الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زعمتم تعشقون لها صلاحاً فظني أن ذا عشق الجمال
ومسألة (السفور) غدت قديماً لدى الكتاب مشكلة النضال
وما أحد لها يدعوا فماذا يريد الناس من قيل وقال
أحب في مناجاة الغواني ترى: أم ذاك زهداً في المعالي
بلى فالعلم عندهم كريم ولكن المتيم غير سال
دعوها فهي تؤلمها كثيراً سهام المصلحين بلا اعتدال
عجبت لحلمهم في كل خطب وإن ذكر البنات دعوا نزال
وقال آخر:
زعموهن بالحجاب عن العلم ونور العرفان محتجبات
بنت مصر كالشمس يحجبها الليل وراء الآفاق والظلمات
وهي في أفقها ضياء ونور ساطع في جدورها النيرات
أو هي المسك ينفذ العرف منه من وراء الأستار والحجرات
انتهى من (التيار التراثي العربي الحديث) د/ سعد دعيبس ص (148)
الخطوة الثالثة:
كتاب (المرأة الجديدة)
لم يلبث مؤلف (تحرير المرأة) حين واجه هذه المعارضة التي أحرجته كثيراً أن (أسفر)
وجهه الحقيقي وخلع عنه ثوب الحياء وقناع التدين وكشف في جرأة وصراحة عن أهدافه المغرضة في كتاب ظهر في العام التالي وهو كتاب (المرأة الجديدة) الذي بدأ فيه أثر الحضارة الغربية واضحاً فالتزم فيه مناهج البحث الأوربية الحديثة التي ترفض كل المسلمات والعقائد السابقة سواء منها ما جاء من طريق الدين أو ما جاء من غير طريقه
ولا تقبل إلا ما يقوم عليه دليل من التجربة أو الواقع
على حسب المنهج الذي يسلكه باحثو الاجتماع الأوربيين وهو ما يسمونه بـ (المنهج العلمي)(110) فتراه يعتمد على آراء مفكري الغرب ويصطنع أساليبهم في الإحصاء وفي الدراسات النفسية والاجتماعية والتجريبية.
بينما كنت تراه هادئاً في كتابه الأول يحوم حول النصوص الإسلامية ويمتص من رحيقها لتعضيد مواقفه في المطالبة بحقوق المرأة انقلب في الكتاب الثاني يسلط حمم غضبه ويستعمل عبارات قاسية في التعبير عن رأيه عبارات لا تقرها المرأة ذاتها فهو لا يقبل
- بزعمه - (حق ملكية الرجال للنساء) ويرى ترك حرية النساء للنساء حتى ولو أدى الأمر إلى (إلغاء نظام الزواج حتى تكون العلاقات بين الرجل والمرأة حرة لا تخضع لنظام ولا يحددها قانون)(111) ..
و (المرأة الجديدة) التي قصدها " قاسم أمين " هي المرأة الأوربية التي أراد من المصرية أن تتحول إليها وتتخذها مثلاً أعلى. قال " قاسم ":
(هذا التحول هو كل ما نقصد وغاية ما نسعى إليه هو أن تصل المرأة المصرية إلى هذا المقام الرفيع وأن تخطو هذه الخطوة إلى سلم الكمال وأن تكون مثلها تحرراً فالبنات في سن العشرين يتركن عائلاتهن ويسافرن من أمريكا إلى أبعد مكان في الأرض وحدهن ويقضين الشهور والأعوام متغيبات في السياحة متنقلات من بلد إلى أخرى ولم يخطر
(110)" المرأة الجديدة " ص (75) ومما ينبغي التنبه له أن هذا الذي يسميه علماً ليس علماً بالمعنى الصحيح للكلمة إلا
فيما يتصل بالفروع التجريبية كالطبيعة والكيمياء والهندسة والطب أما ما يتصل منه بالنفس والاجتماع والأخلاق فإنه
لا يزيد على أنه فروض لحل بعض المشكلات ونظريات لتعليل ما غاب عن الحس ولذلك فهو دائماً موضع أخذ ورد
حتى بين دارسي الغرب ولا ننسى أن هذه الدراسات النفسية والاجتماعية قد أصبحت موجهة وتسخر لخدمة المذاهب
والأحزاب السياسية المختلفة وأن بعضها يتذرع باسم (العلم) ليهدم الدين والخلق ويفرض السياسات الاستعمارية،
انظر " الاتجاهات الوطنية "(1 / 283) .
(111)
" مبادئ السياسة والأدب والاجتماع " لأحمد لطفي السيد ص (173) - كتاب الهلال 1383 هـ - 1963 م.
على بال أحد من أقاربهن أن وحدتهن تعرضهن إلى خطر ما وكان من تحررها أن يكون لها أصحاب غير أصحاب الزوج والرجل يرى أن زوجته لها أن تميل إلى ما يوافق ذوقها وعقلها وإحساسها وأن تعيش بالطريقة التي تراها مستحسنة في نظرها) (112)
وطلب قاسم أمين من المصريين أن يتخلصوا مما وقر في أنفسهم من أن عاداتهم هي أحسن العادات وأن ما سواها لا يستحق الالتفات وقال: (إن طالب الحقيقة لا يجب أن يجري في إصدار أحكامه على هذا الضرب من التساهل بل يجب أن يعود نفسه على أن يجري نقده للحوادث الاجتماعية على أسلوب علمي) ص (75)
ويقول في موضع آخر: (إن التشريح الفسيولوجي والتجربة في البلاد التي منحت المرأة حريتها قد أثبتت أن المرأة مساوية للرجل في الملكات) ويستشهد في معرض كلامه عن أثر حرارة الجو في إثارة الشهوة بكلام كاتب إيطالي يقول: (إن العفة تكتسب بمنح الحرية للمرأة وإن اختلاف الأجواء لا أثر له في ذلك) .
ثم يقول في موضع آخر: (لما تخلصت المرأة المصرية من الاستعباد رأت نفسها في أول الأمر في حيرة لا تدري معها ماذا تصنع بحريتها الجديدة وهكذا يكون الحال بالنسبة لحرية النساء: أول جيل يظهر فيه حرية المرأة تكثر الشكوى منها ويظن الناس أن بلاء عظيما قد حل بهم لأن المرأة تكون في دور التمرين على الحرية ومع مرور الزمن تتعود المرأة على استعمال حريتها وتشعر بواجباتها شيئاً فشيئاً وترتقي ملكاتها العقلية والأدبية وكلما ظهر عيب في أخلاقها يداوى بالتربية حتى تصير إنساناً شاعراً بنفسه)(113)
ويقول في موضع آخر: (إننا قد ورثنا الصورة التي كوناها عن المرأة من العرب الذين قامت حياتهم - حسب زعمه - على الغزو والنهب ومن ثم لم
(112)" آثار باحثة البادية " ص (274) .
(113)
" المرأة الجديدة " ص (70 - 71) .
يكن فيها للمرأة نصيب ثم لم يكن لها نصيب في تربية الولد لأن تربيته كانت مقصورة على تغذية جسمه ليشب مقاتلاً لا عالماً فاضلاً وصورة المرأة هذه التي ورثها المسلمون - حسب زعمه - عن العرب قد تكون صحيحة بالقياس إلى الماضي ولكنها مزورة إذا نظرنا إلى الحال والمستقبل) اهـ
وكان معارضو "قاسم أمين " يرون أن نهضتنا يجب أن تعتمد على تراثنا القديم وعلى حضارتنا الإسلامية وحدها فقام هو بالرد على ذلك بأن (الحضارة الإسلامية قامت على دعامتين: الأساس الديني الذي كون من القبائل العربية أمة واحدة والأساس العلمي الذي ارتفعت به الأمة الإسلامية وآدابها) ثم يزعم أن العلم وقت ذاك كان ضعيفاً في أول نشأته وكانت أصوله ضرباً من الظنون التي لم تؤيدها التجربة ولذلك كانت قوة العلم ضعيفة بجانب قوة الدين فتغلب الفقهاء على رجال العلم ووضعوهم تحت رقابتهم وزجوا بأنفسهم في المسائل العلمية ينتقدونها ويفتون بمخالفتها لنصوص القرآن والحديث التي يؤولونها وبذلك حملوا الناس (حسب زعمه) على إساءة الظن بالعلم فنفروا منه وهجروه وانتهى بهم الأمر إلى الاعتقاد بأن العلوم جميعاً باطلة إلا العلوم الدينية نفسها: إنها يجب أن تقف عند حد لا يجوز لأحد أن يتجاوزه ثم تقدمت العلوم وظهرت المكتشفات الحديثة واستطاع العلم أن يشيد بناء لا يمكن لعاقل أن يفكر في هدمه وتغلب رجال العلم على رجال الدين) (114)
وينتهي " قاسم أمين " من هذا العرض
(114) إن محاولة " قاسم أمين " إلقاء العداوة بين العلم والدين ما هي إلا مظهر من مظاهر التبعية العمياء للغرب حين سادت
العداوة بين النصرانية وبين العلوم التجريبية وفي سحب هذا الحكم على الإسلام والمدنية الإسلامية مغالطة تكشف عن
جهل بالواقع التاريخي من جهة وبحقائق الدين والعلم من جهة أخرى - راجع كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط
المسلمين) للشيخ أبي الحسن الندوي وانظر أيضاً (أضواء البيان) للشنقيطي (3/ 396 - 400) وانظر بحث (فصل الدين عن السياسة ضلالة مستوردة) للأستاذ يوسف العظم وانظر " بيان الهدى من الضلال " للشيخ إبراهيم
بن عبد العزيز السويح، ومما =
إلى أن التمدن الإسلامي قد بدأ وانتهى قبل أن يكشف الغطاء عن أصول العلم فكيف يمكن أن نعتقد أن هذا التمدن كان نموذج الكمال البشري؟ ..
ثم يبين أن كثيراً من ظواهر التمدن الإسلامي لا يمكن أن تدخل في نظام معيشتنا الاجتماعية الحالية ويضرب الأمثلة من نظم هذا التمدن في الحكم وهي في رأيه أقل من المستوى الذي بلغه اليونان والرومان في كفالة الحريات (115) كما يضرب أمثلة من نظام الأسرة ليبين أنه كان غاية في الانحلال وأن الفرق واسع بينه وبين النظم والقوانين التي وضعها الأوربيون لتأكيد روابط الأسرة)
ويختم ذلك متسائلاً: (إذا كانت هذه حالهم فما الذي يطلب منا أن نستعيره منها؟ .. وأي شيء منها يصلح لتحسين حالنا اليوم؟)
ثم يقول: (متى تقرر أن المدنية الإسلامية هي غير ما هو راسخ في مخيلة الكتاب الذين وصفوها بما يحبون أن تكون عليه لا بما كانت في الحقيقة عليه وثبت أنها كانت ناقصة من وجوه كثيرة فسيان عندنا بعد ذلك أن احتجاب المرأة كان من أصولها أو لم يكن وسواء صح أن النساء في أزمان خلافة بغداد والأندلس كن يحضرن مجالس الرجال أو لم يصح فقد صح أن الحجاب هو عادة لا يليق استعمالها في عصرنا) اهـ (116)
= يجدر التنبيه إليه أن مصطلح " رجل الدين " مصطلح دخيل على الفهم الإسلامي
الصحيح بل كل مسلم ينبغي أن يكون رجل دين عليه واجبات تجاه دينه لابد من تأديتها حتى يستحق وصف المسلم.
(115)
هذه المقارنة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الرومانية وترجيح كفة الأخيرة تبين أن المعين الذي كان يستمد منه قاسم أمين وأضرابه هو كتابات (المتحررين) في أوربا الذين كانوا يحقرون الحضارة المسيحية ويمجدون الحضارة اليونانية واللاتينية الوثنية السابقة على المسيحية وما هذه المقارنة الغبية إلا صورة جديدة تدل على التخلف الفكري والتقليد الأعمى الذي كان يعاني منه ذلك المفتون بحضارة الغرب الذي نلاحظ من كتاباته كم كان شامخ الأنف متغطرساً مع مواطنيه متعالياً على أمته وفي الوقت ذاته مهدور الكرامة مطأطأ الرأس ذليلاً أمام أعداء دينه وأمته قد وقف حياته على أن يجذب بمنهاجه السقيم أعناقنا نحن المسلمين وجباهنا - نحن الموحدين - لتستقر أمام أقدام أعدائنا اليهود والصليبيين خاشعة خاضعة.
(116)
" المرأة الجديدة " ص (183) ويبدو أن الجذرية في كتابه الثاني هذا لم تكن رد فعل للهجوم القاسي من =
ثم يستطرد (عدو المرأة المسلمة) قائلاً: (نحن لا نستغرب أن المدنية الإسلامية أخطأت في فهم طبيعة المرأة وتقدير شأنها فليس خطؤها في ذلك أكبر من خطئها في كثير من الأمور الأخرى
…
)
ويقول (.. والذي أراه أن تمسكنا بالماضي إلى هذا الحد هون من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعاً لمحاربتها لأنه ميل إلى التدني والتقهقر..هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه وليس له من دواء إلا أننا تربي أولادنا على أن يعرفوا شئون المدنية الغربية ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها إذا أتى هذا الحين - ونرجو أن لا يكون بعيداً - انجلت الحقيقة أمام عيوننا ساطعة سطوع الشمس وعرفنا قيمة التمدن الغربي وتيقنا أن من المستحيل أن يتم إصلاح ما في أحوالنا إذا لم يكن مؤسساً على العلوم العصرية الحديثة وإن أحوال الإنسان مهما اختلفت وسواء كانت مادية أو أدبية خاضعة لسلطان العلم لهذا نرى أن الأمم المتمدنة على اختلافها في الجنس واللغة والوطن والدين متشابهة تشابهاً عظيماً في شكل حكومتها وإدارتها ومحاكمها ونظام عائلتها وطرق تربيتها ولغاتها (117) وكتابتها ومبانيها
= أوساط العلماء الأزهريين وإنما كان قاسم أمين قد أعد أصول الكتابين في ذهنه قبل نشرهما وخطط لإخراجهما بهذه الصورة وقاسم أمين نفسه كان يؤمن بطريقة غرس الأفكار بالتدريج فقد قال في الصفحات الأولى من " تحرير المرأة "
: (إني لست ممن يطمع في تحقيق آماله في وقت قريب لأن تحويل النفوس إلى وجهة الكمال في شئونها لا يسهل تحقيقه وإنما يظهر أثر العاملين فيه ببطء شديد في أثناء حركته الخفية وكل تغيير يحدث في أمة من الأمم وتبدو ثمراته في أحوالها فهو ليس بالأمر البسيط وإنما هو مركب من ضروب من التغيير كثيرة تحصل بالتدريج في نفس كل فرد شيئاً فشيئاً ثم تسري من الأفراد إلى مجموع الأمة فيحدث التغيير في حال ذلك المجموع نشأة أخرى للأمة) اهـ من " تحرير المرأة " ص (2، 3) . وهذا يوضح أن قاسماً كان يضمر في نفسه شيئاً لم يشأ أن يعلنه في هذا الكتاب حتى لا تسقط كل جهوده فأبرزه في كتابه الثاني " المرأة الجديدة " التي كانت - بالفعل - امرأة " جديدة " مغايرة تماماً لتلك التي رأيناها في كتابه الأول " تحرير المرأة ".
فالحاصل أن كل ما يمكن تركه هجوم شيوخ الأزهر من أثر هو حدة الكلمات والعبارات لا جوهر الفكر ذاته - والله تعالى أعلم - انظر " المؤامرة على المرأة المسلمة " ص (65، 78) .
(117)
من المعروف أن قاسم أمين كان يدعو إلى ثورة في لغة الأدب وخطته في ذلك تشبه ثورته الاجتماعية، =