الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَاعِلٌ وَمُسَافِعٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَالْحَجَبِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى الْحَجَبَةِ جَمْعُ حَاجِبٍ وَالْمُرَادُ بِهِمْ حَجَبَةُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ (قَالَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِلْمُوَافَقَةِ (وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَقَالَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ سُلَيْمٍ
وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ الْحَدِيثَ فَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ سُلَيْمٍ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ الْمَاضِيَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسَافِعٍ الْحَجَبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سُلَيْمٍ فَبَعْضُهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَبَعْضُهُمْ رَجَّحُوا إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
أَمَّا الْمُؤَلِّفُ فَرَجَّحَ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ حَيْثُ أَكْثَرَ بِذِكْرِ أَسَامِي الرُّوَاةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَبَيَّنَ مُتَابَعَةِ مُسَافِعٍ الْحَجَبِيِّ لِلزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَنَقَلَ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِأُمِّ سلمة لا لعائشةوهذا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ
وَأَمَّا النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ جَمِيعًا أَنْكَرَتَا عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ
قُلْتُ بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ لِصِحَّةِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مجلس واحد والله تعالى أعلم
7 -
(بَابِ مِقْدَارِ الْمَاءِ الَّذِي يُجْزِئُ بِهِ الْغُسْلُ)
[238]
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَجْزِيهِ فِي الْغُسْلِ أَيْ يجزئ الْغَاسِلَ
(هُوَ الْفَرَقُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وإسكانها لغتان حكاهما بن دُرَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ
وَزَعَمَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ قاله النووي
وقال الحافظ وقال بن التِّينِ الْفَرْقُ بِتَسْكِينِ الرَّاءِ وَرُوِّينَاهُ
بِفَتْحِهَا وَجَوَّزَ بَعْضُهُمُ الْأَمْرَيْنِ
وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ بِالْفَتْحِ وَالْمُحَدِّثُونَ يُسَكِّنُونَهُ وَكَلَامُ الْعَرَبِ بِالْفَتْحِ انْتَهَى وَيَجِيءُ تَفْسِيرُ الْفَرَقِ مَشْرُوحًا مِنَ الْجَنَابَةِ أي بسبب الجنابة (وروى بن عُيَيْنَةَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا قَالَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِتَوْقِيتٍ وَتَحْدِيدٍ وَهُوَ الْغُسْلُ مِنَ الْفَرَقِ وَقَالَ مَعْمَرٌ بِلَا تَوْقِيتٍ وَهُوَ قَدْرُ الْفَرَقِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْغُسْلُ بِالصَّاعِ أَوِ الْفَرَقِ لِلتَّحْدِيدِ وَالتَّقْدِيرِ بَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُبَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّاعِ وَرُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ وَالْقَدْرُ الْمُجْزِي مِنَ الْغُسْلِ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ سَوَاءٌ كَانَ صَاعًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ فِي النُّقْصَانِ إِلَى مِقْدَارٍ لَا يُسَمَّى مُسْتَعْمِلُهُ مُغْتَسِلًا أَوْ إِلَى مِقْدَارٍ فِي الزِّيَادَةِ يَدْخُلُ فَاعِلُهُ فِي حَدِّ الْإِسْرَافِ (يَقُولُ الْفَرَقُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا) الرِّطْلُ مِعْيَارٌ يُوزَنُ بِهِ وَكَسْرُهُ أَفْصَحُ مِنْ فتحه وهو بالبغدادي اثنتا عشر أوقية والأوقية أستار وثلثا أستار والأستار أربعة مثاقيل ونصف مثقال والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني حبات وَخُمُسَا حَبَّةٍ وَعَلَى هَذَا فَالرِّطْلُ تِسْعُونَ مِثْقَالًا وَهِيَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَرَقُ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ سِتَّةُ عَشَرَ رِطْلًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي آخِرِ رِوَايَةِ بن عيينة عن الزهري قال سفيان يعني بن عُيَيْنَةَ الْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَكَذَا قَالَ الْجَمَاهِيرُ وَقِيلَ الْفَرَقُ صَاعَانِ لَكِنْ أَبُو عُبَيْدٍ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ وَعَلَى أَنَّ الْفَرَقَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَيُؤَيِّدُ كَوْنَ الْفَرَقِ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مَا رَوَاهُ بن حبان عن عائشة بلفظ قدر سنة أَقْسَاطٍ وَالْقِسْطُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ نِصْفُ صَاعٍ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْفَرَقَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا فَصَحَّ أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَسَمِعْتُهُ) أَيْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ (يقول صاع بن أَبِي ذِئْبٍ) وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ (خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ) وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ كَافَّةً وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِدَلَائِلَ مِنْهَا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الْفِدْيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ
صَاعٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَوْلُهُ نِصْفُ صاع حجة لهم والفرق اثني عَشَرَ مُدًّا وَالْمُدُّ هُوَ رُبْعُ الصَّاعِ أَوْ يُقَالُ إِنَّ الْفَرَقَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ وَأَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَجِّ فَقَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَيْكُمْ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ أَهَمَّنِي فَفَحَصْتُ عَنْهُ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فسألت عن الصاع فقال صَاعُنَا هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لَهُمْ مَا حُجَّتُكُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا نَأْتِيكَ بِالْحُجَّةِ غَدًا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَانِي نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ شَيْخًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الصَّاعُ تَحْتَ رِدَائِهِ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنَّ هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرْتُ فَإِذَا هِيَ سَوَاءٌ قَالَ فَعَيَّرْتُهُ فَإِذَا هُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ فَرَأَيْتُ أَمْرًا قَوِيًّا فَتَرَكْتُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّاعِ وَأَخَذْتُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا رضي الله عنه نَاظَرَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالصِّيعَانِ الَّتِي جَاءَ بِهَا أُولَئِكَ الرَّهْطُ فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى قَوْلِهِ
قُلْتُ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ فِي مِقْدَارِ الصَّاعِ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ وَلَا يَغُرَّنَّكَ كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ فَإِنَّهُ بَنَى الْكَلَامَ عَلَى تَأْوِيلَاتٍ بَعِيدَةٍ وَاحْتِمَالَاتٍ كَاسِدَةٍ (قَالَ) أَبُو دَاوُدَ فَقُلْتُ لِأَحْمَدَ (فَمَنْ قَالَ) فِي تَفْسِيرِ الصَّاعِ إِنَّهُ (ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ أَمْ لَا (قَالَ) أَحْمَدُ (لَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ الصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ (بِمَحْفُوظٍ) بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ فِي الْأَحْكَامِ بِمِثْلِهِ
قُلْتُ ذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِرِوَايَاتٍ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ أَتَى مُجَاهِدٌ بِقَدَحٍ حَزَرْتُهُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ
فَقَالَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِوُجُوهٍ
الْأَوَّلُ أَنَّ الْحَزْرَ لَا يُعَارَضُ بِهِ التَّحْدِيدُ وَالثَّانِي لَمْ يُصَرِّحْ مُجَاهِدٌ بِأَنَّ الْإِنَاءَ الْمَذْكُورَ كَانَ صَاعًا فَيُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوَانِي مَعَ تَقَارُبِهَا
وَالثَّالِثُ أَنَّ مُجَاهِدًا قَدْ شَكَّ فِي الْحَزْرِ وَالتَّقْدِيرِ فَقَالَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ تِسْعَةَ أَرْطَالٍ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فَكَيْفَ يُعَارَضُ التَّحْدِيدُ الْمُصَرَّحُ بِهَذَا الْحَزْرِ الْمَشْكُوكِ
وَهَكَذَا فِي كُلِّ رِوَايَةٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ الصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ كَلَامٌ يُسْقِطُهَا عَنِ الِاحْتِجَاجِ
وَقَدْ بَسَطَ أَخُونَا الْمُعَظَّمُ الْأَدِلَّةَ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَحَقَّقَ أَنَّ الصَّاعَ الْحِجَازِيَّ هُوَ صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
(قَالَ) أَبُو دَاوُدَ (وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ مَنْ أَعْطَى فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِرِطْلِنَا هذا
خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا فَقَدْ أَوْفَى) أَيْ أَتَمَّ
وأكمل قال بن رَسْلَانَ نَقَلَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصَّاعِ بَيْنَ قَدْرِ مَاءِ الْغُسْلِ وَبَيْنَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَتَوَسَّطَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ الصَّاعُ الَّذِي لِمَاءِ الْغُسْلِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالَّذِي لِزَكَاةِ الْفِطْرِ وَغَيْرِهَا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ
والمشهور أنه لافرق انْتَهَى (قِيلَ) لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (الصَّيْحَانِيُّ) تَمْرٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ قِيلَ كَانَ كَبْشٌ اسْمُهُ صَيْحَانُ يشد بنخله فنسب إليه قاله بن رَسْلَانَ
وَقَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الصَّيْحَانِيُّ ضَرْبٌ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الصَّيْحَانِيُّ ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَسْوَدُ صَلْبُ الْمَضْغَةِ وَسُمِّيَ صَيْحَانِيًّا لِأَنَّ صَيْحَانَ اسْمُ كَبْشٍ كَانَ رُبِطَ إِلَى نَخْلَةٍ بِالْمَدِينَةِ فَأَثْمَرَتْ تَمْرًا فَنُسِبَ إِلَى صَيْحَانَ انْتَهَى
وَفِي الْقَامُوسِ وَشَرْحِهِ الصَّيْحَانِيُّ ضَرْبٌ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ نُسِبَ إِلَى صَيْحَانَ اسْمٌ لِكَبْشٍ كَانَ يُرْبَطُ إِلَى تِلْكَ النَّخْلَةِ أَوِ اسْمُ الْكَبْشِ الصَّيَّاحِ كَكَتَّانٍ وَهُوَ مِنْ تَغَيُّرَاتِ النَّسَبِ كَصَنْعَانِيٍّ فِي صَنْعَاءَ
انْتَهَى (ثَقِيلٌ) فِي الْوَزْنِ فَإِنْ يُوزَنُ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثِ رِطْلٍ يَقِلُّ مِقْدَارُهُ لِثِقَلِهِ عِنْدَ الرَّائِي وَلَا يُمْلَأُ بِهِ الصَّاعُ فَهَلْ يَكْفِي الصَّاعُ مِنَ الصَّيْحَانِيِّ الْمَوْزُونِ بِالرِّطْلِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ (قَالَ) أَحْمَدُ فِي جَوَابِهِ (الصَّيْحَانِيُّ أَطْيَبُ) التَّمْرِ فَيَكْفِي الصَّاعُ مِنْهُ الموزون بالرطل بلا مرية (قال لاأدري) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أثقل قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ
فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ مَقُولَةِ أَحْمَدَ أَيْ قَالَ أَحْمَدُ الصَّيْحَانِيُّ أَطْيَبُ
وَقَالَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا مِنَ الْمَاءِ والصيحاني أثقل هذا معنى قول بن رَسْلَانَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ لِلسَّائِلِ الْقَائِلِ لِأَحْمَدَ
أَيْ قَالَ ذَلِكَ الْقَائِلُ إِنِّي لَا أَدْرِي أَنَّ الصَّيْحَانَ أَطْيَبُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ مَعْنَى لَا أَدْرِي أَيْ قَالَ أَحْمَدُ لَا أَدْرِي هَلْ يَكْفِي أَقَلُّ مِنَ الصَّاعِ الَّذِي يُكَالُ وَإِنْ كَانَ الصَّيْحَانِيُّ بِوَزْنِ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِمِلْءِ الصَّاعِ وَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ
وَحَاصِلُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ السَّائِلَ قَالَ الصَّيْحَانِيُّ ثَقِيلٌ فِي الْوَزْنِ
فَهَلْ يَكْفِي الصَّيْحَانِيُّ الْمَوْزُونُ بِالرِّطْلِ وَإِنْ كَانَ دُونَ الصَّاعِ قَالَ أَحْمَدُ فِي جَوَابِهِ الصَّيْحَانِيُّ أَطْيَبُ التَّمْرِ لَكِنْ لَا أَدْرِي هَلْ يَكْفِي أَمْ لَا
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْ قَالَ أَحْمَدُ الصَّيْحَانِيُّ أَطْيَبُ التَّمْرِ فَيَكْفِي الصَّاعُ مِنْهُ الْمَوْزُونُ بِالرِّطْلِ بِلَا مِرْيَةٍ
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ وَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا مِنَ الْمَاءِ والصيحاني أثقل
[239]
98 بَاب فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَيْ كَيْفَ يُغْتَسَلُ مِنَ الْجَنَابَةِ
(أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ) أَيْ أُسِيلُ (عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ أَكُفٍّ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ أما أنا فآخذ ملأ كَفِّي فَأَصُبُّ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أُفِيضُ بَعْدُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِي وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ (وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِفَاضَةَ ثَلَاثًا بِالْيَدَيْنِ عَلَى الرَّأْسِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأُلْحِقَ بِهِ سَائِرُ الْجَسَدِ قِيَاسًا عَلَى الرَّأْسِ وَعَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَوْلَى بِالتَّثْلِيثِ مِنَ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ مَعَ تَكْرَارِهِ فَإِذَا اسْتُحِبَّ فِيهِ الثَّلَاثُ فَفِي الْغُسْلِ أَوْلَى وَلَا يُعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافٌ إِلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ يُسْتَحَبُّ التَّكْرَارُ فِي الْغُسْلِ وَهَذَا قَوْلٌ مَتْرُوكٌ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ
[240]
(إِذَا اغْتَسَلَ) أَيْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ (مِنْ نَحْوِ الْحِلَابِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ طَلَبَ إِنَاءً مِثْلَ الْإِنَاءِ الَّذِي يُسَمَّى الْحِلَابُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ الْحِلَابُ إِنَاءٌ يَسَعُ قَدْرَ حَلْبِ نَاقَةٍ
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِي الطَّهُورِ وَأَحْسَبُهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمِحْلَبُ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلِ الْأَيْدِي وَلَيْسَ الْحِلَابُ من الطيب في شيء وإنما هُوَ مَا فَسَّرْتُ لَكَ
انْتَهَى
وَقَدْ وَصَفَهُ أَبُو عَاصِمٍ بِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَأَشَارَ أَبُو عَاصِمٍ بِكَفَّيْهِ فَكَأَنَّهُ حَلَّقَ بِشِبْرَيْهِ يَصِفُ بِهِ دَوْرَهُ الْأَعْلَى
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ كَقَدْرِ كُوزٍ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ (فَأَخَذَ) الْمَاءَ الَّذِي فِي الْحِلَابِ (بِكَفَّيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِكَفِّهِ (فَبَدَأَ) صَبَّ الماء
ابْتِدَاءً (بِشِقِّ بِالْكَسْرِ أَيْ جَانِبِ (ثُمَّ الْأَيْسَرِ) أَيْ ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى جَانِبِ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ (ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ) هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْغَرْفَةِ الثَّالِثَةِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ رِوَايَةُ أَبِي عَوَانَةَ (فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ) فِيهِ إِطْلَاقُ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ مَجَازًا وَمَعْنَاهُ صَبَّ الْمَاءَ بِكَفَّيْهِ عَلَى رَأْسِهِ كُلِّهِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْبُدَاءَةِ بِالْمَيَامِنِ فِي التَّطَهُّرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[241]
(حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ) كِلَاهُمَا مُصَغَّرًا (أَحَدُ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ) مَعْنَى تَيْمِ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ
قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (فَسَأَلَتْهَا) أَيْ عَائِشَةَ (إِحْدَاهُمَا) أُمُّ جُمَيْعٍ أَوْ خَالَتُهُ (كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ عِنْدَ الغسل) وفي رواية بن ماجه كيف كان يصنع رسول الله عِنْدَ غُسْلِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ (وَنَحْنُ نُفِيضُ عَلَى رؤوسنا خَمْسًا مِنْ أَجْلِ الضُّفُرِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ هِيَ الْخُصْلَةُ مِنَ الشَّعْرِ وَالذُّؤَابَةُ يُقَالُ ضَفَرَتِ الشَّعْرَ ضَفْرًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ جَعَلَتْهُ ضَفَائِرَ كُلُّ ضَفِيرَةٍ عَلَى حِدَةٍ بِثَلَاثِ طَاقَاتٍ فَمَا فوقها والضفير بغير هاء حبل شَعْرٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ
تَقُولُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إنا نغسل رؤوسنا خَمْسًا لِيَصِلَ الْمَاءُ إِلَى أُصُولِ الشَّعْرِ وَيَتَشَرَّبَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ
وَقَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها هَذَا ظَاهِرُهُ حُكْمُ الرَّفْعِ فَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَغْسِلُ رَأْسَهَا خَمْسَ مِرَارٍ لَكِنِ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي فِي بَابِ الْمَرْأَةُ تَنْقُضُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْغُسْلِ بِلَفْظِ يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَى سائر جسدك
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
وَجُمَيْعُ هَذَا بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
[242]
(ثُمَّ اتَّفَقَا) أَيْ سُلَيْمَانُ وَمُسَدَّدٌ عَلَى رِوَايَتِهِمَا فَقَالَا (وَقَالَ مُسَدَّدٌ) وَحْدَهُ (يُفْرِغُ عَلَى شِمَالِهِ) أَيْ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَغْسِلُ بِهَا فَرْجَهُ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (وَرُبَّمَا كَنَّتْ) أَيْ عَائِشَةُ (عَنِ الْفَرْجِ) أَيِ اسْمِهِ وَذِكْرِهِ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ أَبْلَغُ مِنَ التَّصْرِيحِ
وَالْكِنَايَةُ كَلَامٌ اسْتَتَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ ظَاهِرًا فِي اللُّغَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةَ أَوِ الْمَجَازَ فَيَكُونُ تَرَدُّدٌ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ
وَالْكِنَايَةُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ هِيَ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ شَيْءٍ لَفْظًا كَانَ أَوْ مَعْنًى بِلَفْظٍ غَيْرِ صَرِيحٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ كَالْإِبْهَامِ عَلَى السَّامِعِ نَحْوَ جَاءَ فُلَانٌ أَوْ لِنَوْعِ فَصَاحَةٍ نَحْوَ فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ أَيْ كَثِيرُ الْقِرَى
قَالَهُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي تَعْرِيفَاتِهِ
وَالْكِنَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا مُسَدَّدٌ فِي رِوَايَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بِلَفْظِ غَسَلَ مَرَافِغَهُ وَذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بِلَفْظِ ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الْأَذَى الَّذِي بِهِ بِيَمِينِهِ وَغَسَلَ عَنْهُ بِشِمَالِهِ (فَيُخَلِّلُ شَعْرَهُ) أَيْ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ لِيُلِينَ الشَّعْرَ وَيُرَطِّبَهُ فَيَسْهُلُ مُرُورُ الْمَاءِ عَلَيْهِ (قَدْ أَصَابَ الْبِشْرَةَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ظَاهِرُ جِلْدِ الْإِنْسَانِ أَيْ أَوْصَلَ الْبَلَلَ إِلَى ظَاهِرِ جِلْدِ الرَّأْسِ (أَوْ أَنْقَى الْبِشْرَةَ) الشَّكُّ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ (فَإِذَا فَضَلَ) مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ بَقِيَ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَفَضِلَ بِالْكَسْرِ يَفْضُلُ بِالضَّمِّ لُغَةٌ لَيْسَتْ بِالْأَصْلِ لَكِنَّهَا عَلَى تَدَاخُلِ اللُّغَتَيْنِ قَالَهُ أَحْمَدُ الْفَيُّومِيُّ (فُضْلَةً) بِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا يَفْضُلُ أَيْ إِذَا بَقِيَ بَقِيَّةٌ مِنَ الْمَاءِ (صَبَّهَا عَلَيْهِ) أَيْ صَبَّ الْفُضْلَةَ عَلَى جَسَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[243]
(ثُمَّ غَسَلَ مَرَافِغَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ثُمَّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ
هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَهِيَ جَمْعُ رُفْغٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْفَاءِ هِيَ الْمَغَابِنُ مِنَ الآبَاطِ وَأُصُولِ الْفَخِذَيْنِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَطَاوِي الْأَعْضَاءِ وَمَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخِ وَالْعَرَقِ
قاله الجوهري وبن الْأَثِيرِ
وَالْمُرَادُ غَسْلَ الْفَرْجِ
فَكَنَّتْ عَنْهُ بِغَسْلِ الْمَرَافِغِ كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إِذَا الْتَقَى الرُّفْغَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ يُرِيدُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ فَكَنَّى عَنْهُ بِالْتِقَاءِ أُصُولِ الْفَخِذَيْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي النُّسْخَتَيْنِ مِنَ الْمَتْنِ مَرَافِقَهُ بِالْقَافِ جَمْعُ مِرْفَقٍ مَكَانَ مَرَافِغَهُ وَوَقَفَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ العراقي أيضا ولذا قال والأولى هي الدواية الصَّحِيحَةُ (وَأَفَاضَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رُفْغِهِ وَفَرْجِهِ (فَإِذَا أَنْقَاهُمَا) أَيِ الْيَدَيْنِ أَيْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ ثُمَّ غَسَلَ الْيَدَيْنِ وَأَنْقَاهُمَا (أَهْوَى بِهِمَا إِلَى حَائِطٍ) أَيْ أَمَالَ وَضَرَبَ بِهِمَا إِلَى جِدَارٍ مِنْ صَعِيدٍ لِتَحْصُلَ بِهِ النُّقَايَةُ الْكَامِلَةُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ضَرْبَ الْيَدَيْنِ عَلَى الْجِدَارِ كَانَ بَعْدَ غَسْلِهِمَا وَإِنْقَائِهِمَا بِالْمَاءِ فَغَسَلَ أَوَّلًا بِالْمَاءِ الْخَالِصِ ثُمَّ دَلَّكَ يديه على الجدار وتتربهما وَغَسَلَ (ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْوُضُوءَ) الِاسْتِقْبَالُ ضِدُّ الِاسْتِدْبَارِ أَيْ يَشْرَعُ فِي الْوُضُوءِ
وَاعْلَمْ أَنَّ مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ اخْتِصَارٌ وَتَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَلَعَلَّ بعض الرواة قد فعله ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[244]
(لَئِنْ شِئْتُمْ) أَيُّهَا الرَّاغِبُونَ إِلَى رُؤْيَةِ أَثَرٍ مِنْ آثَارِ النَّبِيِّ (لَأُرِيَنَّكُمْ) مِنَ الْإِرَاءَةِ وَبِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ (حَيْثُ) لِلزَّمَانِ أَيْ حِينَ (يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ) فَيَضْرِبُ يَدَهُ عَلَيْهِ مُبْتَلًّا بِالْمَاءِ وَيُدَلِّكُ دَلْكًا لِيَذْهَبَ الِاسْتِقْذَارُ مِنْهَا أَوْ حَيْثُ لِلْمَكَانِ أَيْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ يَضْرِبُ يَدَهُ ثمة على الجدار
وكان أثر يد فِي الْجِدَارِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ رضي الله عنها كَانَ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لقرب عهده فأرادت عائشة أن تريهم أثر يده
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ الشَّعْبِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ
(غُسْلًا) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ هو الماء الذي يغتسل به كالأكل لمايؤكل وَكَذَلِكَ الْغُسُولُ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَالْمُغْتَسَلُ يُقَالُ لِمَاءِ الْغُسْلِ
قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى هَذَا مُغْتَسَلٌ بارد وشراب وَالْغُسْلُ بِالضَّمِّ اسْمٌ أَيْضًا مِنْ غَسَلْتُهُ غُسْلًا وَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَالْغِسْلُ بِالْكَسْرِ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَسِدْرٍ وَنَحْوِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ اللُّغَةِ [245](فَأَكْفَأَ) أَيْ أَمَالَ (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) الشَّكُّ مِنْ
سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ كَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قَالَ سُلَيْمَانُ لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لَا (ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ مَسْحِ الْيَدِ بِالتُّرَابِ مِنَ الْحَائِطِ أَوِ الْأَرْضِ (ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ) قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَتَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهِمَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إِلَّا إِذَا كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ قاله بن دَقِيقِ الْعِيدِ
قُلْتُ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ هَلْ هُمَا وَاجِبَتَانِ أَوْ سُنَّتَانِ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِذَا تَرَكَهُمَا فِي الْوُضُوءِ حَتَّى صَلَّى أَعَادَ وَرَأَوْا ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَالْجَنَابَةِ سَوَاءً وبه يقول بن أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَقَالَ أَحْمَدُ الِاسْتِنْشَاقُ أَوْكَدُ مِنَ الْمَضْمَضَةِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُعِيدُ فِي الْجَنَابَةِ وَلَا يُعِيدُ فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُعِيدُ فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْجَنَابَةِ لأنهما سنة من النبي فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ مِنْ تَرْكِهِمَا فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْجَنَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ
انْتَهَى
قُلْتُ إِنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي الْوُضُوءِ لَا يَشُكُّ شَاكٌّ فِي وُجُوبِهِمَا لِأَنَّ أَدِلَّةَ الوجوب قد تكاثرت
قال إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ يانبي اللَّهِ حَدِّثْنِي عَنِ الْوُضُوءِ فَأَعْلَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَذَكَرَ فِي تَعْلِيمِهِ لَهُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَمَنْ تركهما لا يكون متوضأ ولم يحك أحد من الصحابة أنه تَرَكَهُمَا قَطُّ وَلَوْ بِمَرَّةٍ بَلْ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي تَبْلُغُ دَرَجَةَ التَّوَاتُرِ مُوَاظَبَتُهُ صلى الله عليه وسلم عليهما فأمره مَعَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِمَا يَدُلُّ بِدَلَالَةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى وُجُوبِهِمَا
وَأَمَّا وُجُوبُهُمَا فِي الْغُسْلِ فَهُوَ أَيْضًا ثَابِتٌ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورٌ وَإِنْ لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ أَوْ قَالَ بَشَرَتَكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حسن صحيح وصححه أبو حاتم
فقوله أَمِسَّهُ بَشَرَتَكَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَمَوْضِعُ الْمَضْمَضَةِ هُوَ الْفَمُ وَاللِّسَانُ وَمَوْضِعُ الِاسْتِنْشَاقِ كِلَاهُمَا مِنْ ظَاهِرِ الْجِلْدِ فَيَجِبُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهِمَا وَبَيَّنَتْهُ الرِّوَايَاتُ الْأُخْرَى أَنَّهُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(ثُمَّ تَنَحَّى) أَيْ تَبَاعَدَ وَتَحَوَّلَ عَنْ مَكَانِهِ (نَاحِيَةً) أُخْرَى (فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ) وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْغُسْلِ إِلَى آخِرِ الْغُسْلِ
وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ
النَّوْعُ الْأَوَّلُ مَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ أَصْلًا بَلِ اقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ
كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
النَّوْعُ الثَّانِي مَا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلِ الرِّجْلَيْنِ قَبْلَ إِكْمَالِ الْغُسْلِ بَلْ أَخَّرَهُ إِلَى أَنْ فَرَغَ مِنْهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مَيْمُونَةَ
أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عن كريب عن بن عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ
النَّوْعُ الثَّالِثُ مَا فِيهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً قَبْلَ إِتْمَامِ الْغُسْلِ فِي الْوُضُوءِ وَمَرَّةً بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْغُسْلِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عن أبيه عن عائشة قال الحافظ بن حَجَرٍ تُحْمَلُ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ أَيْ أَكْثَرَهُ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ
ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَيْ أَعَادَ غَسْلَهُمَا لِاسْتِيعَابِ الْغُسْلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَسَلَهُمَا فِي الْوُضُوءِ
قَالَ وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِمَّا بِحَمْلِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْغُسْلِ وَعَنْ مَالِكٍ إِنْ كَانَ الْمَكَانُ غَيْرَ نَظِيفٍ فَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُمَا وَإِلَّا فَالتَّقْدِيمُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَمُخْتَارُهُمَا أَنَّهُ يُكْمِلُ وُضُوءَهُ
قَالَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ كَذَلِكَ انْتَهَى
كَذَا قَالَ
وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ بَلْ هِيَ إِمَّا مُحْتَمِلَةٌ كَرِوَايَةِ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ ظَاهِرَةٌ فِي تَأْخِيرِهِمَا كَحَدِيثِ مَيْمُونَةَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَرَاوِيهَا مُقَدَّمٌ فِي الْحِفْظِ وَالْفِقْهِ عَلَى جَمِيعِ مَنْ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً لِبَيَانِ الْجَوَازِ مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ وَلَفْظُهُ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ يَتَنَحَّى فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لِيَحْصُلَ الِافْتِتَاحُ وَالِاخْتِتَامُ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ قَالَ الشَّارِحُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ إِتْمَامِ الْغُسْلِ فِي الْوُضُوءِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ أَو اقْتِصَارُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا كُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ وَالَّذِي نَخْتَارُهُ هُوَ غَسْلُهُمَا مَرَّتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(فَنَاوَلْتُهُ الْمِنْدِيلَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُحْمَلُ فِي الْيَدِ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ وَمَسْحِ الدَّرَنِ وَتَنْشِيفِ الْعَرَقِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْخِدْمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا أَيْ لِيُنَشِّفَ بِهِ مَاءَ الْجَسَدِ (فَلَمْ يَأْخُذْهُ) الْمِنْدِيلَ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّنْشِيفِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التَّنْشِيفَ بَلْ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْخِرْقَةِ أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ مُسْتَعْجِلًا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه أن رسول الله لَمْ يَكُنْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا عَلِيٌّ ولا بن مسعود أخرجه بن شَاهِينَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ مَيْسَرَةَ الْبَصْرِيُّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ بن حِبَّانَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ وَإِنْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ نهيه وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ أَنَسًا لَمْ يَرَهُ وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلنَّهْيِ
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سَلْمَانَ الفارسي أن رسول الله تَوَضَّأَ فَقَلَبَ جُبَّةَ صُوفٍ كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بها وجهه أخرجه بن مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
فَهَذَا الْحَدِيثُ يَصْلُحُ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِهِ فِي جَوَازِ التَّنْشِيفِ بِانْضِمَامِ رِوَايَاتٍ أُخْرَى جَاءَتْ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَنَسٌ وَعُثْمَانُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
(وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ) أَيْ يُحَرِّكُ وَيَدْفَعُ الْمَاءَ (عَنْ جَسَدِهِ) وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ الْمُتَقَاطِرِ مِنْ أَعْضَاءِ الْمُتَطَهِّرِ خِلَافًا لِمَنْ غَلَا مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ بِنَجَاسَتِهِ وَقَالَ بَعْضٌ النفض ها هنا مَحْمُولٌ عَلَى تَحْرِيكِ الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْيِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ مَرْدُودٌ
وَمَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ نَفْضِ الْأَيْدِي فَهُوَ ضَعِيفٌ (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ) أَيْ حكم التنشيف ووجه رده (لِإِبْرَاهِيمَ) إِبْرَاهِيمُ هَذَا هُوَ النَّخَعِيُّ وَالْقَائِلُ لَهُ هُوَ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (فَقَالَ) إِبْرَاهِيمُ (يَكْرَهُونَ الْعَادَةَ) أَيْ يَكْرَهُونَ التَّنْشِيفَ بِالْمَاءِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ عَادَةً لَا لِمَنْ يَفْعَلُهُ أَحْيَانًا
فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَا بَأْسَ بِالْمِنْدِيلِ وَإِنَّمَا رَدَّهُ مَخَافَةَ أَنْ يَصِيرَ عَادَةً (يَكْرَهُونَهُ) أَيِ التَّنْشِيفَ (لِلْعَادَةِ) فَقَطْ وَلَيْسَ كَرَاهَةً فِي أَصْلِ الْفِعْلِ (فَقَالَ) عَبْدُ اللَّهِ (هَكَذَا هُوَ
أَيْ حَدِيثُ مَيْمُونَةَ الَّذِي فِيهِ نَاوَلَتْهُ الْمِنْدِيلَ فَلَمْ يَأْخُذْهُ هَكَذَا فِي حِفْظِي وَجْهُ رَدِّهِ ولا مذاكرة الأعمش مَعَ شَيْخِهِ إِبْرَاهِيمَ (لَكِنْ وَجَدْتُهُ) أَيْ تَوْجِيهَ إِبْرَاهِيمَ وَمُذَاكَرَةَ الْأَعْمَشِ مَعَهُ (فِي كِتَابِي هَكَذَا) وَيُحْتَمَلُ عَكْسُ ذَلِكَ أَيْ حَدِيثُ مَيْمُونَةَ هَكَذَا فِي حِفْظِي مَعَ مُذَاكَرَةِ الْأَعْمَشِ مَعَ شَيْخِهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّا نَحْفَظُهَا لَكِنْ وَجَدْتُ حَدِيثَ مَيْمُونَةَ فِي كِتَابِي هَكَذَا بِغَيْرِ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِمُذَاكَرَتِهِمَا
وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ مَتَّعَنَا اللَّهُ بِطُولِ بَقَائِهِ وَقْتَ الدرس
قال بن رَسْلَانَ قَالَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ إِذَا وَجَدَ الْحَافِظُ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ خِلَافَ مَا يَحْفَظُهُ فَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ مِنْ كِتَابِهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى كِتَابِهِ وَإِنْ حَفِظَهُ مِنْ فَمِ الْمُحَدِّثِ أَوْ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَهُوَ غَيْرُ شَاكٍّ فِي حِفْظِهِ فَلْيَعْتَمِدْ عَلَى حِفْظِهِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ فَيَقُولُ فِي حِفْظِي كَذَا وَفِي كِتَابِي كَذَا وَكَذَا فَعَلَ شُعْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ
[246]
(عَنْ شُعْبَةَ) هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ مولى بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه ضَعِيفٌ (سَبْعَ مِرَارٍ) هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِحَجَّةٍ لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا وَإِنْ صح فيحمل فعل بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه مِنْ غَسْلِهِ لِلْأَعْضَاءِ سَبْعَ مِرَارٍ عَلَى مَا كَانَ الْأَمْرُ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ الْحُكْمُ (ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ) كذلك سبع مرار (فنسى) بن عَبَّاسٍ (مَرَّةً كَمْ أَفْرَغَ) أَيْ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ عَلَى فَرْجِهِ أَوْ عَلَى أَيِّ عُضْوٍ من أعضاء البدن من الماء (فسألني) بن عَبَّاسٍ وَهَذِهِ مَقُولَةُ شُعْبَةَ (كَمْ أَفْرَغْتُ) أَيْ أَفْرَغْتُ سَبْعَ مِرَارٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ (فَقَالَ لَا أُمَّ لَكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ لَا أُمَّ لَكَ وَلَا أَبَ لَكَ هُوَ أَكْثَرُ مَا يُذْكَرُ فِي الْمَدْحِ أَيْ لَا كَافِيَ لَكَ غَيْرُ نَفْسِكَ وَقَدْ يُذْكَرُ لِلذَّمِّ وَالتَّعَجُّبِ ودفعا للعين انتهى
فعلى الذم والسبب يَكُونُ الْمَعْنَى أَنْتَ لَقِيطٌ لَا يُعْرَفُ لَكَ أُمٌّ فَأَنْتَ مَجْهُولٌ (وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْرِيَ) أَيْ لِمَ لَمْ تَنْظُرْ إِلَيَّ حَتَّى تَعْلَمَ (ثم يقول هكذا كان رسول الله يَتَطَهَّرُ) الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ فِي الْغُسْلِ سَبْعَ مِرَارٍ لَكِنِ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُعَارَضَةَ لِلْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي فِيهَا تَنْصِيصٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثَ مِرَارٍ
قَالَ المنذري شعبة هذا هو بن عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ أَبُو يَحْيَى مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَدَنِيٌّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ انْتَهَى
[247]
(يَسْأَلُ) رَبَّهُ عز وجل التَّخْفِيفَ (حَتَّى جُعِلَتِ الصَّلَاةُ خَمْسًا) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَالْمَشْهُورُ أَحَادِيثُ الْمِعْرَاجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا هُوَ ذِكْرُ الصَّلَوَاتِ فَقَطْ انْتَهَى
وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشعراني حديث بن عُمَرَ هَذَا فِي كِتَابِهِ كَشْفِ الْغُمَّةِ عَنْ جميع الأمة بلفظ كان بن عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ كَانَتِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَغَسْلُ الْبَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَزَلْ رسول الله يَسْأَلُ رَبَّهُ عز وجل لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ حَتَّى جُعِلَتِ الصَّلَاةُ خَمْسًا وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ مَرَّةً وَغَسْلُ الْبَوْلِ مَرَّةً قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ وَغَسْلُ الثَّوْبِ مَرَّةً هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَتَثْلِيثُ الْغُسْلِ مَنْدُوبٌ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّثْلِيثُ فِي نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ وَاجِبٌ
قَالَ الْفَقِيهُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ مِنْ أَجَلِّ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَالنَّجَاسَةُ ضَرْبَانِ مَرْئِيَّةٌ وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَرْئِيًّا فَطَهَارَتُهَا بِزَوَالِ عَيْنِهَا وَمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ فَطَهَارَتُهُ أَنْ يُغْسَلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ وَإِنَّمَا قَدَّرُوا بِالثَّلَاثِ لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا انْتَهَى قَالَ المنذري عبد الله بن عصم ويقال بن عِصْمَةَ نَصِيبِيٌّ وَيُقَالُ كُوفِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو عِلْوَانَ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالرَّاوِي عَنْهُ أَيُّوبُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْيَمَامِيُّ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
[248]
(إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ) الشَّعْرُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ فَيُجْمَعُ عَلَى شُعُورٍ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ فَيُجْمَعُ عَلَى أَشْعَارٍ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ وَهُوَ مُذَكَّرٌ الْوَاحِدَةُ شَعْرَةٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالشِّعْرَةُ بِكَسْرِ الشين على وزن سدرة شعر الراكب لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً قَالَهُ فِي
الْعُبَابِ
فَلَوْ بَقِيَتْ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا الْمَاءُ بَقِيَتِ الْجَنَابَةُ (فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا أَيْ جَمِيعَهُ
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُوجِبُ نَقْضَ الْقُرُونِ وَالضَّفَائِرِ إِذَا أَرَادَ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَعْرُهُ مَغْسُولًا إِلَّا أَنْ يَنْقُضَهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى أُصُولِ الشَّعْرِ وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ شَعْرَهُ يَجْزِيهِ
وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ انْتَهَى
قُلْتُ وَاسْتُثْنِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ كَمَا سَيَجِيءُ (وَأَنْقُوا الْبَشَرَ) مِنَ الْإِنْقَاءِ أَيْ نَظِّفُوا الْبَشَرَ مِنَ الْأَوْسَاخِ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وُصُولَ الْمَاءِ لَمْ تَرْتَفِعِ الْجَنَابَةُ
وَالْبَشَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالشِّينِ قَالَ إِمَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْبَشَرُ ظَاهِرُ جِلْدِ الْإِنْسَانِ وَفُلَانٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ إِذَا كَانَ كَامِلًا مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ جَمَعَ لِينَ الْأَدَمَةِ وَخُشُونَةَ الْبَشَرَةِ وَكَذَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ وَأَمَّا الْأَدَمَةُ فَقَالَ الجوهر الْأَدَمَةُ بَاطِنُ الْجِلْدِ الَّذِي يَلِي اللَّحْمَ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأَدَمَةُ مُحَرَّكَةٌ بَاطِنُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تَلِي اللَّحْمَ أَوْ ظَاهِرُهُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُوجِبُ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ لِمَا فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ مِنَ الشَّعْرِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي إِيجَابِ الْمَضْمَضَةِ بِقَوْلِهِ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ فَزَعَمَ أَنَّ دَاخِلَ الْفَمِ مِنَ الْبَشَرِ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّ الْبَشَرَةَ عِنْدَهُمْ هِيَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْبَدَنِ وَأَمَّا دَاخِلُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ فَهُوَ الْأَدَمَةُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ فُلَانٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ إِذَا كَانَ خَشِنَ الظاهر مخبوز الْبَاطِنِ كَذَلِكَ أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَرَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ عَلَى تَصْرِيحِ الْجَوْهَرِيِّ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لَيْسَ مِنَ الْأَدَمَةِ لِأَنَّ الْأَدَمَةَ عَلَى تَفْسِيرِهِ هِيَ بَاطِنُ الْجِلْدِ الَّذِي يَلِي اللَّحْمَ وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِمَّا لَا يَلِي اللَّحْمَ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْبَاطِنِ بَلْ هُوَ مِنَ الظَّاهِرِ فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى إِيجَابِ الْمَضْمَضَةِ في الغسل من الجنابة بقوله وَأَنْقُوا الْبَشَرَ صَحِيحٌ (حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُنْكَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْمَسْتُورُ أَوِ الْمَوْصُوفُ بِسُوءِ الْحِفْظِ أَوِ الضعف في بعض مشائخه خَاصَّةً أَوْ نَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يُحْكَمُ لِحَدِيثِهِمْ بِالْقَبُولِ بِغَيْرِ عَاضِدٍ يُعَضِّدُهُ بِمَا لَا مُتَابِعَ لَهُ وَلَا شَاهِدَ وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ يُوجَدُ إطلاق المنكر لكثير من المحدثين كأحمد والنسائي وَإِنْ خُولِفَ مَعَ ذَلِكَ فَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْمُنْكَرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَى رَأْيِ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ
وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ (وَهُوَ) الْحَارِثُ (ضَعِيفٌ) وَكَذَا ضَعَّفَهُ آخرون
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ وَجِيهٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ وَهُوَ شَيْخٌ لَيْسَ بِذَاكَ
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَفَرَّدَ بِهِ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ وَعَنْهُ الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْحَارِثَ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ وَعَنْهُ الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْحَارِثَ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ