الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[66]
34
(بَاب مَا جَاءَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ)
هِيَ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ بِالْمَدِينَةِ وَهُمْ بَطْنٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَضُمُّونَ الْبَاءَ وَيَكْسِرُونَهَا وَالْمَحْفُوظُ فِي الْحَدِيثِ الضَّمُّ كَذَا فِي الْمَفَاتِيحِ
وَقَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ بُضَاعَةُ قِيلَ هُوَ اسْمٌ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعِهَا وَهِيَ بِئْرٌ بِالْمَدِينَةِ بَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَرَّكَ وَتَوَضَّأَ فِي دَلْوٍ وَرَدَّهُ فِيهَا وَكَانَ إِذَا مَرِضَ مَرِيضٌ يَقُولُ لَهُ اغْتَسِلْ بِمَائِهَا فَيَغْتَسِلُ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ وَهِيَ فِي دَارِ بَنِي سَاعِدَةَ مَشْهُورَةٌ
انْتَهَى
(أَنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (يُطْرَحُ) أَيْ يُلْقَى (الْحِيَضُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِيضَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ مِثْلُ سِدَرٍ وَسِدْرَةٍ وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَسْتَعْمِلُهَا الْمَرْأَةُ فِي دَمِ الْحَيْضِ (وَالنَّتْنُ) بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ
قَالَ بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ نَتِنَ الشَّيْءُ بكسر التاء ينتن بفتحها فهو نتن
انتهى يَعْنِي أَنَّ النَّاسَ يُلْقُونَ الْحِيَضَ وَلُحُومَ الْكِلَابِ وَالنَّتْنَ فِي الصَّحَارِي خَلْفَ بُيُوتِهِمْ فَيَجْرِي عَلَيْهَا الْمَطَرُ وَيُلْقِيهَا الْمَاءُ إِلَى تِلْكَ الْبِئْرِ لِأَنَّهَا فِي مَمَرِّ الْمَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يلقونها فيها لأن هذا مما لا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مَاء قَدْ وَقَعَتْ فِيهَا شَعْرَة مَيْتَة فَتَرْكه الْوُضُوء مِنْهُ مُنَافٍ لِلِاحْتِيَاطِ
فَهَلَّا أَخَذْتُمْ بِهَذَا الْأَصْل هُنَا وَقُلْتُمْ مَا ثَبَتَ تَنْجِيسه بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيّ نَجَّسْنَاهُ وَمَا شَكَكْنَا فِيهِ رَدَدْنَاهُ إِلَى أَصْل الطَّهَارَة لِأَنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ طَاهِرًا قَطْعًا وَقَدْ شَكَكْنَا هَلْ حَكَمَ رَسُول اللَّه بِتَنْجِيسِهِ أَمْ لَا فَالْأَصْل الطَّهَارَة
وَأَيْضًا فَأَنْتُمْ لَا تُبِيحُونَ لِمَنْ شَكَّ فِي نَجَاسَة الْمَاء أَنْ يَعْدِل إِلَى التَّيَمُّم بَلْ تُوجِبُونَ عَلَيْهِ الْوُضُوء
فَكَيْف تُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ الْوُضُوء هُنَا بِالشَّكِّ وَأَيْضًا فَإِنَّكُمْ إِذَا نَجَّسْتُمُوهُ بِالشَّكِّ نَجَّسْتُمْ مَا يُصِيبهُ مِنْ الثِّيَاب وَالْأَبَدَانِ وَالْآنِيَة وَحَرَّمْتُمْ شُرْبه وَالطَّبْخ بِهِ وَأَرَقْتُمْ الْأَطْعِمَة الْمُتَّخَذَة مِنْهُ
وَفِي هَذَا تَحْرِيم لِأَنْوَاعِ عَظِيمَة مِنْ الْحَلَال بِمُجَرَّدِ الشَّكّ وَهَذَا مُنَافٍ لِأُصُولِ الشَّرِيعَة
وَاللَّهُ أَعْلَم
يحوزه كافر فكيف يجوز الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم كَذَا قَالُوا (الْمَاءُ) اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ (طُهُورٌ) بِضَمِّ الطَّاءِ (لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) لِكَثْرَتِهِ فَإِنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَ بِئْرًا كَثِيرَ الْمَاءِ يَكُونُ مَاؤُهَا أَضْعَافَ قُلَّتَيْنِ لَا يَتَغَيَّرُ بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ
وَالْمَاءُ الْكَثِيرُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ
وَحُكِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَجَوَّدَ أَبُو أُسَامَةَ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُرْوَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ أَحْسَنَ مِمَّا رَوَى أَبُو أُسَامَةَ
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
انْتَهَى
(قَالَ بَعْضُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ) أَيْ مَكَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ فَعُبَيْدُ اللَّهِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ أو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ
[67]
(الْحَرَّانِيَّانِ) أَيْ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ وَكِلَاهُمَا الْحَرَّانِيَّانِ وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ نِسْبَةٌ إِلَى حَرَّانَ مَدِينَةٌ بِالْجَزِيرَةِ (سَلَمَةَ) بِفَتْحِ اللَّامِ
قَالَ النَّوَوِيُّ سَلَمَةُ كُلُّهُ بِفَتْحِ اللَّامِ إِلَّا عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ إِمَامَ قَوْمِهِ وَبَنِي سَلِمَةَ الْقَبِيلَةُ من الأنصار فبكسرها
انتهى (عَنْ سَلِيطٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ هُوَ بن أَيُّوبَ بْنِ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَعَنْهُ خَالِدُ بْنُ أيوب وثقه بن حِبَّانَ (الْعَدَوِيِّ) بِالْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَنْسُوبٌ إِلَى عَدِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهَذَا ذِكْرُ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَهُوَ صِفَةٌ الرافع (وَهُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (إِنَّهُ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ أَوِ الْمَاءُ الَّذِي يُفْهَمُ مِنَ السِّيَاقِ (يُسْتَقَى لَكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُخْرَجُ لَكَ الْمَاءُ (وَهِيَ) أَيْ بئر بضاعة (والمحايض) عَطْفٌ عَلَى اللُّحُومِ قِيلَ هُوَ جَمْعُ الْمَحِيضِ وَهُوَ مَصْدَرُ حَاضَ وَيَقَعُ الْحَيْضُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالدَّمِ (وَعَذِرُ النَّاسِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ عَذِرَةٍ كَكَلِمَةٍ وَكَلِمٍ وَهِيَ الْغَائِطُ
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْخَطَّابِيُّ قَدْ يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِذَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْهُمْ عَادَةً وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ هَذَا الْفِعْلَ قَصْدًا وَتَعَمُّدًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِذِمِّيٍّ بَلْ بِوَثَنِيٍّ فَضْلًا عَنْ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَزَلْ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ تَنْزِيهُ الْمِيَاهِ وَصَوْنُهَا عَنِ النَّجَاسَاتِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَهُمْ أَعْلَى طَبَقَاتِ أَهْلِ الدِّينِ وَأَفْضَلُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَاءُ بِبِلَادِهِمْ أَعَزُّ وَالْحَاجَةُ إِلَيْهِ أَمَسُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا صُنْعُهُمْ بِالْمَاءِ وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من تَغَوَّطَ فِي مَوَارِدِ الْمَاءِ وَمَشَارِعِهِ فَكَيْفَ مَنِ اتَّخَذَ عُيُونَ الْمَاءِ وَمَنَابِعَهُ رَصَدًا لِلْأَنْجَاسِ وَمَطْرَحًا لِلْأَقْذَارِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِمْ مِثْلُ هَذَا الظَّنُّ وَلَا يَلِيقُ بِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ هَذَا الْبِئْرَ مَوْضِعُهَا فِي حُدُورٍ مِنَ الْأَرْضِ وَأَنَّ السُّيُولَ كَانَتْ تَكْشَحُ هَذِهِ الْأَقْذَارَ مِنَ الطُّرُقِ وَالْأَفْنِيَةِ وَتَحْمِلُهَا وَتُلْقِيهَا فِيهَا وَكَانَ لِكَثْرَتِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَلَا تُغَيِّرُهُ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَأْنِهَا لِيَعْلَمُوا حُكْمَهَا فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) قَالَ فِي التَّوَسُّطِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ تَنَجُّسِهِ إِلَّا بِالْمُغَيَّرِ وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَتْ طَرِيقًا إِلَى الْبَسَاتِينِ فَهُوَ كَالنَّهَرِ وَحَكَاهُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْوَاقِدِيَّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمُكَذِّبٌ لَهُ وَتَارِكٌ وَمُضَعِّفٌ وَقِيلَ كَذَّابٌ احْتَالَ فِي إِبْطَالِ الْحَدِيثِ نُصْرَةً لِلرَّأْيِ فَإِنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ مَشْهُورٌ فِي الْحُجَّاجِ بِخِلَافِ ما حكي عن الواقدي وما روى بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي بِئْرِ زمزم فأمر بترج الْمَاءِ ضَعَّفَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ أَنَا بِمَكَّةَ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ أَرَ أَحَدًا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَعْرِفُ حَدِيثَ الزِّنْجِيِّ
وَحَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ هَذَا لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَاءَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ يَبْلُغُ الْقُلَّتَيْنِ إِذْ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ يُوَافِقُ الْآخَرَ وَلَا يُنَاقِضُهُ وَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ وَيُبَيِّنُهُ وَلَا يَنْسَخُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
(قَيِّمَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ مَنْ كَانَ يَقُومُ بِأَمْرِ الْبِئْرِ وَيُحَافِظُهَا (الْعَانَةِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ مَوْضِعُ مَنْبِتِ الشَّعْرِ فَوْقَ قُبُلِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (فَإِذَا نَقَصَ) مَاؤُهَا فَمَا يَكُونُ مِقْدَارُ الْمَاءِ (دُونَ العورة) قال بن رَسْلَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ عَوْرَةُ الرَّجُلِ أَيْ دُونَ الرُّكْبَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ (بِرِدَائِي) مُتَعَلِّقٌ بِقَدَّرْتُ (مَدَدْتُهُ عَلَيْهَا) أَيْ بَسَطْتُ رِدَائِي عَلَى الْبِئْرِ وَهَذِهِ كَيْفِيَّةُ تَقْدِيرِهَا وَلَمْ يَسْهُلْ تَقْدِيرُهَا إِلَّا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ (ثُمَّ ذَرَعْتُهُ) أَيْ رِدَائِي بَعْدَ مَدِّهِ (فَإِذَا عَرْضُهَا) أَيْ بِئْرُ بُضَاعَةَ (سِتَّةُ أَذْرُعٍ) جَمْعُ ذِرَاعٍ وَهُوَ مِنَ الْمَرْفِقِ إِلَى أَطْرَافِ