا بآخره الرعودا
وعاد الصحو بعد كما علمنا وأنت كذاك نرجوا أن تعودا
(436)
(الدعوة) عدد (59) جمادى الأولى 1401 هـ ص (12 - 13) .
(437)
رواه البخاري (كتاب الآذان - باب إذا ركع دون الصف) .
(438)
رواه البخاري في صحيحه (انظر فتح الباري 3 / 491) .
(439)
النبيذ: كل شارب نبذ سواء تعجلوا شربه وهو حلو قبل أن يختمر وهو الأكثر وهو المراد هنا أو تركوه حتى يختمر وكل ذلك يسمى عندهم نبيذاً.
(440)
رواه مسلم وانظر "الأذكار" للنووي ص (259) .
(441)
أخرجه جمع الأئمة منهم الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبغوي وابن حبان وغيرهم (فيض القدير)(1 / 133) .