الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ولتعرفنهم في لحن القول) سورة محمد (30)
(ردة ونكسة ومأساة) زكي نجيب محمود
(*)
أعداء الإسلام من المنافقين المتمسلمين الكارهين لما أنزل الله الصادين عن سبيل الله الآمرين بالمنكر والناهين عن المعروف لا يملون ولا يكلون من ممارسة هوايتهم الرخيصة في إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا والترويج للذرائع المفضية إلى مزيد من
الفساد والإفساد لهذه الأمة الغافلة عما يراد بها إنهم لا يألون جهداً في قطع صلتنا بأسلافنا ووصل الحبال مع أعداء ديننا الكارهين - أيضاً - لما أنزل الله.
نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 9 / 4 / 1984 م مقالاً بعنوان (ردة في عالم المرأة) للفيلسوف الهرم (الذي أفنى عمره داعية لثقافة الغرب وكارهاً للحياة في ظلال الإسلام إنه الرجل الذي رشح لاقتعاد محل الصنم الضال " طه حسين " بعد هلاكه الذي أنفق ردحاً من عمره في دراسة الفكر المادي الذي كانت قمته كتابه المعروف بـ (خرافة الميتافيزيقا) أي بمعنى آخر: اتهام مفهوم (الغيب) بأنه (خرافة) وإنكار كل ما سوى المحسوس تبعاً لمدرسة الفيلسوف الملحد " أوجست كنت " تلك المدرسة التي يفاخر فيلسوفنا الهرم بأنه يمثلها) (400)
إنه الكاتب الذي (باع عقله للهوى وانضوى تحت لواء الأعداء فهو جندي من جنود الاستعمار الفكري والانحراف الخلقي)(401) إنه الرجل الذي لم يستح أن يجهر في
" الأهرام " بقوله: (من الخطأ الظن بأن التشريع الإلهي قد غطى كل معضلات الحياة)(402)
(*) استفدت كثيراً من فقرات هذا الفصل من كتاب " صحوة في عالم المرأة " للدكتور عبد الحي الفرماوي حفظه الله.
(400)
انظر " رجال اختلف فيهم الرأي " ص (115 - 224) .
(401)
(الاعتصام) عدد رمضان 1404هـ / يونيو 1984 م - ص 10.
(402)
(الصحافة والأقلام المسمومة) ص (215) نقلاً عن الأهرام.
لقد أثار الفيلسوف الهرم في مقاله " قضية المرأة " ومن خلال هذه القضية أثار قضية أخرى أخطر وأهم وهي قضية ارتباط جيلنا بدينه وأسلافه المسلمين أكثر من ارتباطه بجيل الآباء ورأى الكاتب في هذا الارتباط خطراً وبيلاً على الفكر والأمة والمستقبل.
وأول ما يفجع القارئ أن يرى الكاتب يعنون مقالته بقوله " ردة في عالم المرأة " فلربما يستبشر القارئ ويخيل إليه من أول وهلة أن الكاتب يقصد استنكار الحال الذي وصلت إليه بعض النساء اللاتي ارتددن عن الإسلام بأن تكون منهن - مثلاً - من قد أنكرت ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو استحلت شيئاً حرمه الله أو أنها اتهمت شرع الله بالنقص أو طعنت في حكمه سبحانه وتعالى أو اتهمت الإيمان بالغيب بأنه (خرافة) مثلاً
ولكن القارئ لا يلبث أن يصدم شعوره حين يرى الكاتب منكوس القلب منكوس الرأي مطموس البصيرة مركوس السريرة قد رأى الأشياء على عكس حقائقها كالمريض الذي فسد مزاجه فإنه يحس بالأشياء على خلاف طبائعها:
وما على العنبر الفواح من حرج أن مات من شمه الزبال والجعل
فتراه كالجعل الذي اعتاد الخبائث فهو يندفع إليها ويسقط عليها وينفر غاية النفرة أو يموت من الروائح الطيبة.
فالمرأة المسلمة عنده (مرتدة) لأنها كفرت بفكر (مرقص فهمي) و (قاسم أمين) و (سعد زغلول) وأمثالهم ورضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
والمرأة المسلمة في نظره قد أصابتها (نكسة) لأنها كفرت بهدى شعراوي وصفية
زغلول ودرية شفيق وأمينة السعيد ومن على شاكلتهن في حين أنها عادت تلتمس القدوة في أمهات المؤمنين ونساء وبنات المهاجرين والأنصار ومثيلاتهن من خيرات نساء العالمين الطاهرات المحصنات المؤمنات الخاشعات رضي الله عنهن.
والمرأة المسلمة عنده (نكصت على عقبيها) لأنها سترت عورتها وحجبت بدنها وأطاعت زوجها ووقفت حياتها على أولادها ورفضت أن تقتدي بهدى شعراوي التي ألقت حجابها في البحر عند شواطئ الإسكندرية وأبت أن تتأسى برائدات (الفن) من الراقصات الفاسقات وداعيات (الموضة) من الصهيونيات والماسونيات.
ويبدو أن الرجل لا يقصد بمقاله المرأة وحدها بل يقصد إدانة الاتجاه العام السائد بين الشباب والذي يرمي إلى استلهام التصور الإسلامي في بعث الأمة الإسلامية والوصول بها إلى واقع جديد يختلف عن واقع الهزيمة والتخلف والظلم وها هو يهاجمنا - نحن المسلمين - في أخص ما نملك وأعز وأغلى ما عندنا إلا وهو ديننا الحنيف ومن هنا وقبل أن نتتبع أقواله ينبغي:
أولاً: أن نرفع اللبس والإبهام والتعتيم عن كلمة (المرأة المصرية) التي يتحدث عنها فنقول إنه يعني بالمرأة المصرية (المرتدة الناقصة على عقبها المنتكسة الرجعية التي تعيش مأساة
…
إلخ) المرأة المسلمة.. فالمرأة المسلمة المصرية وحدها هي المقصودة وهي المستهدفة بسهامه المسمومة وأفكاره المحمومة وفتنته المضلة التي تطل برأسها بين الحين والحين والتي (زرعت في أرحام بلاد غير بلادنا وولدت في أكناف غير أكنافنا ولكنها زرعت خصيصاً للمسلمين وولدت خصيصاً للمسلمين وصدرت منهم خصيصاً للمسلمين) . (403)
(403) راجع ص (79 - 81) .
ثانياً: أن تحدد هدف هذا المقال وهو كما يمكن استخلاصه من عباراته: التصدي لظاهرة (عودة الحجاب) والدعوة صراحة إلى الخلع الحجاب وإلقائه في البحر وإغراقه في اليم ليصبح نسياً منسياً وبالتالي: محاكاة المرأة الغربية في كل ما تأتي وتذر
بيد أن الهدف يتسلل بين السطور على استحياء ويدخل على الناس ممتطياً حلو الكلام ولين الحديث وبريق الخداع قال تعالى في وصف المنافقين: (وإن يقولوا تسمع لقولهم) المنافقون (4) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحراً)(404) .
ولعل أبرز ما يتميز به الكاتب أنه يتقن الصنعة اليهودية القديمة وهي حرفة " التبديل " وعكس المعاني فإنك لو عكست أكثر كلامه لكان هذا الأكثر هو الحق فهو كمن " يمشي مكباً على وجهه " وهو كالذين (يحرفون الكلم عن مواضعه) المائدة (13) ̧في صده عن سبيل الله وتنفير المسلمات عن الحجاب وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مثل
الذي (ينهى عبداً إذا صلى) العلق (10) ومثل الذين وصفهم الله تعالى بقوله: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون) التوبة (67) وبقوله سبحانه: (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) آل عمران (118) وبقوله عز وجل:
(ولتعرفنهم في لحن القول) محمد (30) .
فالكاتب في الحقيقة هو المنتكس المرتد إلى الجاهلية حين يرى طاعة الله ورسوله ردة قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة (50) وقال تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) الأحزاب (33)
والكاتب الذي يصف عودة المرأة المسلمة إلى
(404) رواه مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
الله وعودتها إلى الحجاب بأنها قد
خرجت بذلك من ضوء النهار إلى غسق الظلام والله عز وجل يقول: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) البقرة (257)
والله تعالى يقول: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون) الأعراف (3) هو الناكص على عقبيه.
والكاتب الذي يدعو المرأة إلى دخول عصر النور الذي بدأ في زعمه بإلقاء الحجاب في البحر على شواطئ الإسكندرية وانتهى إلى ما نعلمه اليوم على شواطئ الإسكندرية هو شيطان الظلام وليس الدعاة إلى الإسلام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر
والمأساة التي يتصور الكاتب أن المراة المسلمة تعيشها اليوم لا وجود لها إلا في قوله الفاسد ورأيه الكاسد وإنما هي من صنع نفسه التي سولت له أن المجتمع يرفض دعوته ودعوة أمثاله من شياطين الإنس ولن يؤثر في عقل المراة اليوم وسوسة شيطان يدعي أنها بهذا الاختيار تكون " تابعة " أو " خاضعة " لأحد من البشر إنما هي متبعة لأوامر ربها وخاضعة لحكم الله رب العالمين تتحجب صيانة لنفسها واستجابة لشرع الله وترفض السفور لأنه دعوى الشياطين ووسوسة الذين في قلوبهم مرض.
إن " المأساة حقاً " هي التي تعيشها المرأة في التعليم المختلط والنوادي المختلطة والشواطئ المتجردة من ثوب الحياء.
إن (المأساة) حقاً هي واقع أمثاله من دعاة (تدمير المرأة) الذين وقفوا حياتهم على هدم حصون الإسلام وعرقلة مسيرة الصحوة الإسلامية أما أن تعيش المسلمة في مأساة لأنها تحجبت بمحض أختيارها فقد: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) الكهف (5) .
يقول صاحب (الردة) : (المرأة اليوم - بعد كل ما صنعته أخوات لها من بنات الجيل الماضي لترفع عنها نير الهوان - تتبرع سلفاً بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بحجاب والد
أو زوج فكأنها بذلك الحجاب الطوعي تقف على مئذنة لتصيح في الناس: ها هي ذي سلعة من عهود الحريم لمن يشتري) اهـ
ويلك يا شيخ التغريب! لقد قلبت الأمور رأساً على عقب.
ما مقصودك بهذا؟
أنت مطالب ببيان الفرق بين " الإنسان " وبين " السلعة " ثم إثبات ان المسلمين قد عاملوها معاملة السلعة ببراهين وأدلة صحيحة أما الكذب والفجور فكل خبيث ساقط منسلخ من الدين لا يعجز عنه ولايهابه لأنه غذاء قلبه وروحه:
لي حيلة فيمن ينم وليس لي في الكذب حيلة
من كان يخلق قوله فحيلتي فيه قليلة
إن مجرد إحصان المرأة في البيت لا يقضي بكونها سلعة فإن السلعة لا تختص بالأحراز في البيوت بل أكثر السلع تعرض في الأسواق والمجامع وفي كل مكان بل السلع التي تحرز أنفس من السلع التي تعرض في كل محل وليس مجرد المعاوضة يوجب التشبيه بالسلع.
ومن المسلم به في عالم التجارة وفي قانون العرض والطلب أن على أصحاب السلعة أن يحسنوا عرضها على الناس فيكشفوا عنها حتى يتعرف الراغبون في شرائها على مزاياها والأمر هنا مختلف جد الاختلاف إذ أن المرأة في حياتنا هذه تخفي مفاتنها وتحجب عن الناس رؤية وجهها وهو أمارة الجمال وعلامته فهي إذن لم تحاول عرض نفسها كسلعة تباع وتشترى ولم تناد من فوق مئذنة بصوت خفيض أو
جهوري لأنها أكرم على نفسها من هذا الوصف المهين الذي لا يليق بالمسلمة المحجبة ولكنه أليق بتلك التي خلعت حجابها على شواطئ الإسكندرية لتدخل " عصر النور " في زعمك فأنت في الحقيقة الذي جعلتها سلعة لأنك أعرضت عن كل ما شرعه لها ربه ورسولها صلى الله عليه وسلم من الحقوق التي هي في غاية العدل والإحسان من العفة والإحصان والصيانة والتكريم والتعليم الصحيح وأنت الذي سلكت فيها مسلك السلع المبتذلة وطلبت منها أن تخرج من بيتها لتخالط الرجال بادية عوراتها وأن تنطلق إلى عصر " النور " لتكون رائدة في " الفن والموسيقى والرقص " وأن تعمل " مضيفة في الطائرة وبائعة في المحلات وسكرتيرة في الإدارات وأن تمرح وتسرح وتذهب وتجئ كالسائمة المهملة كيف شاءت شهواتها.. أليس هذا هو شأن " بعض " السلع المبتذلة؟!
كلا ليس التوبة ردة وليس النور ظلاماً وليست اليقظة مأساة بل هي " صحوة " مباركة أدركت المرأة بعد أن عثرت على ذاتها التي ضاعت في عصر " الثورة " فلما عاد إليها صوابها أدركت بعقلها وسليقتها وفطرتها حاجتها إلى أن تحتمي بنور الإيمان فأسبغت على نفسها ملابسها وغطت رأسها وبذلك عادت إليها روحها أصيلة وهي راضية حيث
رجعت من تلقاء نفسها إلى طاعة ربها (قبل أن يأمرها بذلك والد أو زوج) كما يعترف الفيلسوف الهرم وهذا هو السمو الخلقي والروحي الذي لا سمو يعلو عليه.
فما الذي رابك أيها العجوز من ستر الأجساد وصيانة الأعراض؟
وما الذي تعيبه على نساء مسلمات عرفن أن الله سبحانه وتعالى هو ربهم الواحد الجدير بأن يطاع لا شياطين الشرق والغرب من أعداء الله ورسوله والمؤمنين؟!
فإن كنت ترثي للمحجبات لأنهن في زعمك (مرتدات) فأولى بك أن ترثي لنفسك وقد تماديت في غيك وضلالك وأنت ابن الثمانين ولم يزدك تطاول السنين إلا
تهوراً واستكباراً عن الرجوع إلى الله والتكفير عن الصد عن سبيل الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة) رواه البخاري
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أعذر الله إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة لقد أعذر الله إليه) رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه
والمقصود أنه سبحانه لم يبق فيه موضعاً للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة.
إن المسلمة المحجبة يهمها أولاً أن تنجو من عذاب النار وغضب الواحد القهار ولا يهمها بعد ذلك أن تنجو من اتهام الأقزام أمثالك بالردة او الرجعية أو النكسة أو النكوص على الأعقاب أو التزمت أو التطرف.
فإن المؤمنين والمؤمنات تعودوا على هذا المسلك من أعداء الدين فيما مضى ولابد من أن يعيد التاريخ نفسه (ولكل قوم وارث) وقد سبق الكاتب من هم على شاكلته بهذه السخرية وذلك الاستهزاء كما قال تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) المائدة (58)
وقال تعالى: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) الآيات (المطففين 29) فالمهم من يضحك أخيراً (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) هود (38)
وقال عز وجل: (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) البقرة (212) .
هذا وإن هذه الدعاوي التي رمى بها (الفيلسوف الهرم) والمهانة التي ألحقها بكرامة المرأة المسلمة لو أن أكفر يهودي أدعاها على شعب أو أمة لكان لابد أن تعامله معاملة أعدى عدو لها فكيف بأمة الإسلام وكيف بنساء المسلمين!.
ويتمادى الكاتب في عدوانه ليصف ظاهرة عودة الحجاب بأنها (موجة رجعية عاتية نثرت رذاذها في كل اتجاه حتى أصاب المرأة ما أصابها)
نقول: إن التقدم الفكري ليس له صلة بكشف العورات أو إلهاب الشهوات لأن الشهوة هي التي تطفئ العقل وتذهب باللب وإلا فأن الحيوانات العارية التي تقارف الشهوة في قارعة الطريق أدنى - في نظرك - وبهذا المنطق الممسوخ إلى التقدم الفكري وكأنك بهذا النهج الذي يدل على (التخلف الفكري) تصف النساء المسلمات منذ عصر النبوة
حتى بدأ غزو الحضارة الغربية بالتخلف والجمود والانحطاط ولا يستبعد صدور هذا من أمثالك.
ولعمر الحق.. إن أقل امرأة منهن - ولو كانت أمية جاهلة بفلسفتك - لهي أدنى إلى الحق والصواب والحكمة منك لأنها آمنت بدين الله والتزمت أوامر الله بفطرتها أما أنت فقد فسدت فطرتك حين ضيعت عمرك في فلسفة أكثرها سفه وأعرضت عن علم الوحي والحكمة واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير إن عودة المرأة إلى جادة الصواب ليس رجعية ولكنه تعبير فطري بجانب أنه تعبير عقائدي تسعى إليه الفطرة السليمة التي تأبى الفوضى الاجتماعية.
وعقد الكاتب مقارنة هزيلة بين (الليلة) و (البارحة) في حياة (المرأة المصرية) فقال - عامله الله بعدله - (ألا ما أبعد الفرق في حياة المرأة المصرية بين الليلة والبارحة ففي بارحتها ألقت بحجابها في مياه البحر عند شواطئ الإسكندرية إيذاناً بدخولها عصر النور وأما في ليلتها هذه فباختيارها تطلب من شياطين الظلام أن ينسجوا لها حجاباً يرد عنها ضوء النهار) اهـ.
نقول: نعم! (إن المرأة المصرية حين ألقت بحجابها في بداية القرن العشرين في مياه البحر عند الإسكندرية إنما ألقته عندما كان البحر الأبيض المتوسط في حالة الجزر فانحسرت الأمواج عن شواطئ الإسكندرية وهي تحمله فوق زبدها فلما أسبل الليل سدوله انتشر الظلام وهبت الريح العاتية وخضع البحر لعوامل المد فزحف الموج عائداً إلى الشاطئ حاملاً مع ما فوقه من الزبد الميني جيب فالتقطه قلة
من المصريات وفرحن به فارتدينه أسوة بأخوات لهن في أوربا وأمريكا فكشفت كل واحدة منهن عن ساقيها وسرن بهذا اللباس في الطرقات وذهبن به إلى بعض أماكن العمل ثم دار الزمان دورة أخرى وجاء ليل مظلم آخر وسيطر على البحر عامل المد مرة ثانية وزحف الموج كعادته عندما يعم الظلام قاصداً شواطئ الإسكندرية وحاملاً " ملابس البحر فوق زبد الموج الزاحف فهرعت إليه قلة قليلة من فتياتنا وأعجبن به كما أعجبت به من قبل أخوات لهن في أوربا وأمريكا فارتدينه وسرن به شبه عاريات على بعض شواطئ الإسكندرية واستمر سيرهن على هذا الحال..) (405) اهـ
حتى شاء الله أن يعود لهؤلاء الفتيات أو لقسم كبير منهن (الوعي) بحقائق الإسلام التي جهدت مدرسة (السفور) أن تطمسها.. وعاد الوعي بأباطيل خصوم الإسلام ومؤامراتهم.. وعاد الوعي بحقيقة (الرائدات) والرواد الذين أضرموا فتنة ما يسمى بـ (تحرير المرأة) .. وكانت نتيجة ذلك كله ضرورة أن (عاد الحجاب) .
إن الفرق بين نهار المرأة المسلمة المحجبة وليلتها البارحة هي أنها أدركت أنكم يا شياطين الظلام تعيشون في حالة (ردة) عن دين الله القويم إلى الجاهلية الأولى
و (نكسة) إلى الفرعونية الوثنية و (مأساة) يرثى لكم من أجلها من أنعم الله عليهن بالهداية إلى الصراط المستقيم.
ولعل من أغرب ما في كلام الفيلسوف الهرم أن أكثر ما يشعل النار نار الغيظ في قلبه هو أن الفتيات يرتدين الحجاب طوعاً لا كرهاً بمحض اختيارهن وقناعتهن الذاتية و (حريتهن الشخصية) فإذا كان هو أحد دعاة احترام (الحرية الشخصية) و (حرية الرأي) فما الذي يغيظه ويكيده سوى الحقد الأعمى على الإسلام والمسلمين
(405) من مجلة الأزهر عدد رمضان 1404 هـ يونيو 1984 م من مقالة الأستاذ عبد المنعم عمر بعنوان (حجاب المرأة عودة للتمسك بالدين والعفة والفضيلة) ص (1484) .
والكيد الرخيص لمعاندة شرع الله (قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور) ولما لم تصدر منه عبارة واحدة في استنكار صور الانحراف الأخلاقي في المجتمع وما أكثرها وإنما الذي استحق أن يلفت نظره هو فتيات آمنَّ بالله سبحانه وصدقن في اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وحجبن عوراتهن عن نظر قوم فاسقين لا خلاق لهم ولا خلق لا تعني
" حرية الرأي " عندهم إلا " حرية الفسق والفجور ".
ثم عقد الفيلسوف الهرم مقارنة أخرى بين الشباب الثائر في العالم وبين الشباب المسلم في بلادنا فقال: (بينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة وبطء حركتها نحو المستقبل الجديد المأمول رأينا ثورة شبابنا تحتج هي الأخرى على أوضاع الحياة الراهنة وتدعو إلى عودة بها إلى نموذج السلف)(406) اهـ.
هكذا يرتمي الكاتب ثانية في أحضان أوربا وأمريكا ويجتهد في التمسح بالغرب حتى في فساد عقول شبابه.
إن الفرق جد واضح بين هذا وذاك.
إن ثورات الشباب في أمريكا ظهرت بالانحلال وعدم المبالاة والجري اللاهث وراء
" اللامعقول " بل محاولة كل ما ليس بمعقول فظهرت هناك - والكل يعلم ذلك - فرق الخنافس والهيبز وسائر الفرق الحشرية
…
وانتشر بينها تعاطي الماريجوانا والحشيش وعقاقير الهلوسة وشاع بين أفرادها الفحش والانحراف والانتحار الجماعي..إلخ.
ولسنا بصدد الحديث عن (مظاهر) تلك الفوضى تاريخاً وأسباباً ولكن نريد أن نثبت أن: التنطع على أبواب الغرب والتمسح بعتبات الغرب مرض استشرى في كثير من كتابنا.
(406)" بريد غاضب " الأهرام (7 / 5 / 84) .
فهل الذين يعبدون الله وحده لا شريك له
…
متأثرون بثورات الشباب الغربي الماجن؟
وهل المسلمة التي تتحجب ابتغاء رضوان الله متأثرة بالفتيات الأوربيات التي لا يعلم كثيرات منهن أباً أو أماً أو بيتاً ويتسكعن على الأرصفة هنا وهناك في أزقة عالمهن المادي الكافر؟
وهل من يتأثر باطنه بظاهره فيصدق الحديث ويفي بالعهد ويؤدي الأمانة ويصبح - هو أو هي - عضواً نافعاً في الجماعة التي يحيا بينها ويشيع الطمأنينة والراحة النفسية بينه وبين كل من يتعامل معهم
هل نقول عنه: إنه متأثر بثورات الشباب الذي يدفعه اليأس والضلال كل يوم إلى مزيد من العنف والجرائم الخلقية ومزيد - كذلك - من الانتحار؟!! أم كنت أيها الفيلسوف الهرم تحب أن يكون شبابنا وبناتنا كهؤلاء حتى لا يكون " الصدى جاء عندنا - كما تقول - ليعكس الترتيب الطبيعي للأوضاع "؟؟
ويثير صاحب " الردة " شبهة طالما يحلو لأمثاله أن يرددوها وهي أن هذا الحجاب
(نموذج نقل إلينا عن آخرين فوجد ذلك النموذج ترحيباً من الشباب اليائس) اهـ.
نقول: إن كان قصدك بالآخرين: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ونساءهم رضي الله عنهن والتابعين لهم بإحسان من المؤمنين والمؤمنات الممتثلين والممتثلات لشرع الله سبحانه وتعالى في أي مكان وجدوا أو في أي زمان عاشوا منذ أن كان الصحابة وإلى زماننا هذا
…
فنحن نوافقك في ذلك تمام الموافقة مع تصحيح بسيط جداً وهو أن الذين رحبوا بهذا
(النموذج المبارك) ليسوا هم الشباب (اليائس) لكنهم الشاب (المؤمن)
والمؤمن لا ييأس أبداً لقوله تعالى:
(ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) يوسف (87)
فمهما بلغ الأمر بالعاصين والمفرطين فهم لا يزالون يستمعون وينصتون إلى قول الله تبارك وتعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) الزمر (53) .
وإن كان قصدك بالآخرين الذين نقل عنهم ذلك النموذج غير هؤلاء.. فخبرنا بربك عنهم.. لتزداد سعادتنا نحن المسلمين بهم ونزهو بكثرة أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تعرفهم أنت وحدك.
ثم يؤرخ صاحب النكسة لبداية ظهور مأساة عودة الحجاب فيقول:
(لقد بدأت هذه الموجة المتحفظة مع شبابنا - ذكوراً وإناثاً - بعد نكسة 1967 م ثم أخذت في التضخم والاتساع حين وجدت من ينفخ لها النار حتى أصبحت " ظاهرة " في حياتنا الاجتماعية) اهـ
ثم يحاول صاحب (الردة) أن يعلل هذه الظاهرة الخطيرة التي أقضت مضجعه فيقول: (ماذا حدث فأحدث في حياتنا الاجتماعية تلك المفارقة؟ والذي حدث - أولاً - هو هزيمة 1967 م فنتج عن تلك الهزيمة - ثانياً - شعور قوي بالإحباط واليأس وانسداد الطريق أمام الشباب قبل سواهم) اهـ.
والخطأ الأول الذي وقع فيه صاحب الردة هو في تحديد تاريخ امتثال المؤمنات لأوامر الله عز وجل ولا نقول تاريخ الظاهرة..فإنه لم يبدأ بعد النكسة ولكن قبلها ومنذ زمن بعيد بعيد جداً.
ولكن صاحب الردة لا يعرف ذلك التاريخ وهو أمر سيئ.
أو: يعرف ولكنه يغالط ويغش ويخدع.. وهو أمر أسوأ.
وعلى كلا الاحتمالين: فلقد بدأ الامتثال:
1 -
يوم أنزل الله تعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً) الأحزاب (59) .
2 -
يوم أن أمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فقال في سورة النور:
(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) النور (31)
3 -
يوم أن قال تعالى آمراً أمهات المؤمنين: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) الأحزاب (23) ولسائر المؤمنات فيهن أسوة.
4 -
ويوم أن أمر الله عز وجل المؤمنين بقوله في حق أمهات المؤمنين: (وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب (53) وغيرهن من المؤمنات أولى بذلك.
5 -
ويوم أن أثنت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على الممتثلات لأمر الله سبحانه وتعالى في قولها: (يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن أكف مروطهن فاختمرن بها) .
ويوم
…
ويوم
…
ويوم
…
فإن كنت تعرف تلك (الأيام الكثيرة الحافلة) خاصة وأنك تزعم أن القرآن
كتابك كما هو كتابنا.. فأنت تخدع نفسك وتكذب على ربك وتغش القارئين.
وإن كنت لا تعرف: فأنت - بالتالي - لا تقدر ما تقول قدره.
المهم: أن المسلمين حافظوا على هذا الامتثال - ذكوراً وإناثاً - غير من شذ منهم وعصى الله سبحانه وتعالى وخالف تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم.
وظل الأمر على ذلك: حتى كانت تلك الفترة التي تغدق عليها آيات التمجيد وتعطرها بالفخر والثناء وهي الخمسون سنة التي بدأت مع مطلع هذا القرن وهي التي أسميتها
" بارحة المرأة المصرية ".
وفيها.. وبعد التزام المرأة المسلمة المصرية لتشريع الله تعالى طيلة هذه القرون..رأينا: أول امرأة مصرية منتسبة إلى الإسلام.. تخلع الحجاب (407)
ورأينا كذلك: أول زوجة زعيم سياسي عربي - تقريباً - تظهر معه سافرة الوجه في المحافل والصور (408) وتبعهما في ذلك من تبع..
ورأينا من ينفخ لهن النار..نار تلك الفتنة من أمثال صاحب (الردة) بيد أنه قد بقيت الكثرة الغالبة منهن: تؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً في كل ما تأتي وتذر وذلك قبل نكسة (67) وبعد نكسة (67) وستظل كذلك بإذن الله إلى ما شاء ربك..دون أن تحتاج إلى من ينفخ لها النار كما يدعي صاحب
(الردة) .
أما عن علاقة النكسة بـ (عودة الحجاب) ..
(407) وهي (هدى شعراوي) انظر (الأعلام) للزركلي (8 /87) .
(408)
وهي (صفية زغلول) انظر (سعد زغلول) ص (204) .
فلا ننكر أنها قد أثرت في تقوية هذا الاتجاه لدى كثرة كثيرة من الناس أيقنت بصدق شيئين وهما:
أولاً: أن نكسة 67 واحدة من الآثار المشئومة والنتائج الحتمية لبارحة المرأة المصرية التي أخذت تتغشى المجتمع المصري كله بفسادها وضلالها وانحرافها تحت ستار
" تحرير المرأة " وبعبارة أخرى: إن الحجاب لم يكن ثمرة النكسة بقدر ما كانت النكسة ثمرة التخلي عن الحجاب كمظهر من مظاهر التخلي عن الإسلام.
ثانياً: أن الخلاص من تلك البارحة التي انساق المجتمع كله في تيارها وسرت فيه عدواها وأن التخلص من آثارها ونتائجها الوخيمة لا يكون ولن يكون - إلا بالعودة إلى الله تعالى والالتجاء إلى حماه والالتزام بشرعه والامتثال لمنهجه - توسلاً لمرضاته تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعبارة أخرى: أن التخلص من آثار (العدوان) اليهودي لن يتم إلا بالتخلص من آثار العدوان العلماني على شريعة الله عز وجل وأن الصوت الوحيد الذي ينبغي أن يعلو كل صوت هو الذي يدوى قائلاً: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يوسف (40)
وقد ظهر ذلك كله في الجنود المسلمين يوم دكوا خط (بارليف) بصيحة " الله أكبر " قبل أن يدكوها بسلاحهم ويوم تجاوبت أصداء البلاد بالمطالبة بالحكم بما أنزل الله وتحرير البلاد من الاستعمار (التشريعي) ويوم كانت عودة المرأة إلى الحجاب (رمزاً صامتاً) يصفع أحلام الرائدات والرواد الأول ويتحدى مؤامرات اللاحقين من دعاة
" النهضة " النسائية - استغفر الله -: بل (الكبوة) الشيطانية.